عربي21:
2025-07-04@18:24:35 GMT

أين اختفى الشعب التونسي؟

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

كان الحديث عن فلسطين يوفر لنا دوما مهربا من الانكباب على همومنا القُطرية، وكان يوفر لنا دوما فرصة بطولات وهمية نعوض بها خيباتنا في أقطارنا، وحتى معركة الطوفان كانت لنا مهربا مارسنا فيه محبتنا لفلسطين وتخفّينا بها عن سؤال ممض عن مصير الثورة التونسية التي أوهمتنا بتغيير العالم ففرحنا بالوهم وروّجناه.

ويوم الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير مرت ذكرى الثورة الثالثة عشرة بلا بهرجة ولا احتفاليات، سوى مظاهرة حزينة كررت شعارات الثورة ولم يبلغ صداها الشوارع المجاورة لشارع الثورة الذي استعاد اسمه القديم لتختفي كلمة الثورة من القاموس.

وصار لزاما طرح السؤال عن مصير الشعب التونسي الذي اختفى من المشهد العام كأنه لم يعد شعبا ولم ينجز ثورة؛ فأين اختفى الشعب العظيم الذي أوشك أن يغير العالم ثم عاد إلى صورته قبل الثورة، جماعة بشرية بائسة ويائسة وتلتفت على جنبيها إذا عنَّ لها الحديث في الشأن العام؟

الشفاء من حب تونس حتى حين
في تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة
يمكن للفلسطيني أن يشفى من الاحتلال بسلاحه ويمكنه أن يشفى أيضا من مرض حبه لتونس ويطمئن الشاعر أن تونس تخلت عنه في معركته الفاصلة. يبدو أنه كان حبا من جانب واحد؛ حديث التونسي النخبوي هذه الأيام عن فلسطين نفاق بيِّن، ففي تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة.

اسم المقاومة يخفي في الخلفية حماس والجهاد، وهما فصيلان مصنفان في الإسلام السياسي، أي أنهما في العمق يسيران في خط سياسي ونضالي مقاوم أسسه الإخوان المسلمون منذ ما قبل النكبة (دون غوص في التفاصيل)، وأي نصر يحققه هذا التيار في أي مكان يرفضه كل من عادى الإخوان باسم الحداثة أو التقدمية أو اليسارية والقومية، وأي نصر في غزة يصب في مصلحة هذا التيار في كل قُطر عربي على المدى المتوسط والبعيد، لذلك تحدد المواقف على هذا الأساس. ولم يكن ممكنا لكثيرين تجاهل المقاومة، لكنهم ينافقونها تحت اسم المقاومة نفسه.

الموقف من المقاومة (بخلفيتها الاسلامية) مصدره الموقف من الديمقراطية في تونس (ونقيس على مصر خاصة والمغرب والجزائر بالتبعية).. إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون بفخر التحرير. هنا نفهم أين اختفى الشعب التونسي.

إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون
لقد اكتشف الشعب حرب الاستئصال المدمرة للديمقراطية فأعرض عن المشاركة في أي فعل سياسي بعد سنوات قليلة من الحماس والصبر والانتظار لأن المعركة ليست معركته، وهو يتذكر (كجمهور واع) دوره في إسقاط نظام بن علي ومبارك وفرض الديمقراطية، ويتذكر أيضا أنه في لحظة انتظار مكاسب ثورته وحق دماء شهدائه وجد نفسه يخوض حربا استئصال ضد مكون أساسي من مكوناته، فالنهضة كحزب إسلامي كانت حاضرة في كل مفصل من مفاصل الثورة والجمهور الواسع، وإن لم يكن منها إلا أنه ليس يعاديها لسبب لا يعرفه.

هذا الجمهور وإن لم يتفاصح بصوت نخبوي فإنه فهم دور النقابة ودور الأحزاب التي حملته وراءها في حربها لاستئصال الإسلام السياسي. وقد زادت حرب الطوفان فكشفت مقدار نفاق النقابة مثلا التي ما أصدرت يوما لائحة لا تتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فلما بدأ الشعب في تقرير مصيره اختفت النقابة من أمام الجمهور التونسي ففهم الجمهور من كان يكذب عليه. وهكذا امتد الوعي بالنفاق النخبوي الاستئصالي في الموضوع المحلي القُطري إلى الموقف من غزة وحربها، فلم ينزل أحد إلى الشوارع ولم يمد في قوة المنافقين الذين وظفوا حماسه في حربهم التي ليست حربه.

ويتسع القياس إلى الوضع المحلي، حيث يشقى المواطن التونسي (وحتما أخوه المصري) في تدبر قوته اليومي (من خبز وزيت طعام وسكر الشاي البسيط)، وقد كان لديه سؤال عرف إجابته. حرب الاستئصال هي السبب التي أوصلته الى هذا البؤس العظيم، لكني لا أراه يخرج لحل المشكل ويفضل الصمت الموجوع.

ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية
في ذاكرة هذا المواطن ثورة وشهداء انتهت إلى فضيحة استئصالية، من مطالبه بالخبز والحرية والكرامة وجد نفسه يساهم في قتل الإسلاميين بلا ثمن يضعه في جيبه وفي قوت عياله فنكص على عقبيه ولسان حاله يقول: "إن شاء الله تخرب على الجميع". هكذا لم يعد إلى الشارع لأي مطلب رغم حيوية المطالب، ففي كل مسيرة يسمع شعارات ليست شعاراته ومطالب ليست مطالبه.

هنا اختفى الشعب التونسي، لقد نجا بنفسه من حرب باطلة يصب خراجها في جيب من ثار ضدهم أول مرة ودفع من لحم أولاده.

يمكن للنخب الكسولة أن تواصل عملها التقليدي بلعن الشعب الخانع، فهي مختصة في تحميله المسؤولية وانتظار دمه المسفوك لتقطف ثمراته سلطة ومجدا فرديا. حدث هذا مرة في 2011، ولا نظن الشعب من الغباء بحيث يموت مرة ثانية من أجل من يراهم الآن يتصدرون المشهد بخطاب دامع عن ضياع ثورة.

لقد ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية.

إعراض الشعب عن مناصرة غزة وراء من ينافق المقاومة من جنس إعراضه عن مقارعة الانقلاب الفاشل؛ لأن من يراهم في الصورة السياسية للمعارضة هم أقرب إلى صورة عباس منهم إلى صورة أبي عبيدة.. هذه الاختفاء وعي عظيم..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة التونسية المقاومة غزة الديمقراطية الإسلاميين تونس غزة الثورة المقاومة الديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب التونسی مرة ثانیة لا یجب أن

إقرأ أيضاً:

الرئيس الشرع: الهوية تعبر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة بحثاً عن الأمن والمستقبل الواعد، فنعيد إليها ثقتها وكرامتها وموقعها الطبيعي في الداخل والخارج

2025-07-03hadeilسابق وزير الخارجية: سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري انظر ايضاً وزير الخارجية: سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري

دمشق-سانا أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني أن سوريا التي تتم رؤيتها اليوم تشبه الشعب …

آخر الأخبار 2025-07-03الرئيس الشرع: الهوية تعبر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة بحثاً عن الأمن والمستقبل الواعد، فنعيد إليها ثقتها وكرامتها وموقعها الطبيعي في الداخل والخارج 2025-07-03وزير الخارجية: سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري 2025-07-03الرئيس الشرع: شعبنا العظيم إن الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، سوريا الواحدة الموحدة، وإن التنوع الثقافي والعرقي عامل إغناء وإثراء لا فرقة أو تنازع 2025-07-03الرئيس الشرع: أيها الشعب السوري إن احتفال اليوم عنوان لهوية سوريا وأبنائها بمرحلتها التاريخية الجديدة، هوية تستمد سماتها من هذا الطائر الجارح، تستمد منه القوة والعزم والسرعة والاتقان والابتكار في الأداء 2025-07-03الرئيس الشرع: أيها الشعب السوري إن حكاية الشام تستمر بكم فيحكي التاريخ أن عصر أفولكم قد ولى وأن زمان نهضتكم قد حان، ودماءكم لم تذهب سدى، عذاباتكم لاقت آذاناً مصغية، وأن هجرتكم قد انقطعت وسجونكم قد حُلت وأن الصبر أورثكم النصر 2025-07-03الرئيس الشرع: من يستعرض التاريخ يجد أن الشام بداية حكاية الدنيا ومنتهاها، ويتبين له أن ما عشناه في زمن النظام البائد أذلّ حقبة في تاريخ الشام 2025-07-03الرئيس الشرع: في يوم من الأيام وفي غابر الزمان، ولدت حكاية مدينة اجتمع فيها معشر من الناس، يُقال إن سيرة أوائل الخلق بدأت فيها، وتكاثر الناس، ولكثرتهم بدأت البشرية تحتاج إلى بناء السلوك المنضبط، زرعوا وصنعوا وبنوها، وهكذا حتى بنوا أول عاصمة عرفتها البشرية، إنها دمشق 2025-07-03وزير الإعلام: الهوية البصرية الجديدة تشبه كل السوريين وتعبر عنهم 2025-07-03بدء كلمة السيد الرئيس أحمد الشرع خلال حفل إطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية 2025-07-03قدورة: أهدي هذا العمل إلى أرواح شهداء الثورة السورية وإلى كل من شارك في تحرير الوطن ويساهم اليوم في إعادة بنائه

صور من سورية منوعات فريق بحثي ياباني ينجح بإنشاء عضيات عظم الفك من الخلايا الجذعية 2025-07-03 دراسة حديثة: القيلولة الطويلة قد تزيد خطر الوفاة 2025-07-02
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • 50مسيرة جماهيرية في الجوف إسنادا للشعب الفلسطيني واستنفارا ضد العدو
  • 3 يوليو والانفجار الصامت: الإخفاء القسري كأداة لحكم مصر
  • لولاه كان الزمالك اختفى.. متحدث الزمالك يتغنى بشيكابالا
  • سوريا تكشف عن هوية بصرية جديدة.. فما الرسائل التي تحملها؟
  • الرئيس الشرع: الهوية تعبر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية السورية التي ألفت الهجرة بحثاً عن الأمن والمستقبل الواعد، فنعيد إليها ثقتها وكرامتها وموقعها الطبيعي في الداخل والخارج
  • وزير الخارجية: سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري
  • الرئيس الشرع: شعبنا العظيم إن الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، سوريا الواحدة الموحدة، وإن التنوع الثقافي والعرقي عامل إغناء وإثراء لا فرقة أو تنازع
  • وزير الخارجية: توجت جهودنا برفع العقوبات ورفع علم سوريا في مقر الأمم المتحدة، سوريا التي نراها اليوم تشبه الشعب السوري، والرمزية السورية اليوم أكثر انفتاحاً ترمز إلى الإنسان السوري وثقافته وأرضه
  • السيد القائد يدعو الشعب اليمني للخروج المليوني غداً جهاداً في سبيل الله ونصرة للشعب الفلسطيني
  • تدشين دورات “طوفان الأقصى” في مديرية شعوب