لماذا بقيت السعودية على الهامش في صراع البحر الأحمر؟
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن موقف المملكة العربية السعودية من الاضطرابات المتصاعدة في البحر الأحمر بعد هجوم صاروخي للحوثيين على سفينة تجارية في المنطقة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن السعودية في الماضي القريب كانت لتعتز بفرصة توجيه ضربة مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تستهدف معاقل الحوثيين، خاصة أن الرياض خاضت حربًا ضد الجماعة اليمنيّة لمدة عقد تقريبًا.
مع تفاقم التوترات في البحر الأحمر، اختارت السعودية البقاء خارج الصراع. بدلاً من ذلك، تظل خطوط الاتصال بين السعودية والحوثيين مفتوحة حيث تتجنب الرياض دعم واشنطن بشكل علني خشية أن تصبح هدفا لهجماتهم.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة، لكن السؤال الأكبر يبقى حول ما إذا كان هذا سيضمن حماية السعودية على المدى الطويل.
وفي 12 من الشهر الجاري، استهدفت الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية العشرات من المواقع العسكرية للحوثيين في اليمن. وبعد يوم، شنّت واشنطن غارات جديدة على مواقع الحوثيين، استهدفت مراكز القيادة ومخازن الذخيرة وأنظمة إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار. وتعهّد الحوثيون بالانتقام، فأطلقوا صواريخ باليستية على سفينة حاويات مملوكة للولايات المتحدة في 15 الجاري.
وذكرت المجلة أن هذه الضربات جاءت بعد شهرين من هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، التي يزعم المتمرّدون أنها تظهر تضامنهم مع الفلسطينيين في قطاع غزة. ويقول الحوثيون إن هذه الضربات تقتصر على السفن التابعة لـ"إسرائيل"، وقد تأثر بهجمات الحوثيين ما لا يقل عن 50 دولة حتى اللحظة الراهنة.
ولم تستغرق معظم شركات شحن الحاويات الرائدة في العالم وقتًا طويلاً حتى أعلنت عن قراراتها بتجنب البحر الأحمر، وهو ممر مائي حيوي يؤدي إلى قناة السويس يمر عبره ما يصل إلى 15 بالمائة من حركة الشحن العالمية وما يصل إلى ثلث جميع تجارة الحاويات العالمية. وكان الهدف من الجولة الأخيرة التي أداها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط الضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية لإبقاء الصراع في غزة تحت السيطرة.
وأشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة حثّت السعوديين على أخذ أزمة البحر الأحمر بعين الاعتبار في محادثات السلام مع الحوثيين وإبطاء مفاوضاتهم. مع ذلك، اختار كل من الحوثيين والرياض مواصلة مناقشاتهم، مفضلين عدم السماح لأزمة البحر الأحمر بعرقلة تقدمهم.
وفي أعقاب الضربات الأمريكية البريطانية، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن "قلقها البالغ" ودعت إلى "ضبط النفس" لتجنب التصعيد. ولا ترغب الرياض ببساطة في توريط نفسها في صراع آخر مستعصٍ مع الحوثيين. فقد تعلمت المملكة من دروس الماضي من خلال التعامل مع المتمردين عسكريا، وهي تدرك تماماً أنها تخاطر بالوقوع مباشرة في مرمى نيرانهم.
وكانت هجمات أرامكو سنة 2019 التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، والتي استهدفت منشأتين نفطيتين رئيسيتين وأجبرت المملكة على إيقاف نصف إنتاجها النفطي بشكل مؤقت، بمثابة نقطة تحول وذلك بسبب عدم استجابة الولايات المتحدة.
ومع شعورها بالخيانة من قبل الأمريكيين، سارعت الرياض إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية في السنوات التالية، سعيا إلى إيجاد حلول دبلوماسية لمشاكلها الإقليمية بدلاً من الاعتماد على واشنطن لإنقاذها.
وأضافت المجلة أن الرياض فتحت أبواب الحوار مع إيران. وقبل يوم واحد من الضربات على اليمن، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اتصالاً بنظيره السعودي فيصل بن فرحان.
وآخر ما يحتاجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو التصعيد الذي يعطّل السنوات الحاسمة التي تسبق رؤية 2030 التي طال انتظارها، وهي خطة إصلاح واسعة النطاق تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني.
ونتيجة لذلك، اختارت المملكة التزام الصمت في أعقاب أزمة البحر الأحمر، على أمل أن تحميها قنوات اتصالها مع إيران، من خلال إبرام اتفاق توسطت فيه الصين وتم الإعلان عنه في ربيع سنة 2023.
ولا تهدف خطوط الاتصال الجديدة هذه إلى وقف أعمال الحوثيين في البحر الأحمر بل هي جزء عملي من جهد أوسع لعزل المملكة عن أي تصعيد إقليمي، بغض النظر عن الظروف. وحتى اللحظة الراهنة، يبدو أن الاستراتيجية ناجحة، ولم يتم استهداف الرياض.
وفي الواقع، يتأثر جزء من قرار المملكة العربية السعودية بعدم الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين بتجربتها في تحمل وطأة المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
وأوردت المجلة أن الأولوية الأولى للسعودية هي حماية نفسها. تريد المملكة خروجا سريعا من حرب اليمن، ولن تسمح للخلاف الغربي الأخير مع المتمردين بإفساد هذه المسألة. ومنذ سنة 2021، تتزايد المفاوضات مع الحوثيين بوساطة عمان. وقد وصلت الرياض أخيرا إلى نقطة التواصل الفعال مع المتمردين، وهو الأمر الذي استغرق سنوات لتحقيقه. ومن ثم، ترى السعودية أنه ليس من المجدي تعريض هذه العلاقة للخطر - التي يراها السعوديون كافية لحماية أنفسهم من هجمات الحوثيين - لمجرد دعم العمليات الأمريكية في البحر الأحمر.
وأوضحت المجلة أن التصعيد الأخير قدّم للمملكة حوافز إضافية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق في أقرب وقت ممكن. وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، قدّمت الرياض مسودة اقتراح إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن بهدف إرساء الأساس للمحادثات المستقبلية التي تقودها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وحسب ما ورد، يتضمن جزء من الاتفاقية منطقة عازلة لحماية حدود المملكة، وهي أولوية قصوى بالنسبة لها.
ولطالما حذّرت المملكة واشنطن من مخاطر حصول الحوثيين على قدرات أكثر تقدمًا في مجال الطائرات بدون طيار والسيطرة على مناطق قريبة من البحر الأحمر، لكنهم لم يتلقوا سوى ردود فاترة من واشنطن. وتتساءل السعودية عن السبب الذي يدفعها لمساعدة الشركاء الغربيين ذاتهم الذين أمضوا سنوات في انتقادها بسبب حربها التي تشنها ضد الحوثيين. وفي الوقت الراهن، بعد أن أصبحت واشنطن على خط نيران الحوثيين، لا ترى الرياض أي سبب لدعمها.
ونوهت المجلة بأن حسابات المملكة العربية السعودية قد تكون خاطئة، إذ لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق سلام نهائي وما هو موجود مجرد تفاهم هش يمكن أن ينهار في أي لحظة. ولا يوجد ما يمنع الحوثيين من استهداف المملكة، في البحر الأحمر أو حدوده، في المستقبل، في غياب اتفاق سلام رسمي.
ويعترف المتمردون أنفسهم سرا بأن حماية الرياض تتوقف على قرارها بعدم الانخراط في الخلاف الأوسع. وبعد ساعات فقط من الموجة الثانية من الضربات التي شنتها الولايات المتحدة، أجرى الحوثيون مناورة عسكرية على طول الحدود السعودية، وكانت بمثابة تحذير للمملكة بشأن العواقب المحتملة للانحياز إلى الولايات المتحدة.
وما سيزيد الأمور تعقيدًا أنه إذا قررت الرياض استئناف محادثات التطبيع مع إسرائيل، فقد تصبح مرة أخرى هدفًا رئيسيًا للحوثيين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السعودية الحوثيين واشنطن التحالف السعودية واشنطن الحوثيين البحر الاحمر تحالف صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی البحر الأحمر المجلة أن
إقرأ أيضاً:
NYT : ترامب حرص على وقف الحرب ضد الحوثيين.. هل اكتشف كلفة العملية الباهظة؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعدته هيلين كوبر٬ وغريغ جافي٬ وجوناثان سوان٬ وإريك شميت٬ وماغي هابرمان٬ قالوا فيه إنه عندما وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حملة لإعادة فتح الملاحة في البحر الأحمر بقصف جماعة الحوثي المسلحة لإجبارها على الاستسلام، أراد رؤية نتائج في غضون 30 يوما من الضربات الأولى التي شنت قبل شهرين.
وبحلول اليوم الحادي والثلاثين، طالب ترامب، الذي كان دائما متخوفا من التورطات العسكرية المطولة في الشرق الأوسط، بتقرير مرحلي، وفقا لمسؤولين في الإدارة.
لكن النتائج لم تكن موجودة، فلم تكن الولايات المتحدة قد حققت حتى تفوقا جويا على الحوثيين. بدلا من ذلك، ما ظهر بعد 30 يوما من تصعيد الحملة ضد الجماعة اليمنية كان انخراطا عسكريا أمريكيا آخر باهظ الثمن ولكنه غير حاسم في المنطقة.
وقد أسقط الحوثيون عدة طائرات أمريكية مسيرة من طراز"أم كيو – 9 ريبر"، وواصلوا إطلاق النار على السفن الحربية في البحر الأحمر، بما في ذلك حاملة طائرات أمريكية. واستخدمت الضربات الأمريكية أسلحة وذخائر بمعدل يقارب مليار دولار في الشهر الأول وحده.
ومما زاد الأمور سوءا سقوط طائرتين من طراز إف/إيه-18 سوبر هورنت، قيمة كل واحدة منهما 67 مليون دولار، من حاملة الطائرات الأمريكية الرائدة، والمكلفة بشن ضربات ضد الحوثيين، عن طريق الخطأ في البحر. وبحلول ذلك الوقت، كان قد طفح الكيل بالنسبة لترامب.
وقال مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والذي كان بالفعل في محادثات نووية بوساطة عمانية مع إيران، أن المسؤولين العمانيين اقترحوا ما قد يكون مخرجا مثاليا لترامب بشأن قضية الحوثيين المنفصلة، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعرب. ستوقف الولايات المتحدة حملة القصف، ولن تستهدف الميليشيا السفن الأمريكية في البحر الأحمر بعد الآن، ولكن دون أي اتفاق لوقف تعطيل الشحن الذي تعتبره الجماعة مفيدا لإسرائيل.
وتلقى مسؤولو القيادة المركزية الأمريكية أمرا مفاجئا من البيت الأبيض في 5 أيار/ مايو الجاري بـ"إيقاف" العمليات الهجومية. وعند إعلانه وقف الأعمال العدائية، بدا الرئيس وكأنه معجب بالجماعة اليمنية المسلحة، على الرغم من تعهده سابقا بـ"القضاء عليها تماما".
وقال ترامب: "لقد ضربناهم بقوة، وكان لديهم قدرة كبيرة على تحمل العقاب، يمكن القول إن لديهم شجاعة كبيرة". وأضاف: "لقد أعطونا وعدا بأنهم لن يطلقوا النار على السفن بعد الآن، ونحن نحترم ذلك".
ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك صحيحا. ولكن في يوم الجمعة أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا على "إسرائيل" مما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار الجوية التي دفعت الناس إلى مغادرة شواطئ تل أبيب، حيث اعترضت الدفاعات الجوية الصاروخ.
وتعلق الصحيفة أن الإعلان المفاجئ عن النصر على الحوثيين يظهر كيف استخف بعض أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس بجماعة معروفة بمرونتها. وكان الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية، قد ضغط من أجل شن حملة عسكرية ضارية، وهو ما أيده في البداية وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي، وفقا لعدة مسؤولين مطلعين على المناقشات. لكن الحوثيين عززوا العديد من مخابئهم ومستودعات أسلحتهم خلال القصف المكثف.
وتضيف الصحيفة أنه من الجدير بالذكر أن هؤلاء الرجال أساءوا تقدير مدى تسامح رئيسهم مع الصراع العسكري في المنطقة، التي يزورها هذا الأسبوع، والتي تتضمن زيارات إلى السعودية وقطر والإمارات. كما لم يقتنع ترامب قط بالتورطات العسكرية طويلة الأمد في الشرق الأوسط، وقضى فترة ولايته الأولى في محاولة إعادة القوات إلى الوطن من سوريا وأفغانستان والعراق.
والأهم من ذلك، أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد في إدارة ترامب، الجنرال دان كين، كان قلقا من أن حملة مطولة ضد الحوثيين ستستنزف الموارد العسكرية بعيدا عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وكان سلفه، الجنرال تشارلز كيو. براون الابن، قد شارك هذا الرأي قبل إقالته في شباط/ فبراير الماضي.
وبحلول الخامس من أيار/مايو الجاري، كان ترامب مستعدا لتجاوز المرحلة، وفقا لمقابلات أُجريت مع أكثر من اثني عشر مسؤولا حاليا وسابقا على دراية بالمناقشات في دائرة الأمن القومي للرئيس. وقد تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لوصف المناقشات الداخلية.
وقال ترامب في تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي: "نحن نحترم التزامهم وكلمتهم".
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، في بيان لصحيفة "نيويورك تايمز" إن "الرئيس ترامب نجح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو صفقة جيدة أخرى لأمريكا وأمننا". وأضافت أن الجيش الأمريكي نفذ أكثر من 1100 غارة، مما أسفر عن مقتل مئات المقاتلين الحوثيين وتدميرهم.