انتقد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الجمعة، تعمد إسرائيل عرقلة وصول المساعدات إلى قطاع غزة.

وقال جوتيريش في مؤتمر صحفي: إسرائيل تمنع وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها داخل غزة، وأضاف: هناك عشرات الآلاف من شاحنات المساعدات تنتظر دخول قطاع غزة.

وأضاف: القصف الإسرائيلي يهدد حياة من يساهم في إيصال المساعدات الإنسانية

وحث جوتيريش السلطات الإسرائيلية على إزالة القيود المفروضة على النشاط التجاري على الفور.

واعتبر أن العدوان الإسرائيلي على غزة نوع من العقاب الجماعي قائلا: لا شيء يبرر العقاب الجماعي بحق الشعب الفلسطيني.

وشدد  على ضرورة اللجوء لحل الدولتين، وقال: حل الدولتين هو الحل الوحيد والمستدام للأزمة.

وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن وافق، الجمعة، بالإجماع، على مبادرة مخففة لزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ودعا إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية.

جاء ذلك بعد أسبوع من تأجيل التصويت ومفاوضات مكثفة للتوصل إلى اتفاق ومحاولة تجنب استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو).

يأتي ذلك فيما أكدت إسرائيل أنها ستستمر في فحص المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وأعلنت السلطات الصحية في غزة ارتفاع عدد ضحايا العدوان على القطاع منذ بداية الحرب إلى 20057 شهيدا و53320 مصابا.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غزة فلسطين الوفد بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

علامة استفهام حول إفلات المجرمين من العقاب في سوريا

ظهر قبل أيام فادي صقر، القيادي في مليشيات الدفاع الوطني التابعة لنظام الأسد، في تسجيل مصوّر يظهر فيه كوسيط للإفراج عن متورطين في ارتكاب انتهاكات. وفي الرابع من شباط/ فبراير 2025، شهدت دمشق مشهدًا لافتًا تمثّل في خروج اللواء محمد الشعار، وزير الداخلية السوري السابق ومهندس القمع المنهجي، من مخبئه ليُعلن تسليم نفسه طوعًا لمديرية الأمن العام.

ثم ظهر في مقابلة تلفزيونية أعلن فيها عدم مسؤوليته عن أيّ من الانتهاكات التي مارسها نظام الأسد. مثّل هذا الظهور الإعلامي ظاهرة مقلقة في السياق الانتقالي السوري، إذ أثار هذا الإنكار الوقح تساؤلات عميقة حول مظاهر الإفلات من العقاب في خضم التحولات السياسية. فما هي البُنى التي تُمكّن المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية من التفاوض على استسلامهم بدلًا من مواجهة المحاسبة الفورية؟

فهم الإفلات من العقاب وتطور مبدأ مسؤولية القيادة

يُعد مبدأ مسؤولية القيادة من أبرز إسهامات القانون الجنائي الدولي في التصدي للإفلات من العقاب، وقد تطوّر هذا المفهوم من الإطار العسكري إلى الإطار المدني، مُشكلًا الأساس القانوني لمساءلة الوزراء وكبار المسؤولين عن الجرائم الممنهجة.

نظّم نظام روما الأساسي هذا التطور، موضحًا الفروقات بين مسؤوليات القيادة العسكرية والمدنية، حيث نصّت المادة 28 (ب) على تحميل القادة المدنيين المسؤولية في حال كانوا على علم، أو تجاهلوا عمدًا معلومات تشير بوضوح إلى ارتكاب مرؤوسيهم جرائم.

ورغم أن هذا المعيار يبدو أكثر تقييدًا مقارنةً بما يُفرض على القيادة العسكرية، فإنه يعكس واقع تدفق المعلومات في البيروقراطيات المدنية. وتبرز أهمية معيار "التجاهل الواعي" في المناصب الوزارية تحديدًا، حيث يمكن للمسؤولين أن يعزلوا أنفسهم عمدًا عن تفاصيل التنفيذ، مع احتفاظهم بالسيطرة على السياسات العامة.

ويُقدّم مفهوم العنف الهيكلي، كما طوّره يوهان غالتونغ، إطارًا نظريًا لفهم كيفية تغلغل الإفلات من العقاب داخل مؤسسات الدولة. ففي مقابل العنف المباشر، الذي يتمثل في أفعال الإيذاء الجسدي الواضحة، يعمل العنف الهيكلي من خلال البُنى الاجتماعية التي تعيق الأفراد عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.

إعلان

وعند تطبيق هذا المفهوم على أجهزة الأمن، يتضح أن الإفلات من العقاب لا يعكس غياب العدالة فحسب، بل هو نظام فعّال لإدامة العنف عبر آليات بيروقراطية.

تُنتج أجهزة الأمن، وفقًا لغالتونغ، ما يُسمى بـ "السلام السلبي"؛ أي غياب العنف المباشر عبر القمع المنهجي لا عبر معالجة أسباب النزاع. يقوم هذا النظام على توقع عدم معاقبة موظفي الدولة الذين يرتكبون الانتهاكات، مما يُنتج بيئة تحفيزية تُكافئ الوحشية وتعاقب ضبط النفس.

وقد تجسّدت هذه الديناميكية بوضوح في عهد الشعار، إذ حظي الضباط الذين مارسوا التعذيب أو أطلقوا النار على المتظاهرين بالحصانة، في حين تعرّض من أبدى تساهلًا لمخاطر الاتهام بالولاء للمعارضة.

ويُعتبر تطبيع الفظائع عبر الممارسات البيروقراطية آلية مركزية داعمة للعنف الهيكلي. تُحوّل النماذج الرسمية، والبروتوكولات الإدارية، وإجراءات التشغيل إلى أدوات تنفيذ لجرائم القتل والتعذيب والإخفاء القسري، على نحو يجعلها تبدو كمهام إدارية روتينية.

وتُظهر الممارسات الموثقة لوزارة الداخلية السورية- مثل تسجيل المختفين قسرًا كمتوفَين، أو تنفيذ مصادرة الممتلكات عبر المحاكم المدنية، أو فرض حظر السفر من خلال مكاتب الجوازات – كيف يُعاد تسويق الفظائع من خلال طابع إداري بيروقراطي، يضفي عليها مظهرًا من الشرعية المضلِّلة.

العدالة الانتقالية والسلم الأهلي – نموذج فادي صقر

برز مجال العدالة الانتقالية كمسار مستقل بعد التحولات الديمقراطية في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، حيث قدّم أطرًا للتعامل مع إرث الأنظمة الاستبدادية أو النزاعات المسلحة.

وتزداد حدة التوترات النظرية في هذا المجال؛ بين السلم الأهلي والعدالة الانتقالية، وبين النهج المتمحور حول الضحية والنهج المتمحور حول الجاني.

وتُعد معضلة "السلام مقابل العدالة" جوهر هذا الجدل. فبينما يرى باحثون، مثل جاك سنايدر وليزلي فينجاموري، أن الملاحقات القضائية المبكرة قد تُزعزع استقرار التحولات الهشة وتُعيد إشعال الصراع، ويدعون إلى تبني نهج "السلام أولًا"، الذي يُفضي إلى تحقيق الاستقرار قبل المضي نحو المساءلة، فبالمقابل، تحاجج كاثرين سيكينك بأن تأجيل العدالة يمنح الجناة فرصة لتدمير الأدلة، وترهيب الشهود، وترسيخ الإفلات من العقاب.

وتُشير نظرية "تسلسل العدالة" إلى أن المساءلة القضائية المبكرة قد تُحدث أثرًا رادعًا وتُعزز سيادة القانون. ويأخذ السياق السوري هذه المعضلة إلى أقصى مداها: فهل يمكن تحقيق استقرار حقيقي في ظل بقاء شخصيات مثل فادي صقر خارج دائرة المحاسبة، أم إن هذا الإفلات بحد ذاته يُقوّض فرص السلام المستدام؟

يُسلط التباين بين النهجين المتمحورين حول الضحية والجاني، الضوء على تناقض نظري إضافي. إذ تمنح العدالة الانتقالية المتمحورة حول الضحية الأولوية لكشف الحقيقة، والاعتراف، والتعويض، كما يتجلى في عمل لجان الحقيقة التي تُقدم العفو مقابل الشهادات. وينطلق هذا النهج من فرضية أن الضحايا يسعون للحصول على الاعتراف، ومنع تكرار الجرائم أكثر من سعيهم للانتقام.

أما النهج المتمحور حول الجناة، فيُركّز على المساءلة الجنائية بوصفها وسيلة لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب. وتتجلى محدودية النهج الأول عند التعامل مع كبار المسؤولين، إذ بينما يمكن استقطاب الجنود للمشاركة مقابل عفو، فإن شخصيات مثل الشعار تمتلك معرفة تُدين النظام بأكمله، ما يجعل انخراطهم غير مرجح ما لم يواجهوا ضغوطًا جدية بالملاحقة القضائية.

إعلان المسؤولية القانونية للشعار

تتجلّى أوضح مؤشرات مسؤولية محمد الشعار المباشرة في عضويته ضمن "خلية الأزمة"، التي أُنشئت في مارس/ آذار 2011 كأعلى هيئة لاتخاذ القرار الأمني في سوريا.

تكشف شهادات منشقين ووثائق موثّقة أن هذه الخلية كانت تعقد اجتماعات منتظمة لتنسيق الرد الأمني على الاحتجاجات، برئاسة بشار الأسد شخصيًا. وبصفته وزيرًا للداخلية وعضوًا فاعلًا في هذه الخلية، ساهم الشعار في صياغة سياسات تُجيز بوضوح استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين.

وتظهر محاضر الاجتماعات التي حصلت عليها الشبكة السورية لحقوق الإنسان إشارات صريحة إلى "حلول أمنية حاسمة" و"القضاء على التجمعات الإرهابية"- وهما تعبيران مستتران عن أوامر تنفيذ مجازر.

إن حضور الشعار هذه الاجتماعات، وتزامنها مع تنفيذ وزارة الداخلية لاحقًا عمليات قتل جماعي، يُثبت وجود علاقة سببية واضحة بين تخطيط السياسات وتنفيذ الجرائم.

ويُعزز هذا الترابط الزمن بين قرارات خلية الأزمة وتصاعد أنماط العنف من قِبل وزارة الداخلية. تُظهر بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الضحايا المدنيين بعد اجتماعات بعينها، خاصة تلك التي ناقشت مظاهرات الجمعة.

كما يُشير التوزيع الجغرافي المنسّق لعمليات القتل عبر محافظات متعددة إلى وجود تخطيط مركزي ممنهج، لا إلى عنف عشوائي. وقد مكّن الموقع المزدوج للشعار، كوزير للداخلية وعضو في خلية الأزمة، من تحويل الخطط الأمنية إلى أوامر تنفيذية مباشرة.

وتتضمن الوثائق المسربة من وزارة الداخلية خلال عامي 2011 و2012 تعليمات موقّعة باسم الشعار، أو تُشير إلى أوامره الشفهية، موجّهة إلى فروع الأمن السياسي، وإدارات الهجرة والجوازات، والسجلات المدنية. تشمل هذه التوجيهات تحديد "حصص اعتقال"، ومتابعة مؤيدي المعارضة، وتوفّية المختفين قسريًا.

وتُظهر هذه الوثائق – من خلال الترويسات الرسمية والأختام وقوائم التوزيع- الطابع البيروقراطي المنهجي لتطبيق السياسات، لا مجرد أوامر فردية أو عشوائية. وتبرز خطورة هذه الوثائق في التعميمات التي تُجيز "الضغط الأقصى" على المتظاهرين وأسرهم، في إشارة ضمنية إلى التعذيب والعقاب الجماعي.

تسليح وظائف وزارة الداخلية

يُعد تحوّل وزارة الداخلية السورية من جهاز إداري مدني إلى أداة للقمع الممنهج نموذجًا صارخًا على ظاهرة "تسليح المؤسسات". ففي عهد محمد الشعار، بين أبريل/ نيسان 2011 وأكتوبر/ تشرين الأول 2018، شهدت الوزارة انتقالًا من أداء وظائفها التقليدية إلى أداء دور أمني شامل يخدم سلطة استبدادية.

وقد شكّل دمج الوظائف الإدارية والأمنية تحت قيادة الشعار تحوّلًا نوعيًا في ممارسات الحكم الأسدي. ففي الوقت الذي تُبقي فيه الأنظمة الاستبدادية التقليدية على فصل رمزي بين الشرطة السرية والإدارات المدنية، أحرزت سوريا الأسد تكاملًا بين الجانبين.

تحوّلت إدارة الهجرة والجوازات، المكلفة نظريًا بإصدار الوثائق، إلى جهاز أمني اعتقل 1608 مدنيين؛ من بينهم 73 حصلوا على "تسويات أمنية" رسمية، وفقًا لتوثيقات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

كما تورّطت مكاتب السجل المدني، المفترض أنها مختصة بتسجيل المواليد والوفيات، في تزوير السجلات لإخفاء المعتقلين قسرًا. وقد أدى هذا الاندماج بين الإداري والأمني إلى تقويض أي شعور بالأمان داخل بيروقراطية الدولة، وأصبح من الصعب على المواطنين التمييز بين الإجراءات الإدارية والفخاخ الأمنية.

واتسع نطاق عمل مديرية الأمن السياسي، المسؤولة اسميًا عن مراقبة الأنشطة السياسية، حتى أصبحت حاضرة في كافة الدوائر الحكومية. كما مُنحت فروع الأمن الجنائي، التي كانت تقليديًا تُعنى بالجرائم العادية، صلاحيات جديدة للتحقيق في "الإرهاب"، وهو توصيف يُستخدم غالبًا لوصم أي نشاط معارض.

إعلان

والأكثر خطورة أن تدفقات المعلومات أُعيد تنظيمها بحيث طُلب من جميع الوزارات تزويد وزارة الداخلية ببيانات المواطنين، ما أنشأ بنية مراقبة واسعة تُتيح الاعتقال بناءً على مؤشرات إدارية حول تعاطف مفترض مع المعارضة.

وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما مجموعه 256 ألفًا و364 انتهاكًا نُسبت مباشرة إلى أجهزة وزارة الداخلية- وهو رقم مرجّح أن يكون أقل من الواقع نظرًا لصعوبات التوثيق تحت الحكم الاستبدادي.

ويعكس عدد القتلى المدنيين في المظاهرات- 10 آلاف و542 قتيلًا- تبنّي سياسات إطلاق نار بقصد القتل، لا مجرد فشل في السيطرة على الحشود. أما الانتشار الجغرافي لهذه العمليات- الذي لم يقتصر على معاقل المعارضة- فيُشير إلى تخطيط مركزي، لا إلى انحرافات محلية.

وقد شكّل "الاضطهاد الإداري" إسهامًا ابتكاريًا من وزارة الداخلية في منهجية القمع، إذ مارست عنفًا مؤسسيًا مقننًا من خلال أدوات قانونية. فعمليات مصادرة الممتلكات، التي بلغت 11 ألفًا و267 حالة، جرت بإجراءات قضائية صورية، محوّلةً المحاكم إلى أدوات للاضطهاد.

أما قرارات حظر السفر، التي طالت 115 ألفًا و836 شخصًا، فمكّنت من الاعتقال على المعابر الحدودية. كما أُصدرت 112 ألف مذكرة تفتيش، سُخّرت لتنفيذ مداهمات منهجية تحت غطاء قانوني. وقد أثبت هذا الشكل من العنف الإداري استدامته وفاعليته، إذ واجه إدانة دولية محدودة، بينما أسهم في إحكام السيطرة على السكان.

الشعار كحالة اختبار للعدالة الانتقالية السورية

يكشف ظهور الشعار من مخبئه- بادّعاء "الاستسلام" دون أي اعتقال فوري، ثم ظهوره الإعلامي نافيًا مسؤوليته- عن الطريقة التي يستغل بها الجناة حالة الغموض والفراغ في المرحلة الانتقالية. إن السماح له بتسليم نفسه دون محاسبة فورية يُرسل رسائل بالغة الخطورة:

أولًا، يُظهر أن مصالح الجاني قد تُقدَّم على حقوق الضحايا، إذ اختار توقيت ظهوره، وصاغ روايته الخاصة، وتجنّب الإهانة التي واجهها ضحاياه أثناء اعتقالهم القسري.

وهذا السلوك يتعارض تمامًا مع مبادئ العدالة الانتقالية التي تُعلي من كرامة الضحايا.

ثانيًا، يُشير إلى إمكانية التفاوض مع الجناة الممنهجين، سواء عبر تبادل المعلومات أو الأصول مقابل المعاملة المُيسّرة. مثل هذه السوابق تُشجّع على سلوك إستراتيجي خطير: حيث يمتنع الجناة عن التعاون إلا بشروطهم.

وسيُشكّل ردّ السلطات السورية على قضيتي الشعار وفادي صقر سابقة لها تبعات بعيدة المدى في مسار العدالة الانتقالية. فالتوازن بين ضرورات الاستقرار ومتطلبات المحاسبة يستلزم تحليلًا دقيقًا يتجاوز ثنائية "العدالة أو السلم". إن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق من دون محاسبة تُؤسس للشرعية.

ويُطرح الآن السؤال عن التوقيت والتدرّج: هل ينبغي محاكمة الشعار على الفور استنادًا إلى الأدلة الموثقة، بالتوازي مع استمرارية التحقيقات؟ وكيف يمكن استخلاص المعرفة المؤسسية منه دون منحه حصانة؟ تتطلب هذه المقاربات وجود مؤسسات راسخة تتمكن من إنجاز المهمة ببراعة.

الخاتمة: ثمن الإفلات من العقاب

يُقوّض إفلات كبار المسؤولين من المحاسبة البنية الأخلاقية التي تُعد شرطًا أساسيًا لترسيخ السلم الأهلي والاستقرار. وتُظهر دراسات العدالة الانتقالية أن المجتمعات الخارجة من سياقات عنف ممنهج تحتاج إلى "اعتراف سردي"؛ أي اتفاق جمعي حول ما حدث، ومن يتحمّل المسؤولية، ولماذا يجب ألّا يتكرر.

عندما ينجح مدبّرو الجرائم، كالشعار، في التلاعب بالسردية العامة والتنصّل من أدوارهم عبر الإعلام، فإنهم يعوقون هذا الاعتراف الضروري. ويُملأ الفراغ السردي الناتج بخطابات إنكار وأساطير متنافسة، تُقوّض فرص المصالحة وتُسمّم النقاش الديمقراطي.

وتضم سوريا آلاف المتورطين في الانتهاكات من المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية، الذين يتابعون بدقة مسار قضية الشعار. نجاح محاكمته سيُثبت عزم الحكومة الانتقالية على كسر حلقة الإفلات من العقاب. أما فشله، فسيُرسل رسالة بأن التوافق السياسي يمكن أن يُستخدم كدرع للحماية من المساءلة، مما سيُعزز مناعة الجناة ويُشجع على التحصّن والمقاومة.

إن كسر حلقة الإفلات من العقاب ضرورة إستراتيجية لضمان استقرار طويل الأمد. فالمجتمعات التي تتجاهل محاسبة الجرائم الممنهجة تُواجه احتمالات حقيقية لتجدد العنف.

وتُهدد شبكات الجناة، التي لا تزال تملك النفوذ والموارد، استقرار الدولة ومؤسساتها الناشئة. أما الضحايا، المحرومون من الاعتراف الرسمي، فيميلون نحو أشكال عدالة بديلة، بما فيها الانتقام. ويُفضي هذا المناخ إلى هشاشة قد تؤدي إلى عودة الاستبداد أو تجدّد النزاع.

إعلان

إن قضية الشعار تتجاوز المحاسبة الفردية. فهو، بصفته وزيرًا للداخلية في الفترة الأكثر دموية من تاريخ سوريا الحديث، يُجسّد الإجرام المؤسسي. ومواجهة هذا الإرث تتطلب أكثر من محاكمات رمزية؛ بل تتطلب مقاربات شاملة تُعالج الثقافة المؤسسية، والذاكرة الجمعية، والعنف الهيكلي. وهذا ما تحتاجه سوريا – الآن، وبإلحاح.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • علامة استفهام حول إفلات المجرمين من العقاب في سوريا
  • إسرائيل تمنع الصحفيين الأجانب من بث آثار سقوط الصواريخ الإيرانية في حيفا
  • تظاهرات في فرنسا بدعوة من نقابات وأحزاب يسارية دعما للفلسطينيين (شاهد)
  • عاجل - مع دوي انفجارات.. موجة جديدة من الصواريخ الإيرانية تصل إسرائيل
  • برلماني: العدوان على إيران امتدادٌ متوقع لانفلات إسرائيل من العقاب الدولي
  • الحرب تمنع مهاجم إنتر ميلانو من الالتحاق بفريقه
  • 55 ألف شهيد حصيلة الإبادة الجماعي في غزة
  • ضربات إسرائيل على إيران تُربك مؤتمر "حل الدولتين"
  • بعد هجوم إسرائيل على إيران.. تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة لحل الدولتين
  • إيكونوميست: هل مؤسسة غزة الإنسانية مؤامرة وأداة إسرائيلية؟