اختزال أزمة السودان في لقاء البرهان وحميدتي يطيل الحرب .. لا سبيل لحل في السودان ما دام معلقا بلقاء كهذا بين الجنرالين
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
الخرطوم - تراجعت آمال السودانيين في نجاح مساعي الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد) في عقد لقاء بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ولم تحدد الهيئة موعدا جديدا نهائيا لاجتماع الطرفين بعد إرجاء اجتماع كان سيعقد قبل نهاية ديسمبر الماضي، في ظل مستجدات خلاف بين إثيوبيا والصومال يمكن أن يضاعف الانقسام في منطقة القرن الأفريقي.
ولم تتضمن الدعوة التي وجهها رئيس الدورة الحالية لإيغاد، رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، لعقد جلسة استثنائية الخميس المقبل اللقاء المؤجل بين البرهان وحميدتي. واكتفى بيان جيبوتي بالتأكيد على أن القمة ستبحث تطورات الوضع في السودان في ضوء القتال المستمر منذ منتصف أبريل الماضي، والخلاف بين إثيوبيا والصومال.
ويخدم اختزال حل أزمة السودان في انتظار لقاء الجنرالين رؤية الحركة الإسلامية وأنصار النظام السوداني السابق لإطالة أمد الحرب وكسب وقت لمحاولة زيادة تعقيدات الصراع ومنْع التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار. ويبدو أن جلوس البرهان مع حميدتي لم ينضج بعد في نظر حلفائه الإسلاميين الذين يتحكمون في قراراته ويحاولون إعادة ترتيب أوراقهم بعد أن تكبدوا خسائر ميدانية عديدة في الفترة الماضية أمام الدعم السريع.
ويتخوف البرهان من أن يترتب على عقد اللقاء المؤجل إجباره على توقيع اتفاق يصب في صالح قائد الدعم السريع صاحب اليد الطولى في المكاسب العسكرية التي تحققت على الأرض. ويعني وقف الحرب في ظل هذه الأجواء أن أنصار البشير لن يكون لهم موقع في خارطة المستقبل عقب التوافق بين قوى ومكونات مدنية عدة على إبعادهم من المشهد، ولذلك تبقى الحرب السبيل الذي قد يحقق لهؤلاء موقعا في المعادلة الجديدة.
شريف عثمان: الأزمة السودانية أكثر تعقيدا من مجرد انتهائها بعقد لقاء بين الجنرالين
شريف عثمان: الأزمة السودانية أكثر تعقيدا من مجرد انتهائها بعقد لقاء بين الجنرالين
وترى قوات الدعم السريع أنها قادرة على تحقيق المزيد من المكاسب العسكرية مع تراجع قدرات الجيش، كما أنها أقدمت على اتفاق حسن نوايا مع تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم)، وبرهنت على أنها أكثر استعدادا للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. ورفض البرهان توقيع اتفاق مع قائد الدعم السريع قبل تحقيق ما أسماه “استرداد السودان من الدعم السريع”، وأظهر تمسكا بمواصلة الحرب، موجها انتقادات حادة إلى لقاء حميدتي مع رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك الذي يرأس تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية.
وقالت القيادية في حزب الأمة القومي نجوى الزبير إن “التعويل على لقاء الجنرالين يرجع إلى أنهما يمسكان بزمام الحرب، بالوقف أو الاستمرار، غير أن توالي المراوغات يتطلب الضغط على فاعلين آخرين في الأزمة، ومن دون التحرك للبحث عن مسارات ضغط قوية من أطراف إقليمية مختلفة فإن مبادرة إيغاد ستبقى محلك سر (محلك سر تعني عدم التقدم والتطور)”.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “هناك مشكلة تتمثل في عدم وضوح الرؤية بشأن أوضاع ما بعد الحرب، فالجيش أفشل مساعي عدة لوقف الحرب، وأظهر حميدتي أكثر من مرة رغبة في إيقافها، وسمح تعدد المنابر لجهات نافذة داخل الجيش بأن تجد أبوابا للتهرب من وقفها، فالانتقال من منبر جدة إلى إيغاد كان بطلب من البرهان”.
ويتفق سياسيون على أن الاعتماد على إيغاد بمفردها لن يحقق مردودا إيجابيا، وأن الصراع الحالي يدفع إلى ضرورة توسيع دائرة الضغط لوقف الحرب مع أهمية أن تبقى أزمة السودان في صدارة المشهد الإقليمي دون أن تتأثر بما يحيط بها من تحولات في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، فتشتت جهود القوى الفاعلة وانشغالها بمشكلات ساخنة أخرى يخففان من حدة ضغوطها على البرهان. كما أن اتساع دائرة التوترات في القرن الأفريقي قد يخلط الأوراق ويحفز قوى خارجية على السعي نحو إعادة ترتيب تموضعها مستفيدة من النزاعات وانعدام الأمن.
وأكد القيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير شريف عثمان أن “الأزمة السودانية أكثر تعقيداً من مجرد انتهائها بعقد لقاء بين الجنرالين، وما يحدث جرى توارثه منذ عقود كانت فيها الحرب سمة تجارب الحكم في البلاد، والوضع بحاجة إلى معالجة أكثر موضوعية، ومازال لقاء البرهان وحميدتي قادرا على اختصار مسافات الحل بصورة كبيرة، خاصة إذا جرى الحوار بناءً على النقاشات السابقة”.
◙ البرهان يتخوف من أن يترتب على اللقاء المؤجل إجباره على توقيع اتفاق يصب في صالح حميدتي المتفوق عسكريّا
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “الطرفين كانا قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار. ومن المنتظر، حال نجح لقاء الطرفين برعاية إيغاد، أن يتم التوقيع على اتفاق لإنهاء الحرب وإعادة السودان إلى المسار الديمقراطي”، لافتًا إلى أن القوى المدنية والإقليمية لم تفقد الأمل في انعقاد اللقاء.
وأشار إلى أن إيغاد هي جزء من منبر جدة المنبثق عن الوساطة السعودية – الأميركية، والهيئة أكثر قدرة على وقف الحرب، ما يجعل هناك ضرورة لتشارك الأطراف الفاعلة في الدفع نحو إنهاء القتال، مع أهمية أن يكون أساسَ عقد أي لقاء أو تفاوض مستقبلي استكمالُ ما جرى التباحث حوله في جدة.
وأقرت إيغاد، خلال قمة طارئة عقدت في التاسع من ديسمبر الماضي، عقد اجتماع مباشر بين قائديْ الجيش والدعم السريع في غضون أسبوعين، لكن الخطوة تعذرت لأسباب وصفتها جيبوتي بأنها فنية قبل أن تحدد منتصف يناير الجاري موعدا جديدا لاجتماع البرهان وحميدتي، وجاء الخلاف بين الصومال وإثيوبيا بما قد يغير الأولويات.
وبات تحجيم عناصر الحركة الإسلامية التي تشرف على تسليح شريحة كبيرة من المدنيين في بعض ولايات السودان مدخلاً مهما لوقف الحرب، مع ضرورة توسيع الجبهة المدنية كي تشمل القوى الثورية التي أسهمت في الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، وإنهاء التباينات التي مثلت مبررات لأن يبقى صوت السلاح عاليًا.
وتأتي المخاوف الآن من اتساع نطاق العمليات العسكرية في مناطق متفرقة من البلاد مع انسداد أفق الحل السياسي، فقد شن طيران الجيش غارات على مواقع عدة بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور أدت إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين. وتعد هذه هي المرة الثالثة التي يستهدف فيها طيران الجيش السوداني المدينة وسكانها، والتي أصبحت تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ أكتوبر الماضي.
العرب الدولية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: البرهان وحمیدتی الدعم السریع عقد لقاء بین السودان فی وقف الحرب على أن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الخرطوم تعود بهدوء الحسم وذكاء الخطاب
في سياق إقليمي بالغ الحساسية ، تعود الخرطوم مجددًا إلى الساحة السياسية والدبلوماسية، مدفوعةً بتحولات داخلية وضغوط خارجية، عبر مقاربة جديدة تتسم بقدر عالٍ من الاتزان السياسي والحنكة في الخطاب الدبلوماسي. حيث عكست الجولة الأخيرة لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، التي امتدت من إشبيلية إلى القاهرة، ملامح هذا التحول في الأداء السياسي السوداني، بالنظر الي تتقاطع رسائل السيادة الوطنية مع ضرورات إعادة التموضع الإقليمي في أوقات شديدة الحساسية.
في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، بدت مشاركة الرئيس البرهان اختبارًا لمدى قدرة السودان على استعادة موقعه في الخارطة الدولية، من خلال طرح رؤية متماسكة تجاه إصلاح النظام المالي العالمي. وقد جاءت كلمته قصيرة وواثقة، رافضة التعامل مع السودان كدولة متلقية للمساعدات، في ما بدأ وكأنه إعادة تموضع سياسي ورسالة صريحة مفادها أن السودان، المنهك من الحرب، ليس على استعداد لبيع سيادته مقابل فتات الدعم الدولي، بل يسعى إلى شراكات عادلة ومتكافئة.
هذا الذكاء السياسي في الصياغة والموقف لم يكن معزولًا عن الواقع، بل متصلًا به عبر سلسلة لقاءات ثنائية، أبرزها مع الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، والتي شكلت انطلاقة لانفتاح جديد في السياسة الخارجية السودانية، عنوانه تنويع الشركاء والانخراط المتوازن مع الفضاءين العربي والإقليمي، بعيدًا عن المحاور الضاغطة والابتزاز السياسي.
وعلى طريق العودة، كانت القاهرة المحطة الأهم، إذ شكّلت زيارة البرهان ولقاؤه بالرئيس عبد الفتاح السيسي محطة مفصلية. فمصر التي تؤدي دورًا محوريًا في الملف السوداني، تواجه تحديات كبيرة في موازنة علاقاتها بين حليفها الاستراتيجي خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي”، والضغوط التي تمارسها الإمارات، الداعم الأكبر لحفتر على القاهرة.
يرى مراقبون بحسب اعلام محلي أن الموقف المصري بات يتأرجح بين ضغوط الإمارات، التي تدفع القاهرة لدعم حفتر وميليشياته في ليبيا، وبين الرؤية الاستراتيجية لمصر، التي تسعى إلى دعم الحكومة السودانية وتحقيق الاستقرار في السودان، بما يصب في خدمة الأمن القومي المصري، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود ومياه النيل.
هذا التناقض تجلّى بوضوح في دعم حفتر لميليشيا الدعم السريع، التي دخلت المثلث الحدودي بسيطرة عسكرية على أراضٍ سودانية، ما أثار استغرابًا واسعًا في الأوساط السياسية والإقليمية، وطرح تساؤلات حول جدية التزام القاهرة بتحالفها مع الخرطوم، في ظل دعم مباشر تلقته الميليشيات من قوات حفتر. هذا الوضع يضع مصر في موقف حرج، بين ولائها التقليدي لحفتر وضغوط حلفائها الإقليميين، وبين حاجة السودان إلى دعم مصري ثابت لإنهاء أزماته.
من هذا المنطلق، تكتسب زيارة البرهان إلى القاهرة أهمية خاصة، إذ تعكس مسعى الخرطوم لإعادة ترتيب الأوراق، وتعزيز التنسيق مع مصر، والتوصل إلى تفاهمات أمنية وسياسية تضمن احترام السيادة السودانية في المثلث الحدودي، وتحصين العلاقات بين البلدين من أي اهتزازات قد تنجم عن تضارب المصالح.
اللقاء الذي جمع البرهان والسيسي في مدينة العلمين حمل رسائل واضحة بشأن التزام مصر بدعم وحدة السودان واستقراره في مواجهة التحديات الإقليمية، إلى جانب التوافق على ضرورة التنسيق المشترك لمواجهة أي تهديدات محتملة تمسّ الأمن المائي والحدودي للبلدين.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة بحسب “منصة الخبر ” عن لقاء غير معلن ضمّ البرهان والمشير خليفة حفتر، بحضور السيسي. وإذا صحّ ذلك، فإنه يمثل أحد أبرز تجليات “دبلوماسية الضرورة”، التي تدفع الأطراف إلى فتح خطوط تواصل رغم التعقيدات والتدخلات. فمصر الحليف الوثيق لحفتر، تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الإقليمية وسندان التزامها المعلن بدعم الدولة السودانية ومؤسساتها.
وتُدرك الخرطوم أنها لا تستطيع تجاهل التهديدات القادمة من حدودها الغربية، وأن الحوار مع القوى الفاعلة في الميدان بات ضرورة للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن، خصوصًا في ظل تنامي التداخل بين ميليشيا الدعم السريع وقوات حفتر، وهو ما يُنذر بإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة لصالح قوى لا تخدم استقرار السودان أو مصر.
يتضح من مجمل هذه التحركات أن السودان يسعى إلى إعادة تموضع متوازن بين الانفتاح الدولي والمصالح الإقليمية، مستفيدًا من دبلوماسية هادئة وفعالة يقودها البرهان، ومؤسسًا لمرحلة جديدة من التنسيق الإقليمي، تقوم على الواقعية السياسية، والحوار المباشر، ومعالجة الملفات الأمنية بمنطق المصالح المتبادلة، لا بمنطق الوصاية أو المجاملة.
وفي الداخل تبرز أهمية الإسراع في تعيين وزيرا للخارجية ضمن حكومة “الأمل” التي يقودها الدكتور كامل إدريس، بما يعكس انسجامًا بين المسارين السياسي والدبلوماسي. فالسودان بحاجة إلى صوت رسمي محترف ومتفرغ لإدارة تعقيدات المرحلة، وقيادة الملفات الخارجية بكفاءة في المحافل الدولية، ضمن ما يمكن تسميته بـ”معركة الخرطوم الدبلوماسية”.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، ومن دون ضجيج، تتحرك الخرطوم نحو إعادة صياغة موقعها السياسي بأسلوب متزن، يدمج بين الواقعية والندية، ويوازن بين ضرورات الداخل وحسابات الخارج. في زمن التشظي والضغوط، تعود الخرطوم كفاعل سياسي يدير خلافاته وخياراته بحكمة، ويعيد رسم خطوط سياسته الخارجية بأدوات جديدة.. إذا الطريق بدأ يُرسم بوعي: هدوء في الحسم، وذكاء في الخطاب.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 2 يوليو 2025م
Shglawi55@gmail.com