عربي21:
2025-12-13@07:29:57 GMT

ما الذي يجب أن نتعلمه من المقاومة (1)

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

قبل أيام وبعد صلاة الفجر وبعد أن قمت بتوصيل ابنتي إلى الجامعة قبل شروق الشمس والسماء تجود بخيرها وسط أجواء باردة وغائمة توحي بالتأمل والتفكير، خلوت بنفسي وخطر لي خاطر استوقفني على طريق العودة وثار في ذهني سؤال: ما الذي تعلمناه من المقاومة الصامدة والتي تؤلم الكيان الصهيوني أيّما إيلام؟ ثم أوقفت السيارة لبضع دقائق وقمت بفتح سجل الصوت في الهاتف لأسجل بعض النقاط وأنا على الطريق الجانبي.



ولكنني قمت بتعديل السؤال لأنني شعرت بأننا لم نتعلم بعد شيئا من المقاومة عبر عقود، وإلا فلماذا لم يتغير شيء في واقعنا المرير؟ وقلت يجدر بنا أن يكون السؤال هو ما الذي يجب أن نتعلمه من المقاومة، فربما ذلك أدعى للتفكير العميق والبحث الدقيق الذي قد يفضي بنا يوما ما إلى الاستفادة من هذه المقاومة التي تدك جيش الاحتلال وتقض مضاجع كبار قادته العسكريين والسياسيين الذين ظنوا أن الأمر مجرد نزهة عسكرية سريعة أو خاطفة سوف تنتهي باعتقال أو قتل كبار قادة المقاومة وتحرير الأسرى وتركيع المقاومة مرة واحدة وللأبد (خاب سهمهم وطاش سهمهم).

جلست لفترة أسجل بعض هذه الدروس التي قدمتها المقاومة بالدم والتضحية والفداء والجهاد والعطاء والتي يمكن أن تكون نبراسا للباحثين عن الانعتاق من نير الاحتلال والاستعباد اللذين خيما على عالمنا العربي. سجلت ما يزيد على العشرين درسا وأنا في السيارة وقد قاربت الشمس على الشروق.

عدت إلى البيت وقمت بكتابة ما سجلته من دروس يمكنني تعلمها كلها أو بعضها على المستوى الشخصي، وأخرى لعل الشعوب تتعلمها، وثالثة لعل القيادات تتفهمها، ورابعة لعل العالم يدرك معانيها، ثم قررت أن أبدأ بالجانب الشخصي لهذه الدروس، وهو ما سوف أتناوله في هذا المقال ضمن هذه السلسلة بعون من الله تعالى:

1- التفسير السليم والصحيح لقول الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلطالما كان تفسيري لهذه الآية أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وأننا لا ينبغي أن نلوم أنفسنا كثيرا بل بالعكس علينا الرضا بقضاء الله متمثلين القول الشائع "آدي الله وآدي حكمته"، لكنني وأنا أتابع يوميا وأقوم بتقديم حلقات عبر قناتي على اليوتيوب منذ طوفان الأقصى وبفضل الله وبدون انقطاع؛ أدركت أن فهمي كان قاصرا وأن ما لدي من طاقة وقوة (بفضل الله تعالى) أكبر بكثير مما كنت أبذله في خدمة القضايا العربية والإسلامية، أدركت والفضل لله ثم لصمود المقاومة أن القوة الكامنة (وسعها) هي قوة مضاعفة يمكن إطلاقها إن أراد الإنسان، ولكنه كسول فما زاده الكسل إلا تراجعا، وخامل فما زاده الخمول إلا انتكاسة جعلت المرء يبدو عاجزا عن القيام بأقل الواجبات من صلاة النوافل والسنن من ذكر وتسبيح ومن تلاوة للقرآن.

أدركت أن تفسيرنا (للوسع) هو تفسير قاصر وعاجز ومخل بالدور الذي خلق الله من أجله الإنسان ليكون خليفة في الأرض، فكيف يستوي الأمران تكليف بالخلافة وضعف وعدم القدرة على الفعل، لا بد أن تفسيرنا خاطئ وبشكل كبير.

2- عندما شاهدت المقاومين ومعظمهم لا يلبس حذاء عسكريا لامعا كعادة العسكريين العرب أو حتى الصهاينة، ولا يمتلك زيا عسكريا مدججا بالسلاح كما نشر الجنود الصهاينة، ولا خوذة تحمي رأسه ولا ملابس سوي تيشيرت يبدو باليا وسروالا أكل عليه الدهر وشرب، ويهرول نحو عدوه خفيفا رشيقا مقبلا غير مدبر، لا يتحجج بحجج واهية مثل قلة العتاد والزاد أدركت كم أفسدتنا الدنيا بمتعتها ومتاعها حتى ولو كان حلالا.

وعدت لأشاهد الفيديوهات التي تصدرها المقاومة وحاولت تفحص أجسام المقاومين فرأيتها قوية صلبة رغم أنها محرومة من لذة العيش ومن رفاهية نعيشها ليل نهار، رأيت رشاقتهم وأحدهم يقفز في الهواء فرحا وقد أصاب من المسافة صفر إحدى دبابات العدو وهو يهتف "ولعت".. لقد أعجزني هذا المشهد وأتعبني، وسألت نفسي: ما عذرك يا هذا أمام ما يقوم به هذا المقاوم البسيط في مواجهة أعتى الجيوش وأكثر وحشية ودموية في العالم؟

3- نظرت في الوقت الذي يضيع من شهور وأيام وساعات وقارنت بيني وبين ذاك المقاتل الذي لا يضيع ثانية واحدة وهو يتعقب دبابات العدو وحاملات جنوده، فينطلق كالسهم وفي غمضة عين ليصل إلى تلك الدبابة أو تلك المدرعة، وفي لمح البصر يضع فيها المتفجرات ثم يعود ليشاهد بعيني رأسه مصير الدبابة والجنود بداخلها وهو يهتف الله أكبر، وقلت لنفسي كم من التحديات التي واجهتنا وعدزنا عن التعامل معها وسقطنا في اختبار الكفاءة على مدار أيام وأسابيع وشهور وربما سنين طوال بينما هذا المقاتل يعبر ويتجاوز اختبار الموت والحياة في بضع ثوان وبثقة وكفاءة عاليين.

4- عندما بدأ جيش الاحتلال في قصفه الجنوني الذي لم يستثنِ فيه مستشفى ولا مدرسة ولا مصنعا ولا مجمعا تجاريا، وقتلت قنابله الأمريكية الصنع كل متحرك من طفل رضيع أو شيخ عجوز وامرأة حامل، ثم شاهدت رؤساء الغرب ووزراء خارجيتهم يتسابقون لإعلان التضامن مع الكيان الصهيوني والوقوف معه لدرجة أنهم كانوا يشاركون في اجتماعات الحرب، ولدرجة إعلان ست دولة عن دعمها العسكري للكيان فيما أسموه الدفاع عن نفسه، وهم يعلمون أن الاحتلال نفسه عمل مجرم ومحرم وأن حق الدفاع عن النفس مسموح به لمن اغتصبت أرضه وليس لمن أغتصب الأرض، وحين شاهدت الصمت والتواطؤ العربي المفضوح وأدركت أن الناس قد جمعوا لأهلنا الجمع وأعدوا العدة من أجل إبادتهم، وأخذتني الرهبة وانتباتني رجفة، ثم حين استمعت إلى بيانات المتحدث باسم المقاومة فوجدت ثباتا انفعاليا رفيع المستوى ورأيت نبرة التحدي العالية الواثقة، فقلت في نفسي خوفا عليهم: ما لهؤلاء لا يدركون حجم المصائب والمتاعب التي سيواجهونها؟ ثم اكتشفت أنني الذي لم أكن أدري بحجم ثقتهم ولا مدى استعدادهم لخوض معركة الكرامة نيابة عن الأمة، وأدركت كم كنت ساذجا وأنا لا أقدر هؤلاء حق التقدير وربما خوفي عليهم هو السبب، وتعلمت ساعتها أنه لا ينبغي التعجل في إصدار الأحكام حتى ولو كانت المعطيات على النحو الذي شاهده العالم من تحالف قوى الشر ضد شعب أعزل، ولعلي تعملت حكمة مفادها "ليس كل كبير قوي وليس كل صغير ضعيف".

5- تأكدت وبكل يقين أن كلمة الصدق تبقى وترسخ في ضمير الشعوب وأن الزيف والباطل والبروباجندة السوداء هي غثاء كغثاء السيل يجرف تيار الماء فلا يبقى منه شيء، وأدركت أن رجلا مجهولا لا يملك لا صحيفة ولا قناة تلفزيونية ولا حسابات على السوشيال ميديا ولا قناة على يوتيوب استطاع أن يجذب عقول الناس ومشاعرهم ويستأثر بالأفهام حتى أن الناس تنتظر بياناته وتصدقه دون أن تعرف من يكون، والعجيب أنه لا أحد سأل نفسه من هذا وما هي مؤهلاته؟ ولعلي لم أسمع من يجادل في صحة البيانات التي تصدرها المقاومة ويصدقه الناس وينتظرونه، وهذه درجة عجيبة من درجات التصديق.

6- عايشت الانتفاضات المتتالية ورأيت كيف أن شيخا مقعدا أسس منظمة وتحدى العالم بفتية صغار صاروا اليوم كبارا، وسألت نفسي: لماذا فعل الشيخ المقعد أحمد ياسين ما فعل، وربما لا يعيش للحظة التي نرى فيها المقاومة التي يقودها شباب كانوا أطفالا وهم يحيطون بالشيخ الشهيد في انتفاضة الأقصى عام 2000؟ ونظرت إلى نفسي وقلت لقد مر عمر طويل فأين الغرس الذي غرسته وأنت تملك الكثير والكثير؟

هل سنتعلم ونواصل رحلة التعلم من هؤلاء؟ فما تأخر من بدأ ولو بدأ متأخرا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الاحتلال الدروس غزة الاحتلال المقاومة دروس مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من المقاومة

إقرأ أيضاً:

المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.

حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.

هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.

الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.

وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.

والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.

التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.

ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.

بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.

ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.

في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.

لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.

ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.

وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.

هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.

في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.

مقالات مشابهة

  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • "لجان المقاومة": ما يجري في غزة فصل جديد من حرب الإبادة وسط صمت دولي
  • فضل الله بعد لقائه سلام: الملف الأساسي الذي ناقشناه يرتبط بإعادة الأعمار
  • الجميل: وعدُنا أن نكمل الطريق الذي استشهد لأجله جبران وبيار وباقي شهداء ثورة الأرز
  • حماس تستهجن تقرير "العفو الدولية" الذي يزعم ارتكاب جرائم يوم 7 أكتوبر
  • جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
  • على صلة بحزب الله وايران.. اليكم آخر المعلومات عن ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي
  • مشعل يتحدث حول تصور حماس لسلاح المقاومة وإدارة غزة
  • المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
  • وزير الخارجية اللبناني يعتذر عن عدم قبول دعوة عراقجي لزيارة طهران