الحرة:
2025-06-22@05:56:09 GMT

إسرائيل وإيران في سوريا.. حرب صاروخية في الظل

تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT

إسرائيل وإيران في سوريا.. حرب صاروخية في الظل

رغم أن القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية في سوريا ليس جديدا، تحمل الضربات ذات المسار التصاعدي منذ الحرب في غزة طابعا مختلفا من زاوية الهدف ومسارات تحقيقه على الأرض، حسبما أشارت مصادر لـ"رويترز" ومعلومات أوردتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

وفجر الجمعة تعرضت قاعدة جوية للنظام السوري في جنوب سوريا لقصف نسب لإسرائيل، وتزامن مع آخر استهدف مواقع عسكرية في محيط العاصمة دمشق.

وهما حادثان أعقبا مقتل القيادي الإيراني الكبير في "الحرس الثوري"، رضي موسوي بثلاثة أيام فقط.

وقتل موسوي بـ3 صواريخ قالت طهران إنها "إسرائيلية" واستهدفت منزله الكائن في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، وهو يعتبر مسؤول عملية تنسيق إدخال الأسلحة الإيرانية إلى سوريا بداية، ومن ثم إلى "حزب الله" في لبنان، وفق مصادر إسرائيلية وإيرانية متقاطعة.

كما تصفه وسائل إعلام عبرية، بينها "يديعوت أحرونوت"، بـ"همزة الوصل بين الإيرانيين وحزب الله، ومسؤول إمداد الطائرات بدون طيار التي تحاول الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا إرسالها إلى إسرائيل".

ما الجديد إسرائيليا؟

المصادر العسكرية الإقليمية التي نقلت عنها "رويترز" ذكرت أن تكثيف الغارات الإسرائيلية على سوريا يرتبط بـ"مساعي تعمل عليها طهران بصورة متسارعة"، وأن "الأخيرة تكثف جهودها لتزويد سوريا بأنظمة دفاع جوي يمكن أن تقلل فعالية القصف".

ويرتبط الهدف الإيراني "بحسابات حرب غزة في حال اتساع نطاق الصراع هناك"، وفق المصادر التي لم تسمها الوكالة.

وتابعت: "الحملة الإسرائيلية المكثفة تستهدف تعطيل أنظمة الدفاع الجوي السورية، التي شاركت إيران في توسيعها".

صحيفة "يديعوت أحرونوت" من جانبها أشارت في مقال تحليلي إلى أن "إيران تعمل على تسريع نقل الأسلحة الدقيقة إلى حزب الله، استعدادا لصراع واسع النطاق في الشمال".

و"كصورة معكوسة للأميركيين الذين يدعمون إسرائيل، تسرّع إيران عملية تسليم الصواريخ والقذائف عبر سوريا لوكيلها حزب الله"، حسب تعبير المحلل العسكري الإسرائيلي وكاتب المقال، رون بن يشاي.

وتحاول أيضا، وفق المحلل نقل أنظمة دفاع ضد المروحيات والطائرات بدون طيار الإسرائيلية التي يستخدمها "حزب الله" بالفعل، والمعروفة بصواريخ "المنتج 358".

وهذه الصواريخ (358) استخدمها "حزب الله" خلال الفترة الأخيرة ضد مسيّرة إسرائيلية، كما جاء في المقال التحليلي، واستخدمها الحوثيون في اليمن أيضا في إسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار فوق البحر الأحمر. 

وهي من صناعة إيرانية، ويمكن تشبيهها بــ"المسيرة التي تستخدم في أغراض الدفاع الجوية"، كما يوضح مراقبون تحدثوا لموقع "الحرة".

"حرب صاروخية في الظل"

ومنذ الحرب في غزة ركّزت إسرائيل في ضرباتها في سوريا على مطاري دمشق وحلب الدوليين، وتحرص حتى الآن على إبقائهما خارج الخدمة، ودائما ما تشير وسائل إعلام عبرية إلى أن المرفقين المذكورين تستخدمهما إيران لنقل شحنات الأسلحة.

وفي غضون ذلك لا يعتبر اهتمام إيران في نقل الصواريخ إلى "حزب الله" ومنظومات الدفاع الجوي حديثا، بل سبق وأن تسلطت الأضواء على هذه المساعي كثيرا، والتي دائما ما كانت تقابلها إسرائيل بالقصف، وبموجب الحرب التي تقودها "في الظل".

ويوضح الباحث المهتم بمتابعة النشاطات الإيرانية في سوريا، ضياء قدور أن "الصواريخ الإيرانية من نوع 358 بطيئة ولا تشبه أي صاروخ من منظومات الدفاع الجوي".

ويمكن أن تستهدف "مسيّرات استطلاعية لكنها غير مجدية من الناحية العملية للتصدي للطائرات الإسرائيلية"، حسب ما يقول قدور لموقع "الحرة".

ويتحدث قدور عن عمل إيراني بدأ منذ سنوات لدعم "حزب الله" بمنظومات دفاع جوي وكذلك نظام الأسد في سوريا.

ويشير إلى أن "هدف طهران يرتبط بالأساس بإنشاء شبكة دفاع جوي تكون مستقلة وخارج شبكات الدفاع السورية التي تدار من جانب الروس".

ويقول رون بن يشاي في "يديعوت أحرونوت" إن إسرائيل تعطّل محاولات إيران نشر الصواريخ في سوريا، وخاصة في المطار العسكري بالعاصمة دمشق، حيث تصل بعض الشحنات إليه، وإلى مواقع أخرى.

"الصواريخ الاعتراضية التي يسميها الإيرانيون (358) ويطلق عليها في الغرب وإسرائيل اسم SA-67 موجهة ضد الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والمروحيات والمسيّرات، وضد الصواريخ قصيرة المدى"، حسب بن يشاي.

ويشير إلى أن "إيران قامت بالفعل بتجهيز حزب الله بكمية كبيرة منها، وهم الآن يطلقونها على الطائرات الإسرائيلية بدون طيار العاملة في لبنان".

ما هو صاروخ "358"؟

وتقتصر قدرات "حزب الله" على الاشتباك مع الأهداف الجوية حاليا على المدافع المضادة للطائرات قصيرة المدى، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل منظومتَي "ستريلا-3" و"إيغلا-1" الروسيتي الصنع، حسب تحليل لـ"معهد واشنطن".

كما يستخدم منظومة "ميثاق" الإيرانية (نسخة من الصاروخ الصيني "كيو دبليو -1")، وما يعرف بصواريخ كروز من طراز "البند 358" للدفاع الجوي، وهو الذي يتردد الحديث عنه كثيرا. 

تحليل المعهد الأميركي يشير إلى أن النظام الإيراني سعى من خلال محاولة تنفيذ عمليات نقل الأسلحة إلى العراق وسوريا أو التخطيط لها، إلى تعقيد العمليات الجوية لإسرائيل في منطقة واسعة تمتد من حدوده الغربية وصولا إلى لبنان. 

ويضيف أنه تبين منذ عام 2018 أن إيران تعمد إلى نقل صواريخ كروز من طراز "البند 358" للدفاع الجوي، ليس فقط إلى "حزب الله"، ولكن أيضا إلى الميليشيات العراقية وحتى إلى الحوثيين اليمنيين. 

ومن المرجح أن هذا السلاح الذي يعمل بالطاقة النفاثة قد تم استخدامه خلال حادثة وقعت في 8 نوفمبر، حيث أسقط الحوثيون طائرة استطلاع أميركية بدون طيار من طراز "إم. كيو-9" فوق المياه اليمنية.

ويوضح محلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا، فابيان هينز أن "الصاروخ 358 مثير للاهتمام لأنه يعتبر تصميما غير عادي لصاروخ أرض-جو".

ويضيف لموقع "الحرة" أنه "يستخدم محركا نفاثا وليس محركا صاروخيا، كما هو الحال في معظم صواريخ أرض-جو، مما يمنحه نوعا من وقت التأرجح. بمعنى أنه يمكن أن يبقى في منطقة ما لفترة ويطير هناك وينتظر الأهداف".

يحتوي "358" على جهاز استقبال بالأشعة تحت الحمراء، "مما يجعله جيدا لأنه يصعب التشويش عليه أو تنفيذ تدابير مضادة ضده".

وكان الإيرانيون قدموه للحوثيين بنسخ مختلفة، واستخدموه في حادثة الطائرة الأميركية الأخيرة وقبلها الطائرة صينية الصنع التابعة للتحالف بقيادة السعودية، حسب هينز.

ومع ذلك يوضح الباحث أنه "حتى لو كان نظاما فعالا جدا قد لا يكون كذلك ضد إسرائيل، وهي واحدة من أكثر القوات العسكرية تطورا في العالم".

وبينما يمكنه أن يسقط طائرات الهيلوكوبتر والطائرات بدون طيار المخصص من أجلها، ليس بمقدره فعل ذلك ضد الطائرات الحربية النفاثة، كما يؤكد هينز.

"سوريا حجر الزاوية"

ولا يعرف حتى الآن مآلات القصف الجوي المتكرر على سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة لحادثة مقتل موسوي، وهو أبرز قيادات "الحرس الثوري" الإيراني. 

ووفق خبراء عسكريين إسرائيليين نقلت عنهم "رويترز" فإن الضربات هي جزء من تصعيد لصراع منخفض الحدة بهدف إبطاء ترسيخ إيران المتزايد في سوريا.

ويقول عامر السبايلة وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي إنه "من المنطقي جدا في المرحلة الحالية وبعد ما جرى ويجري في غزة أن تسعى إيران لتدارك الموضوع عبر توجيه ضربات أكبر لإسرائيل".

ويرتبط ذلك بفكرة أن "تدمير القطاع بالوضع الحالي يجعل أفق المعركة محدود، وهو ما يزيد من خطر توجه إسرائيل لفتح جبهات جديدة، وتوجيه استهدافات مباشرة لإيران وحلفائها"، وفق السبايلة.

ويضيف لموقع "الحرة" أن "إيران تسعى لإرباك إسرائيل، وتحاول رفع قوة حلفائها بحيث توجه ضربات قوية قبيل انتقال الأخيرة إلى فكرة الجبهات السبع، التي تحدث عنها وزير الدفاع يوآف غالانت".

ويعتبر السبايلة أن "سوريا مخترقة تماما من إسرائيل، وهو ما تشير إليه حادثة مقتل موسوي"، ومن الواضح حسب قوله أن "إسرائيل تعتبر سوريا حجز الزاوية في فكرة تغيير المعادلة العسكرية بالنسبة لإيران عبر سوريا".

وستكون الجهود الإيرانية في مسار الدفاع الجوي في سوريا "مكلفة وطويلة الأمد"، ولا يمكن الحكم على فعاليتها في ظل الظروف الراهنة، حسب الباحث السوري قدور.

ويشير إلى أنه من الواضح "سعي إيران لإيجاد حماية ولو بالدرجات الدنيا لوجودها في سوريا، أو حتى بأقل المستويات، من خلال تأمين طبقات تحذيرية من الغارات الإسرائيلية".

"تحديات ضخمة"

وتشكل سوريا محطة وسطى لنقل الأسلحة والذخائر لـ"حزب الله" في لبنان، ولطالما تحدث الإسرائيليون عن طرق برية وجوية وبحرية لتحقيق هذا الهدف.

ورغم أن "حزب الله" وكيل إيران في لبنان لم ينخرط كثيرا ضد إسرائيل بعد حرب غزة، وبقيت مواجهاته على الحدود ضمن إطار "المناوشات" قتل 125 عنصرا من قواته، منذ يوم السابع من أكتوبر.

ويبدو أنه "يواجه تحديات ضخمة في الوقت الحالي مع الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في الجو"، حسبما يرى الباحث هينز.

هينز يشير إلى التقارير التي أفادت بأن "حزب الله" طلب من سكان البلدات الحدودية جنوب لبنان تعطيل كاميرات المراقبة بمنازلهم ومتاجرهم سعيا "لإعماء العدو الإسرائيلي" بعدما عمد إلى "اختراقها".

ويعتقد أن ذلك يصب في إطار التحديات التي تفرضها الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، مضيفا أنه "ربما يكون إسرائيل إيران لإرسال معدات جديدة هي رد على التهديد الحاصل في جنوب لبنان".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: یدیعوت أحرونوت الدفاع الجوی بدون طیار فی سوریا حزب الله فی لبنان إیران فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما هي صواريخ إيران الفرط صوتية التي ترعب إسرائيل؟

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا بقليل بتوقيت القدس المحتلة فجر اليوم الأربعاء الموافق 18 يونيو/حزيران 2025، عندما انتبه المستوطنون الإسرائيليون من سكان حيفا -الذين لم يذق معظمهم النوم بسبب صفارات الإنذار المستمرة- إلى دوي يشبه دوي الرعد.

ما سمعوه في الحقيقة لم يكن إلا أحدث رشقة صواريخ إيرانية انطلقت لتخترق طبقات الغلاف الجوي بسرعة تقترب من 2 كيلومتر في الثانية الواحدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"الجيل الخامس" يقود أخطر حرب لإيران ضد إسرائيلlist 2 of 2لماذا تطلق إيران صواريخها الباليستية ليلا؟end of list

أعلن التلفزيون الإيراني أن الصواريخ التي استخدمها الحرس الثوري لأول مرة هي صواريخ "فتّاح"، وأن هذه هي المرحلة الحادية عشرة من عملية الوعد الصادق 3، وأن الصواريخ هذه المرة "غير قابلة للاعتراض".

صاروخ فتاح الإيراني (الجزيرة)

 

بهذا كشفت وكالة تسنيم الإيرانية عن تصعيد نوعي في المواجهة بين إيران وإسرائيل مقارنةً بالغارات السابقة. وأشارت الوكالة إلى أن هذه الصواريخ تتمتع بسرعات فائقة وقدرات تدميرية عالية، تُمكّنها من تجاوز أقوى منظومات الدفاع الجوي.

وفي بيان نقلته الوكالة، حذّر الحرس الثوري الإيراني من أن الضربات القادمة "ستشهد استخداما أوسع للصواريخ الفرط صوتية"، ليضع العالم أمام مشهد مفتوح على احتمالات التصعيد ما لم تتوقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية.

لذلك نحتاج البحث عن إجابات لأهم الأسئلة: ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟ وما أنواعها؟ وما الذي يميزها عن منظومات الصواريخ الأخرى؟ وما نوعية ترسانة الصواريخ الفرط صوتية التي تملكها إيران؟

الصواريخ الفرط صوتية

تقنيا، يُعرَّف مصطلح "فرط صوتي" بأنه كل سرعة تتجاوز 5 ماخ (6125 كيلومترا في الساعة)، أي خمسة أضعاف سرعة الصوت. وعند هذه السرعات الهائلة، تفرض الفيزياء وقائع جديدة؛ أبرزها الحرارة الشديدة الناجمة عن اندفاع الصاروخ أو المركبة عبر طبقات الغلاف الجوي الكثيفة.

هذه الحرارة، إلى جانب قوى أخرى تتفرد بها بيئة الطيران الفرط صوتي، تضع مصممي تلك المركبات أمام تحديات هندسية ضخمة. فابتكار مركبات جوية قادرة على تحمل هذه الظروف يتطلب مواد تصنيع متطورة، وأنظمة دفع متقدمة، واستثمارات كبيرة.

إعلان

لذا، يظهر هنا سؤال مُلح: ما الذي يجعل الصاروخ "فرط صوتيا" فعلا؟

في البداية، ينبغي التأكيد أن السرعة وحدها ليست كافية لتعريف الصاروخ "الفرط صوتي".

فعلى مدى التاريخ، تجاوزت كثير من الصواريخ الباليستية حاجز 5 ماخ في إحدى مراحل رحلتها، وبعضها بلغ أكثر من 20 ماخ خلال الصعود أو العودة عبر الطبقات العليا للغلاف الجوي، مثل الصواريخ الباليستية الحديثة العابرة للقارات، التي تحلق غالبا بسرعات عالية. ومع ذلك، لا يصلح تصنيف الصواريخ الباليستية التقليدية كأسلحة "فرط صوتية" بالمفهوم الحديث.

 

حيث يكمن الفرق الجوهري في القدرة على المناورة، والزمن الذي يقضيه الصاروخ بسرعات فرط صوتية ضمن الغلاف الجوي. إذ يتفق كثير من الخبراء، مثل أعضاء تحالف الدفاع الصاروخي الأميركي والمجلس الروسي للعلاقات الدولية، على أن السلاح الفرط صوتي الحديث يجمع بين سرعة تتجاوز 5 ماخ وقابلية للمناورة الأفقية والعمودية أثناء الطيران الجوي.

هذه القدرة على المناورة تجعل اعتراض الصواريخ الفرط صوتية أصعب للغاية من اعتراض الصواريخ الباليستية ذات المسارات الثابتة.

أنواع الصواريخ الفرط صوتية

تنقسم الصواريخ الفرط صوتية إلى نوعين رئيسيين، يتميز كل منهما بخصائص واستخدامات محددة. أولهما صواريخ كروز الفرط صوتية، وهي تعمل بالطاقة طوال رحلتها، وتحافظ على سرعة فرط صوتية مستقرة غالبا على هوامش الغلاف الجوي.

وتتيح لها محركاتها المتطورة التحليق لمسافات طويلة على ارتفاعات منخفضة أو متوسطة، مع قابلية عالية للمناورة لتفادي منظومات الدفاع الجوي.

أما النوع الثاني فهو المركبات الانزلاقية الفرط صوتية، التي تُطلق غالبا من على رؤوس الصواريخ الباليستية، فترتفع إلى طبقات عالية من الغلاف الجوي، ثم تنفصل وتنزلق نحو الأرض بسرعات فرط صوتية.

وتكمن ميزتها في قدرتها على تغيير مسارها أثناء الطيران، مما يُعقّد من عملية اعتراضها، على خلاف الرؤوس الحربية التقليدية التي تتبع أقواسا متوقعة تُسهل من قدرة أنظمة الدفاع الجوي على استهدافها.

ما يميزها؟

بالنسبة لأي صاروخ باليستي تقليدي، حتى وإن تجاوز سرعة الصوت، فإن رادارات العدو ليست مضطرة إلى تتبعه بدقة لحظة بلحظة، بل يكفيها أن تراقب مساره لحظة انطلاقه ومن ثم تكون قادرة على التنبؤ بمساره، إذ إنه يظل ثابتا منذ لحظة الإطلاق ولا يتغير.

ينطلق الصاروخ في مسار قوسي واسع، يغادر طبقات الغلاف الجوي نحو الفضاء، ثم يعود ليخترق الغلاف الجوي من جديد قبل أن يصيب هدفه. هذا المسار المتوقع يتيح للرادارات المعادية حساب نقطة الاصطدام بدقة، ومن ثم تفعيل منظومات الدفاع وفق هذا التصور المسبق.

لذلك، فكما ذكرنا، فالسرعة وحدها ليست بطاقةَ دخولٍ إلى نادي الصواريخ الفرط صوتية. ما يميّز الأسلحة الفرط صوتية الحديثة هو قدرتها على الطيران المستمر المناور داخل الغلاف الجوي في منطقة مرتفعة أكثر من مدى صواريخ باتريوت، ومنخفضة أكثر من رادارات الإنذار المبكر، مع قدرة على تنفيذ مراوغات غير متوقّعة.

بذلك يصبح الصاروخ قادرا على تجاوز الصواريخ الدفاعية الاعتراضية بسرعة تفوقها، إلى جانب تخطي مناطق تغطية الرادارات المعادية، والالتفاف حول العوائق أيا كان نوعها سواء جبالا أو مباني أو غيرها.

إعلان

الميزة الثانية، وربما الأهم، أن الصاروخ الفرط صوتي يستطيع تغيير اتجاهه إلى مسارات منخفضة قريبة من سطح الأرض، محافظا على سرعته الهائلة. ونتيجة لذلك، فإن رادارات الإنذار المبكر المعادية لا تلتقط إشارات التحذير إلا قبل فترة وجيزة جدا من وصول الضربة، حتى يكاد الوقت بين اكتشاف الصاروخ وتفعيل الدفاعات الأرضية يكون أقصر من الزمن اللازم لوصول الصاروخ إلى هدفه، مما يجعل الاستجابة شبه مستحيلة تقريبا.

مع ذلك، يظل تطوير صواريخ فرط صوتية فعّالة من أعقد التحديات التقنية في التسليح الحديث. إذ يتطلب إنتاج مركبات قادرة على تحمل الحرارة الهائلة، والحفاظ على الاستقرار الهوائي ونقل حمولة فعالة، تقدما علميا وتجريبيا متواصلا.

ولهذا، وبعد عقود من البحث، لا تزال قلة من الدول تملك قدرات حقيقية أو تجريبية في هذا المجال، وهي تقتصر على أربعة دول هي روسيا والولايات المتحدة والصين وإيران.

صاروخ فتّاح 1

ذكرت إيران رسميا امتلاكها صاروخين يحققان معايير السلاح الفرط صوتي التي ذكرناها. وقد طورهما الحرس الثوري الإيراني بالاعتماد على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية التي تستخدم الوقود الصلب، مع تعديلات تمنحهما القدرة على المناورة والحفاظ على السرعات المرتفعة.

أول هذين الصاروخين، ويحمل اسم "فتّاح 1"، كُشف عنه في يونيو/حزيران 2023 كأول صاروخ فرط صوتي إيراني، وهو بداية دخول إيران لهذا النادي الحصري. وحسب التصريحات الإيرانية، يمكن لصاروخ "فتّاح 1" أن يصل إلى سرعات تتراوح بين 13 و15 ماخ، وبمدى يبلغ نحو 1400 كيلومتر.

ويُصنف بوصفه صاروخا باليستيا متوسط المدى مزودا بمركبة عودة مناورة، أي رأس حربي قادر على تعديل مساره بشكل موجّه أثناء التحليق.

يتكون الصاروخ من قسمين؛ الجزء الأول يتألف من محرك أساسي يبلغ طوله 10 أمتار، ويمتلك القدرة على دفع الصاروخ بسرعة فائقة داخل الغلاف الجوي وخارجه، وينفصل عن الرأس الحربي على مسافة مئات الكيلومترات من الهدف المنشود.

أما الجزء الثاني، الذي يبلغ طوله 3 أمتار و60 سنتمترا، فهو الجزء الذي يحمل الرأس الحربي الموجّه ويحتوي على محرك كروي وفوهة متحركة تمكنه من المناورة في كافة الاتجاهات.

وتبدأ مهمته بعد انفصال الجزء الأول أي قبل بلوغ المنطقة الخاضعة لتهديدات العدو، فيشرع بالدوران والمناورة ضمن مسار معقد في اتجاهات وارتفاعات مختلفة للإفلات من منظومات الدفاع الجوي.

ويعتمد الصاروخ في التوجيه على نظام الملاحة بالقصور الذاتي مع إمكانية التحديث عبر الأقمار الاصطناعية، كما هو الحال في العديد من الصواريخ الإيرانية الحديثة، ويتيح ذلك تصحيح المسار أثناء الطيران.

يتميز صاروخ "فتّاح 1" بأنه يعمل بالكامل بالوقود الصلب، مما يمنحه ميزة سرعة التحضير للإطلاق مقارنة بصواريخ الوقود السائل. وتظهر التسجيلات الرسمية لحظة الكشف عن الصاروخ بحضور قيادات الحرس الثوري والرئيس الإيراني في يونيو/حزيران 2023، مع الإشارة إلى إجراء تجارب طيران له في وقت سابق من العام نفسه.

وبحسب التسلسل الزمني الرسمي، أُعلن عن تطوير "فتّاح 1" أول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 خلال فعالية بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة العميد حسن طهراني مقدم، الذي يُعرف اليوم بأنه أبو البرنامج الصاروخي الإيراني.

وقد صُوِّر الصاروخ في الإعلام الإيراني كقفزة نوعية في تكنولوجيا الصواريخ، مع التأكيد على أنه موجّه بدقة "ولا يمكن تدميره بصاروخ آخر" بفضل قدرته على المناورة على ارتفاعات ومسارات متغيّرة. كما تدّعي إيران أن بإمكانه تجاوز أكثر منظومات الدفاع الجوي تطورا في الولايات المتحدة وإسرائيل.

The domestically-developed hypersonic missile "Fattah", #Iran IRGC's most recent achievement, was unveiled on Tuesday morning (June 6) in the presence of President Ebrahim Raisi. pic.twitter.com/wzwUTRR3ez

— IRNA News Agency (@IrnaEnglish) June 6, 2023

إعلان صاروخ فتّاح 2

أعلنت إيران أيضا عن إصدار متطور يحمل اسم "فتّاح 2″، وكشفت عن هذا الطراز في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 خلال معرض القوة الجوفضائية للحرس الثوري بحضور المرشد الأعلى علي خامنئي. وخلال مراسم الكشف عنه، شدد المسؤولون الإيرانيون على أن "فتّاح 2" منتج محلي بالكامل وإنجاز تقني فريد.

تشير التقارير الرسمية وآراء المحللين إلى أن الهيكل الخارجي للصاروخ يشبه النسخة الأصلية منه، لكن الحرس الثوري أعاد تصميم رأسه الحربي ليغدو رأسا انزلاقيا مزودا بمحرك صغير مستقل. بهذا يصبح صاروخ "فتّاح 2" منظومة ذات مرحلتين: الأولى عبارة عن معزز دفع صلب مشابه للمستخدم في نسخة "فتّاح 1″، والثانية رأس حربي متخصص فرط صوتي ينفصل بعد الإطلاق وينزلق بسرعة عالية نحو الهدف.

وتفيد المعطيات المتاحة بأن الرأس الحربي في صاروخ "فتّاح 2" مزود بمحرك صاروخي صغير يعمل بالوقود السائل في قاعدته، ويمنح الرأس دفعة أخيرة فور الانفصال، ثم يواصل انزلاقه بسرعات فرط صوتية عبر الغلاف الجوي.

إيران تقول إنه بإمكان صاروخ فتاح 2 التغلب على أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا (الصحافة الإيرانية)

 

وبهذا، يصبح من النوع الثاني الذي ذكرناه "المركبات الانزلاقية الفرط صوتية"، وهي مركبة تُطلق عبر صاروخ، ثم تنفصل لتناور وتنزلق بسرعة تتجاوز 5 ماخ.

ولا تتوافر حتى الآن بيانات رسمية كثيرة عن الأداء الميداني لصاروخ "فتّاح 2″، غير أن بعض المحللين، استنادا إلى تصريحات إيرانية، يقدّرون سرعة الرأس الحربي أثناء مرحلة الانزلاق بما يتراوح بين 5 و10 ماخ، وتشير بعض التحليلات الأخرى إلى أن رقم "10 ماخ" ظهر في بعض المصادر، لكن من غير الواضح كم يدوم الحفاظ على هذه السرعة. لكن الواضح أنه صُمم ليحلق دائما بسرعات تتجاوز 5 ماخ.

أما المدى، فقد ألمحت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن النسخة الجديدة قد يتخطى مداها النسخة الأصلية البالغ 1400 كيلومتر ليصل إلى حدود 1500 إلى 1800 كيلومتر، رغم وجود تقديرات مستقلة ترى أن المحرك لم يتغير جوهريا، مما يرجح بقاء المدى قريبا من 1400 كيلومتر.

يستمر نظام التوجيه في هذه النسخة أيضًا بالاعتماد على الملاحة بالقصور الذاتي مع إمكانية تحديث المسار، ويحمل الرأس الحربي شحنة تقليدية مماثلة لتلك المستخدمة في "فتّاح 1".

وتكمن ميزة "فتاح 2" الجوهرية في رأسه الحربي الانزلاقي القادر على المناورة، مما يسمح بتغيير المسار خلال الهبوط، وضرب الأهداف من اتجاهات غير متوقعة وبسرعة عالية. هذا النوع من الرؤوس الحربية يشكل تحديا ضخما أمام منظومات الدفاع الصاروخي، لأنه لا يتبع مسارا باليستيا تقليديا يمكن التنبؤ به.

وفي أبريل/نيسان 2024، وفقًا لمعلومات نشرتها قناة "برس تي في" الإيرانية الرسمية، نجح الحرس الثوري الإيراني في استخدام صاروخ "فتّاح 2" عمليا حين استهدف بنجاح بنى تحتية عسكرية إسرائيلية حساسة.

وأكدت شبكة "إيه بي سي نيوز"، نقلا عن مسؤول أميركي، أن الضربة أصابت قاعدتين جويتين في إسرائيل، وتعرضت قاعدة "نيفاتيم" الجوية لأضرار كبيرة. وشملت الأهداف بنية تحتية حيوية، من بينها طائرة نقل عسكرية ومدرج للطائرات ومنشآت تخزين.

وبالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تواصل إيران مساعيها لتطوير صواريخها الفرط صوتية وسط تقارير تشير إلى توجهات نحو إصدارات بمدى أطول يتجاوز 1400 كيلومتر أو برؤوس حربية أثقل وزنا. كما قد تسعى إلى دمج أنظمة توجيه متطورة أو تطبيق تقنيات تصغير حديثة بهدف رفع كفاءة الأداء وتحسين قدرات المناورة والدقة في إصابة الأهداف.

في النهاية، هل ستحسم الصواريخ الفرط صوتية الحرب؟ الإجابة ستكون لا على الأرجح، فالحروب تُخاض بالتحالفات واللوجستيات، والتوقيت قد يكون أهم العوامل! فهذه الصواريخ ستحدد إيقاع الحرب لأن الإسرائيليين، الذين كان لديهم ساعات في السابق لتوقع أي تهديد أو الرد عليه، صاروا يحتاجون إلى دقائق، والآن قد لا تسعفهم الثواني.

مقالات مشابهة

  • إيران تطلق دفعة صاروخية ثقيلة تجاه إسرائيل
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • هجمات صاروخية متبادلة بين إيران ودولة الاحتلال.. مراسلة القاهرة الإخبارية تكشف التفاصيل
  • الدفاع الإيرانية: الجرائم التي ترتكبها إسرائيل تستوجب عقوبات ومواجهة وطنية وعالمية
  • ما هي استراتيجية الدفاع الأمامي التي تتبناها إيران؟ وهل تستمر فيها؟
  • إسرائيل تستهدف أصفهان وقم.. وعمليات صاروخية متبادلة مع إيران
  • سوريا.. سقوط مسيرتين بريف درعا إثر تبادل القصف بين إسرائيل وإيران
  • إيران تشن موجة هجمات صاروخية جديدة على إسرائيل
  • ما هي صواريخ إيران الفرط صوتية التي ترعب إسرائيل؟
  • "نيويورك تايمز": استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران بات مرتبطا بعاملين حاسمين