ديسمبر 4, 2023آخر تحديث: ديسمبر 4, 2023

رامي الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في  كلمة ألقاها في  منتدى ريغان للدفاع الوطني المنعقد في كاليفورنيا، إسرائيل من أنها قد تواجه “هزيمة استراتيجية” إذا لم تعمل على حماية المدنيين في قطاع غزة.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، الجمعة الماضية، تجدد القتال بشكل رسمي، فيما تحدثت مصادر عن مقتل ما يزيد عن ألف شهيد، منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي.

وقد بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة حوالي 20 ألف أكثرهم من النساء والأطفال منذ بدء الهجوم الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وأسفر الهجوم عن نزوح حوالي مليون ونصف من مواطني غزة  نحو جنوب القطاع.

أشك في أن تكون تصريحات الوزير الأمريكي هي “استفاقة” أو “استيقاظ  لضمير الكاوبوي الأمريكي”، إلا أنها، وفي الوقت نفسه تطرح سؤالا واضحاً أمام المجتمع الدولي: من المسؤول إذن عن مقتل هؤلاء الـ 20 ألف إنسان أكثرهم من الأطفال والنساء؟ من يدفع فاتورة الشهداء؟!

إنها جريمة تقع في القرن الحادي والعشرين، على مرأى ومسمع  من جميع الكاميرات والمراسلين والمراقبين والمحللين والخبراء والسياسيين والقادة والزعماء ورؤساء الوزراء والوزراء والعالم أجمع. تصفية عرقية لمدنيين عزل، وإبادة جماعية تقليدية وفقا لتعريف القانون الدولي، ولا يمكن توصيفها بغير ذلك. وتصريحات وزير الدفاع الأمريكي  ليست سوى تهرب من مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية ألمشاركة بالتدريب والتمويل والإمداد بالأسلحة والذخيرة والدعم المستمر بـ “الفيتو” الأمريكي على جميع القرارات المنصفة للشعب الفلسطيني، والاستمرار في مخطط تهجير الشعب الفلسطيني كاملاً من فلسطين، وهو ما يعيد  إلى الذاكرة ما نشرته صحيفة الدستور الأردنية على صفحتها الرئيسية في 11 آذار عام 1970 بمانشيت “بدء تفريغ قطاع غزة من السكان”، حول مخطط إسرائيلي لتهجير 200 ألف فلسطيني من قطاع غزة، فما أشبه اليوم بالبارحة.

إن تصريح الوزير الأمريكي يدل على خلاف ما بين العسكريين الأمريكيين  والإدارة الأمريكية، ولا أظن أن تصريحاً على هذا القدر من الخطورة يمكن أن يصدر عن مسؤول رفيع كهذا دون أن يكون هناك خلاف في وجهات النظر بين العسكريين، الذين يرون الوضع بموضوعية وحسابات باردة، وبين السياسيين المرتبطين بمصالح وتوازنات وعلاقات مع اللوبي الصهيوني  داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما على أعتاب عام الانتخابات الرئاسية، ومع المؤسسات الاقتصادية والإعلامية التي تديرها مجموعات قريبة من الأوساط الصهيونية حول العالم.

على صعيد آخر، اعترف المستشار السابق لمكتب زيلينسكي، أليكسي  أريستوفيتش بخطأ حسابات القيادة السياسية في وقف مفاوضات السلام بإسطنبول مارس 2022، حيث قال: “لقد كنت عضواً في فريق التفاوض بإسطنبول، وحتى الآن لا أعرف كيف حدث وقررنا وقف المفاوضات”، مشيراً إلى أن شروط هذه المفاوضات كانت “جيدة جداً” على حد تعبيره، وقد جاءت تعليمات  وقف التفاوض من واشنطن، من نفس الجهات الأمريكية التي فرضت على ألمانيا وفرنسا عدم إحراز أي تقدم بخصوص اتفاقيات مينسك الخاصة بالأزمة الأوكرانية، والمماطلة لكسب الوقت لتعزيز خطة “الناتو” ضد روسيا.

وأضاف أريستوفيتش: “الآن أين (الناتو)؟ هل يقبلنا أم لا؟ وهل  سيقبلنا بالأساس؟ لكن الآن، وإذا ما كنا قبلنا بالتفاوض، لكان 200-300 ألف جندي أوكرانيا لا زالوا على قيد الحياة”.

الآن يفيق أريستوفيتش، وتفيق بعض القيادات الأوكرانية إزاء ما ارتكبوه من جرم، باختيارهم أن يكونوا “رأس حربة” لـ “الناتو” ضد روسيا، وأن يكونوا “معول هدم” لروسيا. الآن يفيقون بعد ضياع ما يقول إنهم “200-300 ألف جندي”، فيما تقول التقديرات أنهم ربما ضعف هذا الرقم، حيث تدل بعض المؤشرات والتقديرات على أنه إذا استمر الوضع  في أوكرانيا على هذا المسار، فبنهاية العام القادم لن يتبقى في أوكرانيا رجال يصلحون للخدمة العسكرية.

في نفس السياق، يتهم أريستوفيتش وآخرون في أوكرانيا الغرب  بـ “التخلي عن أوكرانيا”، فيما يقول إعلامي مرموق إن الغرب “قد لا يرغب في خسارة أوكرانيا الحرب، إلا أنه، وفي الوقت نفسه، لا يريد أن تخسر روسيا”، ولهذا السبب، وفقا له، لا يمد أوكرانيا بالأسلحة الكافية، في الوقت المناسب. بعد كل هذا التمويل والدعم بالأموال والمعدات  والذخيرة، “لا يفعل الغرب ما يكفي لانتصار أوكرانيا”.

الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ يقول على الجانب الآخر  إن الدول الأوروبية تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، ولا يمكنها توسيع إنتاج الأسلحة لتلبية احتياجات أوكرانيا، ويدعو إلى إيجاد حل لمشكلة تشتت صناعات الدفاع الأوروبية. ويعترف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بأن الاتحاد الأوروبي لن يتمكن من الوفاء بوعده لنظام كييف في الوقت المحدد، بعد أن كان وزراء الخارجية والدفاع بدول الاتحاد قد اتفقوا على خطة تنص على توريد مليون ذخيرة إلى أوكرانيا بحلول مارس 2024. (تمكن الاتحاد من نقل 300 ألف قذيفة فقط).

إن هذه التصريحات من المسؤولين رفيعي المستوى في البنتاغون والناتو هي إعلان واضح عن بداية وقف الولايات المتحدة والناتو عن تزويد إسرائيل وأوكرانيا بالدعم العسكري، وهو ما يشي بنهاية القيادات في البلدين وعجزهم عن الاستمرار في سياساتهم الإجرامية، بعد أن عاث نظام كييف في دونباس وحكومة نتنياهو المتطرفة في غزة فساداً وإجراماً.

وأعتقد أن تلك هي بداية الانفراج للبدء في مرحلة جديدة في أجواء العلاقات الدولية التي قد توقظ الحدود الدنيا من الضمير الإنساني.

إن هزيمة إسرائيل الاستراتيجية واضحة المعالم، فلا يمكن أن تستمر تلك الآلة اللاإنسانية في تحدي العالم أجمع وتقتل الأطفال والنساء بهذه البشاعة والوحشية، ولا يمكن أن يمر كل هذا دون حساب، في الوقت الذي تصنف فيه أغلبية شعوب العالم نتنياهو اليوم بمجرم الحرب قاتل الأطفال والنساء، وهو ما ينطبق وسينطبق على كل حاكم يتجاهل  تحذيرات وزير الدفاع الأمريكي.

إن نتيجة المواجهات الإسرائيلية والهجوم الأوكراني المضاد  أصبحت واضحة للجميع، وقد خسرت إسرائيل كما خسرت أوكرانيا، وتبين للجميع خواء المضمون السياسي لكل من زيلينسكي ونتنياهو على حد سواء. وكل ما سعى إليه زيلينسكي للإطاحة بـ “نظام بوتين”، ويسعى إليه نتنياهو لـ “تدمير حماس” ليس سوى تقديرات سياسية رديئة مبنية على معلومات  مضللة من أجهزة استخبارات فاشلة تعجز عن رؤية الحقائق على الأرض.

أما من يدفع الثمن، فهم عشرات ومئات الآلاف ممن يساقون إلى  المذبح باسم “القضايا الكبرى” من قبل قيادات سياسية فاشلة، تريد حل مشكلاتها الداخلية، والوصول إلى مصالحها السياسية الضيقة، على جثث الأبرياء والمخلصين، وعلى حساب الكراهية والغل والحقد بين الشعوب.

لقد ضربت دولة الاحتلال، ولا زالت، جميع المواثيق الدولية  وقرارات ونصوص القانون الدولي الإنساني بعرض الحائط، وهو ما يلزم جميع الدول والمنظمات الدولية ونشطاء حقوق الإنسان بالعمل على تطبيق آليات المحاسبة الدولية بحق الجرائم التي اقترفها الاحتلال في اعتدائه الأخير الغاشم والإجرامي، بدءا من المادة 18 من اتفاقية جنيف  لعام 1948 التي تمنع “الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى”، ومرورا بجريمة الإخلاء أو الإبعاد القسري للسكان المدنيين سواء كان دائماً أو مؤقتاً، والذي وصفته اتفاقيات جنيف الأربع في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 بأنه جريمة حرب، وانتهاء بما وصفته محكمة العدل الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة تحت بند “الجرائم المرتكبة بحق مجموعة عرقية” بأنه “إبادة جماعية”.

سيحاسب التاريخ كل هؤلاء، وسيحصل كلاً على ما يستحقه، ولن يمر مقتل كل هؤلاء مرور الكرام. وسوف يلطخ اسم نتنياهو وزيلينسكي بكل عار وخزي جراء ما اقترفوه في حق شعوبهم قبل أعدائهم. إلا أنه يتعين علينا قبل ذلك، ويتطلب منا بشأن تصريح وزير الدفاع الأمريكي، كصحفيين ومحللين وسفراء ورؤساء وأمراء وملوك الدول، البدء فوراً بحملة للمطالبة بمحاسبة قتلة الأطفال الفلسطينيين والنساء الفلسطينيات بدم بارد.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: وزیر الدفاع الأمریکی فی الوقت قطاع غزة وهو ما

إقرأ أيضاً:

البيت الأبيض: ترامب ينشر 2000 من أفراد الحرس الوطني وسط احتجاجات لوس أنجلوس

عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرًا عاجلًا يفيد بأن البيت الأبيض، أعلن أن الرئيس الأمريكي ترامب نشر 2000 من أفراد الحرس الوطني وسط احتجاجات لوس أنجلوس بسبب اعتقال المهاجرين غير النظاميين.

ترامب يلوّح بتدخل فيدرالي لوقف «الشغب والنهب» في لوس أنجلوسنائب الرئيس الأمريكي يصف هجوم ماسك على ترامب بـ الخطأ الكبيرسالي شاهين تكشف مفاجأة عن صورتها مع الرئيس الأمريكي ترامبترامب: لم أجرِ أي مناقشات بشأن التحقيق مع ماسك


كما نقلت رويترز نقلاً عن وزير الدفاع الأمريكي قال إذا استمر العنف في لوس أنجلوس فسيتم أيضا تعبئة القوات العاملة.

وصعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهجته، مهددًا بالتدخل الفيدرالي في ولاية كاليفورنيا ومدينة لوس أنجلوس لمواجهة ما وصفه بـ"أعمال الشغب والنهب" التي رافقت احتجاجات مناهضة لسياسات الهجرة في المدينة، مؤكدًا أن الحرس الوطني على أهبة الاستعداد للتحرك.

وفي منشور على منصته الخاصة "تروث سوشيال"، وجّه ترامب انتقادًا حادًا لحاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، ورئيسة بلدية لوس أنجلوس، كارين باس، متهمًا إياهما بعدم القدرة على احتواء الوضع الأمني.

وقال: "إذا لم يتمكن الحاكم نيوسوم ورئيسة البلدية باس من القيام بوظائفهما، وهو ما يعرف الجميع أنهما لا يستطيعان فعله، فإن الحكومة الفيدرالية ستتدخل وتحل المشكلة بالطريقة التي ينبغي حلها بها".

الحرس الوطني على استعداد 
وفي ذات السياق، كشف توم هومان، الرئيس السابق لوكالة الهجرة والجمارك، خلال مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، أن الحرس الوطني "سيتم استدعاؤه الليلة" في لوس أنجلوس لمواجهة المظاهرات التي تصاعدت خلال الساعات الأخيرة، احتجاجًا على ممارسات أعوان الهجرة، بما في ذلك حملات اعتقال وترحيل طالت مهاجرين غير موثّقين.

وأكد هومان أن الوضع في المدينة "يتطلب تحركًا حازمًا"، محذرًا من تكرار سيناريو "انفلات الشارع" على غرار ما حدث خلال احتجاجات الأعوام الماضية.


 

طباعة شارك القاهرة الإخبارية البيت الأبيض ترامب الرئيس الأمريكي وزير الدفاع الأمريكي

مقالات مشابهة

  • تبادل لكمات داخل البيت الأبيض بسبب تكتيكات ماسك الوحشية
  • البيت الأبيض: ترامب ينشر 2000 من أفراد الحرس الوطني وسط احتجاجات لوس أنجلوس
  • وزير الدفاع الأمريكي يتوعد باستخدام المارينز لقمع احتجاجات لوس أنجلوس
  • فرنسا وبريطانيا يتراجعان: لا اعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الحال
  • البيت الأبيض: ترامب وماسك سيتحدثان اليوم لحل خلافهما
  • ترامب يلتقي مستشار ألمانيا في البيت الأبيض.. كواليس الزيارة
  • مصادر تكشف لـCNN عن تحويل الجيش الأمريكي وسيلة تستخدمها أوكرانيا لمكافحة المسيرات إلى قواته بالشرق الأوسط
  • ترامب: ماسك جن جنونه .. وطالبت مغادرته البيت الأبيض
  • الرئيس الأمريكي يستقبل مستشار ألمانيا في البيت الأبيض
  • وزير الدفاع الأمريكي "واثق" من موافقة "الناتو" على زيادة الإنفاق الدفاعي