كيف تشوِّه التفاوتات الزمنية في الإحصاء صورة التضخم؟
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
ترجمة ـ قاسم مكي -
إذا كنت إنسانا عاديا يحاول قراءة الأخبار الاقتصادية خصوصا تلك التي تتعلق بالتضخم فقد تشعر في الوقت الحالي باختلاط الأمور في ذهنك.
ربما شاهدتَ تقارير تشير إلى أن أسعار المستهلك في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 3.1% خلال العام الماضي وهو ما يبدو خبرا سيئا. وتشير أيضا إلى أن معدل التضخم الأساسي الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة بلغ 4%.
مع ذلك يقول معلقون عديدون إن معركة البنك المركزي الأمريكي (بنك الاحتياط الفيدرالي) ضد التضخم انتهت على نحو أو آخر وأن الأسواق تتوقع من البنك تغيير مسار سياسته النقدية عما قريب بخفض أسعار الفائدة وليس زيادتها؟ كيف يمكن أن يكون لهذا القول معنى؟.
فنِّيا، المسألة كلها تتعلق بالرصد المتفاوت زمنيا لهذه المؤشرات. بمعنى أعمق هنالك سلسلة من المقاييس التي يُقاس بها التضخم. والمقياس الذي تختاره يعتمد على نوع السؤال الذي تحاول أن تجد له إجابة.
هاهنا مقياسان للتضخم في السنوات الأخيرة. أحدهما التغير خلال عام واحد في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي والثاني التغير خلال نصف عام في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي.
هذا المقياس الأخير شبيه بالمقياس بالأول في المفهوم (الفكرة) لكنه مختلف عنه في التفاصيل ويتم التعبير عنه بمعدل سنوي.
بلغ معدل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 2.5% للأشهر الستة المنتهية في أكتوبر. والمعدل الذي يستهدفه بنك الاحتياط الفدرالي 2%.
السؤال: لماذا تبدو هذه المقاييس مختلفة؟ جزء من الإجابة أن التضخم إذا كان يهبط بسرعة وهو ما يبدو أنه كذلك فسيزودك رصدُ التغير في الأسعار خلال السنة بأكملها (12 شهرا) بمعلومات قديمة. إذ الكثير مما ستحصل عليه يتعلق بما حدث في وقت ما في الماضي وليس ما يحدث الآن.
لكن في تلك الحال لماذا لا تنظر في التغيرات التي تطرأ من شهر لشهر؟ سيكون هنالك الكثير من العشوائية في البيانات الشهرية مما يجعلها مؤشرا غير موثوق. لذلك متوسط الـ 6 أشهر حلٌّ وسط يزيل الكثير من التشويش ويقرّبنا بقدر معقول مما يحدث في الوقت الراهن.
لكن تلك ليست الحكاية كلها. المؤشران المذكوران يقيسان أسعار المستهلك. وفي الوقت الحالي مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الذي يفضله بنك الاحتياط الفيدرالي في العادة أفضل كثيرا من مؤشر أسعار المستهلك في رصد الكيفية التي تمضي بها محاربة التضخم. مرة أخرى لماذا؟ الإجابة هي التفاوتات الزمنية (في قياس التضخم) وتحديدا في قطاع العقارات السكنية. تشكل تكلفة السكن حوالي ثلث مؤشر أسعار المستهلك وحوالي 40% من مؤشر أسعار المستهلك الأساسي.
يقيس مكتب إحصاءات العمل الأمريكي تكاليف السكن باستخدام الإيجارات. إنها الإيجارات التي يدفعها الناس فعليا إذا كانوا في الحقيقة مستأجرين وتقديرٌ للإيجارات التي من شأنهم أن يدفعوها إذا كانوا يملكون مساكنهم.
هذا الإجراء في العادة يثير مشاكل قليلة. لكن معظم المستأجرين يقيمون بعقود استئجار. لذلك متوسط الإيجار الذي يدفعه الناس في الوقت الحالي يتخلف زمنيا عن إيجارات السوق أو ما يدفعه الناس مقابل المساكن المستأجرة حديثا (الإيجارات الجديدة.)
هذه ليست مشكلة في العادة. لكن كان هنالك ارتفاع ضخم في إيجارات السوق الأمريكية في الفترة 2021-2022. وربما كان ذلك يعكس الارتفاع في وتيرة العمل عن بُعد. فالناس الذين يعملون من منازلهم رغبوا في المزيد من المساكن التي يمكنهم العمل منها. هذا الارتفاع انحسر الآن. لكنه لا يزال ينساب إلى الأرقام القياسية للإيجارات.
ما يقوله لنا هذا إن جزءا كبيرا من تضخم أسعار المستهلك المقاس يعكس ما حدث قبل عدة أشهر وليس ما يحدث الآن. ولأسباب فنية يخصص مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي وزنا أقل للسكن. لذلك هو أقل تأثرا بهذا التفاوت الزمني للمعلومات.
السؤال: أي مقياس منهما هو الصحيح؟ كما ذكرت يعتمد ذلك على السؤال الذي تحاول الإجابة عليه.
يحاول بنك الاحتياط الفيدرالي أن يحدد هل يجب عليه رفع أو خفض أسعار الفائدة. لذلك يبحث عن المؤشرات التي تقدم الإجابة عن السؤال التالي: هل نشاط الاقتصاد زائد عن الحد أم أنه أقل من المطلوب أم معتدل؟ لهذا الغرض فإن التغير خلال 6 أشهر في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي أفضل من التغير السنوي في مؤشر أسعار المستهلك والذي تؤثر عليه بشدة عوامل تجاوزها الزمن ولم تعد موجودة الآن. وهذا المؤشر يشير إلى أن نشاط الاقتصاد لم يعد محتدما بل ربما يتباطأ. لذلك حان الوقت للتفكير في خفض أسعار الفائدة.
هنالك على أية حال أسئلة أخرى قد نريد الإجابة عليها مثل ما الذي يحدث للقوة الشرائية للعاملين في الولايات المتحدة؟ مثل هذه الأسئلة تتطلب مقاييس مختلفة. (لا يخطر ببالي أي سؤال حالي يمكن أن يلائمه رصدُ التغير لمدة سنة واحدة في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي.)
إذا كنا نسأل عن العام الماضي فالطريقة الطبيعية للإجابة على هذا السؤال هي مقارنة ما حدث لمتوسط الدخول بأسعار المستهلك الإجمالية. (في هذه الحال) نعم الدخول ترتفع حقا.
لكن إذا أردت أن تعود بالأمور إلى الماضي قليلا، مثلا إلى بداية إدارة بايدن ستصطدم ببعض البيانات الغريبة. بالتحديد لقد تسببت الجائحة في فقدان عمال عديدين لوظائفهم. وهؤلاء في المتوسط كانوا من أصحاب الأجور المتدنية. لذلك قفز متوسط أجور العاملين الذين استمروا في شغل وظائفهم أثناء الجائحة ليس لحصول أي منهم على زيادة حقيقية في الأجر ولكن لأن من كانوا يحصلون على أجور ضعيفة تركوا العمل. لذلك عندما عادت الحياة إلى طبيعتها (بعد انتهاء الجائحة) هبط متوسط الأجور. ليس لخفض أجور العاملين ولكن لعودة المفصولين من أصحاب الأجور المتدنية إلى العمل.
كل هذا يجعل من الصعب تحديد ما حدث لدخول العاملين منذ عام 2020 أو عام 2021 (في الولايات المتحدة). وهذا هو السبب في أن تحليلات عديدة تركز على آفاق زمنية أطول وتقارن الدخول الحالية بالدخول قبل الجائحة.
قد يعترض عَليّ أحد قائلا: لقد ذكرتَ لتوّك ضرورة التركيز على التغيرات التي تحدث خلال 6 أشهر والآن تريد التركيز على التغيرات التي تحدث خلال أربع سنوات. واقع الحال، لا يوجد أي تناقض حقيقي في ذلك. فنحن ننظر إلى أرقام مختلفة لأننا نريد الإجابة على أسئلة مختلفة.
الصورة العامة في الحقيقة جيدة جدا. فالتضخم يبدو حقا إنه يخضع للسيطرة دون ارتفاع معدل البطالة الذي يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أنه سيكون ضروريا. ويبدو أن العاملين خرجوا من فترة الجائحة والتضخم بقوة شرائية أكبر مما في السابق.
هنالك أيضا درس أكثر عمومية. فالناس كثيرا ما يحكمون على الاقتصاد برقم إحصائي واحد كالمعدل السنوي للتضخم. لكن الأرقام لا تتحدث بنفسها. فهي يمكن استخدامها لكي تساعد في سرد حكاية عن الاقتصاد. لكنها ليست الحكاية نفسها.
بول كروجمان أستاذ متميز بمركز الدراسات العليا بجامعة سيتي في نيويورك. حائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2008.
ترجمة خاصة لـ عمان عن «نيويورك تايمز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤشر أسعار المستهلک بنک الاحتیاط فی الوقت فی مؤشر ما حدث
إقرأ أيضاً:
الإحصاء : 15.8% ارتفاعاً في حجم الصادرات المصرية إلى روسيا خلال عام 2024
يتوجه اليوم الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الروسية موسكو للمشاركة في احتفالات عيد النصر في التاسع من مايو.
وذلك تلبيةً لدعوة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وحرصاً من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء على متابعة الزيارات والأنشطة الرسمية للسيد الرئيس وإصدار بيان صحفى يتضمن العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا.
أشارت البيانات الصـــادرة عن الجهــاز المركــزي للتعبئــة العامــة والإحصـــاء اليــوم الخميس الموافـــق 8/ 5 / 2025 إلى ارتفـــاع قيمة الصــادرات المصريــة إلى روسيا لتسجل 607 مليون دولار خلال عام 2024 مقــابل 524 مليـون دولار خـــلال عـــام 2023 بنسبة ارتفاع قــدرها 15.8% وبلغت قيمـــة الــواردات المصريــة من روســيا 6 مليــار دولار خلال عام 2024 مقابل 5 مليار دولار خــلال عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 19.3%.
كما كشفت بيانات الجهاز عن ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر وروسيا لتصل إلى 6.6 مليار دولار خلال عام 2024 مقابل 5.6 مليار دولار خلال عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 18.9%.
صادرات مصر إلى روسياأهم مجموعات سلعية صدرتها مصر إلى روسيا خلال عام 2024
1. فواكه وأثمار بقيمة 419 مليون دولار.
2. خضروات بقيمة 111 مليون دولار.
3. لدائن ومصنوعاتها بقيمة 17 مليون دولار.
4. حبوب واثمار زيتية بقيمة 13 مليون دولار.
5. محضرات خضر وفواكه بقيمة 10 مليون دولار .
واردات مصر من روسياأهم مجموعات سلعية استوردتها مصر من روسيا خلال عام 2024
1. حبوب بقيمة 3.1 مليار دولار.
2. حديد ومصنوعاته بقيمة 1.3 مليار دولار.
3. شحوم وزيوت نباتية وحيوانية بقيمة 526 مليون دولار.
4. خشب ومصنوعاته وفحم خشبى بقيمة 262 مليون دولار.
5. وقود وزيوت معدنية بقيمة 205 مليون دولار.
الاستثمارات الروسية في مصروسجلت قيمة الاستثمارات الروسية في مصر 91.5 مليون دولار خلال العام المالي 2023/2024 مقابل 141.2 مليون دولار خلال عام 2022/ 2023 بينما بلغت الاستثمارات المصرية في روسيا 29.8 مليون دولار خلال العام المالى 2023/2024 مقابل 18.6 مليون دولار خلال العام المالى 2022/2023 .
تحويلات المصريين العاملين بروسياوبلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بروسيا 1.9 مليون دولار خلال العام المالي 2023 /2024 مقــابل 14.9 مليــون دولار خـــلال العــام المالي 2022 / 2023 بينما بلغت قيمة تحويلات الروسيين العاملين في مصر71 ألف دولار خلال العام المالي 2023 /2024 مقابل 138 ألف دولار خلال العام المالي 2022 / 2023 .
عدد سكــان مصـــروسجـــل عدد سكــان مصـــر 107.6 مليـــون نسمـــة خلال مايو 2025، بينمـــا سجــــل عــدد سكان روسيا 144.1 مليون نسمة خلال نفس الفترة .
عـدد المصريين بدولة روسياوبلـــغ عـدد المصــــريين المتواجديـن بدولة روسيا طبقــاً لتقـديـرات البعثة 40 ألف مصري حتى نهاية عام 2023 .