لجريدة عمان:
2025-06-04@18:02:39 GMT

عام جديد أم سنة مُستعادة؟

تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT

عام جديد أم سنة مُستعادة؟

قد يكون عاما مُستعادا، مثلما هي الحال في السنين الأخيرة. ومع ذلك، لنحاول أن نسأل: ما الذي يخبئه لنا هذا العام الجديد؟ كلّ واحد منّا، يطرح هذا السؤال «الحتمي» على نفسه مع بداية سنة جديدة. بالطبع، نأمل في قدوم الفرح والسرور والنجاح والحب والمال... ونخشى ظهور المحن والحزن والمرض والمعاناة. نأمل في أن نختبر السعادة وأن نتجنب التعاسة.

لا شيء طبيعي أكثر من ذلك.

لا داعي لأن يكون الواحد منّا عرافًا أو كاهنًا أو قارئ فنجان، لكي نفترض أن هذا العام سيجلب لنا ألف شيء وشيء، بعضها مفرّح أو حزين، والبعض الآخر مفاجئ أو غير مهم. فلماذا يكون الأمر خلاف ذلك؟ فعلى الرغم من توقعاتنا، إلا أن الواقع الخارجي لن يتغير بالكامل، كما لو بفعل سحر. لهذا غالبا ما تبدو احتفالات نهاية العام تافهة بعض الشيء، بكل ما تحمله من صخب مفتعل.

ومع ذلك، نحن متناقضون للغاية: نريد التغيير بقدر ما نخشاه. من ناحية، إن لم تحدث أي تحولات كبيرة، نجدنا نشعر بالاطمئنان على عاداتنا ويقيناتنا؛ لكننا، في الوقت عينه، نخشى أن نعيش حياة مملة وكابية.

ومن جهة ثانية، إذا حدث تغيير ما ذو أهمية، نشعر بالدهشة من جاذبية الجديد؛ لذا، يتزعزع استقرارنا بسبب المجهول ويسيطر علينا القلق. نحن نتردد باستمرار بين الأمل في الحفاظ على السعادة أو تجربتها والخوف من رؤيتها تهرب منّا.

من الناحية المثالية، «يجب أن يتغير كل شيء حتى لا يتغير شيء» (وفق ما قاله الأمير سالينا في رواية جيزيبي توماسي دي لامبيدوسا، «الفهد»، التي حولها فيسكونتي إلى شريط سينمائي).

السؤال الحقيقي هو معرفة كيف تكون سعيدا. ليس سؤالا جديدا بالطبع، بل إنه قديم قدم التفكير الفلسفي، لدرجة أنه يحتل مكانة مركزية فيه! ومع ذلك: كيف نحقق أو كيف نحافظ على حالة الرضا هذه؟ هل يجب أن ننتظر السعادة؟ بمعنى آخر، هل علينا أن ننتظر حتى تصبح الظروف مواتية لنا؟ يمكن تعريف مفهوم السعادة بطريقتين: إما بشكل سلبي، كغياب المعاناة؛ أو بشكل إيجابي كحالة مستقرة ودائمة من الرضا. سوف نلاحظ أنه، بغض النظر عن أي محتوى يمكن التنازل عنه، فإن هذين المفهومين للسعادة يشتركان في فكرة الارتباط الإيجابي بين نظام رغباتنا ونظام العالم، سواء على المستوى المادي أو على المستوى الأخلاقي... وبما أننا، من ناحية، لسنا أسياد الأحداث، يبدو من المشروع أن ننتظر السعادة، أي أن نأمل فيها كما لو أنها ستحدث. كيف يمكننا أن نعيش بشكل جيد بدون هذا الأمل؟ ولكن، من ناحية أخرى، أليس هناك شيء سخيف في هذا التوقع السلبي للسعادة التي تحدث كما لو كانت بالصدفة؟ أليس هذا مخاطرة بالانتظار لفترة طويلة، وبالتالي عدم الشعور بالسعادة أبدًا؟ وفوق كل ذلك، أليس من الجنون انتظار السعادة وكأنها ستأتي لا محالة؟ لماذا يجب أن يتفق الواقع مع ترتيب رغباتنا إن لم يكن في خيالنا؟

هل السعادة هي مسألة حظ فقط، أو ظروف مواتية أم على العكس من ذلك، مبادرة شخصية، أو نهج نشط وواع وواضح؟ أرجح الفرضية الثانية. أعتقد أنه لا يمكن أن يحدث أي شيء مهم في وجودنا إذا لم نكن قادرين على الرغبة في الأشياء التي تعتمد علينا، ولا على قبول ودعم الأشياء التي لا تعتمد علينا، وفقًا للتمييز الشهير الذي اقترحه الفيلسوف إبكتيتوس. على سبيل المثال، القيام بمشروع يعني أن تكون نشيطًا؛ إن انتظار الفرصة لتقدم نفسها من «دون علمنا» هو أمر سلبي. يبدو من المهم بالنسبة لي أن أفهم أن السعادة هي عمل يجب بناؤه وليس هدية «سقطت من السماء». يجب أن نتصرف بطريقة تمكننا من السيطرة على مصيرنا، لا أن يتحكم القدر فينا. وعلى عكس ما يتم التأكيد عليه في كثير من الأحيان، أجدني لا أشارك هذا المفهوم الرومانسي والروائي الذي بموجبه «السعادة هي صفحة بيضاء بلا تاريخ». إنه مفهوم مأساوي للوجود الإنساني أعتبره ليس فقط محبطًا في عواقبه، ولكنه أيضًا خاطئ في مبدئه، لأنه يفترض مسبقًا أن السعادة ستكون فارغة من المعنى وخالية من الفائدة، وأن سوء الحظ وحده هو الذي له تاريخ، أي أن الاتساق هو ما يجعل الواقع يستحق أن يُروى. إن استفادة الشعراء والروائيين والصحفيين من هذا الميل إلى سوء الحظ لا يفاجئني: فحماسهم يعكس شهية الجماهير للقصص المليئة بالدراما. وتظل الحقيقة طريقة فريدة للغاية لتضييع جوهر السعادة، أي أنها جزء من خلق أبدي، تأتي من جهد متواصل للوجود وتأكيد نفسها إلى الوجود!

بطبيعة الحال، لا يتساوى كل البشر عندما يتعلق الأمر بالسعادة والتعاسة. لدى البعض «كل شيء ليكونوا سعداء» ومع ذلك يفشلون في تحقيق ذلك؛ وعلى العكس من ذلك، ثمة آخرون محكوم عليهم بسوء الحظ، ومع ذلك ينجحون في الحياة. ولكن، ما الذي يصنع الفرق لاحقا؟ «إذا كانت السعادة موجودة، فهي اختبار للفنان» مثلما كتب ميشيل بيرجر في «سيزان يرسم». وبالتالي، من الممكن إظهار أن الأزواج السعداء هم أولًا وقبل كل شيء أولئك الذين ناضلوا للحفاظ على رغبتهم وخطتهم للعيش معًا، برغم لحظات الإحباط والتجارب والإغراءات والأخطاء. كذلك فإن الشعوب السعيدة هي تلك التي تتمتع بالحرية بعد أن تحررت من الاستبداد، والتي هيأت الظروف لتحقيق الرخاء من خلال العمل على القضاء على الفقر والظلم، أو، في سياق آخر، الذين يعيشون في وئام مع قيمهم ومعتقداتهم وبيئتهم.

تتعلق السعادة بالغزو والفتوحات وليس بالقدر. يجب أن نأخذ في الاعتبار الأحداث الخارجية، في اللحظة المناسبة (استخدم الإغريق مصطلح كايروس)، وهذا أمر مؤكد، لأننا لا نستطيع تجاهل الواقع. ولكن لا يكفي أن تتاح الفرصة؛ ولا يزال يتعين على العقل أن يتعرف عليها ويقرر الاستيلاء عليها بشجاعة وتصميم. على سبيل المثال، لتنفيذ مشروع ناضج مسبقًا، أو السماح أخيرًا لرغبة مدفونة بالازدهار.

قال بريكليس، أحد آباء الديمقراطية الأثينية: «لا سعادة بدون حرية، ولا حرية بدون شجاعة». لا أعرف صيغة أفضل لتبين لنا الطريق إلى سعادتنا. بالتأكيد، لا تسمح لنا فكرته هذه بتخصيص محتوى محدد للسعادة (يبقى هذا الأمر محددًا من قبل الجميع ولكل شخص، للفرد كما للشعب)؛ إلا أنها تتيح تحديد شروط إمكانية السعادة، وهي: حرية التفكير والقرار والتصرف، فضلًا عن الشجاعة في مواجهة الشدائد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ومع ذلک یجب أن

إقرأ أيضاً:

محمود عبد العزيز.. الساحر الذي لم يغادر الشاشة رغم الغياب

هو واحد من القلائل الذين لا يحتاجون إلى تذكير بأسمائهم في ذكرى ميلادهم أو رحيلهم؛ لأنهم ببساطة لم يغيبوا لحظة عن وجدان الناس. تحلّ اليوم الأربعاء، 3 يونيو، ذكرى ميلاد الفنان الكبير محمود عبد العزيز، الذي وُلد في مثل هذا اليوم من عام 1946، وترك خلفه إرثًا فنيًا لا يُقاس بعدد الأعمال فقط، بل بتأثيرها وعمقها وخلودها في ذاكرة أجيال كاملة.

 

كان حضوره على الشاشة يشبه السحر، يجمع بين دفء الأب، وخفة الظل، وغموض البطل، ودهاء الجاسوس. لم يكن نجمًا بالمعنى السطحي للكلمة، بل حالة فنية نادرة، تتلون دون أن تفقد بريقها، وتغامر دون أن تتنازل عن الصدق.

معلومات عن محمود عبد العزيز 

 

وُلد محمود عبد العزيز في حي الورديان الشعبي بالإسكندرية، وتربى في بيئة بسيطة صنعت لديه حسًا إنسانيًا عاليًا انعكس لاحقًا في معظم أدواره. تخرج في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، لكن موهبته لم تعرف طريق الصمت طويلًا، فقد انطلق من المسرح الجامعي ليبدأ أولى خطواته نحو الشاشة.

كانت بدايته من بوابة التلفزيون عبر مسلسل "الدوامة"، ثم شارك في فيلم "الحفيد"، لكن انطلاقته الحقيقية جاءت عام 1975، عندما لعب دور البطولة في فيلم "حتى آخر العمر"، ليبدأ صعودًا صاروخيًا لا يعرف التراجع.

نجم لا يتوقف عند منطقة واحدة

 

في سنوات قليلة، أصبح نجم شباك، لكن الأهم من ذلك، أنه لم يسمح للنجاح أن يُقيده. ففي مطلع الثمانينيات، بدأ في كسر نمط الأدوار الرومانسية، واتجه إلى شخصيات أكثر تعقيدًا وعمقًا: الأب المكسور في "العذراء والشعر الأبيض"، الجاسوس المزدوج في "إعدام ميت"، والمواطن المنهزم أمام واقع مرير في "العار" و"الكيف".

 

كانت أدواره مرآة للمجتمع، تسكنها السياسة والمجتمع والهم الإنساني، دون أن تتخلى عن الجاذبية والقبول الجماهيري.

 

"رأفت الهجان": عندما يتحول الممثل إلى رمز

 

ربما لم يترك مسلسل مصري أثرًا كالذي تركه "رأفت الهجان"، العمل الذي قدم فيه محمود عبد العزيز شخصية الجاسوس المصري رفعت الجمال، فكان الأداء فوق التمثيل، أقرب إلى التجسيد التام. لم يعد الجمهور يراه كممثل، بل آمن أنه هو رأفت، وصار رمزًا وطنيًا وفنيًا لا يُنسى.

هذا العمل، الذي تم عرضه على مدى ثلاثة أجزاء، عزز مكانته كأحد أعظم ممثلي التلفزيون، ليس فقط بأداء متميز، بل بإحساس نادر وحضور يجعل من كل مشهد تجربة وجدانية.

الإرث الذي لا يموت

 

رحل محمود عبد العزيز في 12 نوفمبر 2016، لكن غيابه لم يكن رحيلًا عن القلوب أو الشاشة. فما زالت أعماله تُعرض، وتُناقش، وتُحفظ كدروس في الأداء والالتزام والبراعة، ترك أكثر من 100 عمل فني بين سينما وتلفزيون وإذاعة، لكنه قبل كل شيء ترك أثرًا لا يُنسى في الوجدان.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • ليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • تامر عاشور ضيف «صاحبة السعادة» في عيد الأضحى
  • محمود عبد العزيز.. الساحر الذي لم يغادر الشاشة رغم الغياب
  • بعد غنائها في صاحبة السعادة.. عايدة الأيوبي تطرح أغنية بحلم
  • بعد غنائها في صاحبة السعادة.. عايدة الأيوبي طرحت أغنية بحلم
  • 5 أيام من السعادة.. متى تبدأ إجازة عيد الأضحى؟ وكيف تحتفل لتجعلها لا تُنسى؟
  • «فريق السعادة».. 600 أخصائي يرسمون البهجة على وجه ضيوف الرحمن
  • محمود أبو صهيب.. القلب الذي احتضن الجميع
  • أعمال الحج التي يجب أداؤها في المناسك
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف