عربي21:
2025-12-14@11:50:53 GMT

أين اختفى الشعب التونسي؟

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

كان الحديث عن فلسطين يوفر لنا دوما مهربا من الانكباب على همومنا القُطرية، وكان يوفر لنا دوما فرصة بطولات وهمية نعوض بها خيباتنا في أقطارنا، وحتى معركة الطوفان كانت لنا مهربا مارسنا فيه محبتنا لفلسطين وتخفّينا بها عن سؤال ممض عن مصير الثورة التونسية التي أوهمتنا بتغيير العالم ففرحنا بالوهم وروّجناه.

ويوم الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير مرت ذكرى الثورة الثالثة عشرة بلا بهرجة ولا احتفاليات، سوى مظاهرة حزينة كررت شعارات الثورة ولم يبلغ صداها الشوارع المجاورة لشارع الثورة الذي استعاد اسمه القديم لتختفي كلمة الثورة من القاموس.

وصار لزاما طرح السؤال عن مصير الشعب التونسي الذي اختفى من المشهد العام كأنه لم يعد شعبا ولم ينجز ثورة؛ فأين اختفى الشعب العظيم الذي أوشك أن يغير العالم ثم عاد إلى صورته قبل الثورة، جماعة بشرية بائسة ويائسة وتلتفت على جنبيها إذا عنَّ لها الحديث في الشأن العام؟

الشفاء من حب تونس حتى حين
في تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة
يمكن للفلسطيني أن يشفى من الاحتلال بسلاحه ويمكنه أن يشفى أيضا من مرض حبه لتونس ويطمئن الشاعر أن تونس تخلت عنه في معركته الفاصلة. يبدو أنه كان حبا من جانب واحد؛ حديث التونسي النخبوي هذه الأيام عن فلسطين نفاق بيِّن، ففي تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة.

اسم المقاومة يخفي في الخلفية حماس والجهاد، وهما فصيلان مصنفان في الإسلام السياسي، أي أنهما في العمق يسيران في خط سياسي ونضالي مقاوم أسسه الإخوان المسلمون منذ ما قبل النكبة (دون غوص في التفاصيل)، وأي نصر يحققه هذا التيار في أي مكان يرفضه كل من عادى الإخوان باسم الحداثة أو التقدمية أو اليسارية والقومية، وأي نصر في غزة يصب في مصلحة هذا التيار في كل قُطر عربي على المدى المتوسط والبعيد، لذلك تحدد المواقف على هذا الأساس. ولم يكن ممكنا لكثيرين تجاهل المقاومة، لكنهم ينافقونها تحت اسم المقاومة نفسه.

الموقف من المقاومة (بخلفيتها الاسلامية) مصدره الموقف من الديمقراطية في تونس (ونقيس على مصر خاصة والمغرب والجزائر بالتبعية).. إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون بفخر التحرير. هنا نفهم أين اختفى الشعب التونسي.

إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون
لقد اكتشف الشعب حرب الاستئصال المدمرة للديمقراطية فأعرض عن المشاركة في أي فعل سياسي بعد سنوات قليلة من الحماس والصبر والانتظار لأن المعركة ليست معركته، وهو يتذكر (كجمهور واع) دوره في إسقاط نظام بن علي ومبارك وفرض الديمقراطية، ويتذكر أيضا أنه في لحظة انتظار مكاسب ثورته وحق دماء شهدائه وجد نفسه يخوض حربا استئصال ضد مكون أساسي من مكوناته، فالنهضة كحزب إسلامي كانت حاضرة في كل مفصل من مفاصل الثورة والجمهور الواسع، وإن لم يكن منها إلا أنه ليس يعاديها لسبب لا يعرفه.

هذا الجمهور وإن لم يتفاصح بصوت نخبوي فإنه فهم دور النقابة ودور الأحزاب التي حملته وراءها في حربها لاستئصال الإسلام السياسي. وقد زادت حرب الطوفان فكشفت مقدار نفاق النقابة مثلا التي ما أصدرت يوما لائحة لا تتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فلما بدأ الشعب في تقرير مصيره اختفت النقابة من أمام الجمهور التونسي ففهم الجمهور من كان يكذب عليه. وهكذا امتد الوعي بالنفاق النخبوي الاستئصالي في الموضوع المحلي القُطري إلى الموقف من غزة وحربها، فلم ينزل أحد إلى الشوارع ولم يمد في قوة المنافقين الذين وظفوا حماسه في حربهم التي ليست حربه.

ويتسع القياس إلى الوضع المحلي، حيث يشقى المواطن التونسي (وحتما أخوه المصري) في تدبر قوته اليومي (من خبز وزيت طعام وسكر الشاي البسيط)، وقد كان لديه سؤال عرف إجابته. حرب الاستئصال هي السبب التي أوصلته الى هذا البؤس العظيم، لكني لا أراه يخرج لحل المشكل ويفضل الصمت الموجوع.

ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية
في ذاكرة هذا المواطن ثورة وشهداء انتهت إلى فضيحة استئصالية، من مطالبه بالخبز والحرية والكرامة وجد نفسه يساهم في قتل الإسلاميين بلا ثمن يضعه في جيبه وفي قوت عياله فنكص على عقبيه ولسان حاله يقول: "إن شاء الله تخرب على الجميع". هكذا لم يعد إلى الشارع لأي مطلب رغم حيوية المطالب، ففي كل مسيرة يسمع شعارات ليست شعاراته ومطالب ليست مطالبه.

هنا اختفى الشعب التونسي، لقد نجا بنفسه من حرب باطلة يصب خراجها في جيب من ثار ضدهم أول مرة ودفع من لحم أولاده.

يمكن للنخب الكسولة أن تواصل عملها التقليدي بلعن الشعب الخانع، فهي مختصة في تحميله المسؤولية وانتظار دمه المسفوك لتقطف ثمراته سلطة ومجدا فرديا. حدث هذا مرة في 2011، ولا نظن الشعب من الغباء بحيث يموت مرة ثانية من أجل من يراهم الآن يتصدرون المشهد بخطاب دامع عن ضياع ثورة.

لقد ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية.

إعراض الشعب عن مناصرة غزة وراء من ينافق المقاومة من جنس إعراضه عن مقارعة الانقلاب الفاشل؛ لأن من يراهم في الصورة السياسية للمعارضة هم أقرب إلى صورة عباس منهم إلى صورة أبي عبيدة.. هذه الاختفاء وعي عظيم..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة التونسية المقاومة غزة الديمقراطية الإسلاميين تونس غزة الثورة المقاومة الديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب التونسی مرة ثانیة لا یجب أن

إقرأ أيضاً:

تونس: افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري-التونسي

أكد الوزير الأول سيفي غريب خلال افتتاحه أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري- التونسي انه تجمعنا بالشعب التونسي الشقيق أخوة وتضامن متجذّران ومحطّات تاريخية مجيدة.

وقال غريب إن انعقاد دورة المنتدى الاقتصادي الجزائري-التّونسي اليوم، يعتبر موعداً نقف فيه معاً على التّقدّم الّذي سجّله التّعاون الاقتصاديّ بين بلدينا.

وهذا منذ دورته السّابقة الّتي عُقدت بالجزائر، شهر جويلية 2023، وفرصةً للمؤسّسات الاقتصاديّة ورجال الأعمال من الجانبين، من أجل بحث الفرص الكبيرة والمتعددة للشراكة الثنائية. لاسيما في ضوء المستوى الاستثنائي من الانسجام والتّوافق الذي بلغته العلاقات الثنائية على المستوى السّياسي.

وأضاف الوزير الاول أن  هذا المستوى تحقّق بفضل التوجيهات السديدة لقائديْ بلدينا الشّقيقين، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وأخيه قيس سعيد.

وعزمهما القوي، على إحداث نَقلة نوعية في التعاون الجزائري-التونسي في شتى مجالاته، والعمل على ترقيته إلى مستوى استراتيجي وفق مقاربة تشاركية وتكاملية.

وأشار غريب في كلمته إلى أن مستوى التّعاون الاقتصادي بين بلدينا في السّنوات الأخيرة عرف تقدّما يبعث على التّفاؤل.

وقد حيث بلغ حجم مبادلاتنا التجارية البينية خلال سنة 2024، أكثر من 2.3 مليار دولار بارتفاع يقدر بنسبة 12 % مقارنة بالسنة السابقة.

ووأضاف غريب أن تونس أصبحت بهذا المؤشر تونس أحد أهم شركاء الجزائر التجاريين، من خلال التموين بالمنتجات نصف المصنعة من الفوسفات، والمواد الزجاجية، والمنتجات المصنوعة من الألمنيوم والمركبات والعربات والمقطورات. كما تحتل المرتبة التاسعة  في قائمة زبائنها، خصوصا ما تعلّق بالغاز ومشتقات المواد البترولية والكهرباء، بالإضافة إلى السكر والمواد الغذائية والاسمنت والكلينكر.

في حين سجلت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار إلى غاية نهاية أكتوبر2025، ستة وستين مشروعاً استثمارياً بالجزائر. ويشارك فيه متعاملون اقتصاديون تونسيون، بقيمة تقارب 353 مليون دولار.

ويستحوذ قطاع الصناعة فيها على نسبة 90%، خاصة في فروع في الصناعات الصيدلانية والكهربائية، في الوقت الّذي أحصى فيه المركز الجزائريّ للسجلّ التجاري إلى غاية نهاية 2023، قرابة 750 مؤسسة تونسية تنشط في مجالات عديدة، وهو ما يمثل أكثر من 9% من إجمالي الشركات الأجنبية المتواجدة بالجزائر.

وفي السياق ذاته أكد الوزير الاول أن هذه المعطيات تستحق التّثمين وتبعث على التفاؤل في ظل النمو المطرد والسريع لحجم ونوعية المبادلات والاستثمارات.

وبالمناسبة قال غريب أنه يمكن إدراج هذه المشاريع والمبادرات في إطار التعاون الثلاثي بين الجزائر وتونس وليبيا. وذلك بما يتماشى مع ما تشتركُ فيه دُوَلُنَا الثلاث من اهتمامات ومقومات تكامل.

ويأتي هذا  تجسيدا للرؤية التي وضعها قادة الدول الثلاث في القمة التشاورية المنعقدة بتونس في 22 أفريل 2024.

وتابع الوزير الأول إلى أنّ التعاون بين مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الذي سيتدعم اليوم بالتوقيع على اتفاقية تعاون للمساهمة في تحفيز الشراكة بين البلدين، يمكن أن يشكل لبنة أساسيّة لتطوير التواصل والتفاعل وتبادل المعلومات وبناء الشراكات بين المؤسسات الاقتصادية الجزائرية والتونسية، خصوصاً عبر برمجة نشاطات منسقة تشمل تنظيم بعثات اقتصادية بين الجانبين والمشاركة الفعالة في المعارض والصالونات المنظمة في كلا البلدين، والعمل على تنظيم فعاليات اقتصادية مشتركة على المستوى الإفريقيّ.

كما أن الشراكات التي سيتم إبرامها اليوم بين متعاملين جزائريين وتونسيين في مجالات مختلفة، وهم مشكورون على ذلك، تعكس مدى حرصِنا المشترك على ترقية الشراكة الاقتصادية، وتُبرز إمكانيات وفُرص التعاون بين البلدين، التي يتعين استغلالها على النحو الذي يُمكِّن من توظيفها في خدمة أهداف الشراكة والتكامل والاندماج التي نصبو إليها جميعا.

مقالات مشابهة

  • حماس : طوفان الأقصى محطة شامخة في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال
  • وقفة مسلحة في مديرية الحصن بصنعاء إعلانا للجهوزية وتفويضا للقيادة الثورية
  • وقفة قبلية مسلحة وتطبيق قتالي لخريجي طوفان الاقصى بمديرية الحيمة الخارجية
  • وقفات شعبية في إب تأكيدًا على ثبات الموقف المناصر لفلسطين
  • الضفة الغربية المحتلة على وشك الانهيار – صفارة إنذار
  • في ذكرى 11 ديسمبر.. بن مبارك يشيد بوحدة الشعب ويؤكد دور الذاكرة الوطنية في تعزيز السيادة”
  • سعيود يجري محادثات ثنائية مع نظيره التونسي
  • تونس: افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري-التونسي
  • وقفتان مسلحتان في جحانة إعلانًا للجهوزية والاستعداد لمواجهة العدو
  • البطل الذي اختفى.. إصدار قصصي جديد للعمراني يجمع بين السخرية والرسالة