الخرطوم – يودع السودانيون عام 2023 المليء بالدماء والدموع، حيث بدأ بانقسام واستقطاب سياسي بين الفرقاء بشأن "اتفاق إطار" لحل الازمة السياسية، فجّر خلافا بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقاد إلى حرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي لم تشهدها العاصمة الخرطوم منذ أكثر من 100 عام، امتدت إلى كردفان ودارفور وراح ضحيتها الآلاف، وشردت الملايين، وباتت تهدد بتشظي البلاد.

ويصف الباحث السياسي عبد القادر حسن 2023 بأنه كان عاما حزينا ومأساويا وكابوسا على السودانيين، موضحا أن الحروب خلال العقود الماضية كانت تدور في أطراف البلاد، لكنها لأول مرة منذ أكثر من قرن تدق أبواب عاصمتهم.

تراكم الأزمة

دخل السودان العام متأثرا بأزمة مستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021 إثر انقلاب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان على حلفائه في تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حال الطوارئ.

ووقّع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وثيقة لحل الأزمة مع المكون العسكري في مجلس السيادة، لكن القوى المدنية التي كانت تشكل عماد الحكومة رفضتها، مما دفع حمدوك إلى الاستقالة.

وفي أوائل ديسمبر/كانون الثاني 2022 توصلت قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي إلى "اتفاق إطار" مع المكون العسكري، وقّع عليه البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وكان مقررا التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي في مطلع أبريل/نيسان الماضي، على أن يتم التوقيع في السادس من الشهر نفسه على دستور انتقالي، ثم تشكيل حكومة مدنية انتقالية  تدير البلاد عامين قبل إجراء انتخابات عامة.

المفاوضات بين المكون العسكري والقوى المدنية سهلت الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، والمجموعة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.

تجاذب سياسي

رفضت الوثيقة السياسية قوى فاعلة في المشهد، أبرزها قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، التي تضم كبرى الحركات المسلحة، بجانب قوى أخرى مؤثرة، مما أحدث انقساما سياسيا في البلاد.

وعزز من تعقيدات المشهد تمسك البرهان ومن خلفه المؤسسة العسكرية بعدم التوقيع على الاتفاق النهائي، إذا لم يتم تحديد موعد لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وعقدت ورشة للإصلاح الأمني والعسكري، طالب خلالها الجيش بدمج الدعم السريع خلال عامين، وتمسك الأخير بعشرين عاما، فانسحب ممثلو الجيش من الورشة، مما زاد من التوتر في البلاد.

وتصاعدت الأزمة باصطفاف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي إلى جانب قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش وقوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، في حين وقفت القوى اليسارية رافضة لأي تسوية مع العسكر، واتهمت حلفاءها السابقين في التحالف الحاكم بالسعي إلى شراكة جديدة مع المكون العسكري، وأطلقت عليهم "قوى الهبوط الناعم".

ودفع التجاذب بين الفرقاء السودانيين، والتوتر بين الجيش والدعم السريع، إلى اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي، التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية محاولة من حميدتي لاختطاف السلطة عبر تدبير عسكري بدعم قوى إقليمية، واتهمت المبعوث الأممي فولكر بيرتس بالمساهمة في تأجيج الأوضاع بمحاولة فرض قوى سياسية محدودة لا تحظى بدعم شعبي وليس لديها عمق اجتماعي، وتسليمها الحكم وإقصاء القوى الأخرى.

تحطم عدد من الطائرات وتأثر أبنية في المطار بالأعمال العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (الجزيرة) تداعيات الحرب

بعد إكمال الحرب 8 شهور، لم يحدث تحول كبير في الخريطة العسكرية في العاصمة الخرطوم، لكن تمدد القتال ليشمل أجزاء من ولايات كردفان، ومنذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على عواصم ولايات جنوب وغرب ووسط دارفور، ولم تبق خارج سيطرتها في الإقليم سوى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

وبات السودان يصنف على أنه يشهد أكبر نزوح داخلي في العالم، وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان إن أكثر من 12 ألف شخص قتلوا في الحرب منذ اندلاعها.

كما ذكر أن 6.6 ملايين شخص فروا من منازلهم، منهم 5.3 ملايين نزحوا داخليا في 4473 موقعا في ولايات البلاد الآمنة، في حين عبر 1.3 مليون شخص إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان.

وأطلق برنامج الغذاء العالمي، في أحدث تقرير له، تحذيرات جديدة من حدوث مجاعة وشيكة، تهدد 18 مليون سوداني بحلول موسم الجفاف العام المقبل.

وبجانب تدهور الأوضاع الأمنية والوضع الغذائي، وتفشي الأمراض الوبائية مثل الكوليرا وحمى الضنك، بات تعطل الدراسة يهدد جيلاً بأكمله، وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن 19 مليونا من أطفال السودان في مختلف المراحل الدراسية أصبحوا خارج أسوار المدارس، وأن البلد على وشك أن يصبح موطنا لأسوأ أزمة تعليمية في العالم.

تدهور خطير في القطاع الطبي وفي مستشفيات الفاشر وولايات دارفور بسبب القتال بين الجيش والدعم السريع (الجزيرة) خسائر اقتصادية فادحة

وعن الخسائر في الاقتصاد والبنية التحتية والخدمية، يقدر الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز أنها بلغت أكثر من 108 مليارات دولار، منها 15.8 مليار دولار في الناتج الإجمالي المحلي، وتقدر خسائر البنيات التحتية العامة في قطاع الطيران المدني بـ3 مليارات دولار، والطرق والجسور ومقار وزارات ومؤسسات حكومية بـ10 مليارات دولار.

كما يقدر الخبير الاقتصادي خسائر البنيات العامة في القطاع الصحي بـ5 مليارات دولار، وقطاع الكهرباء والمياه بـ10 مليارات دولار، ويوضح أن خسائر القطاع الخاص لا تقل عن 15 مليار دولار، بجانب التدمير الشامل للقطاع الصناعي في ولايتي الخرطوم وجنوب دارفور بنحو 30 مليار دولار، كما قدر خسائر القطاع الزراعي بـ10 مليارات دولار.

وفيما يخص المواطنين وممتلكاتهم، يقول الخبير الاقتصادي إن نحو 10 آلاف مسكن في ولاية الخرطوم تم نهبها بالكامل، بما في ذلك مدخرات المواطنين، ونهب نحو 30 ألف سيارة، وقدرت تلك الخسائر بـ10 مليارات دولار.

وتوقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد السودان 12% في العام 2023 بسبب تداعيات الحرب، كما فقد الجنيه السوداني أكثر من 90% من قيمته، حيث كان سعر صرف الدولار قبل الحرب 560 جينها، وبلغ بعدها 1070 جنيها بالسوق الموازي.

أزمة البعثة الأممية

واجهت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان "يونيتامس"، برئاسة الألماني فولكر بيرتس، انتقادات من المكون العسكري والتيار الإسلامي منذ مباشرة مهامها في 2021 بطلب من حمدوك.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي تقدم بيرتس باستقالته، وعين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش  رمضان لعمامرة مبعوثا له إلى السودان، وأنهى مجلس الأمن الدولي مهام البعثة في مطلع ديسمبر/كانون الثاني الجاري بناء على طلب من السودان، الذي وصف أداءها بأنه كان مخيبا للآمال.

ضغوط أميركية

وفي حديث للجزيرة نت، يرى الباحث السياسي عبد القادر حسن أن تعثر منبر جدة للمفاوضات بين الجيش والدعم السريع خيّب آمال السودانيين، الذين كانوا ينتظرون سلاما، وعزا ذلك لغياب الإرادة لدى طرفي الصراع، والتدخلات الخارجية التي عقدت الأوضاع.

ويرجح حسن أن يشهد الربع الأول من العام الجديد اختراقا نحو إنهاء الحرب بسبب الضغوط الأميركية، حيث تسعى واشنطن لحمل الطرفين على وقف القتال مع اقتراب الانتخابات الأميركية، حيث صارت الانتهاكات وجرائم الحرب والتطهير العرقي في دارفور أجندة داخلية في الولايات المتحدة، وملفا للتنافس بين البيت الأبيض والكونغرس.

ويضيف الباحث أن المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر، الذي كان مهندس الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية وجبهة التقراي والذي طوى الحرب في الإقليم، بدأ حراكا في الملف السوداني منذ الأسبوع الماضي بالمشاركة في قمة زعماء دول الإيغاد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوى الحریة والتغییر قوات الدعم السریع بـ10 ملیارات دولار الأمم المتحدة بین الجیش أکثر من

إقرأ أيضاً:

غوتيريش: جرائم الحرب في السودان لا يمكن أن تمر دون مساءلة

الدوحة ـ دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف القتال في السودان، مؤكدا أن أحد الشروط الأساسية لوقف الحرب يتمثل في منع وصول أي أسلحة جديدة إلى البلاد، مشددا على أن استمرار تدفق السلاح يطيل أمد الصراع ويزيد من معاناة المدنيين.

وقال غوتيريش، في مؤتمر صحفي في الدوحة على هامش القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، إن "الجرائم المروعة التي ترتكب في السودان لا يمكن أن تستفيد من أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب"، داعيا إلى إنشاء آليات محاسبة حقيقية لملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات، والتي وصفها بأنها فظائع لا يمكن الصمت عنها.

وأضاف أن الأمم المتحدة تعمل بالتنسيق مع "الرباعية" والاتحاد الأفريقي وإيغاد، في مسار يهدف إلى توحيد الجهود الدولية وإيصال رسالة واضحة إلى القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بأن "هذه الحرب غير مقبولة إطلاقا، وأن وحدة السودان وسلامة أراضيه يجب أن تحترم مهما كانت الظروف".

وفي معرض رده على سؤال عن مسودة أميركية مقترحة لوقف إطلاق النار في السودان، قال غوتيريش، إن جميع الأطراف الدولية تعمل نحو الهدف نفسه: وقف فوري للقتال ووقف النزيف الإنساني.

وأكد أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد والرباعية "لديهم الهدف ذاته"، موضحا، أن أي مقترح للهدنة هو خطوة مرحب بها طالما تسهم في إنهاء "الكارثة غير المقبولة" التي يعيشها السودان.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش:

• لطالما كانت دولة #قطر شريكا وصديقا للأمم المتحدة ودعمت بسخاء عمليات الإغاثة والمساعدة الإنسانية حول العالم.

• دولة قطر صانعة سلام في الشرق الأوسط وحول العالم بالإضافة إلى وساطتها في صراع #غزة .#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/cPLvKUiouk

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 4, 2025

الوضع في غزة

وعن الوضع في غزة، أوضح غوتيريش أن الأمم المتحدة تعمل بنشاط لضمان زيادة تدفق المساعدات الإنسانية بشكل كبير إلى القطاع، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لعبت دورا في دفع إسرائيل إلى إزالة بعض العقبات التي كانت تحول دون وصول المساعدات إلى كامل السكان.

إعلان

وأكد الأمين العام، أن المنظمة الدولية متمسكة بموقفها من ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، وضمان الربط بين الضفة الغربية وغزة في المرحلة المقبلة، وصولا إلى حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

وأوضح أن النقاشات الجارية بشأن "وثيقة إعلان" تعدها الولايات المتحدة هي نقاشات تقتصر على أعضاء مجلس الأمن، مؤكدا أن الأمانة العامة للأمم المتحدة ليست طرفا فيها، لكنه شدد على أن أي كيان يجري تشكيله لإدارة غزة يجب أن يحصل على شرعية مستمدة من مجلس الأمن.

وردا على سؤال بشأن الحديث عن قوة دولية محتملة لما بعد الحرب، قال غوتيريش، إن النقاشات الحالية داخل مجلس الأمن تتناول "قوة تعنى بتثبيت وقف إطلاق النار"، إضافة إلى تدريب وبناء جهاز شرطة فلسطيني فعال، وصولا إلى وضع تتولى فيه السلطة الفلسطينية كامل مسؤولياتها.

غوتيريش: ندعم بقوة ضرورة صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وضرورة الربط بين غزة والضفة الغربية، ونشارك بنشاط من أجل التأكد من زيادة المساعدات المقدمة إلى سكان القطاع#الأخبار pic.twitter.com/axLblxAqBI

— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 4, 2025

التعليم مفتاح مستقبل غزة

وفي إجابته عن سؤال عن تراجع الاهتمام الدولي بمآسي غزة والسودان، قال غوتيريش، إن دور الأمم المتحدة سيبقى أساسيا في الدفاع عن حقوق المدنيين، مشددا على أن التعليم يجب أن يكون في قلب عملية إعادة الإعمار في غزة.

وأوضح أن معظم مدارس أونروا دمرت خلال الحرب، وأنه "من الضروري إعادة بناء نظام تعليمي فعال"، مشيرا إلى أن مؤتمرا دوليا عن إعادة إعمار غزة سيعقد قريبا في القاهرة، وأن ملف التعليم سيكون محوريا في أي خطة لإعادة التأهيل.

وبشأن حجم الدمار في القطاع، قال غوتيريش، إن التقديرات الأولية التي تعمل عليها فرق الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تشير إلى مستويات دمار هائلة، مؤكدا الحاجة إلى خطة دولية واسعة النطاق لإعادة الإعمار.

وأشار إلى أن مصر تتولى قيادة التحضيرات لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، معربا عن ثقته في أن قطر ستلعب دورا حاسمًا في تلك الجهود، قائلا إن "الدوحة أثبتت دائما دعما ثابتا لحقوق الشعب الفلسطيني دون أي أجندة سوى دعم السلام".

مقالات مشابهة

  • السودان.. الدعم السريع يعلن الموافقة على الدخول في الهدنة
  • «يونيسف»: أكثر من ثلاثة ملايين طفل في السودان يواجهون سوء التغذية الحاد
  • الصحفيين العرب يطالب قوات الدعم السريع بالافراج عن الصحفيين السودانيين المعتقلين لديها فوراً
  • الجيش السوداني يرفض وقف إطلاق النار ويقرر مواصلة قتال الدعم السريع
  • مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع بدارفور وكردفان
  • وزير سوداني: الشعب سيدعم الجيش في حربه على الدعم السريع
  • وزير سوداني سابق يكشف لـعربي21 أسباب انسحاب الجيش أمام الدعم السريع
  • وزير سوداني يكشف لـعربي21 أسباب انسحاب الجيش أمام الدعم السريع ومستقبل المفاوضات
  • غوتيريش: جرائم الحرب في السودان لا يمكن أن تمر دون مساءلة
  • هل تقود عملية نيون إلى توافق بين الفرقاء السودانيين؟