الشرق رسالة جامعة لأشياء كثيرة، هي عبارة تختزل تجربة تاريخية عظيمة لهذه المنطقة من العالم، وتختزل رؤية للمستقبل لأن العالم اليوم يحتاج لرؤية للمستقبل في ظل الليبرالية المتوحشة وتسليع الحياة البشرية والتعامل مع الإنسان وكأنه كائن بيولوجي، وليس معرفياً وأخلاقياً، فالغرب بالمقارنة مع الشرق، بدا واهناً يستنفذ ويستهلك، والشرق تاريخياً هو منبع الأديان والثقافات والفلسفات والحضارة.

ولعل الدورة الحضارية بانتظاره إذا علمنا أن الدورة الحضارية تاريخياً لا تزيد على مئتي عام إلى ثلاثمئة، فالتراث العظيم للإنسانية كان منبعه الشرق، وعواصم الحضارة الشرقية كانت تتحرك في الجغرافيا الممتدة بين شمال شرق المتوسط وجنوبه الشرقي، وعندما قويت بيزنطة وجدت نفسها مضطرة لتتخذ منهجاً مختلفاً عن روما، فكان الحديث عن الإمبراطورية الرومانية الشرقية والغربية؛ وحتى في الديانة المسيحية كانت الكنيسة المشرقية الأرثوذكسية مختلفة عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية، فالمكان وهوية المكان فرض نفسه حتى على الذين جاؤوا من الغرب، وهذا حال الفلسفة اليونانية والرومانية عندما تحركت شرقاً اكتسبت ملامحها فكانت الفلسفة الهيلينية أو الهلستينية، وحتى القسطنطينية وإن كان القادمون إليها من الغرب إلا أن روحهم أصبحت شرقية وهي الجغرافيا التي ينتقل فيها الإنسان من اللحظة الغربية إلى اللحظة الشرقية.

ولعل معظم حركات التغيير في المنطقة انطلقت من الشرق. وهنا نتذكر عصر النهضة ورواد النهضة العربية، حيث كان مركزها دمشق وبيروت والقاهرة وبغداد، ناهيك عن أن الديانات الثلاث التوحيدية والفلسفات الإنسانية ولدت في الشرق، بجغرافيته الواسعة الممتدة إلى بلاد فارس والهند والصين، فالشرق تاريخياً هو روح العالم، فثمة نمو طبيعي للأفكار يحتضنه الشرق، ففي حالة ضيق المساحة يضيق الفكر وتضيق إمكانية التجربة.

إن قدر الشرق راهناً هو التلاقي الثقافي السياسي الاقتصادي ومحاربة المفاهيم التي ضخها الغرب في وعي أبناء المنطقة، والتي تستند إلى رؤية استشراقية فيها بنية احتقارية لأبناء الشرق. وتكريس فكرة أن الحضارة هي احتكار للرجل الأبيض، ورسالته المدعاة بالتحضير، هي الغطاء للاستعمار والسيطرة واستعباد شعوب الشرق والجنوب ونهب ثرواتهم وخيراتهم وإبقاؤهم في مربع الفقر والجهل والتخلف والتطرف، فلابد من ولوج مسيرة ومنهج جديد لشعوب الشرق والجنوب، وهذه مهمة النخب الفكرية والثقافية والقوى السياسية، ولاسيما الأجيال الشابة التي يجب أن تكون رافعة ذلك المشروع من خلال الاستثمار في العقول وتوطين المعرفة وإعلاء رسالة الإنسان الكائن المعرفي والأخلاقي وليس الكائن البيولوجي الذي همه المتعة والخلاص الفردي والمتحلل من منظومة القيم، ولاسيما قيمة الأسرة والمجمع والهوية الإنسانية.

إن كسب المعركة الثقافية والمعرفية مع الغرب الاستعماري مسألة على درجة من الأهمية في ظل إرهاصات أولى لنظام دولي جديد لا تقتصر المنافسة والصراع فيه على الجانب العسكري والاقتصادي، على أهميتهما، ولكن البعد الثقافي والمعرفي والقيمي الإنساني يحتل حيزاً مهماً ومركزيا فيه، ولا يمكن بناء نظام دولي إنساني قادر على الاستمرار دون حامل أخلاقي وقيمي نواته إنسانية الإنسان بغض النظر عن أي معطى آخر.. ومن هنا، تصبح روح الشرق ورسالة الشرق هي الأمل وطوق النجاة.

الشرق وتجدد الدورة الحضارية خلف المفتاح 2023-12-27Remسابق إيرواني: طهران سترد على جرائم الكيان الصهيوني في الوقت المناسبالتالي قوات الاحتلال تهدم منزلاً جنوب الخليل انظر ايضاً (التصحيح قطري الحدود.. قومي الأهداف والمبادئ) ندوة في دار البعث بدمشق

دمشق-سانا أقامت اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني اليوم بالتعاون مع …

آخر الأخبار 2023-12-27قوات الاحتلال تهدم منزلاً جنوب الخليل 2023-12-27الرئيس الكوبي: ممارسات (إسرائيل) في غزة إرهابية وتهدف إلى إذلال البشرية جمعاء 2023-12-27النو يتأهل إلى نصف نهائي بطولة النخبة العربية لكرة المضرب 2023-12-27منصور يطالب المجتمع الدولي بوقف عدوان الاحتلال على قطاع غزة 2023-12-27الصين: سنتخذ إجراءات حازمة ضد التدخلات الأمريكية في شؤوننا الداخلية 2023-12-27شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة 2023-12-27شركة روس كوسموس الروسية تخطط لصناعة 250 قمراً في السنة 2023-12-27العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على القرى والبلدات في جنوب لبنان 2023-12-27استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة واعتقال آخرين خلال اقتحام قوات الاحتلال مناطق بالضفة الغربية 2023-12-27ضبط ثمانية أجهزة (GPS) مجمعة في مركبة خاصة بريف دمشق

مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر قانوناً يجيز تأسيس شركات مساهمة مغفلة مشتركة في القطاع الزراعي 2023-12-26 الرئيس الأسد يصدر القانون رقم (39) للحفاظ على الثروة الحراجية وتأمين الإدارة المستدامة لها 2023-12-25 الرئيس الأسد يصدر قانوناً بتنظيم حالات إدخال الذهب الخام إلى سورية والإعفاءات والرسوم المترتبة عليه 2023-12-21الأحداث على حقيقتها عمليات نوعية مركزة تستهدف مقرات الإرهابيين ومستودعاتهم في ريف إدلب-فيديو 2023-12-26 إسقاط وتدمير ثماني طائرات مسيرة للإرهابيين في ريفي حلب وإدلب 2023-12-26صور من سورية منوعات شركة روس كوسموس الروسية تخطط لصناعة 250 قمراً في السنة 2023-12-27 الصين تطلق ثلاثة أقمار صناعية إلى الفضاء من البحر 2023-12-26فرص عمل الخارجية تعلن أسماء الناجحين في مسابقة تعيين عدد من العاملين الدبلوماسيين 2023-12-17 تحديد موعد المقابلة مع مجلس القضاء الأعلى في مسابقة الدورة الرابعة للمعهد العالي للقضاء 2023-11-27الصحافة الشرق وتجدد الدورة الحضارية- بقلم: د.خلف المفتاح 2023-12-27 الزمن الفاصل …. بقلم: أ.د. بثينة شعبان 2023-12-25حدث في مثل هذا اليوم 2023-12-2727 كانون الأول 1945- تقسيم كوريا إلى شطرين ديمقراطي وجنوبي 2023-12-2626 كانون الأول 1991- انهيار الاتحاد السوفييتي 2023-12-2525 كانون الأول.. عيد الميلاد لدى الطوائف المسيحية 2023-12-2424 كانون الأول 1851- احتراق مكتبة الكونغرس 2023-12-2323 كانون الأول 1955 – سورية تطالب بطرد كيان الاحتلال الإسرائيلي من الأمم المتحدة 2023-12-2222 كانون الأول 1964 – تأميم الصناعات النفطية في سورية
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2023, All Rights Reserved

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: کانون الأول

إقرأ أيضاً:

بين الاستشراق والاستغراب: حين نكون موضوعًا بلا أدوات

أحمد بن محمد العامري

منذ لحظة الاحتكاك الأول بين  العرب والغرب الحديث، لم يكن التبادل الثقافي بين الطرفين قائمًا على الندية، بل انطلق من علاقة اختلال معرفي وقيمي شكلت فيها القوى الغربية طرفًا فاعلًا ممسكًا بأدوات البحث، بينما وقع العرب في موقع الطرف المنظور إليه، المراقب، الخاضع لعمليات تفكيك ممنهجة في مجالات اللغة والتاريخ والدين والاجتماع. هكذا وُلد "الاستشراق"، لا كمجرد نشاط بحثي أو فضول ثقافي كما يحلو للبعض تبسيطه، بل كمشروع طويل المدى، ارتكز على بنية معرفية ذات وظيفة سياسية واستراتيجية واستخباراتية عميقة.

لم يكن المستشرقون مجرد باحثين معزولين في أبراجهم الأكاديمية، بل كانوا – في كثير من الأحيان – امتدادًا للمؤسسات الإستعمارية والاستخباراتية والوكالات اليهودية، وخدمًا ناعمين لمشاريع السيطرة والتفكيك.. درسوا الإنسان العربي ليس حبًا في المعرفة بل لتشكيل معرفة تُستخدم ضدّه. استقصوا لغته، وحلّلوا بنيته الاجتماعية ورصدوا منظومته الدينية، ودوّنوا ملاحظاتهم عن عاداته وأمثاله وأسواقه ونكاته وتاريخه الجمعي؛ ليرسموا في نهاية المطاف خريطة ذهنية دقيقة لمجتمع معقّد، أُريد له أن يُفهم بغرض الهيمنة لا التفاهم.

ولأنهم أدركوا منذ وقت مبكر أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل بل خزانًا للهُوية ومحركًا للانتماء، استثمروا في اللسانيات العربية لا ليُقرّبوا ثقافتنا، بل ليُفجّروها من داخلها، فمن الاشتقاقات العربية القديمة صنعوا قوميات وهويات فرعية بثوا من خلالها النزاعات وأعادوا تركيب المجال الثقافي والاجتماعي العربي على أسس التنافر بدلًا من التكامل. ما كان استشراقًا في ظاهره، كان استهدافًا بنيويًا في جوهره.

لقد أدرك الغرب أن الفهم العميق للآخر هو الخطوة الأولى للسيطرة عليه، وعبر هذا الفهم تشكّلت استراتيجيات ناعمة لتفكيك المجتمعات وزرع الشك في الذات والقدوات، وهدم الأسرة الت تشكل نواة الأمة، وخلق صراعات داخلية، جعلت من العالم العربي ساحة نزاعات مفتوحة على كل الاتجاهات. الحدود التي نتقاتل عليها اليوم، والانتماءات التي تمزقنا، والمذاهب التي نُذكي بها نار الطائفية، ليست من إنتاجنا المحض، بل هي نتائج حتمية لرؤية استشراقية سبقتنا إلى فهم أنفسنا، قبل أن نفهم نحن أنفسنا.

وفي مقابل هذا المشروع المتكامل، وقف العرب عاجزين – أو غير راغبين – في بناء علم مضاد، لم يظهر لدينا ما يمكن أن نسميه "علم الاستغراب"، أي ذلك العلم الذي يُعنى بدراسة الغرب كما درسنا هو، ويقلب عدسات المراقبة ليُخضع مجتمعاته للتحليل والتفكيك. لم نسعَ لتكوين مراكز بحثية مكرسة لفهم الآخر، ولا أرسلنا "مستغربين" يدرسون اللغات الغربية وسلوك الإنسان الأوروبي والأمريكي، وقيمه، وتاريخه غير الرسمي، وتناقضاته النفسية والاجتماعية، كما فعل الغرب معنا.

"علم الاستغراب" لم يوجد بعد، لا كمجال معرفي، ولا كمشروع مؤسسي. وإن ظهرت بعض المحاولات النقدية – ككتابات إدوارد سعيد، ومالك بن نبي، وعلي الوردي – إلا أنها ظلت محصورة في النخبة الفكرية، ولم تتحول إلى تراكم معرفي يُنتج خطابًا استراتيجيًا عربيًا يُعادل الهيمنة الثقافية الغربية، بل إن هؤلاء المفكرين رغم عمقهم وتنوع زوايا طرحهم، لم يحظوا بمنظومات مؤسسية تحتضن أفكارهم وتطوّرها وتحوّلها إلى مشروع جامع يتجاوز حدود التحليل إلى التأثير.

وحتى تلك الجهود غالبًا ما اتخذت منحًى دفاعيًا أو أخلاقيًا، ولم تنخرط بعمق في تفكيك البنية الغربية، وقراءة تناقضاتها، ومكامن ضعفها، وفجواتها القيمية التي يمكن الاشتباك معها فكريًا.

إن علم الاستغراب الذي نحتاجه اليوم ليس ترفًا نظريًا، بل هو ضرورة للنجاة الحضارية. نحن بحاجة إلى عقول تُدرَّب على تفكيك الآخر وتقرأ بنيته من الداخل، وتخترق طبقات الخطاب التي يخفي بها أزماته. إن المجتمعات الغربية – على ما يبدو من تماسكها – تخفي خلف ستار الحداثة أزمات هوية، وفراغًا روحيًا، وتفككًا أسريًا، واستلابًا وجوديًا، وانقسامًا طبقيًا. لكنها بارعة في إخفاء هذا الجمر تحت رماد النظام والانضباط الظاهري. من دون علم يقرأ هذا الآخر بعمق، سنظل نستقبل فعله ونتفاعل معه دون أن نملك أدوات فهم حقيقية لما يُحاك ضدنا، أو حتى لما يُقدَّم لنا من سرديات مغلفة بالقيم الكونية والحياد المعرفي.

آن الأوان لأن نعيد التموضع، لا من خلال ردّات الفعل، بل عبر إنتاج مشروع متكامل تتضافر فيه المؤسسات البحثية، والجامعات، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، لتكوين جيل جديد من "المستغربين" الذين يُدركون الآخر كما يدرك نفسه، ويقرؤون خلف لغته ويتعقبون أنساقه الثقافية والتاريخية، بنفس الدقة التي قرأنا بها همومنا من خلال نصوص المستشرقين.

إن الهيمنة لا تُواجه بالعاطفة ولا تُردّ بالشعارات، بل تُواجه بمعرفة مضادة تُنتج خطابًا وتُشكّل وعيًا، وتبني مشروعًا يرى في ذاته قيمة، وفي الآخر موضوعًا معرفيًا مشروعًا للدراسة والتفكيك، لا فقط مرآة للانبهار أو موضوعًا للشكوى.

إذا كان الاستشراق قد صنع وعيًا غربيًا مشوّهًا عن الشرق، فإن الاستغراب الحقيقي يجب ألا يسعى إلى تشويه الغرب، بل إلى فهمه... فهمه من أجل التحرر منه.

ahmedalameri@live.com

مقالات مشابهة

  • بين الاستشراق والاستغراب: حين نكون موضوعًا بلا أدوات
  • شهيدان أحدهما أميركي الجنسية قرب رام الله وتجدد الاقتحامات بالضفة
  • إسبانيا للاتحاد الأوروبي: لا شراكة مع من يرتكب إبادة جماعية
  • مسؤولة بالاتحاد الأوروبي: توصلنا لاتفاق مع إسرائيل بشأن المساعدات الإنسانية
  • متى تصبح القومية خطرًا؟ ومتى تكون خلاصًا؟ قراءة في كتاب
  • اعترافات لص المساكن بالمعادى تكشف استخدامه أسلوب المفتاح المصطنع
  • 73عرضًا مصريًا و52 عربيًا ودوليًا يتقدمون للمشاركة في ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي لدورة «كوكب الشرق»
  • “أطباء بلا حدود”: ارتفاع مروّع في وفيات الأطفال في غزة منذ بدء العدوان الصهيوني
  • صنعاء تؤكد التزامها بحرية الملاحة وتجدد تحذيرها للسفن المرتبطة بـ “إسرائيل”
  • كيف فشل الاحتلال في اغتيال قيادي بحماس في لبنان؟