سلسلة روائع الأدب اليمني.. الشاعر الكبير الراحل حسن الشرفي ح1.. إعداد حسن المرتضى
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
مجموعة من روائع الشاعر الكبير الراحل حسن عبدالله الشرفي
مجموعة من روائع الشاعر الكبير الراحل حسن عبدالله الشرفي
(ثالِث الْحَسَنَيْنْ)
لك المجد، كل المجد في كل ما جرى
وفي كل ما يجري فُرَاتًا وكوثرا
وإني لأستحيي وقد جئت شاعرًا
تأخَّر، حَتَّى ما درى كم تأخَّرَا
مضى السابقون الأوَّلون بعِزِّهَا
فكانوا عقيلًا في الأعالي وجعفرا
وما في جنوب الخالدين لغيرها
سوى الموت يأتي بالفجاءاتِ أحمرا
رآهُ الذين استنفروا كُلَّ قُبْحِهِمْ
وجاءوا به من كُلِّ صوب مُجَنْزَرَا
تَمحْوَرَ فيه المفلِسونَ عُرُوْبةً
فكانوا لِأزْلَام المهاناتِ مِحْوَرَا
فما وجدت غير القياماتِ كُلِّهَا
وما وجدوا غير العذابِ الْـمُشَفَّرَا
يقولون حزب اللَّـهِ ما هو يا ترى؟
ومن هو نصر الله في الناس والْقُرَى؟
وَلَـمَّا استدارت في رحاها تشامخت
ذُرَاها مع الفصحى خطيبًا وَمِنْبَرَا
وما هي إلَّا طلقتانِ «بِسَاعِرٍ»
يباغتهم مثل التماسيح مُبْحِرَا
فما تنجلي إلَّا وتأتي بمثلها
مُجَوْقَلَةً تُلْقِي النياشين لِلثَّرَى
وَتَقْرَأ حيفا والجليلُ كِتابَهَا
حُرُوفًا مع الجوِّ السَّرِيْعِ وأسطُرَا
ويبدأُ ميقات الصلاة جماعةً
لِتَأْتَمَ «رَعْدَ المؤمنين وَخَيْبَرَا»
فلا جنرالات الشتات بوسعهم
سوى أن يروا فيها الفقار وحيدرا
وما الْتَبَسَ الْـمَعْنَى هنالك فاتحًا
وفتحًا، لينسى نخوةَ القاع والذرى
تبارك لبنان الكرامات أبجدًا
لكُلِّ قواميس التّجَلِّيْ وَدَفْتَرا
تبازغ من كل المطالع للفدى
بأكملَ مِنْ معنى الكمال وأكبرا
تأمَّلْ، تجد عيسى به ومحمدًا
بمشكاة وحي اللَّـهِ نصرًا مُؤَزَّرَا
وَدَعْكَ من الشذاذ في النار ما دَرَوْا
بأيِّ رهانٍ باعَ من باعَ أو شرى
تَظَلُّ علامات الرِّبا في وجوههم
يهوديَّةً ما فكّرت أن تُفَكِّرَا
فكانوا كما شاءوا وما مِنْ مُنازِعٍ
سُقوطًا مِنَ الخامِ الثقيل مُكَرَّرَا
وَلَاح ثلاثي العمى برؤوسهم
بِطَاوِلَةِ الشطرنج شيكًا مزوَّرَا
أقول لهم إن الزمان برأسِهِ
ورجليه في كل الخطى قد تغيَّرا
أتى زمنُ المستضعفين وهذه
طَلَائعُهُ تحدوهُ أقوى وأقْدَرا
أَلَا قَرِّبَا مِنْهَا مرابط عِزِّهَا
فقد آنَ أن تمضي به متبخترا
وأشهد يا لبنان أنَّكَ دربُها
إلى الله فيما جئت جيشًا مُظَفَّرَا
فَضَحْتَ الجيوش الخاوياتِ وعندها
أَطَحْتَ بِكِسرَاهَا البغيضَ وقيصرا
بِكَ اشتعل الياقوت في كُلِّ مفصلٍ
من الأرض واستشرى حريقًا «مُكَوْفَرَا»
وسوف تراها في غدٍ من شبابهِ
وقد لَبِسَتْهُ بالشظايا مُزَرَّرَا
هنا زمَنَ المستضعفين لَمَحْتُه
بلبنانَ فجرًا كالعناقيد أشقرا
فَسَبِّحْ بحمد الله، للنصر شاءها
مع الفتح من كُلِّ المخاطِرِ أخطرَا
غدًا في عظيم الشأنِ تكشفُ سِرَّهَا
متى هَلَّلَ الأرْزُ المفدى وكَبَّرَا
أُحِبُّكَ يا لبنان، والله شاهدٌ
لِأَنَّك أنْتَ الكُلُّ عِزًّا ومَفْخَرَا
لَكَ المجد، كُلَّ المجد، والعار كُلُّهُ
لِـمَنْ نَكَصُوْا عَنْهَا سِلَاحًا وَعَسْكَرَا
وَمَرْحَى لفتيان الميادين وَثَّقُوْا
عُرَاهَا مَعَ الآتي رُسُوْخًا مُشَجَّرَا
ففي كُلِّ شِبْرٍ للبُطولَاتِ بَيْدَرٌ
يعانق في عشق السَّنابِلِ بَيْدَرَا
وَهُمْ في مزادات النَّخاسَاتِ مَا غَدَوْا
سِوَى مَتْجَرٍ للفُحْشِ يرتادَ مَتْجَرَا
يقولون ماذا عنك في عقر دَارِهِمْ
سِوَى أنَّهُمْ قد صيروا الحقَّ مُنْكَرَا؟
يقولون ماذا عن شبابك يومها
غَدَاةَ جنوب الله للبطش شَمَّرَا؟
أَلَا قُلْ لَهُمْ إن الدوائر لم تَزَلْ
تَدُوْرُ، ويبقى الجبنُ فيكم مُدَوَّرَا
غدًا، وهو رأي العين والقلب قادمٌ
تَرَوْنَ حليف السوءِ في الظهر خنجرا
وَمَا مِنْ مَجَالٍ لِلنِّكَايَاتِ عِنْدَنَا
وَلَا لِلتَّشَفِّيْ مُخْطِئًا أو مُبَرَّرَا
لِأنَّ لنا أخلاقَنَا وانتصارنا
هَمَى مِنْ غمام النبل ماءً مُطَهَّرَا
أبينا التي فيها المذلَّةَ مِثْلَمَا
أبَاهَا الحسين السِّبْطُ حَتَّى تَعَفَّرَا
وَهَا هُوَ «نَصْرُ اللَّـهِ» بُوْرِك حِزْبُهُ
وَجَلَّ جلالُ الحقِّ فيه مُعَطَّرَا
وتدرون يأ أعراب كُلِّ هزيمةٍ
بأنَّ لِحِزْب اللَّـهِ شأنًا مُعَمَّرَا
مِنَ الآن، مِنْ «آبِ» التقاويم كُلِّهَا
يَظَلُّ قُرونًا للجهادِ وأعصُرَا
سألت متى جاد الزمانُ بمثله
مِنَ «الطَّفِّ» حتى اليوم في سائر الورى؟
وَفَتَّشتُ في كُلِّ المعاجمِ علَّني
أرى واحِدًا، لكنه قال لن ترى
أنا جوهرُ الحق المبين، ولم يكن
به عَرَضٌ، أو كان في الأرضِ جوهَرَا
أقول له، ها قد وضعت أساسها
على صخرةِ الأقصى ولن تتحيَّرَا
سيأتي دَمٌ ما في الشرايين مِثْلُه
دَمًا مُشْمِسًا في كُلِّ أفقٍ تَجَذَّرا
فجاء بهم مُستقتلين كأنَّهُم
حرائقُ إعصارٍ عِنِ الهولِ كشَّرَا
ويسألني الأحفاد، ما هي خيلُه؟
فآتي بها فيهم مِنَ الأرضِ ضُمَّرَا
وإن غَدًا يا مطلع الشَّمسِ بيننا
وَلَا عاش عن ميدانِها مَنْ تقهقرا
صنعاء 22/8/2006م
(الْعُرْسُ الثامن)
في احتفالات حزب الله بأعراس التحرير
حَسَنٌ بقلبك؟ أم هي الأقدار؟
فيها سَمَاءُ اللَّـهِ والأقمارُ؟
أم أنَّه الزمن الذي وَلَّى، وفيْ
أعماقهِ الرايات والأنصارُ؟
عَادَتْ بِهِ الْـجُـلَّى وفي قسماتها
آتٍ تطول بِحُبِّهِ الأعمارُ
لو كنت أدريْ ما سألتك خاشعًا
وبخافقي من فيضه أنْهَارُ
قال الجنوب، وفي الجنوب لمثلها
قَومٌ مَصَالِيْتُ الخطى أحرارُ
دَاسُوْا على وجع الجراح وغامروا
ليكون للشرف الرفيع خيارُ
والأرض تسألهم بمن جِئتم، وفي
رَجع الصدى يعسوبُها الكرارُ
مِنْ بعد ما ظَنَّ الجميع بِأَنَّهَا
عَقِمَتْ وشاخ الكوكب الدَّوَّارُ
وتوهم الْـمُـتَذَبْذِبُوْنَ جَلَالَةً
وفخامةً، أن الكرامة عَارُ
عصبوا بِمنديل الخنوع جِبَاهَهُمْ
ورضوا بما يرضى به «عَازَارُ»
قَرَّبْتُه مَثَلًا، وكم مَثَلٍ هُنَا
وَهُنَاك يلهثُ عِجْلُهُ الْـخَوَّارُ
لَـمَّا رَأيتُ عروشَهم وكروشَهم
وَكأنَّهَا للمخزياتِ فَنَارُ
حَسَنٌ بوجهك أم قيامة أُمَّةٍ
قامت، وأقبل حَشْرُهَا الجبَّارُ؟
قاَلَتْ «بِعِيْتَا الشعب» هذا موعدٌ
فيه الحسين وجعفر الطَّيَّارُ
وعلى مشارفه صَلَاح الدين فِيْ
رَايَاتِهِ، والجحفل الْجرَّارُ
دار الزمان، وللزمان قَضِيَّـةٌ
الصَّمْتُ في ناقوسها إعْصَارُ
وَلِأنَّ حِزْبَ اللَّـهِ في ميدانها
قد قال، لَا ظُلْمٌ ولا استكبارُ
هَزَّتْ جَنَاحَيْهَا وفي رِئَتَيْهِمَا
ماَلَا تحيط بعلمه الأَخْبَارُ
اقرأ بَرَاءَتَهَا مِنَ الزَّيْفِ الذيْ
كَادَت به أَحْلَامُنَا تَنْهَارُ
واقرأْ بَرَاءَتَهَا مِنَ الغسق الذيْ
وَلَّى، وَوَلَّى نَحْسُهُ السِّمْسَارُ
وَيَظُنُّ طابور الهوانِ بأنَّهُ
أقوى، وكيف يُصَدَّقُ الصرصار؟
خيشوم «بُوْشٍ» في الترابِ مُمَرَّغٌ
مِنْ بعد مَا ضاقت بِهِ الأقْطَارُ
وَلِأنَّ وَعْدَ اللَّـهِ في ملكوته
حَقٌّ تَهَامَى غَيْثُهَا المدرارُ
هَا إنَّهَا وَلَدَتْ «نَشَامَاها» كَمَا
شَاءَتْ وشاء الواحد القَهَّارُ
وعليك يا غَضَبَ المطايا أنْ ترى
مِنْ أين جاءَ الفارس المغوارُ
وعليك يا غضب النياقِ بِأَن ترى
من أنت؟ حيث «الْيَنُّ والدُّوْلَارُ»
رَاحَتْ عليك، وفي الخنادقِ غيرها
وَهنالك الإجْلَالُ والإكْبَارُ
لبنان، يا لبنان أَنْتَ بقيَّةٌ
فيها العناد الشهم والإصْرَارُ
لو كانت الأشجار مثل «الأَرز» في
أرض العروبة ما اعتدى مِنْشَارُ
أَوْ أَنَّ كُلَّ جِبَالِهَا «كَاْلمَتْنِ مَا
رَكَعَتْ، فَذَلَّ السَّرْوَ والصَّبَّارُ
لَكِنَّه لبنان يَا مَنْ لَا يَرَى
لُبْنانَ، أَهْلٌ للفخارِ وَدَارُ
صنعاء في 25 مايو أيار 2008م
(أَحْفَادُ النّهروان)
هُمْ مثلما قال مولانا أَبو الحسن
من يوم شَذُّوْا وحتى آخر الزمنِ
عقولهم في يد الشيطان عَالِقةٌ
فَمَا يحبون إلَّا العيشَ في الفتنِ
تَرَى ملامحهم لَـمَّاعَةً فإذا
خَبِرْتَهُمْ فَاحَ ما يُخْفُوْنَ مِنْ عَفَنِ
اقرأ ثقافتهم عبر القرونِ وَمَا
فيها سوى الْـمَسِّ بالقرآنِ والسنن
هُمْ يزعمون بأنَّ الحقَّ مذهبهم
والقتل يفضحهم في الريف وَالْـمُدُنِ
قالوا هي الحرب ضِدَّ الكفر ثم مضى
سِلَاحهُمْ يقتل الإيمان في اليمن
هم مثلما قال مولانا فمن وطنٍ
يستنفرون مَطَايَاهُمْ إلى وَطنِ
وحين تسألهم مَا ذَنْبُ صَائمَةٍ
وصائمٍ، جاءَه الإفطار بالكفن؟
والكفر، أين هو الكفر الذي زعموا
وليس من كافرٍ في أرض ذِيْ يَزَنِ
دَعِ الجواب ليوم الدِّينْ ما التفتوا
إلى معانيه في سِرٍّ وَلَا عَلَنِ
كُلُّ المآذنِ باسم اللَّـهِ تَرْفُعُهُ
أذان دِيْنٍ نظيفِ العينِ والأُذُنِ
يا هؤلاءِ لقد مَدَّتْ غِوَايَتُكم
قُرُوْنَهَا فأَتتْ بالحقدِ وَالْـمِحَنِ
فَمَا قَتَلْتُمْ سوى أبناءِ مِلَّتِكُمْ
والكفر في داره المحروس لَـمْ يَهُنِ
ويوم يرفع ميزان الحساب يَرَى
أنَّ الشياطين لَزَّتْكُمْ إلى قَرَنِ
وَأَنَّ لا فقهاء السوءِ ينفعكم
مَا زيَّنُوْهُ لكم في المركبِ الخَشِنِ
إن كان هذا هو الدين الحنيف فَمَا
هِيَ الفوارقُ بين الخمرِ والَّلبَنِ؟
شَهَادَةُ الناس بالتوحيدِ تَعْصِمُهُمْ
في المال والعرض بعد الروح والبدنِ
وما حساب النَّوايَا باختصاصكم
وَلَا اختصاص فقيهٍ ضَيِّقِ الْعَطَنِ
يا هؤلاءِ دعوا لِلَّـهِ حكمتُهُ
في الأرضِ، وابتعدوا عن خندقِ الإحَنِ
وفي فلسطين ميدان الجهاد إذَا
شئْتم، وما هو في صنعا ولا عَدَنِ
صنعاء 17/9/2008م
(هُــنـــَــــا اليـــــــمـن)
للحاضر الدَّامي وللمستقبلِ
يَمَنٌ كخاصرة السَّماك الأعزَلِ
أُمدَد يديك إن استطعت للمَسِهِ
ثم اقتبس من نوره وَتأمــَّــلِ
مرَّ الزمانَ بمفرقيهِ فما درى
كَم شعلةٍ في وَجهه المتهِّللِ
شاء الغزاة لكبره أَن يَنحنِي
وَمَتى انحنى رأسُ الأَشمِّ الأَوَّلِ
قلنا لهم هذا الذي أعَيى الذرى
شَممًا فليس لِبَيِتهِ مـن مَـدخَل
قالوا نُجرِّبُ,,, ثم هَاهُم جَـرّبُوا
وبكفِّه كأسٌ بطعم الحنظل
قلنا اشرَبُوا,,,شرِبوا من الزَّقّوم مَا
تكفي مَرارَتَهَ لَمَقتَل جحفلِ
قالوا سنمضي في متاهته إلى
أقصاه في البلوى وَحَتَّى تنجلي
ومضى بهم طغيانهم مَتعَّجلا
والعار حظّ الهَارِب المتعجلِ
حشدوا ,,, وما حشدوا سوى آمالهم
تلك التي ضاعت ضياع القَسطَلِ
عشر من الدول الخزايا ثم ما
بعد يا زمن النفاق الأحول ؟
إن قلت ماذا بعده ,,, هبّ النعش من
أقطارها في كل شيءٍ مخجل
مَا ذنبنا قلنا ؟ فقالوا ذنبكم
ذَنب الشموخ الصّاعِدِ المستفحل
أَيَلُولُ سَارَ بكم مَسَاراً مُزعجاً
لكننا من يومها لم نقبلِ
وأَتى بنا الذهب الرخيص لِقَمِعكُم
مَعَ كَلّ مرتزقٍ سفيه المَحَملِ
سَبعٌ من السنوات أنفقنا بهـــا
مَا في خزائننا التي لم تَبخلِ
لكننا كنا كأَي سَحَابَةٍ
في البحر تاهت عن مكان الجدولِ
ثم انتصرنا بالشيوخ وجهلهم
من كلّ مشبوهٍ خبيث المأكلِ
واليوم هَا نحنَ انطلقنا مرَّةً
أخرى ولم نكسل ولم نتمهَّلِ
هي فرصة الحقد الدفين شعارها
معكم بفضل المال لم بتبدل
حتى مع الصبر الجميل ستنتهي
فيكم نهاية فاشلٍ مُتَمَلمِل
وبلهجة المتغطرس الجبار لَم
يسكت ,,, ولاح هديره كالمرجلِ
قلنا له في حومة الميدان لا
في غيرها كن …لا بسقف المنزلِ
وَهناك تبغتك الحقائق كلها
لترى وتسمع كلَّ شيءٍ مُـذهـلِ
إنزِل إلى الميدان يا خَصمًا بِلاَ
شَرفٍ ,,, وقل ما شئت غير مَغفَّلِ
في حومة الميدان نحن ,,وهـذه
عاداتنا في طبعها المتأصِّلِ
أمّا مَراِجيم المساء فإنَّها
لغة الضعيف العاجز المتُرَهـِّل
وَبنا من الشوق المَبرِّح لوعَةٌ
لنراك في تنُّورِهَا المُتعجِّـلِ
أما هديّرُ النوق في أربَاضِها
فهو الهروب إلى الحضيض الأسفل
صنـعاء 30 يـوليـو 2015م
(لماذا صَعْدَة)
إلى شهداء محارق البترول
لأنها ظَلَّتْ بحجم السَّمَا
في الطول والعرض وفي الارتفاع
صَعْدَة صارت للفدى سُلَّماَ
وفي بحار المجد صارت شراع
صعدة كانت كالضَّحى كلَّما
دَاهَمَهَا اللَّيْلُ أتت بالشعاع
مّا هَادنَتْ في عمرها مجرماً
وَلا دَنا منها تقبل الطِّباع
العزُ في وِديانها والنَّما
وفي ذُرَاها عاصيات القِلاع
صَعْدةَ أضحت للهدى مَعْلما
لأنها بَيْتُ اليقين الوِسَاع
صعدة من اعطت لنهر الدِّمَا
نقاءه الصافي بِكلِّ البِقاع
مَا مَرَّةً إيمانها اسْتَسْلَما
وَلا (بَزَتْ) للمجدِ إلاَّ شُجَاع
صعدة باتت للفدى مَنْجَمَا
فيما تراه العين أو في السَّماع
***
وَاسأل حروب الأمس يا ابن الحِمَى
من بالصمود المستميت استطاع…
قال اكتِفَاءُ الشعر خذها بِمَا
معناه إنَّ النصر فيها مُشَاع
بالأمس رَدَّتْ خصمها مرغما
كأنَّهُ من سَاقِطات المَتَاع
وَاليوم لَمَّا قَلبْهُ أظْلما
وَوَجْهُهُ ضَيَّعَ أخزى قِنَاع
جاء به حقد العَمَى والظَّما
لكنَّه في صعدة الجودِ ضَاع
قالت له دَمِّرْ قُرانا كما
شئت .
وهكذا مارَسَهَا مثلما
أراده الصاروخ في الاندفاع
لكَّنه في بَرِّهَا أحجما
وحَطَّهَا في رأسِهِ كالصداع
وفي غَدٍ يَشْربُهُ عَلْقَمَا
مَا لمِداَهَ في العذاب انقطاع
وَسَوف يلقى عندها فوق ما
لاقاهُ في سِت الحروب اللُّكاع
لأنَّ فيها الجرحَ والبَلْسَمَا
فيها الوجود الْمُرْتَجَى لا الضَّياع
لا الدَّول الصفراء قامت بما
يهوى ولم ينفع سلاحُ الخدَاع
صنعاء – ابريل 2015م
(لِلطَّيَّارْ)
إِقْصِفْ أمامكَ جلمدٌ جَبَّارُ
إِقصفْ أَمَامَكَ جَحْفَلٌ جَرَّارُ
إقْصِفْ أَمَامَكَ صَامِدُوْنَ كَأنَّمَا
مِنْ طِيْنِهِا عَجَنَتْهُمُ الأقْدَارُ
إِقْصِفْ أمَامَكَ مُؤْمِنُونَ بِأنَّهُمْ
هُمْ وحدهم في العالم الأَحرارُ
يا صاحب الصاروخ هَبْ أن المدى
رَحْبٌ وعندك نُوْرُهُ والنارُ
هَبْ أنَّ قُوَتك البليدة لا ترى
في الجوِّ إِلاَّ مَنْ هو الطيَّارُ
وبأَنَّ صَوْتَ الحَقِّ في عَلْيَائهِ
مَا فيه إعْذَارٌ وَلا إِنْذَارُ
وبأنَّ هذا الكون أَصْبحَ خَيْمَةً
بيديك لا تهوي ولا تنهارُ
كنْ أنتَ حَيْثُ تُرِيْدُ وَاحْسِبْهَا كَمَا
لو أَنها الدينار والدُّوْلارُ
إِقْصِفْ، لتمنحك الطُّفُوْلَةُ عمرها
ولتستوي بجحيمك الأَزْهَارُ
إِقْصفْ،، ليحكى عنك في الآتي كَمَا
لو أنك الأضواء والأَنْوَارُ
ويقال إنك خضتها ببسالةٍ
مَنْ خَالِدٌ فيها وَمَنْ عَمَّارُ؟
وإذا سئلت عن المكان فقل لهمْ
في القدس كان العزم والإِصْرَارُ
والحزم كان هناك في ميدانها
لا حيث تَأْتِي مِنْ هنا الأَخْبَارُ
إِقْصفْ،، وقل لِأَمِيْرِكَ المغرور ما
قال الشهيد وصحبه الأَبْرَارُ
قالوا بأنَّ القدس عنك بعيدةٌ
وسواك فيها بحرها الزهَّارُ
أمَّا هنا فهنا بلادٌ مَا بِهَا
دَارٌ مُعَادِيَةٌ وَلَاَ دَيَّارُ
فيها الجوار بكل حكمته التيْ
لَهَجَتْ بِهَا الأَسْمَاعُ والأَبْصَارُ
وهنا،، هنا الإِيْمَانُ في مضمونهِ
ما شاءهُ المختار والأَنْصَارُ
وهنا الذين جعلت من أعمارهم
هَدَفَاَ لتأْتِي منهم الأَعْمَارُ
وهنا نعوش بني أبيكَ وكلهم
في ساحة البأسِ الشديدِ صِغارُ
إِقْصفْ، وقل لأَمِيْرِكَ المخدوعِ في
صنعاء شعبٌ سَيْلُهُ جَرَّارُ
هو من يُعَدِّل ميلها حتى ترى
أن الزمان بِعَدْلِهِ دَوَّارُ
وهو الذي سيكون في غَمَرَاتِهَا
مَا لا يُقَاسُ بِمِثْلِهِ إِعْصَارُ
في نِصْفِ عَامٍ كنت أنت ضحيَّةٌ
مثلي إلى أنْ تَنْتَهِي الأَدْوَارُ
أدْوَارُ من نصبوا شباك فجورهم
لِلْمُتْرَفِيْنَ وكُلُّهم أَغْمَارُ
ما جَرَّبوا الدنيا وفيها عِبْرَةٌ
حتَّى يغيب الكوكب السَّيَّارُ
* * *
إِقْصفْ وقل لِوَليِّ أمرِكَ أنها
قد ماتت الأشجارُ والأَحْجَارُ
لم يَبْقَ إلاَّ صَابِرُونَ جِبَاهَهُمْ
قِمَمٌ وشُمُّ أُنُوْفُهم أقْمَارُ
لَمْ يَبْقَ إلاَّ جَاهِزُونَ لِخَوْضِهَا
طال السرى أوْ طَالتِ الأَسْفَارُ
إِقْصفْ، هنا صنعا في تاريخها
وهم الدَّمُ الْفَوَّارُ والثوارُ
وهنا جبابرة الجهاد وعندهم
ما لا تحيط بعلمه الأسْرَارُ
مِنْ كُلِّ “تُشْكَا” كالبراقِ كَأنَّهَا
بيدِ الرجولة ثاقِبٌ مغوَارُ
مَرَّتْ بِصَحن الجنِّ ثم مضت إلى
حيث انتهى في رأسها المشْوَارُ
صنعاء- سبتمبر/ 2015م
(الآنْ)
ما ثَمَّ من يحكي ولا من يسمع
كل الجهات هُنَا يَبَابٌ بَلْقَعُ
البحر مثل الضفتين بِلاَ فَمٍ
والجدب في كل الجهات مُوَزَّعُ
مَا ثَمَّ إلاَّ أنت في هذا الذيْ
بيد المنى، ومن المنى يَتَوَجَّعُ
صنعاء يابسة الشفاه وحولها
ما منه أغصان الظَّمَا تَتَفَرَّعُ
جاء الربيع كَأيِّ قافلةٍ بِلاَ
أُفُقٍ فجاء الوحل والمستنقعُ
ما ثَمَّ إلاَّ أَنتَ يَا وَجَعاً عَلَى
ساقية تحمله الرياح الأَرْبَعُ
الذاهبون إلى البعيد تَوَهَّمُوْا
أنَّ الخيار الصعب بَابٌ مُشْرَعُ
والذاهبون إلى القريب تَخَيَّلُوا
أن الْمَسَافَةَ بالبساطة تُقْطَعُ
وهناك فرسان البيان تَظُنُّهُمْ
من كل جَمْرِ الموقدين تَجَمَعُوْا
وعلى مسافةِ غارةٍ لَيْلِيَّةٍ
بقي الذي بركامها يَسْتَمْتِعُ
ماذا جرى؟ لم يجر إلاَّ مَا تَرى
شجن كخاصرة اليتيم وَأَدْمْعُ
ماذا جرى؟ لم يجر إلاَّ طَارِئٌ
هو والزمان اللولبيُّ “وَمِرْبَعُ”
“زعم الفرزدق” ثم لَوَّحَتِ الرُّبَى
بوجوهها وَأَطَلَّ شيءٌ مٌفْزِعُ
مَا كان في حسبان عاشق نفسه
أنَّ العيون إلى الذرى تَتَطَلَّعُ
وَلَهُ بِأنْ يختار قَلْبَاً عَابراً
وشفاعَةً،، لكنها لا تشفعُ
اليوم غير الأمس والدنيا بها
في كُلِّ شيءٍ من يَضُرُّ وينفع
كل الرهان هنا، وفي الميدان ما
فيه،، وفيه السِّرِ والمُسْتَّوْدعُ
قال ابْنُ تَيَّاهِ الذوائبِ إنَّنِيْ
بسوى الذي في خاطري لا أَقْنَعُ
وعلى الهوادج أنْ تعيد حِسَابَهَا
مع كُلِّ من بنشانها يَتَدَرَّعُ
اليوم غير الأَمْسِ، والآتِي لَهُ
وجهانِ، ذَا غَسَقٍّ وذلك مَطْلَعُ
بالأَمْسِ قال لصاحبي إحساسُهُ
أنَّ ابن جارته يجوع ويشبعُ
وَبِأَنَّ في مقدوره أنْ يشترى
مِنْهُ الذي من رشْحه يتضوعُ
وَلأَنَّ فطنة صاحبي غَيْبِيَّة
راحت به في كل وَادٍ يُهْرَعُ
يا صاحبي إنَّ العصا قُرِعَتْ هُنَا
مِنْ حيث ناقوس الكرامة يُقْرَعُ
مَا ثَمَّ إلاَّ جاهزون لِغَيْرِهَا
ولغيرها ممن يقول فيبدعُ
وَأَقُولُ يا صنعاء إِنك في دَمِيْ
غَيْثٌ، وفي رِئَتِيَّ حَقْلٌ مُمْرِع
كَمْ غُمَّةٍ دهمتك وانجابت وَمَا
طالت لِمَنْ ينوي خنوعك إِصْبعُ
* صنعاء أغسطس 2015م
(إلى هناك)
الطائرات الْغُبْرُ والطيار
والمسلمون الْغُلْفُ والكفارُ
من كل جنسياتهم هبوا فَلاَ
جدُرٌ أَعاقتهم ولا أَسْوَارُ
عشرون دَوْلَةَ غادين تَلَفْلَفُوْا
يحدوهم الدينار والدولارُ
وَرِيَالُ أشباه الرجال وكلهم
في معرض المتحالفين حِمَارُ
في عالمٍ أَعمى أَصَمُّ يقودهُ
إِمَّا سفيهُ الجيبِ أَوْ سِمْسَارُ
في مجلسِ للأمنِ مبلغ علمه
أنَّ العدالة رشوةٌ وشعارُ
* * *
وهنا,, هنا بلد يموت وأمَّةٌ
تحت الحصار وَصَمْتِهِ تنهارُ
وهنا،، هنا يمنٌ تقول جراحه
ودماؤه ما قَالَهُ الأَحْرَارُ
هنا نحن في الميدان والميدان مَا
بيديه إلاَّ العزم والإِصْرَارُ
ها نحن في الميدان حتى تنجلي
ويزول منها الشَّر والأَشْرارُ
أوْ تَمَّحِيْ كل الجهات فَلاَ تُرَى
دَارٌ بعافيةٍ وَلاَ دَيَّارُ
يَمَنٌ هنا قالت بَنَادِقُهُ وما
في قولها المأْثورِ إلاَّ النارُ
شعب هنا قالت “جَنَابِيْهِ” التيْ
بشفارها تتسلح الأَقْدَارُ
* * *
يَا مَنْ هناك مع الحدود وَخَلْفَهَا
إنَّ الزمانَ مُنَاوِب دَوَّارُ
وَتَمُرُّ عَشْرَةُ أَشْهُرٍ وَكَأَنَّهَا
بيد الغزاة الفاشلين غبارُ
شَبَحُ الهزيمة في مفاصلهم كما
لو أَنَّهُ بعظامها منشارُ
ويكابرون،، يكابرون وللأَسى
بقلوبهم وعيونهم أَخْبَارُ
هي نزهة المتهورين وعندها
للسائرين إلى الهلاك مَسَارُ
في نصف شهر سوف تحسم أمرها
ويعود منها الجحفل الجرارُ
وَتَمُرُّ عشرةَ أَشْهُرٍ ودروبهم
بيد الرياح العاصفات قصارُ
ويقول أشباه الرجال بأَنَّهُمْ
عند التحديْ غيثها المدرَارُ
لكن زلزلة “الربوعةِ” يَّينَتْ
أَين الجوار الهشُّ أين الجارُ
المترفون التافهون أَتَى بهم
زَمَنٌ هُوَ الْعَوَرَاتُ وهو العارُ
زَمَنُ اللصوصِ الحاكمين كأَنَّهُمْ
للمخزيات وَقُبْحِهَا مضمارُ
زَمَنُ الْكِلابِ الضائعات تحالفت
مَعَهَا البيوت البيض وَالآبَارُ
زَمَنُ النفاق بكل جِنْسِيَّاتِهِ
حيث المزاد النذل والأَسْعَارُ
زَمَنُ الِّلحَى مَزْهُوَّةٌ بسليطها
وسَلِيْطِهَا من دينه مُحْتَارُ
وتقول لي الأَيَّامُ قادمةٌ لَقَدْ
حبلت وفيها المارد الْجَبَّارُ
فيها قصاص الله آتٍ بالتي
لا البيع يخزيها وَلاَ الإِيجارُ
وَإلى هناك تظل قافلة الفدى
تُحْدَى وَحَتَّىْ تنتهي الأَسْفَارُ
صنعاء- فبراير 2016م
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
دلالات الاتفاق اليمني الأمريكي لوقف إطلاق النار، وكيف قرأه الصهاينة
يمانيون ـ تحليل | أنس القاضي
إعلان ترامب شخصياً عن الاتفاق الذي جرى في مسقط يحمل في طياته اعترافاً بالفشل، نظراً لتصريحاته السابقة التي تتحدث عن “الاجتثاث والقضاء” وغيرها من المفاهيم التي تصور نتيجة حاسمة للحرب، كثير من التحليلات والتعليقات على التصريح رأت فيه فشلاً وهزيمة في هذه المعركة أمام اليمن، وهي بالتالي تعني فشل ما سمي بـ “تحالف الإزدهار”، القائم على أساس عدواني لضمان التجارة الإسرائيلية الأمريكية بالقوة. وجاء الإعلان مدفوعاً بالحاجة إلى زيارة المنطقة، والظهور فيها بصفته القادر على التأثير سواء العسكري أو الدبلوماسي. وكما هو عليه حال المفاوضات مع طالبان من قبل، ولقاء زعيم كوريا الشمالية في الإدارة الأولى، والتواصل مع موسكو لبحث المسألة الأوكرانية، والدخول في مفاوضات مع إيران، فإن تصرفات ترامب لا يمكن التنبؤ بها.
وأثار الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة وصنعاء، القاضي بوقف إطلاق النار المتبادل في البحر الأحمر، ردود فعل غاضبة ومترقبة في الكيان الصهيوني. إذ لم يُنظر إلى الاتفاق بوصفه مجرد ترتيبات أمنية بين طرفين، بل كإشارة إلى تحوّلات أعمق في السياسة الخارجية الأمريكية تمس جوهر العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن ودولة الاحتلال الصهيوني.
متغير استراتيجي
دلالات الاتفاق اليمني الأمريكي بوقف إطلاق النار ليست هينة، وهي تعيد التأكيد على حقيقة أفول نظام الأحادية القطبية الإمبريالي، وانتزاع الشعوب المظلومة حقها في السيادة والحياة والتطور.
يعكس الاتفاق تحولاً استراتيجياً يُمكن قراءته بوصفه أحد تجليات الأزمة العميقة التي تواجه الولايات المتحدة كقوة عالمية أحادية كانت في السابق قادرة على فرض معادلات ردع شاملة، لكنها اليوم تُفاوض خصماً من “الأطراف” لا المراكز العالمية، على قاعدة الندية المشروطة.
التفاوض مع صنعاء، وليس قصفها أو عزلها كما جرى منذ عدوان 2015م، يعني أن واشنطن -أرادت أم لا- باتت تتعامل مع صنعاء كفاعل قادر على الردع والتكلفة، لا كقوة هامشية أو “جماعة انقلابية”، وهذا يتسق مع حقيقة أن القدرة على فرض قواعد اشتباك من الأطراف مؤشر على تحوّل استراتيجي في توازنات القوة العالمية.
يكشف الفشل الأمريكي في اليمن عن تحوّل استراتيجي بالغ الأهمية على المستويين الإقليمي والدولي، إذ لم يُمثل الاتفاق الذي أُبرم مع صنعاء نهاية لحلقة من التصعيد فحسب، بل شكّل دليلاً مادياً على سقوط مبدأ الردع الأمريكي-الإسرائيلي، خاصة بعد استهداف مطار اللد “بن غوريون” في عمق الكيان الصهيوني، وهو ما أثبت بوضوح أن الردع التقليدي لم يعد فاعلاً، وأن أطراف المقاومة باتت قادرة على ضرب مراكز التحالف الغربي دون أن تُجابه بحسم عسكري ناجز.
بالعموم اتفاق أمريكا مع اليمن على وقف النار في البحر الأحمر ليس تسوية جزئية فحسب، بل هو اعتراف استراتيجي بأن عهد الهيمنة الأمريكية المطلقة قد انتهى عملياً، الولايات المتحدة تمر من طور الهيمنة إلى طور التراجع الدفاعي، بينما الأطراف تفرض حقائقها من موقع القوة والاستقلال لا التبعية.
كيف قرأ الصهاينة الاتفاق
الاتفاق كتحوّل استراتيجي في السياسة الأمريكية
رأت النخب الأمنية والسياسية في “إسرائيل” أن قرار ترامب بوقف الهجمات على اليمن جاء استجابة لمطالب صنعاء المرفوعة، لا نتاج انتصار ميداني أمريكي، ما شكّل خرقاً لمبدأ “إسرائيل أولاً” الذي حكم الكثير من تحركات واشنطن في السنوات الأخيرة، وهو يستجيب لشعار “أمريكا أولاً”، الذي يأتي على حساب الحلفاء، بما في ذلك الناتو، فدخول الولايات المتحدة في مفاوضات مع روسيا بشأن أوكرانيا خلق صدمة لدول القارة الأوربية، التي رأت أن سياسة “أمريكا أولاً” ليست قائمة على موازنة مصالح أمريكا وحلفائها، بل قد تعني الإضرار بمصالح الحلفاء.
جاء الاتفاق متجاوزاً “إسرائيل” تماماً، إذ لم تُدرج مصالحها ضمن بنوده، ما عُدّ بمثابة استبعاد صريح أثار صدمة في المؤسسة الإسرائيلية. فقد أصبحت مواقع العدو الحيوية في الأراضي المحتلة مكشوفة أمام القوات المسلحة اليمنية دون غطاء أمريكي، وهو ما فُسر كإشارة إلى بداية مرحلة جديدة من الحسابات الأمريكية القائمة على المصلحة المباشرة لا الالتزام التاريخي.
بالنظر إلى ما يفهمه الصهاينة من “ارتباط صنعاء بطهران” وفق التصنيف، فإن قبول واشنطن بالتفاهم مع صنعاء دون شروط، اعتُبر مقدّمة لانفتاح محتمل مع إيران. هذا التحول إذا صح سيهدد عقيدة الردع العدوانية الصهيونية القائمة على الدعم الأمريكي المطلق في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
مثّل الاتفاق اعترافاً ضمنياً من واشنطن بفشل المقاربة العسكرية في البحر الأحمر. فعلى الرغم من التفوق العسكري والتقني، لم تستطع الولايات المتحدة كبح هجمات صنعاء، ما كشف لـ”إسرائيل” حدود القوة الأمريكية، وأضعف رهاناتها على الشراكة الاستراتيجية كضمانة أمنية، وهو يدفعها أكثر إلى الاعتماد على النفس، كما يدفع ذات الأمر الدول الأوربية إلى الاعتماد على النفس. لهذا لم يكن مستغرباً طرح الرئيس الفرنسي ماكرون شعار الاستقلال الاستراتيجي الأوربي عن أمريكا.
بحسب الخطاب الصهيوني، فقد أدى تفكك التحالف بين ترامب ونتنياهو إلى تراجع غير مسبوق في مستوى التنسيق، وسط اتهامات متبادلة بالتلاعب والفشل. ومثّل الاتفاق مع صنعاء تتويجاً لهذا التصدع من وجهة النظر “الإسرائيلية”، حيث بدأت واشنطن تتعامل مع “إسرائيل” كمُعطى سياسي غير حاسم في ملفات حساسة كالتطبيع مع السعودية أو إنهاء الحرب في غزة.
خيارات الكيان في مرحلة ما بعد الاتفاق
أعلنت “إسرائيل” أنها غير ملزمة بالاتفاق، وأنها ستواصل استهداف اليمن، بل وتكثيف الهجمات لتشمل البنية التحتية، ومنصات الإطلاق، وحتى الموانئ اليمنية، حد قولهم. وتُعد هذه الاستراتيجية العدوانية المحتملة محاولة لاستعادة الردع المفقود، وتعويض الانكشاف الناتج عن غياب الغطاء الأمريكي الذي أظهر الكيان ضعيفاً أمام محور المقاومة وأمام دول التطبيع.
وفي ظل الربط الصهيوني بين صنعاء وطهران، ألمح الكيان إلى إمكانية نقل المعركة إلى العمق الإيراني، حد تعبيره. وقد يكون هذا التهديد رسالة ضغط تهدف لإحباط أي انفتاح أمريكي-إيراني، لكنه يحمل أيضاً مخاطر توسيع رقعة المواجهة الإقليمية.
رغم أن الصواريخ اليمنية باتت تصل إلى أهداف حيوية كمطار اللد “بن غوريون”، إلا أن الخطاب الداخلي الإسرائيلي يسوّق لفكرة السيطرة الكاملة، مستنداً إلى فعالية منظومة الدفاع الجوي المزعومة. وقد أدى هذا الخطاب إلى التقليل من شأن التهديدات اليمنية، في محاولة لحماية “الجبهة الداخلية” الإسرائيلية من الضغط النفسي. وتوازن “إسرائيل” في خطابها بين طمأنة الجمهور (عبر الحديث عن الإحصائيات ومحدودية الأضرار اليمنية وقدراتهم المزعومة على التصدي) وبين إرسال رسائل تهديد للخارج تؤكد أن الرد سيكون قوياً وشاملاً. هذا الأسلوب يعكس مأزقاً سياسياً وأمنياً في آنٍ واحد، تحاول من خلاله القيادة الإسرائيلية إدارة أزمة الثقة دون الإقرار بالعجز.
نقد الرؤية الإسرائيلية
في العموم يكشف الموقف الإسرائيلي من الاتفاق اليمني-الأمريكي حجم القلق من التحولات الجارية في بنية السياسة الخارجية الأمريكية، والتي بدأت تتخلى عن مبدأ الدعم المطلق للكيان، لصالح مقاربة أكثر براغماتية وإيلاء الأولوية للمصالح الأمريكية.
في المقابل، تسعى “إسرائيل” لتعويض تراجع الدور الأمريكي عبر التصعيد الأحادي ومحاولة فرض توازنات بالقوة. غير أن ذلك قد يؤدي إلى انفجار جبهة جديدة دون ضمانات للحسم.
في المحصلة، يبدو أن “إسرائيل” لم تعد الطرف الوحيد الذي يفرض قواعد اللعبة في المنطقة، بل باتت في مواجهة مسار جيوسياسي جديد يزداد فيه موقعها هشاشة.
ورغم أن الكيان يبالغ في مدى تضرر العلاقة الاستراتيجية بينه وبين الولايات المتحدة، إلا أنه لا يمكن الحديث عن تخلٍ أمريكي عن الكيان الصهيوني، بل عدم القتال مباشرة دفاعاً عنه ضد اليمن في معركة البحر الأحمر المرتبطة بحرب الإبادة في غزة، فيما سيستمر الدعم الاستراتيجي العسكري والتعاون الاستخباراتي للكيان، في مواجهة اليمن، وفي مواجهة محور المقاومة عموماً، فلا زالت المصلحة الأمريكية والغربية عموماً أن يظل الكيان الطرفَ الأقوى في المنطقة، لإضعاف الدول العربية والإسلامية، دعماً للمشروع الاستعماري الجديد.
المصدر ـ موقع أنصار الله