كثيرا ما يقع البعض ضحية لحالة القهر، حيث تضيق لديه مساحة الرؤية، ويضيق معها مشروعه الفكري، ليضع نفسه في قالب خاص، خارج إطار العالم الكبير الذي يعيشه، او يتطلع لمواكبة تطوره.
والحقيقة ان المجتمعات المقهورة، تحتاج لوعي الخلاص من قهرها، ما لم يتوفر لديها ذلك الوعي، تبقى اسيرة عواقب استفحال الصراعات وفرض الوصايا كبديل عن الخطاب الوطني، وهو ما جر عدن واليمن الى صراع طويل دفن معه كل القضايا الوطنية وعلى راسها منارة عدن الثقافي والنضالية.
لم تكن عدن قضية بذاتها، ولا هم جغرافي محدود، بل عدن كانت منارة فكرية وثقافية، واشعاع نضالي وثوري، مأثره في اعمال محمد على لقمان رائد التنوير، مؤسس اول صحيفة في الجزيرة العربية ( فتاة الجزيرة) و كان متنوعا ( يمنيا وعربيا واسلاميا إنسانيا جذبته احداث العالم من حوله ) بالإضافة الى تحسسه الوطني الخاص، و غماره في تفصيلات هموم مدينته عدن، استشعر هم هويته اليمنية، وهموم امته العربية والشعوب الإسلامية والإنسانية جمعا، قدم الدعم الا محدود للأحرار اليمنيين كالزبيري ونعمان ورافقهم في مسيرتهم النضالية في تفجير ثورة 48م، وذهب صنعاء صاغ دستور الثورة، وتحدث من على ميكرفون الإذاعة، وعرض نفسه للمخاطر، وعند اقتحام صنعاء كان فيها، واستطاع الخروج سالما، هو نفسه الذي جازف بقارب للوصول للسفينة التي تنقل كسجين المهاتما غاندي ثائر الفقراء وداحر بريطانيا من الهند، لكي يخاطبه، ويعبر للعالم انهما فكرا نضاليا وحد، قصة تشكل معنى حقيقي لفكرة منارة عدن واشعاعها الذي كان لقمان ورفاقه الأوائل رواد هذا النور وقادة ذلك النضال، الذي تجاوز حدود عدن ليمتد حيثما يصل، لينتصر للفقراء والمظلومين وحركات التحرر أينما تكون.
مع الأسف عدن التي ناصرت ثورة الجزائر وجمال عبد الناصر، اليوم يراد البعض ان يحصر همومها في جغرافيا ضيقة، بضيق أفقه الفكري، ويحصرها في فترة المأساة وفتنة سياسة فرق تسد الاستعمارية التي نكبت عدن، وصنعت منه انسان مقهور قابع في دور الضحية عاجز عن النضال، والخوض في حركة التحرر التي يجب ان تحرر عدن من ذلك الماضي، وقهر المأساة، وخطاب الشكى والبكى ، ليواصل نضال اسلافه الاشاوس، لقطع دابر الفتنة، وهد اركان سياسة المستعمر وادواته الإقليمية والمحلية، انه النضال لا الاستسلام للظروف التي صنعها لنا المستعمر، وسياد فيها ادواته الرثة، عملائه المرتهنون والتابعون والمنافقون وسماسرة المراحل.
عدن ليست حديقة لمنزل اسرة أرستقراطية، ولا مدرسة خاصة للمواليد، ولا مزرعة للإقطاع، وما وجدت لتبقى في فترة زمنية، وحق شخصي لجماعة، عدن مدينة كونية، وثغر اليمن الباسم الذي يستقبل زورها بابتسامة، ووجه حسن، يعكس صورة حقيقية لتاريخ وارث امة عريقة، وسلوك حضاري ورقي انساني، وعمق ثقافي وفكري، عدن حضن دافئ لكل أبناء الوطن، لها خصوصية وتميز، انها مدينة ومدنية، تلك الخصوصية التي تجعلها ملتقى للأطياف والاعراق والثقافات، حيث تنصهر جميعها في نسيج متعايش بتسامح وسلام.
عدن التي ترفض العنف، مدينة لا تقبل الجماعات المسلحة، ولا تقبل التعصب لها ولغيرها من المناطق والطوائف والاعراق، ولهذا معاناتها اليوم هو العنف والمظاهر المسلحة، وفرض امر واقع بقوة السلاح، تعاني من عسكرة الحياة، عسكرة القبيلة والمذهب، ودور الضحية، انهما وجهان لعملة واحدة افقدت عدن دورها النضالي، واشعاعها الفكري والثقافي، وهي اليوم بين سندان العنف ومطرقة دور الضحية، لا يراد لها ان تخوض معركة النضال الفكري والثقافي لتوعية العقول وتغيير النفوس نحو تغيير واقعها وواقع الوطن لحال أفضل.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
عملية عسكري او سياسية اتمنى مراجعة النص الاول...
انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
وقفات صنعاء تدعو قبائل اليمن لـ التحرك المسلح ودعم القوة الصاروخية والبحرية
وأكد المشاركون في الوقفات التي شهدتها قرى وعزل مديريات المحافظة، مواصلة التعبئة والتحشيد، وتعزيز الجاهزية لمواجهة الأعداء وعملائهم وإفشال مخططاتهم التي تستهدف اليمن وسيادته ووحدته، والثبات على الموقف المساند للأشقاء في غزة وكل فلسطين.
وندد بيان صادر عن الوقفات، باستمرار العدو الصهيوني في ارتكاب جرائمه الفظيعة ومجازره الوحشية بحق الشعب الفلسطيني المسلم ما أدى إلى ارتفاع حصيلة العدوان إلى 70 ألفا و125 شهيدا و171 ألفا و15جريحا منذ بدء العدوان على غزة.
واستنكر إصرار العدو الصهيوني على مفاقمة معاناة أهلنا في غزة العزة والضفة الغربية من خلال ممارساته الإجرامية المتمثلة بعرقلة دخول المساعدات ونسف المباني وتعذيب وقتل الأسرى وغيرها من الجرائم النكراء المدعومة أمريكيا بشكل كامل والتي تعتبر نقضًا لكل العهود ونكثًا لكل الاتفاقيات.
كما ندد البيان بالاعتداءات الصهيونية في لبنان واستباحة سوريا وتهديد مصر والأردن سعيًا لفرض معادلة الاستباحة.. مشيرا إلى استمرار أياديهم القذرة السعودية والإماراتية بالعبث بوحدة الشعب اليمني والاستهداف للأراضي اليمنية في حضرموت والمحافظات المحتلة خدمة للأمريكي والإسرائيلي.
وأكد ثبات موقف أبناء محافظة صنعاء المساند والمناصر لغزة وحزب الله وشعوب الأمة العربية والإسلامية، والجهوزية الكاملة والاستعداد لخوض جولة الصراع القادمة والحتمية مع أعداء الله الأمريكان والصهاينة وعملائهم المنافقين متى وجه السيد القائد بذلك.
ودعا البيان قبائل اليمن الأبية إلى استمرار الوقفات المسلحة والمؤثرة، والاستمرار بزخم أكبر في دخول دورات التعبئة العامة العسكرية ودعم القوة الصاروخية والجوية والبحرية.. مؤكدا استمرار التعبئة العامة.
ودعا الجميع إلى العودة إلى الله والثقة به والاستجابة الكاملة لتوجيهاته بتوفير كل ما يمكن من عوامل النصر والصمود المعنوية والمادية.. مؤكدًا أن أمن واستقرار الجبهة الداخلية مسؤولية الجميع.