لطالما كان الهجوم على المشافي وتدميرها خطا أحمر وجريمة شنيعة طبقا للقانون الدولي الإنساني، ولكن إسرائيل تجاوزت هذا الخط مرارا وتكرارا وأمام الكاميرات.

ومنذ بداية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قصف الاحتلال مشافي غزة وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، مما نتج عنه استشهاد المئات من المرضى والجرحى وتدمير سبل الحياة الأخيرة في غزة.

وتضمنت قائمة المشافي المستهدفة مجمع الشفاء الطبي والمعمداني، والقدس، والرنتيسي، والإندونيسي، والعودة، وهي المشافي الرئيسية في غزة.

وكذلك قطعت إسرائيل الكهرباء والمياه والوقود عن هذه المرافق الصحية وهو ما يشكل جريمة حرب بجميع المعايير.

وتساهم هجمات إسرائيل في رسم نهج جديد ذي أبعاد مرعبة لما يمكن لدولة أن تفعله على مسمع ومرأى من المجتمع الدولي.

تشريع الجريمة

المفكر والمحلل السياسي ذو الأصول اليهودية نورمان فينكلستاين علق على هذا النهج في محاضرة في جامعة جورجتاون في قطر قائلا "شرعت إسرائيل والأوروبيون والأميركيون شيئا كان حتى هذه اللحظة خطا أحمر مطلقا وفعلا محرما في السياسة الدولية. لقد هاجمت دول أخرى المستشفيات من قبل، ولكن أفعالها لم تُعْط شرعية أبدا".

وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الهجمات المتكررة التي شنتها القوات العسكرية الإسرائيلية على المرافق والكوادر الطبية، مشيرة إلى أنها تُدمّر نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة، وأنه ينبغي التحقيق فيها كجرائم حرب.

وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن إسرائيل قتلت ما لا يقل عن 521 شخصا، بما في ذلك 16 عاملا طبيا، في 137 "هجوما على الرعاية الصحية" في غزة حتى تاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

هذه الهجمات وما صاحبها من قطع للكهرباء والمياه ومنع للمساعدات، جعلت الكوادر الطبية تتعامل مع أعداد هائلة من المصابين في ظروف بالغة التعقيد، مما دفع الكثير من الأطباء لإجراء العمليات بدون تخدير.

وكان تبرير الجانب الإسرائيلي لهذه الهجمات هو الادعاء بأن مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوجدون في هذه المشافي، وهو ما أكد عدم صحته أطباء ومسؤولون.

وقد تكشّف أمام الكاميرات زيف ادعاء الجيش الإسرائيلي وجود قاعدة لحماس تحت مجمع الشفاء، فلم يستطع الاحتلال تقديم دليل مقنع رغم احتلاله للمشفى.

وحينها، قال المدير العام لمنظمة أطباء بلا حدود ميني نيكولاي "إن بيان مهلة 24 ساعة الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية والذي ينص على أنه يجب على سكان شمال غزة مغادرة أراضيهم ومنازلهم ومستشفياتهم، أمر مثير للغضب، وهو يمثل هجوما على الرعاية الطبية وعلى الإنسانية. نحن نتحدث هنا عن أكثر من مليون إنسان".

وأضاف أن عبارة "غير مسبوق" لا تغطي حتى الأثر الإنساني الطبي لهذا الأمر، لأن "غزة تسوى بالأرض، وآلاف الناس يموتون. يجب أن يتوقف ذلك الآن، نحن ندين البيان الإسرائيلي أشد الإدانة."


استثناءات وثغرات

وتنص القاعدة 35 من القانون الدولي الإنساني على أنه "يحظر توجيه هجوم على منطقة أنشئت لإيواء الجرحى والمرضى والمدنيين وحمايتهم من آثار القتال".

كما يحمي القانون الدولي الإنساني كل من يوجد داخل المستشفى من مدنيين وجرحى ومرضى، والعاملين في المجال الطبي والديني، وموظفي الإغاثة الإنسانية، فجميعهم فئات محمية وفقا لقواعد القانون الدولي العرفي 1 و47 و25 و27 و31 بالترتيب.

ولكن وفقا للمادة 13 من الملحق الأول الإضافي لاتفاقية جنيف، وهي جزء من القانون الدولي الإنساني، فإن هذه الحماية سارية فقط بشرط ألا "تستخدم المستشفيات لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، خارج نطاق وظيفتها الإنسانية".

وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأعمال الضارة بأنها تشمل "استخدام المستشفى كمأوى للمقاتلين الأصحاء أو الهاربين، أو كمستودع للأسلحة أو الذخيرة، أو كمركز مراقبة عسكري".

وهذا ما حاولت إسرائيل أن تتذرع به في تبرير هجماتها ضد القطاع الصحي في غزة، ولكنها فشلت في تقديم أي دليل يدعم مزاعمها.

 وبالمثل، في حين أن القاعدة 25 من القانون الدولي الإنساني والمادة 2 من اتفاقية جنيف لعام 1864 تحظران مهاجمة العاملين في المجال الطبي، إلا أنهما تنصان على أن هذه الحماية تشترط حيادة العاملين في المجال الطبي حيث إنهم "يفقدون حمايتهم إذا ارتكبوا، خارج نطاق وظيفتهم الإنسانية، أعمالا ضارة بالعدو".


دعوة لسد الذرائع

وتعد غزة حالة رئيسية تستحق الدراسة فيما يتعلق بكيفية استغلال هذه القوانين، حيث إنها تترك المجال للسياسيين وصناع القرار لتبرير مهاجمة المشافي والطواقم الطبية.

ووفقا للباحثيْن في القانون الدولي نيكولا بيروجيني من جامعة أدنبرة ونيف جوردون من جامعة كوين ماري، فإنه يجب منح المستشفيات حصانة كاملة ضد أي هجوم، حتى لا يستغل أي طرف الاستثناءات التي وردت قي القانون الدولي الإنساني.

وهذا الطرح يؤيده واقع أن إسرائيل عندما تهاجم المستشفيات، فإنها لا تنكر ضرورتها الطبية، ولكنها تدعي بأنها تستخدم كذلك لدعم وتقوية حماس عبر كونها ملجأ لهم.

وفي حالة غزة، فإن الصمت الدولي خصوصا الأميركي والأوروبي، يضفي شرعية على المزاعم الإسرائيلية مما يسمح لها بالاستمرار في قصف المستشفيات، وفق العديد من الحقوقيين.

————

*باحثة في السياسة الدولية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی فی غزة

إقرأ أيضاً:

من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟

غزة- أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم السبت اغتيال رائد سعد القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، باستهداف سيارة مدنية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.

وزعم الاحتلال أن اغتيال سعد جاء ردا على خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، بتفجير عبوة ناسفة في وقت سابق بقوة من الجيش الإسرائيلي داخل غزة، لكن القناة الـ 12 العبرية قالت إنه "تم استغلال الظروف المواتية لاغتياله دون أي علاقة بأي انتهاك للتهدئة".

وأطلق الجيش الإسرائيلي على عملية اغتيال سعد اسم "وجبة سريعة"، حيث سنحت له الفرصة لاغتيال الرجل الثاني حاليا في الجناح العسكري لحركة حماس، بعد القيادي عز الدين الحداد الذي يقود كتائب القسام.

وباغتيال رائد سعد تكون إسرائيل قد نجحت في الوصول إليه بعد أكثر من 35 عاما من المطاردة، تعرض خلالها للكثير من محاولات الاغتيال.

مسيرة قيادية

ولد رائد حسين سعد في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1972 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، وبدأ الاحتلال يطارده في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987.وعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة.

حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية أثناء وجوده في السجن عام 1993، حيث كان نشطا حينها في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحصل سعد على شهادة الماجستير في الشريعة من الجامعة نفسها عام 2008.

وبحسب المعلومات الخاصة التي حصلت عليها الجزيرة نت، التحق سعد بالعمل العسكري مبكرا، وعمل مع قدامى المطاردين من كتائب القسام أمثال سعد العرابيد، ويعتبر من أواخر جيل المطاردين في مرحلة انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.

وتولى سعد منصب لواء غزة الشمالي في  كتائب القسام عام 2007، وكان ممن أشرفوا على تأسيس وتأهيل القوة البحرية للكتائب في غزة.

إعلان

وفي عام 2015 ترأس ركن العمليات، وكان عضوا ضمن مجلس عسكري مصغر مكون من قيادة كتائب القسام في قطاع غزة، إلى جانب القياديين محمد الضيف ومروان عيسى، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و 2021.

كيف تناول الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال رائد سعد في غزة؟.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فاطمة خمايسي#الأخبار pic.twitter.com/gLL2nMKLsc

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 13, 2025

تقول إسرائيل إن سعد كان مسؤولًا عن الخطط العملياتية للحرب، حيث أشرف على خطوتين استراتيجيتين شكّلتا أساس الاستعداد التنفيذي لعملية طوفان الأقصى: الأولى إنشاء كتائب النخبة، والثانية إعداد خطة "سور أريحا"، الهادفة إلى حسم المعركة ضد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.

وزعم الاحتلال -خلال الحرب الأخيرة على غزة- اعتقاله أثناء اقتحام مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار 2024، ونشر صورته حينها ضمن مجموعة ممن تم اعتقالهم، قبل أن يعترف بأنها وردت بالخطأ مما يشير إلى ضعف المعلومات الاستخبارية المتوفرة عنه لدى الاحتلال الإسرائيلي.

وتعرض سعد أيضا خلال الحرب لعدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في شهر مايو/ أيار عام 2024، بقصف منطقة سكنية بمخيم الشاطئ، وعرض الجيش الإسرائيلي مكافأة مالية قيمتها 800 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه بعد فشل اغتياله.

ونقلت إذاعة الجيش أن إسرائيل بحثت عن رائد سعد لفترة طويلة جدا، وسعت إلى اغتياله مرتان في الأسبوعين الماضيين، لكن الفرصة لم تكتمل، وبمجرد أن تم التعرف عليه مساء السبت وهو يستقل مركبة برفقة حراسه الشخصيين، نفذت الغارة على الفور.

واقع أمني جديد

وأمام اغتيال إسرائيل الشخصية العسكرية الأبرز في المقاومة الفلسطينية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعتقد الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة أن "الاحتلال لا يتعامل مع التهدئة في قطاع غزة بوصفها حالة توقف عن الحرب، بل كمرحلة عملياتية مختلفة تُدار فيها المعركة بأدوات أقل ضجيجا وأكثر دقة".

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاغتيالات والاستهدافات الانتقائية التي نُفذت مؤخرا تكشف بوضوح أن الحرب لم تنتهِ، بل أُعيد تدويرها ضمن نمط جديد يقوم على الضرب المتقطع، وإدارة الصراع بدل حسمه.

ولفت إلى أن الاحتلال يحرص على اختلاق مبررات ميدانية لتسويق عدوانه باعتباره ردا دفاعيا، "غير أن هذا الخطاب لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة لإعادة تعريف مفهوم الخرق نفسه، بحيث يصبح أي حادث أمني أو اشتباك محدود أو اختلاق أحداث غير موجودة -في عمق سيطرته داخل الخط الأصفر- ذريعة كافية لتنفيذ عملية اغتيال".

ويرى أبو زبيدة أن الاحتلال يسعى لفرض معادلة جديدة قوامها "أن التهدئة لا تعني الأمان"، وأنه يحتفظ بحق الضرب متى شاء، ويسعى من خلال هذا السلوك إلى فرض قواعد اشتباك أحادية الجانب، تمنحه حرية العمل الجوي والاستخباراتي داخل القطاع دون التزامات سياسية أو قانونية.

وأشار إلى أن الضربات المحدودة لا تهدف فقط إلى إيقاع خسائر مباشرة، بل إلى الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع المقاومة من الانتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة التعافي وإعادة التنظيم، وإبقاء البنية التنظيمية للمقاومة في حالة استنزاف دائم.

إعلان

وفي البعد الأمني لفت أبو زبيدة إلى أن كثافة العمل الاستخباراتي تشير إلى أن الاحتلال يستغل فترة الهدوء لتحديث بنك أهدافه استعدادًا لجولات قادمة، وهو ما يفسر عدم تسريح وحدات سلاح الجو والطيران المسيّر، واستمرار عمل شعبة الاستخبارات العسكرية بكامل طاقتها.

ويعتقد الباحث في الشأن الأمني أن "السيناريو الأخطر يكمن في تطبيع هذا النمط من الاستباحة، بحيث تتحول الضربات الخاطفة إلى حالة دائمة، تُنفّذ على مدار الوقت، وإن كانت أقل كثافة من الحرب الشاملة، وهذا يعني عمليًا تكريس واقع أمني جديد في قطاع غزة، تُنتهك فيه التهدئة بشكل مستمر، ويُفتح الباب أمام نزيف دم متواصل بلا سقف زمني أو ضمانات حقيقية".

مقالات مشابهة

  • الصحة تنظم لقاءً تشاوريًا مع المستشفيات والمراكز الطبية التشخيصية
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • المطران إبراهيم ناعيا سكاف: غاب بالجسد وبقي إرثه الطبي والوطني حيًا
  • الإغاثة الطبية بغزة: الوضع الإنساني في القطاع صعب للغاية بسبب السيول
  • هيئة دولية: الامطار تفاقم الإبادة الجماعية المستمرة وتكشف انهيار النظام الإنساني الدولي
  • ترحيب فلسطيني بقرار أممي يلزم إسرائيل بتمكين الوصول الإنساني الكامل إلى غزة
  • عاجل.. الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار يطالب إسرائيل بالسماح بالوصول الإنساني الكامل إلى غزة
  • الإمارات: منع انتهاكات القانون الدولي الإنساني أساس لتعزيز الاستقرار