في نهاية عام 2023، يحين الوقت لاستعراض أبرز الأحداث التي شهدها هذا العام المليء بالتحولات والتطورات الهامة. كانت سنة مليئة بالتحديات والأحداث التي لم تكن لتمر مرور الكرام؛ من السياسة إلى الحروب والبيئة، شهد عام 2023 تغيرات جذرية وأحداثًا مؤثرة على مستوى العالم، ولعل أبرز أحداث النصف الثاني من العام 2023 كانت كالتالي:

مايو "هجوم الكرملين ووتويج تشارلز وعودة سوريا لجامعة الدول"

هجوم الكرملين أو محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو هجوم بطائرة مسيرة انتحارية وقع في يوم 3 مايو من عام 2023 فوق الكرملين في موسكو في روسيا لكنه فشل ولم يسفر عن أي وفيات أو حتى إصابات.

بعد أكثر من ثلاثة أعوام أعلنت  منظمة الصحة العالمية، يوم 5 مايو، إن "كوفيد -19" لم يعد حالة طوارئ صحية، وأعلنت المنظمة أن تفشي فيروس كورونا يمثل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا في يناير من عام 2020، قبل حوالي ستة أسابيع من وصفه بأنه جائحة.

وفي 6 مايو توج تشارلز الثالث وزوجته كاميلا رسميا، ملكا وملكة على العرش البريطاني خلال مراسم دينية مهيبة أمام نحو 2300 مدع، ووقبل ذلك بوقت قصير، أقسم الملك على خدمة رعاياه وحماية كنيسة إنكلترا التي هو رئيسها الأعلى.

 وفي السابع من مايو أعلنت جامعة الدول العربية في بيان لها أنها اتخذت قرارًا باستعادة سوريا عضويتها واستئناف مشاركتها في اجتماعات مجلس الجامعة، بعد 12 عاما من تعطيل عضويتها.

وفي 15 مايو شهد السودان اشتباكات أو ما سمي بنزاع السودان 2023 وهو نزاعٌ مسلَح  بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع تحتَ قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

 تركّزت الاشتباكات في يومها الأول في العاصمة الخرطوم (ولاية الخرطوم) وخصوصًا في محيطِ القصر الرئاسي وفي مطار الخرطوم الدولي لكنها امتدَّت في الأيام اللاحقة لمدن وبلدات أخرى.

 وفي 15 مايو أيضا  استعدت تركيا  لأول جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية بعد منافسة انتخابية حامية شهدت تقدم الرئيس رجب طيب أردوغان على منافسه زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو دون أن ينجح في تأمين ما يكفي من الأصوات لتأكيد فوزه في الجولة الأولى.

 وجرت جولة الانتخابات الرئاسية الثانية للمرة الأولى في تاريخ الدولة ذات الغالبية المسلمة والعلمانية رسميا، في 28 مايو بفوز "أردوغان". 

وفي 19 مايو اختتمت القمة العربية الثانية والثلاثون أعمالها في مدينة جدة السعودية على مستوى القادة، بحضور رؤساء وملوك وأمراء عدة دول عربية، من بينهم الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ 2010، وبمشاركة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.

تضمن البيان الختامي للقمة "إعلان جدة" أكثر من 32 بندا شملت العديد من القضايا الهامة في المنطقة، منها القضية الفلسطينية والأزمة السورية والوضع اللبناني، والتعامل مع إيران، وكذلك قضايا الأمن القومي العربي والأمن الغذائي والملفات الاقتصادية والاجتماعية.

وانطلقت رحلة رائدي الفضاء السعوديين من فلوريدا يوم الـ 21 من مايو، وتم الإعلان عن نجاح التحام المركبة الفضائية بمحطة الفضاء الدولية بعد نحو 16 ساعة من الانطلاق.

يونيو  "مراسم زفاف ملكي وهجوم أوكراني مضاد"

استهل شهر يونيو الأحداث بزفاف ملكي مهيب التفت الأنظار إليه، وأُقيمت في 1 يونيو 2023 مراسم زفاف ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله و‌رجوة آل سيف في اثنين من القصور الملكية بالمملكة الأردنية الهاشمية، حيث عُقد القران في قصر زهران أعقبه حفل ومأدبة زفاف في قصر الحسينية.

في الثالث من يونيو وقع حادث إطلاق النار على الحدود المصرية الإسرائيلية عند معبر العوجة، ما أدى إلى مقتل فرد أمن مركزي مصري وثلاثة عسكريين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين، وتضاربت الأنباء حول ملابسات الحادث.

وذكر المتحدث العسكري المصري رواية إن أحد عناصر الأمن المصري اجتاز خط الحدود الدولية أثناء مطاردة عناصر تهريب للمخدرات، وأثناء المطاردة تبادل إطلاق النيران مما نجم عن مقتله ومقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة اثنين وقدم التعازي لأسر المتوفيين. وفي السادس من يونيو جرت انتخابات مجلس الأمة  البرلمانية العشرين في تاريخ الكويت، وفي 17 أبريل 2023.

وفي الخامس من يونيو استشهد  الطفل  محمد هيثم إبراهيم التميمي  برصاص عشوائي أطلقه جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي المتواجدين في برج مراقبة لحاجز عسكري على مدخل قرية النبي صالح شمال غرب محافظة رام الله والبيرة في 2 يونيو 2023.

كما شهد يونيو الهجوم الأوكراني المضاد هو هجوم مضاد شنته أوكرانيا في يوم 8 يونيو 2023، بهدف استعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا 2022، توزع الهجوم على عدة محاور، بما في ذلك أوبلاست دونيتسك، أوبلاست زاباروجيا، وغيره

كما وقعت مجزرة جنين في 19 يونيو 2023 عندما توغَّلت قواتِ من جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وأسفرت المجزرة عن مقتل 6 أشخاص بينهم طفلٌ وإصابة 91 شخصًا بجروح بينهم 23 إصاباتهم خطيرة.

وفي عشرين يونيو شن ما عرف بالهجوم العيلي هو هجومٌ نفذه فلسطينيان 2023 في مستوطنة عيلي ردًا على اغتيال الجيش الإسرائيلي لستّ شباب فلسطينيين في مدينة جنين.

في 13 يونيو، أدلى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشهادته أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة عام 1967. 

يوليو "غضب الطبيعة"

وصف علماء البيئة والطبية شهر يوليو بأنه الشهر الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث أدت درجات الحرارة غير الطبيعية إلى احتمال "متطرف جدا" للحرائق الغابية، وفقًا لمؤشر الطقس الحراري، أرجع العلماء موجات الحرارة إلى تغير المناخ من صنع الإنسان.

واندلعت حرائق الغابات في الجزائر في يوليو مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 34 شخصًا، كما أدى هطول الأمطار الغزيرة خلال موسم الأمطار في شرق آسيا عام 2023 إلى حدوث فيضانات وانهيارات أرضية شديدة في جميع أنحاء كوريا الجنوبية، كما ضربت عدة فيضانات الصين بدءًا من (يوليو)  حتى أغسطس 2023، وكان معظمها بسبب هطول الأمطار الغزيرة في مناطق مختلفة. 

كما تم اقتحام سفارة السويد في بغداد فجر يوم الخميس 20 يوليو 2023، على مقر سفارة السويد في العاصمة العراقية بغداد، حيث اقتحم عشرات المحتجين مبنى السفارة السويدية واضرموا النار فيها احتجاجًا على إحراق القرآن الكريم في السويد من قبل سلوان موميكا، وتصاعد الدخان الكثيف في المبنى الذي حاصرهُ المئات من أنصار زعيم التيار الصدري.

أغسطس "الإنقلاب"

أُجريت الانتخابات العامة في الغابون في 26 أغسطس، وقد أُعلن فوز علي بونغو في 30 أغسطس، وفي نفس اليوم وقع انقلاب عسكري، مما أدى إلى إلغاء نتائج الانتخابات، وقد أنهى الانقلاب حكم عائلة بونغو على الغابون والذي دام 56 عامًا.

كما وقع انقلاب جمهورية النيجر في 26 يوليو 2023م، حيث احتجز وأبعد الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم. ومن ثم أعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه زعيمًا للمجلس العسكري بعد فترة وجيزة من تأكيد نجاح الانقلاب

سبتمبر" الصيف يضع بصمته"

أبى موسم الصيف أن يرحل دون مزيدا من الكوارث الطبيعية فشهد المغرب زلزال الحوز  وزلزال بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر ضرب في 8 سبتمبر 2023 على الساعة 23:11 بالتوقيت الصيفي منطقة إقليم الحوز بجهة مراكش آسفي بالمغرب، وخلَّف الزلزال أكثر من 2900 قتيل و5500 جريح مُعظمهم بأقاليم الحوز و‌تارودانت و‌شيشاوة.

كما لقى 8 أشخاص بينهم 4 أطفال مصرعهم قرب مدينة كيب تاون في جمهورية جنوب إفريقيا، صعقا بالكهرباء في حادثين منفصلين جراء الفيضانات التي غمرت بعض المخيمات العشوائية الفقيرة في المنطقة.

أكتوبر: طوفان الاقصى

تكلل شهر أكتوبر بأهم حدث ليس فقط على الشأن العربي بل العالمي أيضا ففي السابع من أكتوبر، أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى مخترقين  العمق الاسرائيلي وقتلوا نحو 1200 شخص في إسرائيل واحتجزوا أكثر من 240 آخرين كرهائن واقتادوهم إلى غزة. 

وفي غضون نحو شهرين فقط، خلف القصف الاسرائيلي العشوائي على قطاع غزة ما يزيد عن 18 ألف شهيد فلسطيني، و47 ألف مصاب، معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، وتساوت المباني والمنشآت بالأرض، بخلاف تدمير شامل للكثير من البنية التحتية، خاصة في شمال غزة الذي نزح مئات الآلاف منه نحو الجنوب.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حصاد 2023 هجوم أوكراني مضاد غضب الطبيعة طوفان الأقصى یونیو 2023 أکثر من ما أدى عام 2023

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين

كان لافتا للنظر في إحدى جلسات "المؤتمر القومي العربي" الذي عُقد في 31 أيار/ مايو – 2 حزيران/ يونيو 2024، وبعد أن قدَّم أصحاب الأوراق أوراقهم، وبعد أن أتم المُعقّبون تعقيباتهم، وردّ أصحاب الأوراق عليها، أن يقوم مدير الجلسة قبل إعلان نهايتها بإبداء ملاحظة ينتقد فيها ما ذكره أحد أصحاب الأوراق، أنّ معركة طوفان الأقصى عززت المشروع الإسلامي لفلسطين؛ وحاول المدير نفي الصفة "الأيديولوجية" عن المعركة وأن حماس هي حركة تحرر وطني، محذرا من تعزيز أو إبراز البعد الإسلامي. وختم الجلسة دون أن يتيح لصاحب الورقة حقّ التوضيح والرد!!

يبدو أن ثمة من يُقدِّم حركات المقاومة الإسلامية في شكل متعارضٍ مصطنعٍ وملتبسٍ مع حركات التحرر الوطني، وكأنهما نقيضان، والحقيقة غير ذلك تماما..

نعم، لقد عززت معركة طوفان الأقصى المشروع الإسلامي لفلسطين:

أولا: فليس ثمة شكّ في أن من يقود المقاومة في قطاع غزة ويملك القاعدة الأوسع من رجالها هم أبناء التيار الإسلامي من حماس والجهاد الإسلامي، وبما يزيد عن 80 في المئة من المقاتلين. وأولئك الذين نفذوا هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر في طوفان الأقصى هم أبناء كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس؛ وهم الذين يقودون المقاومة في قطاع غزة على مدى الأشهر الماضية.ليس ثمة شكّ في أن من يقود المقاومة في قطاع غزة ويملك القاعدة الأوسع من رجالها هم أبناء التيار الإسلامي من حماس والجهاد الإسلامي، وبما يزيد عن 80 في المئة من المقاتلين. وأولئك الذين نفذوا هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر في طوفان الأقصى هم أبناء كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس؛ وهم الذين يقودون المقاومة في قطاع غزة على مدى الأشهر الماضية. ولا شك أن للفصائل المقاومة الأخرى أدوارا مهمة، وهي جزء أصيل من النسيج الوطني ولا شك أن للفصائل المقاومة الأخرى أدوارا مهمة، وهي جزء أصيل من النسيج الوطني الذي يجب التحالف والتعاون معه في تحقيق الأهداف الوطنية. من جهة أخرى، فإن قوى المقاومة المشاركة من الخارج هي قوى محسوبة على التيار الإسلامي، بغض النظر عن الخلفيات الطائفية.

وليس هنا مجال المناكفة أو الجدال، فالحقائق يعرفها كل الناس؛ ولا أظن أن حماس والجهاد الإسلامي تشغلان نفسيها بهكذا مناكفات، وإنما هذا كلام اضطررنا لكتابته، وبلغة منفتحة، لأن البعض يحرص على أن يبخس الإسلاميين حقَّهم ليرسم صورته الرغائبية لأحجام وأوزان الاتجاهات، بما يخدم خلفيته، وربما يُستخدم ذلك لاحقا في تشكيل صورة مشوهة مزورة لحركة التاريخ.

ثانيا: المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، كانت منسجمة مع نفسها فتحدثت بروح إسلامية ولغة إسلامية، ورفعت شعارات إسلامية، واستخدمت بقوة آيات قرآنية وأحاديث نبوية، واستلهمت تراثها الإسلامي وهويتها الحضارية، وعبرت عن اعتزاز عميق بهويتها وتاريخها الإسلامي. كلُّ ذلك كان يبرز بتناغم غير مُتكلَّف مع روحٍ وطنية عالية، ووعيٍ وطني مسؤول ومتّزن، مستوعبٍ للمصالح العليا وأولويات العمل الوطني، ومُرحِّب بالشراكة الوطنية على أساس المحافظة على الثوابت. وهو ما انعكس إيجابا (وليس سلبا) وزاد من شعبية المقاومة واحترامها في بيئتها الفلسطينية والعربية والدولية.

ثالثا: الحاضنة الشعبية الفلسطينية التي بهرت العالم بصبرها وصمودها وتضحياتها، وجهت أنظار العالم كله إلى القيم الإسلامية الإيمانية في الاحتساب والتوكل على الله وعدم الخوف على الحياة ولا على الرزق، وفي التّطلع إلى الشهادة والفردوس الأعلى. هذه الحاضنة أظهرت التزاما إسلاميا عاليا سلوكا ومظهرا وقولا وعملا. ولم تكن لديها عقدة نقص، ولم تكن بحاجة لتقديم مسلكيات وأخلاقيات تجاري الغرب في سلوكه ومظاهر حياته وقيمه. بل إنَّ هذه الروح الإيمانية شكّلت مصدر إلهام عالمي لمئات الآلاف والملايين، الذين أقبلوا بشغف لمحاولة معرفة سر هذا الصمود والثبات الأسطوري، والذين وجدوا الفرق الأساس في القرآن والتربية الإسلامية.

رابعا: لقد ثبت أن الإسلام هو الأقدر على تفجير طاقات مجتمعاتنا، بحيث يستخرج منها أفضل ما لديها، من صور التضحية والصبر والشجاعة والاحتساب والتوكل على الله والإنفاق في سبيله، والعزة والكرامة والحرية، والتكافل والتضامن الاجتماعي.

حركات التحرر الوطني أو الحركات الوطنية هي "أوعية" يُمكن أن تُملأ بأي محتوى عقائدي أو أيديولوجي أو فكري؛ فقد تكون حركات يسارية شيوعية كما في الثورة الفيتنامية، وقد تكون ذات محتوى علماني ليبرالي، أو ذات محتوى قومي، أو ذات محتوى قُطري منغلق على ذاته، أو ذات محتوى عقائدي ديني.. والساحة الفلسطينية فيها نماذج لحركات وطنية يسارية، وقومية، وإسلامية
ويعلم متابعو قضية فلسطين والصراع مع الكيان الصهيوني، كيف أن قطاع غزة تم احتلاله في العدوان الثلاثي سنة 1956 في أقل من يومين، وكيف تم احتلاله أيضا في سنة 1967 في أقل من يومين، بينما كان تحت أقوى وأكبر نظام عربي. ويعلم المتابعون أن قطاع غزة نفسه وهو تحت حصار خانق هائل، وبإمكانات أقل بكثير وبما لا يقبل المقارنة، طوال 17 سنة ماضية خاض أربعة حروب مرغ فيها أنف الاحتلال الإسرائيلي في التراب، ولم يمكن الصهاينة من احتلال متر مربعٍ واحد. وهو الآن يخوض حربا أسطورية على نحو 250 يوما، من الواضح أنه في النهاية في طريقه لفرض شروطه وإرغام الصهاينة على الانسحاب. فما الذي تبدل؟! إنه "الإنسان".. ذلك الإنسان الذي صنعه هذا الدين العظيم، وإلا فأخبرونا عن جيوشنا العربية والإسلامية الجرارة، التي لا تجيد استخدام القوة إلا على شعوبها.


ولذلك، لم يكن الإسلام ولا التدين ولا المنهج الإسلامي "عورة" تُغطَّى أو يُتَهرب منها، بل هو المفخرة التي تكشف سر "صناعة الإنسان" في غزة وفلسطين، وسر الصبر والثبات والتضحية والشجاعة والإقدام؛ وحيث ثبت أن الرؤية الإسلامية التي تُقدم في إطار الاعتدال ومعاني الحق والعدل والحرية، ليست أمرا مُنفرا، وإنما تكسب قضية فلسطين مزيدا من القوة والاحترام.

* * *

من ناحية ثانية، فإن حركات التحرر الوطني أو الحركات الوطنية هي "أوعية" يُمكن أن تُملأ بأي محتوى عقائدي أو أيديولوجي أو فكري؛ فقد تكون حركات يسارية شيوعية كما في الثورة الفيتنامية، وقد تكون ذات محتوى علماني ليبرالي، أو ذات محتوى قومي، أو ذات محتوى قُطري منغلق على ذاته، أو ذات محتوى عقائدي ديني.. والساحة الفلسطينية فيها نماذج لحركات وطنية يسارية، وقومية، وإسلامية. وجوهر السؤال هنا يكون في القدرة على المحافظة على الثوابت وصحة المسار والبوصلة والكفاءة والفاعلية في تعبئة الشعب وقدراته، وفي استنهاض الأبعاد العربية والإسلامية والإنسانية بالشكل الأفضل، ولا يجوز للبعض أن يقبل كل النماذج إلا النموذج الإسلامي!!!

* * *

من ناحية ثالثة، وفي مواجهة أي تعارض مفتعل، نقول إن الإسلاميين هم مثلهم مثل غيرهم من أبناء الأمة، شديدو الإخلاص لأوطانهم، ووطنيتهم وطنية إيجابية منفتحة، غير منغلقة على حزبيات، أو عرقيات أو طائفيات، وهي وطنية غير مُمزِّقة ولا مُشتِّتة للأمة، ومقتضى حبّ الأرض لا يعني الأنانية والتكبّر والتعالي على الآخرين، ولا ظلمهم وبخسهم حقوقهم.

فهذه الوطنية الراقية هي وطنية حب وشوق وحنين وارتباط بالأرض، وهي وطنية عزّة وكرامة ومقاومة للظلم والاستعمار، وهي تحرير الأرض والإنسان، وهي وطنية المجتمع المتعاون المتكافل المتراحم، الذي يرعى الأقربين. وأساس وطنية المسلمين هي العقيدة الإسلامية، والتحرر الوطني هو جزء من التكليف الرباني بتحرير الأرض من العدو الغاصب.دوائر العمل الوطني والعربي والإسلامي والإنساني هي دوائر عمل متكاملة متناغمة، يمكن أن تسير بشكل منسجم جنبا إلى جنب دونما تعارض، ولا حاجة لاصطناع تناقضات بينها والارتباط بالأرض هو ارتباط الأمة المسلمة بأرضها، غير محصور بقُطرية ولا قومية، وهو ما يفتح المجال لقيام المسلمين بواجبهم وتحمّل مسؤولياته تجاه فلسطين. وهذا أولى من استفراد المشروع الصهيوني الغربي بفلسطين وشعبها وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي، وبالتالي تسهيل تصفيتها وإغلاق ملفها.

* * *

من ناحية رابعة، فإن دوائر العمل الوطني والعربي والإسلامي والإنساني هي دوائر عمل متكاملة متناغمة، يمكن أن تسير بشكل منسجم جنبا إلى جنب دونما تعارض، ولا حاجة لاصطناع تناقضات بينها. والإسلام بطبيعته "رحمة للعالمين"، وهو رسالة إنسانية عالمية لتحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد؛ وإلى تكريس القيم الإنسانية الكبرى في العدالة والمساواة والحرية والكرامة..

وإن الذين انتفضوا لصالح فلسطين من دولٍ وشعوب من شتى القوميات والأديان والاتجاهات، يعرفون المقاومة وطبيعتها، وقد لمسوا الجانب الإنساني الذي نجحت المقاومة في تقديمه، كما لمسوا الوجه الصهيوني البشع للاحتلال والعدوان. ونحن عندما نركز على المشترك الإنساني، فلا حاجة لإلغاء هويتنا، كما لا حاجة لتغيير الآخرين لهويتهم، ففي القيم الإنسانية الكبرى ما يكفي لجمعنا وتحشيدنا ضد المشروع الصهيوني، الذي يسير ضد الإنسان وضد حركة التاريخ، ويهدّد السلم والاستقرار العالمي.

x.com/mohsenmsaleh1

مقالات مشابهة

  • هل نفذت حماس هجومًا سيبرانيًا قبل طوفان الأقصى؟
  • طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين
  • خلاص مشاكل السودان كلها اتحلت وما بقي إلا مناقشة إصلاح الحزب الشيوعي !!.
  • يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات
  • السفير حسام زكي: ليبيا تعاني من انفصال المؤسسات وسوريا تئن اقتصاديا
  • السفير حسام زكي يكشف تفاصيل هجوم «الإخوان الإرهابية» عليه بسبب مسلسلات رمضان
  • أبرز تطورات عملية طوفان الأقصى
  • مفوضية الانتخابات بدولة « جنوب السودان» تعلن تسجيل الناخبين الشهر المقبل
  • حزب الله: نفذنا 2125 عملية عسكرية ضد إسرائيل منذ بدء طوفان الأقصى
  • إنفوجرافيك| 250 يوم من الحرب.. عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان في معركة طوفان الأقصى من تاريخ 2023/10/8م إلى 2024/06/13م