في التعليم العام والثقافة والتكوين
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
التعليم والثقافة.. ومن غيرهما! ... لا بد منهما أولا، حتى يكون وقوفنا على أرض أكثر صلابة، لنمشي ونركض ونحلّق، فلأوطاننا حق في أعناقنا جميعا، وواجبنا هو الارتقاء من خلال خلق مناخات تعلم فعال، فالتعليم والثقافة يوسعان العقول والصدور. ولا أمة نهضت قديما أو حديثا إلا بالانطلاق من بنية تعليمية وثقافية، فللطفل والفتى عقل، وخيال رحب.
ليس الغرض تاريخيا بالطبع، وإن من المهم جدا فهم الجذور؛ لأنه إنما السيقان والفروع والأوراق والثمر مرتبط بها أيما ارتباط، بل الغرض هو اليوم باتجاه الغد، فهما الأكثر ارتباطا، ورسالتنا ككتاب ومثقفين وتربويين تكمن هنا.
هنا من سيحاجج بأن المحكومين والحكام هم جميعا مخرجات نظامنا التربوي، بمعنى أن من نرضى عنهم أو لا، هم طلبة الأمس في المدارس والجامعات، وهنا سنجد أنفسنا ونحن إزاء تحليل المنظومة، بأن هناك تخطيطا في التربية والتعليم العام مرتبط بمنظومة المجتمع والنظام السياسي بشكل خاص، بمعنى أن المجتمع الذي يجمع على أهداف معينة، فإنه من خلال نظامه السياسي المنتخب يقوم بعملية تعليم تنسجم مع المنظومة، وليس في هذا من يثير الجدل باستثناء وجود هندسة فكرية تخدم البنية الحاكمة أكثر ما تخدم بنية المجتمع نفسه.
وعليه فإننا ننظر بعين الرضا للجدل داخل مجتمعاتنا، فيما يتعلق بأي تعليم نريد وأي تربية؟ وعليه سيكثر الحديث عن المناهج كونها مفتاح التغيير.
إن وجود انسجام نسبي بين النظم والمجتمع يتيح المجال للتطوير، ولعلنا بدأنا عربيا نشهد ذلك التصالح السياسي التربوي، في ظل التحديات التي تواجهنا جميعا حكاما ومحكومين.
وهنا، من منظور التفاؤل، سنجد التربويين من مراحل عمرية مختلفة، يتعاونون مثلا اليوم في ظاهرة الذكاء الاصطناعي، ونقرأ يوميا عن لقاءات ومؤتمرات تبحث التعليم العام والعالي على ضوء هذه الظاهرة. والأمر متعلق بالتربية المعلوماتية على مدار 3 عقود من شيوع ظاهرة الإنترنت، وما ارتبط بها من ظاهرة الإعلام الاجتماعي، على مدار نصف الفترة تقريبا.
صحيح أن تكنولوجيا المعلومات في بلاد المنشأ بنيت على أرض تعليمية ومناهج حديثة قائمة ضمن بنى راسخة تعتمد التفكير بعكس حالنا القائمة على التعليم التقليدي السائد، إلا أن مفاعيل ذلك أثرت على الأجيال الجديدة، التي لم يعد فيها المعلم والكتب المدرسية مصدر المعلومة الوحيد، لكنها في الوقت نفسه راحت للأسف تزهد بخبرات الكبار أيضا.
في ظل الجدلية حول التعليم والمخرجات من طلبة مدارس وجامعات، وفي ظل شكوى المستويات الفكرية الناقدة للتعليم التقليدي الذي يقوم على هندسة الجيل وفق مقتضيات الحكم، التي تتصارع مع قوى المحافظة، سواء في مجتمعاتنا أو معظم مجتمعات العالم، باعتبار أن التعليم انعكاس للمجتمع، يأتي دور الثقافة من أدب وفنون، كحالات إبداعية، تملأ أية فراغات يمكن أن تنشأ، وتعرّض الأجيال لحالات اغتراب أو تبعية.
رسالة الثقافة تكمّل رسالة التعليم، وكلما كانت الثقافة جادة، فإن تأثيرها يكون عميقا، ولنا في البلاد التي أسست بنى ثقافية من مؤسسات حكومية راسخة، تقاطع دورها مع المؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية، قدوة حسنة، حين منحت للمثقفين والمبدعين منابر للإبداع؛ ففي الوقت الذي نتعلم في المدارس والجامعات، وفق مناهج تعليمية عامة تتفق والمجتمع، في ظل جدل مستمر، وتطوير متفاوت بين بلد وآخر، فإننا ومن سبقنا ومن تبعنا، نهلنا من الأدب والفنون، فحدث فينا معا توازن نرضى عنه، ونسعى إلى تطويره، من خلال لبرلة أكثر للتعليم، ومنح المبدعين مجالات أكثر رحابة من خلال الإبداع في أريحية، في ظل الالتزام الوجودي والحفاظ على منجزات القيم الروحية والاجتماعية.
هي قيمة التعاون، والإيمان ببعضنا بعضا، وفهم التعليم والثقافة ومجالات المجتمع الأخرى، بعيدا عما يقودنا إلى تنافس أو تناقض، فكل مجال وتأثيره، وهي جميعا تبدع في تكوين أجيال جديدة واقفة على أرض صلبة، لا تشتتها رياح العولمة، وفي الوقت نفسه، فإن عقولها وقلوبها مفتوحة بذكاء والتزام.
"وتعاونوا على البرّ والتقوى"، آية 2 سورة المائدة. هو التعاون المعلن والخفي في آن واحد؛ من خلال منظومة الحكم حين تولي التعليم اهتماما خاصا، كونه حاضنا للأجيال القادمة، وتولي الثقافة رعاية خاصة، من خلال الفهم العميق لأثر الثقافة والفن، كون المتعلم يقبل عليهما مختارا بما يجذبه من جماليات وأساليب محببة أكثر من منهجيات التعليم، وما يرتبط به من نظام تقييم واختبارات دورية.
وهكذا مضينا ونمضي، لكن الأمل يستمر في التطوير من خلال منح النظام التعليم المزيد من الأنسنة، من خلال التعليم من سياقات الحياة لا التعلم المجرد، واستخدام الأساليب الجاذبة التي تثير التفكير لا مجرد استظهار معلومات غير مفهومة ولا مذوّتة.
إن الحديث عن تطوير التعليم يقودنا الى تشجيع الثقافة المنتمية لزمانها ومكانها، غير منقطعة عن تراثها، ولا تلك التي تقلد ثقافة الأمم الأخرى وفنونها؛ فكل أمة لها سياقها الخاص، ونحن لما خصوصيتنا، كذلك فإن للمبدعين خصوصياتهم. إن أصالة الثقافة أو الثقافة الأصيلة لا تعني محاكاة التراث والماضي، بل تعبير المبدع عن نفسه والآخرين في محيطه، فتصير قضاياهم قضيته وتصير همومه كإنسان همومهم أيضا.
تعليم يخلق الروح العلمية والمواطنة، في ظل الانتماء الوطني والقومي والروحي، وثقافة جادة تعرف حدود الانفتاح، كما تعرف قيمة الإنسان العربي وطموحه، وأهدافه؛ حيث تكون الحرية هنا قيمة إنسانية واجتماعية ونفسية، قيمة مصانة منا جميعا، وقيمة مصونة، يتم خلال ذلك كله تنشئة جيل وأجيال تعرف أين تقف أقدامها، وأين تتجه عيونها وحواسها وأفكارها ومشاعرها.
ولعل فيما تعيشه أمتنا من قضايا شعوبنا، تكون المحرّك والمحفّز معا للنظرة الاستراتيجية التي تعظّم مواردنا البشرية، فالإنسان هو هدف التطوير الحقيقي الشامل والعميق؛ حيث سيجد المتعلمون والمعلمون والمثقفون أنفسهم أكثر جدية للارتقاء بالفعل، للحفاظ على المنجز، والموارد والاستقلال والكرامة وامتلاك أدوات العصر العلمية لا مجرد استهلاك بعض جوانبها خاصة ما يتعلق بكثرة الكلام على مواقع التواصل الاجتماعي التي يسهل لكثيرين منا فعل الكلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
اليمن يشارك في الدورة الـ43 للمؤتمر العام لليونسكو
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / سمرقند:
شاركت الجمهورية اليمنية، اليوم، في أعمال الدورة الثالثة والأربعين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، المنعقد في مدينة سمرقند بجمهورية أوزبكستان بوفد ترأسه وزير التربية والتعليم طارق العكبري.
ويناقش المؤتمر، الذي يشارك فيه قادة دول، ووزراء التربية والثقافة والبيئة من ١٩٤ دولة، عددًا من الموضوعات المحورية المتعلقة بتحديد السياسات العامة للمنظمة، إضافة إلى عقد جلسات حوار رفيعة المستوى وفعاليات جانبية متنوعة تتناول قضايا التعليم والثقافة والتنمية المستدامة ضمن جدول أعمال المؤتمر.
شارك في المؤتمر، مندوب اليمن الدائم لدى منظمة اليونسكو، الدكتور محمد جميح.