عبد الله على إبراهيم لينيني من منازلهم
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
ذكرني " الفيسبوك" بهذا المقال الذي كتبته سابقا، وأعيد نشره بعد تجدد الحوارات الفكرية بين الماركسيين السودانيين حول قضايا نظرية، التي أتمنى ان تتواصل وتشارك فيها مزيدا من الأصوات، خاصة من شباب الثورة الي رؤى أعمق من رؤانا.
الى المقال:
كتب عبد الله على إبراهيم مقالا بعنوان: " صديق الزيلعي وندامة مشتري الماركسية".
سأقدم هنا قراءة سريعة لطرح عبد الله علي إبراهيم. وسأعود لمناقشة تفصيلية لاحقا، أعرض فيها حقيقة موقفي من اللينينية، ولماذا تخطاها الزمن، واسقطها عمال روسيا وبلدان شرق اوربا. وموقفي من قضية تجديد الحزب الشيوعي السوداني. وكلي ثقة ان شخص في قامة عبد الله على إبراهيم، سيكون إضافة نوعية متميزة لذلك الحوار.
أضاف عبد الله، باعتباره الوريث الشرعي لعبد الخالق محجوب، صفة أخري لنفسه، هي رافع راية اللينينية. وكمنافح عن اللينينية، يرى ان من أكبر مظاهر ندامتي هي الاشمئزاز من اللينينية. وأدعو القراء للمقارنة حول موقفينا حسب مقولات اللينينية. إحدى أهم مساهمات لينين هي نظرية الحزب ودوره في الثورة. فهل يحدثنا عبد الله عن حزبه وفقا لهذا الطرح اللينيني الواضح، والذي لم يساوم فيه لينين أبدا. اما موقف عبد الله من الحزب الشيوعي السوداني وخروجه عليه، فقد شرحه عبد الجبار عبد الله، بتفصيل ووضوح لا لبس فيه، في مقال نشره بالمواقع المختلفة ويمكن الرجوع اليه. القضية الأخرى هي مسألة المثقفين. وعبد الله يعرف أكثر مني، رأي لينين في سمات وممارسات قبيلة المثقفين التي ينتمي لها عبد الله.
وفي الجانب الآخر، نجد ان صاحب الندامة من الماركسية، لا يزال مواصلا عضويته في الحزب. وعندما طلب منه الحزب التفرغ للعمل في الميدان في منتصف ثمانينات القرن الماضي، لم يتراجع أو يبحث عن الاعذار. وقضي أكثر من خمس سنوات في سجون نميري والإنقاذ. وحتى اليوم يشرفه أعضاء فرع الحزب الذي ينتمي له بالحديث باسم الحزب في الندوات العامة. كما يعرف أعضاء فرعه، اجتهاده في تنفيذ واجباته الحزبية، وفي سعيه المتواصل لتطوير أداء الحزب. ولإيمانه بضرورة وجود الحزب وأهمية تصدره لقضايا شعبنا، يجتهد ويدعو ويناقش لتجديد الحزب ليواكب التغييرات العاصفة التي اجتاحت العالم، وليكون الحزب في قلب عملية التغيير في بلادنا. وهكذا يكون الوفاء لحزب قدم عشرات الشهداء، وصمد بتضحيات الآلاف من خيرة أبناء شعبنا.
أسأل القراء ايهما اللينيني: الذي هرب من مصاعب ومتاعب التفرغ الحزبي قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان أم الذي لا يزال يواصل عمله في الحزب؟
أقدم دعوة صادقة لعبد الله على ابراهيم: إذا كنت تريد نقد موقفي من اللينينية فالف مرحب بذلك، فقط لا تتصيد بعض السطور من مناقشة حول قضايا محددة. وأدعوك لقراءة مقالي " جمود مفهوم لينين للتنظيم الحزبي وتحديات الواقع المتغير"، الذي نشر بموقع الحوار المتمدن خلال دعوتها للحوار حول مئوية الثورة الروسية. وحينها يكون حوارنا حول ما كتبته عن لينين، وما تراه انت من اشمئزاز صاحب الندامة. وسيحكم القراء.
كتبت عن انتقائية السر بابو من كتاب عبد القادر إسماعيل ما يلي وبالحرف الواحد:
" أحد أمثلة انتقائية السر بابو انه انتقى من الجهد الممتاز الذي قام به عبد القادر اسماعيل في كتابه (الحزب الشيوعي السوداني من التأسيس الى التجديد) ، ومن كل الكتاب (547 صفحة من الحجم الكبير) ، مسألة دخول الحزب الشيوعي في انتخابات المجلس المركزي أيام عبود، ومسألة حل الحزب. ولم يتعرض لبقية الكتاب من قريب أو بعيد، رغم ان عبد القادر أشار للسر بالاسم، في نقده غير السليم لعوض عبد الرازق، خلال عرض عبد القادر الموضوعي والموزون للخلافات التي كان محورها عوض عبد الرازق. وهي قضية سأعود لها في مقال قادم."
هذا المقتطف لا يحتاج لشرح، ولكني اريد ان أؤكد بأنني قصدت الترحيب بعرض عبد القادر لأننا، وطوال عشرات السنين، لم نقرأ عن أو نعرف عوض عبد الرازق الا كانتهازي ومرتد. ولم يعرض لنا رأيه كما طرحه هو نفسه. وان عبد القادر يشكر على انه نشر رأي عوض ورأي عبد الخالق، وهذا احترام لعقل القارئ، حتى يصل لرأيه الشخصي. ولم أزد على ذلك حرفا واحدا. ولم أقل إن عوض مرتد أثيم أو مفكر ناضح، فقط اشدت بموضوعية عبد القادر بطرح كل الآراء. و " حمير الضلام " ما بنتج فكر.
وأزيد القراء سطرا، في انني وفي مداخلة عن كتاب عبد القادر ستقدم خلال تدشينه بدار اتحاد الكتاب بالخرطوم، يوم 18 ديسمبر، نقدت عبد القادر بان عرضه الممتاز والموزون لانقسام عوض عبد الرازق وانقسام الخاتم، لم يشمل عرض وثيقتي عبد الخالق ومعاوية إبراهيم خلال انقسام 1970، كما انه لم يتعرض لانقسام مختار عبيد.
اتهمني عبد الله بخفة اليد الثورية لأنني اقتطعت بعض ما كتبه عوض عبد الرازق فانظر لما كتبه عبد الله واصل ما كتبه عوض عبد الرازق، لترى اينا صاحب خفة اليد الثورية.
" ووجب التنبيه هنا أن الجملة في تقرير عوض التي دلل بها الزيلعي على تذللنا للسوفيات مرتبكة جداً. فقد بدأت ناقدة سير حزبنا "في طريق الانكفاء على الحزب الشيوعي السوفيتي". وهذا مأخذ سلبي في جملة عوض عبد الرازق لا غلاط. ولكن لم تنته الجملة حيث أنهاها الزيلعي جزافاً. فواصل عوض قوله في نفس الفقرة إن من خلفوه في الحزب (جماعة عبد الخالق) اعتقدوا أن العلاقة مع "الحزب السوفيتي والبلدان الاشتراكية "ضرورية وتكتسب أهمية استراتيجية لا تتعارض مع العلاقات بحركات التحرر الوطني العربية والأحزاب اليسارية من آسيا وأفريقيا واضعين في الاعتبار أهمية الأحزاب الشيوعية واليسارية الديمقراطية في أوربا. وذلك كي تكتسب الحركة حلفاء وأصدقاء جُدد لقضية الشعب السوداني في طريق الحرية وحق تقرير المصير وتحقيق مهام الثورة الوطنية الديمقراطية". وفي عوض عبد الرازق الرحمة. أعطي ما له وما لجماعة عبد الخالق مالهم. فاشتكي من الانكفاء على السوفيات والمعسكر الاشتراكي، ولكنه أعطى خصومه فضل التفكير السوي في سلوكهم طريق "الانكفاء" الذي بدا كله خير وبركة على القضية. ولا أعرف من شكا لطوب الأرض من شرور المناهج الانتقائية مثل الزيلعي ليمارسها بخفة يد ثورية".
اما ما كتبه عوض عبد الرازق، حسب النص المعروف، وخط التشديد مني، فهو:
" ثالثاً، منذ تولي المكتب السياسي مهامي كسكرتير تنظيمي وتكليفي سكرتيراً عاماً أخذت الحركة السودانية للتحرر الوطني تسير في علاقاتها الخارجية في طريق الانكفاء على الحزب الشيوعي السوفيتي والبلدان الاشتراكية. ونعتقد أن هذه العلاقة ضرورية وتكتسب أهمية استراتيجية، ولكنها لا تتعارض مع العلاقات بحركات التحرر الوطني العربية والأحزاب اليسارية في آسيا وأفريقيا واضعين في الاعتبار أهمية الأحزاب الشيوعية واليسارية والديمقراطية في أوروبا وذلك لكي تكتسب الحركة حلفاء وأصدقاء جدد لقضية الشعب السوداني في طريق الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال وتحقيق مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي تحتاج إلى أصدقاء ديمقراطيين عاجلاً أم آجلاً."
وضعت خطا تحت جملة، ونعتقد أن هذه العلاقة ضرورية وتكتسب أهمية استراتيجية، وهنا عوض عبد الرازق يعرض رأيه، لأنه كتب ونعتقد، أي هو كاتب التقرير.
كرر السر بابو في كل مقالاته صفات الارتداد والانتهازية على عوض عبد الرازق، وبعد نشر مقالاتي، حاول الظهور بمظهر جديد، لإيهام القراء، بانه يحترم جزء من اراء عوض عبد الرازق، فنجر فقرة لم نقرأها في الوثيقة المتداولة، وعندما طالبناه بنشر كامل وثيقة عوض عبد الرازق صمت، ولم يفعل ذلك حتى اليوم. وهنا نطلب من عبد الله إذا كان يملك نصا آخرا غير المتداول فلينشره لنا.
سأناقش في المقال القادم قضيتي استقلالية الحزب وموضوع المجلس المركزي
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی عبد الله على عبد القادر عبد الخالق فی طریق ما کتبه
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.