ربيع جهاز المخابرات العامة
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
هأنذا أتمشى في أحد شوارع الخرطوم، نفس الشارع الذي شهد معركة حامية قبل عام تقريباً، لمستُ الأرض لمساً خفيفاً، ثمّة سيارة تنهب الطريق نهبا، وبائع خضار يجول بكارو حصان، هنالك طفلةٌ جميلة تضحك في حبور وتداعب بأصبعها الغضة بالونٍ أحمر، ينفلت منها في سماء المدينة العائدة إلى حضن الوطن. قلتُ في سري: يا إلهي! أطفالٌ بعد خوف.
وربما تحتاج، يا صديقي، أن تُدرك ثمن العودة وكلفة التحرير، أن تُدرك كيف أن ثمة رجالًا لا تراهم، لكنهم حولك، يحملون عنك عبء المسير، يحمون متجرك، هاتفك، جارك الطيب، حبيبتك الجميلة، والممرضة التي تبتسم في وجهك، المدينة التي تنام مطمئنة، المساجد التي تنطلق بالتكبير، فالحياةُ عادت بفضل هؤلاء الأبطال، بعون الله.
حين تعبر جسر المنشية، وتغمر وجهك نسمات النيل، فاعلم أن هذه الأضواء المنهمرة هي شمس الصباح و”الصباح رباح شمسك يا وطني”، قلها بيقين: كنا وين وبقينا وين. فهو إذن المشهد ذاته في جبل موية والجيلي، التكِينة ومكركا، حلة فوق وسنجة، القطينة، في أم روابة ومدني، تستطيع أن تسافر إلى أي مكان بسيارتك أو بالبص، أو بالركشة إن شئت، ولا تخشى سوى رجال المرور وأنثى الأنفولس.
وإذ يواصل الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل قيادة جهاز المخابرات بعد تجديد الثقة فيه، تشعر بطمأنينةٍ عميقة؛ فكل ضباط وجنود هذا الجهاز في منتهى الوطنية والتجرّد، معظمهم، إن لم يكن جميعهم، لم يأخذوا إجازة منذ بداية الحرب، يعملون بتفاني كي تنعم أنت بجولتك هذه في شارع النيل، أو تسافر مطمئنًا إلى فداسي والقضارف أو بورتسودان، ثم تعود قافلًا إلى الأبيض، فهنالك من يسهر لتبقى أنت آمناً، قد لا تعرفه، لكنه يعرفك، ولربما يربت على كتفك كما فعل معي ذلك الضابط أو الجندي المجهول.
لقد كان دور جهاز المخابرات في معركة الكرامة متعاظماً، قيادته، إذ تبدو بين الفريق مفضل ونائبه وآخرين لا نعرفهم، يفهمها اللبيب بالإشارة. في غاية التناغم، قبل وبعد بيعة جبل سركاب وحتى اليوم، يقود الجهاز عملياتٍ دقيقة، واختراقاتٍ في جبهات التمرد، وتنسيقياتٍ نجحت في تفكيك الاصطفاف الإثني الذي حاول آل دقلو صناعته وصرفوا عليه ملايين الدولارات، والكثير من الرشاوى والسيارات الفارهة، فالحرب ليست ضد قبيلةٍ أو بطن وفخذ بيتٍ، بل ضد من حمل السلاح واعتدى على المدنيين ونهب القرى وارتكب الجرائم، ولذا نحتاج إلى سرديةٍ وطنيةٍ واحدة تؤكد على أن السودان لا يرفض السلام، بل يرفض العدوان، ويواجه مشروعاً خارجياً خبيثاً يسعى لتقسيمه تحت عناوين براقة، وحيل ماكرة.
الحمد لله، عاد جهاز المخابرات العامة أكثر تماسكاً ونضجاً، يبسط ظلّه على الأمن وحماية الحياة، يبدّد المخاوف، يضبط إيقاع الدولة، ويحصّنها من الاختراقات والوجود الأجنبي غير المقنّن، وها هم رفاق الشهيد عمر النعمان، ومن سبقوه ومن لحقوا به، هنا وهناك، يعملون بذات التجرّد، بلا أجندةٍ حزبية أو سياسية، يعملون بمهنية واحترافية، وذلك بالرغم من أن البعض حاول شيطنتهم في زمن الهياج الثوري، وأراد كسر هذا الطوق ليسرح العملاء وتعم الفوضى، لكن الأيام أثبتت أن هؤلاء الرجال يحرسون الدولة لا الحزب، وأن الجهاز خرج من محنته أكثر رسوخاً وإيماناً بادواره الوطنية.
تذكّرنا هذه الأحداث بمسلسل ربيع قرطبة، وأيام أبي عامر في الأندلس، ذلك الرجل الذي ظهر في زمن الاضطراب، فحوّل الخلافة الأموية في الأندلس إلى نموذجٍ إداريٍ عظيم، نظّم الجيش، وأعاد الثقة إلى الناس، فازدهرت قرطبة في عهده حتى سُمّي زمنه بـ”ربيع قرطبة”.
قد تصلح هذه المقاربة داخل قيادة الجيش وجهاز المخابرات تحديداً، فالمنصور لم يكن صاخبا في حضوره، بل حاضراً في فعله، يُسيّر الدولة من خلف الستار بعقلٍ مدنيٍ راشدٍ وروح أمنيةٍ متيقظة، حتى أصبحت الأندلس منارةً للعلم والنظام والكرامة، ومثلما كان “ربيع قرطبة” زمن المنصور رمزاً لازدهار الدولة واستقرارها، فإن السودان اليوم يتطلع إلى ربيعه الأمني، على أيدي رجالٍ أدركوا أن بقاء الوطن دونه المهج الأرواح، وأن نهضته وكرامته أسمى غاية.
عزمي عبد الرازق إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: جهاز المخابرات
إقرأ أيضاً:
جولة لرئيس جهاز العاشر لمتابعة تطوير المنطقة الصناعية
قام المهندس علاء عبداللاه مصطفى، رئيس جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان والمشرف على جهاز حدائق العاشر، بجولة ميدانية موسعة بالمنطقة الصناعية "B2" لمتابعة أعمال الرصف والتطوير، والوقوف على متطلبات البنية التحتية ومعدلات التنفيذ، وذلك تنفيذًا لتوجيهات المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بضرورة متابعة تنفيذ المشروعات الخدمية والتنموية بالمناطق الصناعية ورفع كفاءتها لتوفير بيئة عمل واستثمار جاذبة.
وخلال الجولة، تفقد رئيس الجهاز أعمال الأسفلت والرصف بعدد من الشوارع الرئيسية والفرعية داخل المنطقة الصناعية، ووجّه الشركات المنفذة بسرعة الانتهاء من الأعمال وفقًا لأعلى معايير الجودة، مع مراجعة الكميات المنفذة وحساب الأعمال بدقة طبقًا للمواصفات الفنية المعتمدة، بما يضمن سلامة التنفيذ وتحقيق الاستفادة القصوى من مشروعات البنية الأساسية.
كما شدد رئيس الجهاز على ضرورة إزالة الرتش ومخلفات البناء أولًا بأول، وتسوية المساحات الخالية للحفاظ على المظهر الحضاري العام، مؤكدًا أن الجهاز لن يتهاون مع أي تقصير أو تأخير في تنفيذ الأعمال داخل المناطق الصناعية، نظرًا لأهميتها في دعم قطاع الاستثمار والإنتاج بمدينة العاشر من رمضان.
ووجّه المهندس علاء عبداللاه مصطفى بتسوية المناطق الملاصقة للمصانع مباشرة، وتنفيذ بردورات مائلة يمكن استغلالها كمناطق مخصصة لركن سيارات نقل البضائع الخاصة بالمصانع، بما يساهم في تنظيم حركة النقل داخل الشوارع الصناعية ومنع التكدسات المرورية، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يأتي في إطار خطة متكاملة لتطوير البنية التنظيمية والمرورية داخل المدينة.
كما وجّه رئيس الجهاز أصحاب المصانع والمنشآت الإنتاجية بعدم ركن سيارات النقل في الطرق العامة أو أمام مداخل المصانع، حفاظًا على انسيابية الحركة المرورية، مؤكدًا ضرورة التزام الجميع بالتعليمات لتحقيق المظهر اللائق بالمنطقة الصناعية التي تُعد من أكبر المناطق الإنتاجية في مصر.
وفي السياق نفسه، شدد على تكثيف أعمال النظافة ورفع المخلفات بصفة دورية داخل المنطقة الصناعية، بالتنسيق مع الإدارات المعنية، لضمان بيئة نظيفة وآمنة تعكس الوجه الحضاري للمدينة وتحقق أفضل ظروف العمل للعاملين وأصحاب المصانع.
وأكد المهندس علاء عبداللاه مصطفى أن هذه الجولة تأتي في إطار خطة جهاز المدينة لتطوير ورفع كفاءة المناطق الصناعية وتحسين بيئة العمل والاستثمار، تنفيذًا لتوجيهات وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، وهيئة المجتمعات العمرانية، بضرورة المتابعة الميدانية الدائمة لمشروعات التطوير، لضمان جودة التنفيذ وسرعة الإنجاز بما يخدم المستثمرين والعاملين بمدينة العاشر من رمضان.