يشكو المزارعون اليمنيون من تداعيات التغيرات المناخية، إذ يعاني اليمن من شح الأمطار، ما يعني تراجع المحاصيل الزراعية، فيما يضيف مراقبون أسبابا أخرى لتراجع الإنتاج، في بلد خصب التربة ومتنوع المناخ، ما يعمق من أزمة الغذاء.

 

مع نهاية الموسم الأخير أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتهت شهور من الزراعية والرعاية إلى خيبة أمل لأسرة اليمني صلاح قاسم، إذ بلغ ما حصدته من "الذرة"، نحو 20 بالمائة من الكمية التي اعتادت على حصادها سنوياً.

لكنها ليست الوحيدة، إذ يشكو المزارعون اليمنيون التغييرات البيئة وعدم كفاية الأمطار، التي تمثل المصدر الوحيد للري بالنسبة للحبوب، في كثير من مناطق البلاد.

 

تعتبر أسرة قاسم، وهو أربعيني وأب لخمسة أطفال معظمهم من الفتيات، أبرز الأسر المالكة  للمدرجات الزراعية  على مستوى المنطقة التي تعيش فيها، في محافظة إب جنوبي غرب البلاد، وهي المحافظة التي تتزين بالمدرجات الزراعية وتكتسي الخضرة مع بداية كل موسم زراعي أبريل/نيسان، يشرع فيه المزارعون بحراثة الأرض لزراعة العديد من المحاصيل، تشغل فيها الحبوب المساحة الأوسع بنوعين هما "الذرة" وبدرجة ثانية "الشام"، ورغم أن الأخير هو الأقل، إلا أنه ما جنته أسرة قاسم وفقاً لإفادته لـDW عربية، كان أكثر من "الذرة" التي تزرع في مساحات واسعة، وتضررت بعدم كفاية الأمطار في فترات معينة تلقي بظلالها على المحصول.

 

هذا التغير كما يقول قاسم ومزارعون آخرون في المناطق الريفية الجنوبية الغربية للبلاد، لم يشهد تغيراً مفاجئاً إذ شهدت السنوات الماضية أيضاً تراجعاً في نسبة المحاصيل، لكن هذا العام كان الأقسى، وجاءت حصيلته على الضد من الأمطار التي هطلت في مراحل بعينها بداية الموسم الزراعي. لكن المساحات الزراعية في الغالب تفتقر للتربة القادرة على الاحتفاظ بالمياه لفترة أطول، الأمر الذي يتفاقم تأثيره مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة خلال فترة الصيف.

 

يمثل عدم كفاية الأمطار، التحدي الأول أمام المزارعين الذين يعتمدون عليها في ري المحاصيل، وتتصدر الحبوب عادة هذا النوع من المنتجات، لكن ذلك لا يعني بالضرورة، أن المناطق الزراعية  الخصبة التي تزرعها الخضروات والفواكه ولا تشكو شحة المياه، بحال أفضل بالضرورة.

 

هذا الحال هو ما يشكو منه المزارع صالح أحمد 48 عاماً، في محافظة أبين جنوبي البلاد، إذ يقول لـDW عربية، إن ارتفاع أسعار إجار المعدات الخاصة بالزراعة والري والأسمدة، يشكل تحدياً كبيراً للمزارعين المنتجين. إذ بالإضافة هذه التكاليف التي قد لا تنجو من تأثيرات الأعاصير المدارية والتأثيرات المناخية، تواجه أيضاً خلال عرضها في السوق المحلية تراجعاً في القدرة الشرائية  لعموم اليمنيين، الذين يواجهون واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية منذ سنوات.

 

انخفاض في المحاصيل والمساحة المزرعة

 

وفي أحدث تقرير لها، كشفت نتائج مسح أجرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، عن أرقام صادمة تظهر اتساع رقعة معاناة المزارعين اليمنيين، إذ واجه 76 بالمائة من المزارعين الذين شملتهم العينة في 22 محافظة يمنية، صعوبات أثناء إنتاج المحاصيل في الجولة العاشرة من مسح مراقبة DIEM، والتي أجريت في أغسطس/آب 2023، وجاء "عدم كفاية هطول الأمطار ومياه الري على رأس الصعوبات بنسبة بلغت 57 بالمائة.

 

وفقاً للنظام العالمي للإنذار المبكر بشأن الأغذية والزراعة (FAO, 2023b) التابع لمنظمة الأغذية والزراعة، كان هناك إجهاد حراري وظروف جافة في اليمن في يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2023، وتقول الفاو إن ذلك قد يكون السبب وراء تقارير ندرة المياه  في اليمن، حيث يعتمد معظم منتجي محاصيل الحبوب على الري البعلي.

 

ووفقاً للمسح نفسه، أفاد 28 من المنتجين الذين زرعوا المحاصيل عن انخفاض في المساحة المزروعة، وتوقع 48 منهم انخفاض الحصاد مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فيما واجه 86 من بائعي المحاصيل صعوبات في بيع محاصيلهم الرئيسية بما يؤدي إلى انخفاض أسعارها.

 

تكاليف المدخلات وشحة الأمطار

 

يعد اليمن، الذي كان يوصف بـ"اليمن الخضراء"، من بين أفقر بلدان العالم مائياً، حيث يعاني شح المياه وتناقص موارد المياه الجوفية بسبب عمليات السحب المستمرة، في وقت يستهلك فيه الإنتاج الزراعي نحو 90 بالمائة من المياه التي يتم سحبها، رغم أن الاعتماد الأساسي في الزراعة على مياه الأمطار، التي تحذر دراسات حديثة من أنها قد تصبح أقل فعالية في المستقبل على صعيد الانتاج الزراعي بسبب التغيرات المناخية.

 

وفي حديثه لـDW عربية، يصف مدير المركز التدريبي للتطوير والارشاد الزراعي في محافظة ذمار عزيز غالب عمران وضع الانتاج الزراعي بأنه "متردٍ بشكل كبير"، ويرى أن التراجع في نسبة المحاصيل يرجع إلى العديد من الأسباب، بما فيها ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية من بذور وأسمدة ومبيدات، مروراً باستخدام الممارسات التقليدية السائدة وترك التقنيات الحديثة.

 

ويشير المتحدث إلى معظم المساحات التي تنتج الحبوب مطرية، أي معتمده على مياه الأمطار، ويقول "لاحظنا العام الماضي انخفاض نسبة الأمطار في معظم المحافظات، مما أدى الى انخفاض في نسبه الإنتاجية من الحبوب، وتكبُّد الكثير من المزارعين خسائر كبيرة، تتمثل في قيمه البذور المستخدمة وكذلك تكاليف الحراثة، الناتجة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية".

 

أزمات التسويق

 

أدت الحرب في اليمن منذ نحو تسع سنوات، إلى انهيار أو تراجع الكثير من الخدمات وتدهور في أسعار العملة المحلية وانقسامها بين مصرفين مركزيين في صنعاء وعدن، وهو ما ألقى بظلاله على الوضع المعيشي للغالبية العظمى من اليمنيين، وارتفعت معه أسعار العديد من السلع، فضلاً عن ظروف التنقل بين المحافظات وانقطاع طرقات رئيسية، بما أثر على تدفق المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية بمختلف المحافظات، وحتى التصدير.

 

ويرى عمران أن أحد أسباب تراجع الإنتاج الزراعي يرجع إلى عدم وجود سياسية تسويقية صحيحة تضمن للمزارع تسويق محصوله بأسعار تغطي تكاليف الإنتاج وتحقق له أرباحاً تشجعه على الاستمرار، بالإضافة إلى عدم وجود مراكز تخزين تساعد المزارع على تخزين انتاجه بدلا من عرض منتوجه بأسعار لا تغطي تكاليف الانتاج.

 

تأثيرات في الأمن الغذائي وسلامة التربة والمستهلكين

 

تلقي أزمة تراجع الإنتاج الزراعي في اليمن بظلالها على الوضع الإنساني الكارثي في العديد الجوانب، وفي مقدمة ذلك الأمن الغذائي، الذي يتأثر بتراجع المحاصيل الزراعية، حيث تظهر مقاييس الأمن الغذائي للفاو إلى أن 30 بالمائة من الأسر اليمنية تعاني من الجوع المتوسط أو الشديد ونحو 39 بالمائة، تعاني من التنوع الغذائي المتوسط ​​إلى المنخفض.

 

إلى جانب ذلك، فإن تراجع الانتاج الزراعي  بالنسبة للحبوب وبعض المحاصيل الأخرى، وفق خبراء محليين، يدفع بعض المزارعين إلى توسيع رقعة المساحات الخاصة بزراعة "القات" الذي يستهلك نحو 30 بالمائة من المياه المسحوبة للري، من جهة، ومن جهة أخرى فإن الخسائر تمثل بيئة خصبة لانتشار السموم الخطيرة، التي يحاول من خلالها المزارعون استعجال الحصاد، بما يؤثر على جودة المنتجات وسلامة المزارع والمستهلك والتربة على حد سواء.

 

يذكر أن اليمن في الاصل يمتلك مساحات واسعة من الأرضي القابلة للزراعة، وتربة خصية، كما أنه يتمتع بمناخ متنوع يسمح بإنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة على مدار العام.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن الزراعة اقتصاد المياه انتاج زراعي الإنتاج الزراعی تراجع الإنتاج بالمائة من عدم کفایة فی الیمن

إقرأ أيضاً:

مراقبة الآبار وإنجاز مشروع زايد.. طارق صالح يتحرك لحل أزمة المياه في تعز

في ظل الأزمة الخانقة التي تعيشها مدينة تعز نتيجة انقطاع المياه منذ أكثر من شهر، يقود عضو مجلس القيادة الرئاسي، قائد المقاومة الوطنية ورئيس مكتبها السياسي، طارق صالح، تحركات مكثفة لإيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة التي تؤرق المواطنين وتنغص حياتهم اليومية.

Read also :فتح طرقات اليمن.. ملف يكشف زيف الحوثيين

وترأس صالح اجتماعًا موسعًا ضم قيادة السلطة المحلية، ومسؤولي مؤسسة المياه، وشخصيات اجتماعية وبرلمانية بارزة في تعز، وذلك لبحث الحلول العاجلة لمشكلة انقطاع المياه التي باتت تهدد استقرار السكان وتفاقم معاناتهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.

وخلال الاجتماع،  استعرض مسؤولو مؤسسة المياه الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم الأزمة، والتحديات الراهنة لإعادة تشغيل المنظومة المائية بكامل طاقتها. كما ناقش المجتمعون الخطط العاجلة لتأمين وصول المياه إلى السكان عبر حلول مؤقتة ومستدامة تضمن عدم تكرار الأزمة مستقبلاً.

الاجتماع حضره محافظ محافظة تعز نبيل شمسان، ووكيل المحافظة المهندس رشاد الأكحلي، إلى جانب الشيخ صادق الضباب، والشيخ علي الوافي- عضوي مجلس النواب، ومحمد المحمودي- وكيل وزارة الداخلية، ومحمد عبدالرحمن الكدهي- مدير عام مديرية المظفر، والمهندس وثيق الأغبري- مدير عام مؤسسة المياه بتعز، ركزت على التحديات أمام تنفيذ مشروع مياه الشيخ زايد، الذي يُعد أبرز المشاريع الاستراتيجية في الوقت الراهن والهادف إلى توفير المياه لسكان تعز، حيث تم استعراض العوائق الفنية والبيئية واقتراح حلول عملية لإنجاز المشروع.

وأكد طارق صالح، خلال الاجتماع، ضرورة تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لضمان نجاح المشروع، مشدداً على أهمية إيجاد حلول عاجلة تعكس الإحساس بمعاناة سكان تعز من نقص المياه، موجهاً مؤسسة المياه والسلطة المحلية بمراقبة استخدام الآبار داخل المدينة.

>> من العطش إلى الأمل.. استئناف مشروع مياه الشيخ زايد طوق نجاة لأبناء تعز

ووجّه عضو مجلس القيادة الرئاسي، المحافظَ شمسان بتحمل مسؤولية الإشراف المباشر على المشروع، مع تكليف وكيل المحافظة "الأكحلي" بمتابعة التنسيق مع الأهالي؛ لتسريع إنجاز مشروع الشيخ زايد، مؤكداً على ضرورة مراعاة مصالح المجتمعات المحلية المحيطة بحقول المشروع، بما يشمل ضمان إيصال المياه إلى قراهم.

وأكد طارق صالح خلال اللقاء ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الوضع، مشددًا على أهمية تضافر الجهود بين كافة الجهات المعنية لتسريع الحلول وتنفيذ التدابير اللازمة لضمان استمرارية تدفق المياه إلى الأحياء السكنية.

لقيت هذه التحركات التي يقودها طارق صالح ترحيبًا واسعًا من قبل أهالي تعز، الذين طالبوا بتسريع تنفيذ الحلول المقترحة وإنهاء معاناتهم التي تفاقمت نتيجة استمرار الأزمة. وعبر العديد من المواطنين عن تفاؤلهم بهذه الجهود، مؤكدين أن معالجة مشكلة المياه ستساهم بشكل كبير في تحسين الأوضاع المعيشية في المدينة وإعادة الحياة إلى طبيعتها.

وتأتي هذه التحركات في إطار جهود مجلس القيادة الرئاسي لمعالجة التحديات التي تواجه السكان في المناطق المحررة، حيث تشكل أزمة المياه في تعز أحد أبرز الملفات الحيوية التي تحتاج إلى تدخل فوري لضمان استقرار المدينة وحماية المواطنين من تداعياتها.


مقالات مشابهة

  • تراجع الإقبال ووفرة المحاصيل.. أسواق السليمانية تحت تأثير الحرب الإيرانية – الإسرائيلية
  • مزارعو المسيل يحذرون من تصعيد جراء أزمة المياه وتعديات الينابيع
  • ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الأمطار يهددان الزراعة في اليمن
  • تغيّر المناح يفاقم أزمة الجراد في العالم وباحثون يطرحون حلولا
  • الصحة العالمية: تفشي حمى الضنك يفاقم الأزمة الصحية جنوب اليمن 
  • توقعات بتشكل منخفضات جوية في بحر العرب تؤثر على اليمن
  • كارثة في القطاع الزراعي في تركيا تُعد الأكبر منذ 30 عامًا
  • مراقبة الآبار وإنجاز مشروع زايد.. طارق صالح يتحرك لحل أزمة المياه في تعز
  • جهود متواصلة لهيئة البحوث الزراعية لاستنباط أصناف جديدة من القمح وتحسين الإنتاج الزراعي
  • رئيس مدينة القصير يتفقد مزرعة القويح النموذجية لمتابعة الإنتاج الزراعي