البوابة نيوز:
2025-10-13@21:36:02 GMT

الحوار هو الحل (3)

تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT

ثانيًا: حوار الأديان:
فى مقالى هذا، أستكمل حديثى عن أهمية الحوار، واتباع آدابه، فى بناء الحضارات الإنسانية، وكيف أنه يمثل ضرورة أساسية من ضرورات بناء الأمم وتقدمها. وإذا كنا قد سبق أن توقفنا عند آليات الحوار بين الشباب والكبار، فإننا سنكمل حديثنا اليوم بطبيعة الحوار بين الأديان، وتبيان أنه لا يوجد تعارض شرائعى أو من حيث طبيعة المعاملات المجتمعية، فيما بين الأديان السماوية الثلاثة، فالأديان الثلاثة إنسانية الطابع فى المقام الأول.

غنى عن القول أن التعاليم السماوية نزلت مرحلية، بحيث يعد كل دين سماوى مرحلة تعبر عن احتياجات البشر ونوازعهم وميولهم وظروفهم الحياتية والعقلية، ومع تغير الظروف والمتطلبات البشرية يأتى دين سماوى آخر ليكمل ما توقف عنده الدين السماوى الأقدم. وهو ما يؤكده سيدنا المسيح بقوله: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل". وعندما نؤكد ذلك فإن هذا لا يلغى فكرة وجود الثوابت الدينية التى حثت عليها الأديان السماوية الثلاثة؛ نظرًا إلى وحدة المصدر السماوي. وما حدث بين الأديان السماوية الثلاثة من تكامل، حدث داخل كل دين على حدة. على نحو ما نجد ذلك فى الدين الإسلامي- على سبيل المثال- من خلال علم الناسخ والمنسوخ، كما فى قوله تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة آية ١٠٦).
 فالدين السماوى دائما ما يجارى متغيرات الحياة ومتطلباتها، من خلال نصوصه المقدسة. إذًا العلاقة بين الأديان تكاملية، وليست أفضلية. فهى علاقة تقوم على الاحترام وليس التصارع أو التعارض. ومصر دوما كانت نموذجا يُحتذى فى تلقى الأديان السماوية، وفى تسامحها وتعايشها. ربما تكون مصر هى الدولة الوحيدة التى التقى على أرضها جميع الأديان السماوية، وتعايشت جنبا إلى جنب، المعابد اليهودية والكنائس المسيحية والمساجد الإسلامية. ولقد تعايش أبناء الديانات السماوية الثلاثة فى سلام وأمان وأمن اجتماعى طوال تاريخهم. وربما تكون مصر من الدول القليلة التى لم يأخذ استقبالها لأى دين سماوى فى بداياته شكل التصارع والتقاتل، بل استقبلته بدافع احتياجها المرحلى لهذا الدين فى تعاليمه ومبادئه. هكذا عاشت فى مصر الأديان السماوية ولا تزال، ولم يكدر صفو هذه العلاقة المتسامحة والمتعايشة منغصات الحياة اليومية، التى كان المصريون يتعايشون معها. لم يكن فى يوم من الأيام ليتصاعد الخلاف بين مصرى مسيحى ومصرى يهودي، أو مصرى مسلم مع أى منهما، ليصل إلى حد وصفه بالصراع الديني، وإنما كان مجرد مشكلة اجتماعية حياتية، قد تحدث بين أبناء الدين الواحد، ولذلك كان سرعان ما يتم رأب صدع هذه الخلافات الاجتماعية الحياتية البسيطة. 
غير أنه لما جرت فى البحر رياح التغيير السياسي، والتطرف الفكري، لم يعد ما كان يحدث ليمر مرور الكرام، وإنما أصبحت مثل هذه الخلافات الحياتية يتم توظيفها سياسيا. ولكى أدلل على ذلك يمكن معرفة مدى التغيير المجتمعى الذى ألم بالعالم العربي، وليس مصر وحدها، بعد وعد بلفور عام ١٩١٧، ثم تأسيس دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، التى تأتى تحقيقا لما نادت به الحركة الصهيونية، هذه الحركة التى كانت سببا رئيسيا فى تكدير حالة الصفاء الاجتماعى فى كل أنحاء العالم العربي. ففى مصر كان اليهودى يعيش فى سلام وتسامح اجتماعى وإنسانى مع سائر المصريين. كان يمارس حياته اليومية، وطقوسه الدينية فى أمان بلا أى تكدير. كان اليهود ماهرين فى التجارة، فمارسوا تجارتهم فى حرية وسماحة. ومارسوا الطب، وتخصصوا فى بعض الحرف الاجتماعية المهمة، دون أن يضايقهم أحد، بل مارسوا حقوقهم فى تولى المناصب الرفيعة، فمنهم الوزير يعقوب بن كلس الذى تقلد منصب الوزير فى عصر الدولة الفاطمية، التى أعلت من شأن اليهود، على نحو يشهد تسامحية مصر وشعبها وسياستها، وهو حق كان اليهود أنفسهم محرومين من الحصول عليه فى الغرب (الديمقراطي!) حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. ثم جاءت الحركة الصهيونية، فغيرت المزاج المجتمعي، وتغيرت معها هذه الصورة المتناغمة اجتماعيا بعض الشيء. وشعبيا نستطيع أن نلمس هذه الصورة المتعايشة بين أبناء الديانات الثلاثة فى حكايات وسير وأغانٍ وأمثال شعبية كثيرة، وهو ما سنتوقف عنده فى مقالنا القادم بإذن الله.
د. خالد أبو الليل: أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب، جامعة القاهرة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حوار الأديان الحضارات الإنسانية مصر التطرف الفكري التغيير السياسي الأدیان السماویة بین الأدیان

إقرأ أيضاً:

أستاذ جامعى ومزارعين يقتلان أبناء شقيقتهم بسبب الميراث فى أرمنت بالأقصر

يحقق فريق من المباحث الجنائية بمديرية أمن الأقصر، في جريمة قتل أقدم عليها مزارعين وشقيقهم أستاذ جامعى بمدينة أرمنت، حيث أقدموا على التخلص من ابن شقيقتهم المحامى واثنين من بنات شقيقتهم كانتا تعيشان بمفردهما عقب وفاة والدتهم، وفروا هاربين وجارى ملاحقة المتهمين الثلاثة في الواقعتين للقبض عليهم وتقديمهم للعدالة، وتم إتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وتولت النيابة العامة التحقيق.

بدأت تفاصيل الواقعة بتلقى غرفة العمليات بمديرية أمن الأقصر، إخطاراً من أهالى منطقة أرمنت الحيط التابعة لمركز ومدينة أرمنت غرب محافظة الأقصر، يفيد بالعثور على جثمان محامى يدعى "محمد.م.ا" 30 سنة داخل منزله، حيث أكد الأهالى على إنه تلقى طلق نارى في شجار مع الخال "أ.م.ا" أستاذ جامعى وشقيقيه على نزاع قديم بينهم على أرض زراعية وتقسيم الميراث بينهم، كما أبلغ الأهالى بقيام العم وشقيقيه عقب التخلص من ابن شقيقهم المحامى في منزله، انتقلوا إلى منزل بالمنطقة المجاورة تعيش داخله إبنتى شقيقتهم الراحلة وهما الفتاتين "رحاب" 35 سنة و"نورهان" 18 سنة، وتخلصوا منهما بطلقات نارية أودت بحياتهما في الحال، وتم على الفور نقل جثامين المتوفيين الثلاثة إلى مشرحة مستشفى حورس التخصصى التابعة لهيئة الرعاية الصحية في مدينة أرمنت، لحين فحصهما بمعرفة رجال الطب الشرعى وإصدار تقارير بأسباب الوفاة وتفاصيلها، وتم تحرير عن ذلك المحضر اللازم وتولت النيابة العامة التي تولت التحقيق.

وانطلق فريق التحقيقات من رجال المباحث الجنائية بمديرية أمن الأقصر، في سؤال الجيران والأهالى الذين شهدوا تلك الوقائع والمشاجرة بين الخال وشقيقيه الذين رصدوهم في المشاجرات واشتركوا في الجرائم حسبما كشف شهود العيان، كما يقوم فريق المباحث بالتحقيق مع باقي أفراد العائلتين لمعرفة أصل الخلافات بينهم حيث تعود لخصومة ثأرية قديمة، بجانب خلافات بينهم على تقسم الميراث ونزاعات على قطعة أرض زراعية بالبلدة، وجارى إتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وإعداد الأكمنة للقبض على المتهمين الثلاثة في الواقعتين.
 



مقالات مشابهة

  • هل تشعر بالنعاس عند تناول أدوية الحساسية؟.. إليك الحل
  • الرياضة بالقليوبية تنفذ برنامج دور التسامح في الأديان السماوية في مواجهة التطرف
  • أحمد موسى: إقامة الدولة الفلسطينية الحل الحقيقي للسلام في الشرق الأوسط
  • الناجية الوحيدة من جريمة نبروه تكشف كواليس علاقتها بزوجها قا.تل أولاده الثلاثة؟
  • هل رخصة العمل مجانية خلال الثلاثة أشهر الأولى؟.. منصة قوى تجيب
  • السفير الألماني: اليمن بحاجة إلى حكومة قوية تقود مسار الحل
  • صرخة من قلب السادات: السقالة الغادرة تبتلع العمال الثلاثة
  • انقلاب موتوسيكل أمام مول العرب وإصابة زوجين وأبنائهما الثلاثة
  • قطر تنعى دبلوماسييها الثلاثة وتنسق مع مصر لنقل الجثامين إلى الدوحة
  • أستاذ جامعى ومزارعين يقتلان أبناء شقيقتهم بسبب الميراث فى أرمنت بالأقصر