البوابة نيوز:
2025-08-03@03:25:14 GMT

الحوار هو الحل (3)

تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT

ثانيًا: حوار الأديان:
فى مقالى هذا، أستكمل حديثى عن أهمية الحوار، واتباع آدابه، فى بناء الحضارات الإنسانية، وكيف أنه يمثل ضرورة أساسية من ضرورات بناء الأمم وتقدمها. وإذا كنا قد سبق أن توقفنا عند آليات الحوار بين الشباب والكبار، فإننا سنكمل حديثنا اليوم بطبيعة الحوار بين الأديان، وتبيان أنه لا يوجد تعارض شرائعى أو من حيث طبيعة المعاملات المجتمعية، فيما بين الأديان السماوية الثلاثة، فالأديان الثلاثة إنسانية الطابع فى المقام الأول.

غنى عن القول أن التعاليم السماوية نزلت مرحلية، بحيث يعد كل دين سماوى مرحلة تعبر عن احتياجات البشر ونوازعهم وميولهم وظروفهم الحياتية والعقلية، ومع تغير الظروف والمتطلبات البشرية يأتى دين سماوى آخر ليكمل ما توقف عنده الدين السماوى الأقدم. وهو ما يؤكده سيدنا المسيح بقوله: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل". وعندما نؤكد ذلك فإن هذا لا يلغى فكرة وجود الثوابت الدينية التى حثت عليها الأديان السماوية الثلاثة؛ نظرًا إلى وحدة المصدر السماوي. وما حدث بين الأديان السماوية الثلاثة من تكامل، حدث داخل كل دين على حدة. على نحو ما نجد ذلك فى الدين الإسلامي- على سبيل المثال- من خلال علم الناسخ والمنسوخ، كما فى قوله تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة آية ١٠٦).
 فالدين السماوى دائما ما يجارى متغيرات الحياة ومتطلباتها، من خلال نصوصه المقدسة. إذًا العلاقة بين الأديان تكاملية، وليست أفضلية. فهى علاقة تقوم على الاحترام وليس التصارع أو التعارض. ومصر دوما كانت نموذجا يُحتذى فى تلقى الأديان السماوية، وفى تسامحها وتعايشها. ربما تكون مصر هى الدولة الوحيدة التى التقى على أرضها جميع الأديان السماوية، وتعايشت جنبا إلى جنب، المعابد اليهودية والكنائس المسيحية والمساجد الإسلامية. ولقد تعايش أبناء الديانات السماوية الثلاثة فى سلام وأمان وأمن اجتماعى طوال تاريخهم. وربما تكون مصر من الدول القليلة التى لم يأخذ استقبالها لأى دين سماوى فى بداياته شكل التصارع والتقاتل، بل استقبلته بدافع احتياجها المرحلى لهذا الدين فى تعاليمه ومبادئه. هكذا عاشت فى مصر الأديان السماوية ولا تزال، ولم يكدر صفو هذه العلاقة المتسامحة والمتعايشة منغصات الحياة اليومية، التى كان المصريون يتعايشون معها. لم يكن فى يوم من الأيام ليتصاعد الخلاف بين مصرى مسيحى ومصرى يهودي، أو مصرى مسلم مع أى منهما، ليصل إلى حد وصفه بالصراع الديني، وإنما كان مجرد مشكلة اجتماعية حياتية، قد تحدث بين أبناء الدين الواحد، ولذلك كان سرعان ما يتم رأب صدع هذه الخلافات الاجتماعية الحياتية البسيطة. 
غير أنه لما جرت فى البحر رياح التغيير السياسي، والتطرف الفكري، لم يعد ما كان يحدث ليمر مرور الكرام، وإنما أصبحت مثل هذه الخلافات الحياتية يتم توظيفها سياسيا. ولكى أدلل على ذلك يمكن معرفة مدى التغيير المجتمعى الذى ألم بالعالم العربي، وليس مصر وحدها، بعد وعد بلفور عام ١٩١٧، ثم تأسيس دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، التى تأتى تحقيقا لما نادت به الحركة الصهيونية، هذه الحركة التى كانت سببا رئيسيا فى تكدير حالة الصفاء الاجتماعى فى كل أنحاء العالم العربي. ففى مصر كان اليهودى يعيش فى سلام وتسامح اجتماعى وإنسانى مع سائر المصريين. كان يمارس حياته اليومية، وطقوسه الدينية فى أمان بلا أى تكدير. كان اليهود ماهرين فى التجارة، فمارسوا تجارتهم فى حرية وسماحة. ومارسوا الطب، وتخصصوا فى بعض الحرف الاجتماعية المهمة، دون أن يضايقهم أحد، بل مارسوا حقوقهم فى تولى المناصب الرفيعة، فمنهم الوزير يعقوب بن كلس الذى تقلد منصب الوزير فى عصر الدولة الفاطمية، التى أعلت من شأن اليهود، على نحو يشهد تسامحية مصر وشعبها وسياستها، وهو حق كان اليهود أنفسهم محرومين من الحصول عليه فى الغرب (الديمقراطي!) حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. ثم جاءت الحركة الصهيونية، فغيرت المزاج المجتمعي، وتغيرت معها هذه الصورة المتناغمة اجتماعيا بعض الشيء. وشعبيا نستطيع أن نلمس هذه الصورة المتعايشة بين أبناء الديانات الثلاثة فى حكايات وسير وأغانٍ وأمثال شعبية كثيرة، وهو ما سنتوقف عنده فى مقالنا القادم بإذن الله.
د. خالد أبو الليل: أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب، جامعة القاهرة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حوار الأديان الحضارات الإنسانية مصر التطرف الفكري التغيير السياسي الأدیان السماویة بین الأدیان

إقرأ أيضاً:

بيان صادر عن حزب البناء الوطني حول لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني بشخصيات إعلامية وصحفي

صراحة نيوز- إن حزب البناء الوطني يرى في هذا اللقاء رسالة ملكية واضحة تُعيد التأكيد على الثوابت الوطنية الأردنية في دعم القضية الفلسطينية، وفي التزام الأردن الدائم بدوره الأخلاقي والإنساني والعروبي تجاه الأشقاء في غزة ويثمّن الحزب حديث جلالته عن الدور الفاعل الذي تقوم به المملكة سياسيًا ودبلوماسيًا لوقف العدوان وتعزيز الاستجابة الإنسانية.

كما و ينوّه الحزب إلى أن لقاء جلالته مع الإعلاميين يعبّر عن إيمان عميق بأهمية الإعلام الوطني، ليس فقط كوسيلة لنقل المواقف الرسمية، بل كركيزة أساسية في بناء الوعي، وتحصين الرأي العام، وتعزيز الحوار الوطني الرشيد وإن إشراك الإعلام في هذا الحوار المباشر يدل على ثقة القيادة بالدور المهني والوطني الذي يضطلع به الصحفيون والإعلاميون في صياغة خطاب عام مسؤول ومتوازن، في الداخل والخارج.

ويؤكد الحزب أن هذا اللقاء يعزز من مكانة الإعلام الأردني كشريك حقيقي في صناعة القرار الوطني، ويشكّل دعوة صريحة لتمكينه وتوفير بيئة داعمة لعمله، في ظل التحديات الإقليمية والمعلوماتية المتسارعة.

وفي ضوء ذلك، يدعو حزب البناء الوطني إلى ترجمة ما جاء في خطاب جلالته إلى رؤى عملية تترجم في السياسات والإجراءات، بما يُرسّخ التماسك الداخلي، ويُفعّل كل أدوات الدولة، الرسمية والمجتمعية، لمواصلة أداء واجبها القومي تجاه الأشقاء في فلسطين.

حفظ الله الأردن قويًا، منيعًا، وحفظ أهلنا في غزة وفلسطين من كل ظلم وعدوان.

حزب البناء الوطني

مقالات مشابهة

  • مصر: وقف العدوان على غزة الحل الوحيد لوقف عمليات صنعاء
  • الحكومة الإيرانية: هناك تعقيدات في الحوار النووي مع الدول الأوروبية
  • 100 ألف ليرة تنقذ البلديات.. الحل في المولدات
  • الأعلى للشئون الإسلامية يواجه الشائعات بتوعية الأطفال في بنها
  • رئيس الجمهورية يملك مفتاح الحلّ...فإلى جلسة الثلاثاء درّ
  • بيان صادر عن حزب البناء الوطني حول لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني بشخصيات إعلامية وصحفي
  • رئيسة المكسيك تدلي بتصريح بشأن اتفاق تجاري مع أميركا
  • الطاشناق يختار قيادة جديدة ويشدد على الحوار مع مختلف القوى اللبنانية
  • الوزير الشيباني: الحوار مع روسيا خطوة إستراتيجية تدعم مستقبل سوريا
  • تعرف على حالة الطقس خلال الأيام الثلاثة القادمة بالاردن