لجريدة عمان:
2025-05-24@09:35:26 GMT

فلسطينُ المُتخَيَّلية

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT

من هم هؤلاء الذين ظلوا لعقود يموِّلون مخيلتنا بالمجاز الجميل بينما يستشهدون في المُرادف الواقعي من اللغة، يصقلون لنا الكلمات المستعملة فتصير من بعدهم أكثر جِدةً وحِدَّةً، جاهزةً للدخول في الشعر؟! من هم هؤلاء الفلسطينيون حقًا، وعن أي فلسطين متخيلةٍ نتحدث وبأي فلسطين نحلم؟!

لقد كان جان جينيه، الأديب الفرنسي «المنبوذ»، أكثر فضولًا من غيره في محاولة اكتشاف فلسطين من خلال الفلسطينيين، عندما قرر أن يلتحق بمخيماتهم في الأردن عام 1970 إثر دعوةٍ تلقاها من منظمة التحرير الفلسطينية، التي أدركت قيادتها، منذ البداية، أهمية أن تتمتع الثورة الفلسطينية بـ«شرعية أدبية» عالمية تمنحها صبغتها الفريدة كملحمة أممية، وذلك في مرحلة تاريخية حاسمة كانت تغلي بصعود حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار، وبروز بؤر ثورية جديدة في أماكن متفرقة من «العالم الثالث» مطلع النصف الثاني من القرن العشرين.

ولم تكن تلك الشرعية الأدبية المنشودة لتتحقق إلا من خلال ارتباط الثورة بأسماء بارزة على خريطة الأدب العالمي في ذلك الوقت. فكان جان جينيه واحدًا من أهم اكتشافات الثورة الفلسطينية آنذاك، وعكسُ العبارة لا بدَّ أن يَصدق بقوة أيضًا؛ فقد كانت تلك الثورة، في المقابل، أهم اكتشافات الفرنسي المتشرد الذي جاء لتقضية أسبوع واحد في عجلون، حتى استفاق من حلمه وقد مرت سنتان من حياته بين الفدائيين: «الفترة الأكثر إبهاجًا في حياتي» كما كتب.

جاء جينيه إلى الأردن مسكونًا بالبحث عن فلسطين المتخيلة، جاء ليتخيَّلها مع فدائييها الملثمين، حيث اشتهر بينهم بلقب «الملازم علي»: «... في صحبة الفلسطينيين، حاملًا وظيفتي كحالم داخل الحلم». هكذا كتب في مذكراته «أسيرٌ عاشق» بعد أربعة عشر عامًا من تلك التجربة. لم يكن هذا الغريب، قبل عام 1970، يعرف عن فلسطين أو الصراع العربي الإسرائيلي سوى ما تقوله صحافة بلاده في فرنسا. وهو الآن واحدٌ بين أبناء البلاد السليبة، اليتامى الذين لا يتعرفون على ملامح أمهم وأطباعها إلا عن طريق آلية واحدة: إدمان التَّخيل، حتى وهم يقفون على هذا القدر من القرب الجغرافي، حتى وهم يتسللون عبر الحدود مع الأرض المحتلة ويعودون منها سالمين. لقد أدمنوا خيالاتهم إلى حد التلاشي أحيانًا، فقد باتوا هم أيضًا متخَيَّلين بالنسبة للعالم الخارجي، أو كما يقول جينيه في عبارته البليغة عنهم بأنهم «ظلوا لزمن طويل جدًا محلوما بهم أكثر منهم مفكرًا فيهم».

ظلت تلك الروح الوطنية القائمة على الخيال ضربًا من «خيال المنفى» الذي درسه غلين باومن كأسلوب من أساليب الوعي المنفيّ في بناء المكان من خارجه. وفي الوقت الذي انطلقت فيه الثورة الفلسطينية، أي بعد نحو عشرين عامًا من النكبة، كان في المخيمات من الرجال والنساء عدد كبير ممن يتذكر البلاد، وكانت مقاومة الذاكرة الفلسطينية في المنفى تقضي على من يتذكر شيئًا أن يورثه على طريقته لمن لا يتذكر إلا أنه بوسعه أن يتخيل. وهكذا بدأت المخيمات تشهد تبادلًا بين جيلين من اللاجئين؛ فجيل عرف البلاد، قبل النكبة أو قبل نكسة، فعاش في المنفى يتذكر ويحكي، وجيل تفتَّح وعيه تحت شمس المنفى فعاش يتخيل الذكريات الموروثة: يتذكر الكبار ويتخيل الصغار.

هل كان التخيُّل حيلةً من حيل العبقرية البدائية للقفز على أنقاض الحاضر المهزوم؟ كان الفدائي بحاجة إلى أن يتذكر أو يتخيل، أو أن يمارس الفعلين معًا حتى يستمر في القتال. كان التخيُّل فعلًا تحريضيًّا، وكانت للفلسطينيين آنذاك بنادق ناطقة تُحرر خيالهم، أي أنهم لم يكونوا مكبوتين تمامًا كما صاروا في مراحل لاحقة. أما في اليوم الذي صمتت فيه بنادقهم فقد بدا أن كل شيء سيتغير إلى الأبد. انصهروا مع بلادهم المتخيلة في ذلك اليوم الذي ركبوا فيه البحر وغادروا بيروت عام 1982، في مشهد تراجيدي يوثقه الشاعر الراحل أمجد ناصر كمن يقف على أطلال معلقة جاهلية:

«عالم اندثر دون أن يترك أطلالًا، وكنَّا نحن أطلاله».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسي العاري.. من هو المبعوث الأممي توم فليتشر الذي يقف في وجه إسرائيل؟

في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، برز اسم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر، كأحد أبرز الأصوات الدولية المطالبة بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين.

من هو توم فليتشر؟
توم فليتشر هو دبلوماسي بريطاني مخضرم، وُلد عام 1975، وتلقى تعليمه في جامعة أوكسفورد حيث حصل على درجة الماجستير في التاريخ الحديث.

وبدأ مسيرته الدبلوماسية في وزارة الخارجية البريطانية، وشغل مناصب متعددة في نيروبي وباريس، وكان مستشارًا للسياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء بريطانيين: توني بلير، وغوردون براون، وديفيد كاميرون.

في عام 2011، عين سفيرا لبريطانيا في لبنان، حيث عرف بأسلوبه غير التقليدي في العمل الدبلوماسي، مما أكسبه لقب "الدبلوماسي العاري"، وهو أيضا عنوان كتابه الذي نشر عام 2016.

وبعد انتهاء مهمته في لبنان، شغل منصب عميد كلية هيرتفورد في جامعة أوكسفورد من 2020 حتى 2024.

توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في #الأمم_المتحدة: 14 ألف رضيع مهددون بالموت في #غزة خلال الـ 48 ساعة المقبلة مالم نوصل الطعام إليهم pic.twitter.com/H5W6vJdBfO — Anadolu العربية (@aa_arabic) May 22, 2025


تعيينه في الأمم المتحدة
في تشرين الأول / أكتوبر 2024، عين فليتشر وكيلًا للأمين العام للأمم المتحدة ومنسقًا للإغاثة في حالات الطوارئ، خلفًا لمارتن غريفيث، حيث جاء تعيينه في وقت تواجه فيه الأمم المتحدة تحديات كبيرة في تلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة حول العالم، خاصة في مناطق النزاع مثل غزة والسودان.

موقفه من الأزمة في غزة
منذ توليه المنصب، كان فليتشر من أبرز المنتقدين لقيود الاحتلال الإسرائيلي المفروضة على دخول المساعدات إلى غزة، في أيار/ مايو 2025، حذر في جلسة لمجلس الأمن من أن "نصف مليون شخص في غزة يواجهون خطر المجاعة"، ودعا إلى "رفع الحصار فورًا" للسماح بدخول المساعدات الإنسانية.

كما انتقد فليتشر خطة "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تهدف إلى توزيع المساعدات عبر شركات خاصة، واصفًا إياها بأنها "محاولة لتهميش دور الأمم المتحدة" و"استخدام المساعدات كسلاح سياسي".

وأثارت تصريحات فليتشر ردود فعل غاضبة من الجانب الإسرائيلي، حيث اتهمه السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة بـ"تسييس العمل الإنساني" و"التحيز".


من جهته، دافع فليتشر عن موقفه، مؤكدا أن "واجب الأمم المتحدة هو تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية أينما كانت، دون تحيز أو خوف".

وفي سياق مختلف يعرف فليتشر بنشاطه الأكاديمي والثقافي وبالإضافة إلى عمله الدبلوماسي، فقد أسس "مؤسسة الفرصة" لدعم الشباب وتمكينهم، وقدم سلسلة وثائقية عبر بي بي سي بعنوان "المعركة من أجل الديمقراطية الليبرالية"، كما نشر عدة كتب تناولت موضوعات الدبلوماسية والتغيير الاجتماعي.

ويعتبر فليتشر من الأصوات القليلة في الأمم المتحدة التي تتحدث بصراحة عن الأزمات الإنسانية، مما يجعله شخصية محورية في الجهود الدولية الرامية إلى تخفيف معاناة المدنيين في مناطق النزاع، وخاصة في غزة.

مقالات مشابهة

  • الليل الذي لا ينام في غزة.. رعب وخوف وندوب نفسية لا تنمحي
  • عدد ركعات صلاة الضحى.. اعرف سر رقم 360 الذي يعادلها
  • الدبلوماسي العاري.. من هو المبعوث الأممي توم فليتشر الذي يقف في وجه إسرائيل؟
  • غلاكسي إس 25 إدج.. ما الذي ضحت به سامسونغ من أجل التصميم الأنيق؟
  • كاريكاتير الثورة
  • خطة فرنسية - سعودية لنزع سلاح حماس.. المنفى مقابل السياسة
  • حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه
  • الشي الوحيد الذي أصاب ترامب فيه
  • مسير وعرض لطلاب الدورات الصيفية في المحابشة بحجة تضامناً مع فلسطين
  • عدد الأصدقاء أم نوعيتهم؟.. ما الذي يحقق لنا السعادة في التواصل الاجتماعي؟