منير أديب يكتب: محور فلادليفيا والخط الأحمر
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
تهديد إسرائيل بإعادة احتلال محور فلادليفيا الفاصل ما بين قطاع غزة والحدود المصرية يمكن فهمه في سياقين، السياق الأول وهو الرعونة الإسرائيلية، حيث دخلت الأخيرة الحرب مع لبنان أو حاولت ذلك، وما زالت تتجه إلى تحقيق ذلك من خلال استفزاز الجانب المصري.
تارة من خلال التهجير القصري للفلسطينيين في سيناء، وتارة أخرى من خلال احتلال محور صلاح الدين على خلاف ما نصت عليه المعاهدات الموقعة بين البلدين قبل أكثر من أربعين عامًا؛ وهو ما يؤزم الموقف وربما يدخل إسرائيل إلى حرب غير محمودة عقباها.
السياق الثاني، هو الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي سواء في القضاء على حماس أو كسر إرادة الفلسطينيين وتحقيق الانتصار الذي كانت تنشده إسرائيل من وراء هذه الحرب، وهنا لجأت الأخيرة إلى الادعاء بأن هذا المحور يُستخدم في تهريب الأسلحة إلى الداخل الفلسطيني!
القاهرة لا ترغب بالدخول مع إسرائيل في حرب، ولكنها سوف تُدافع عن أمنها القومي حتى ولو كلفها ذلك خوض هذه الحرب والتي استعدت لها كثيرًا؛ الموقف المصري كان واضحًا منذ اللحظة الأولى قبل أكثر من مائة يوم، يعمل على تقليص حدة الصراع والبحث عن حلول عملية بدلًا من الدوران في حلقة مفرغة قد تستيقظ المنطقة على إثرها على حرب عالمية ثالثة أو على الأقل حرب مفتوحة يكون طرفاها العرب والإسرائيليون.
إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها في غزة بعد عشرة أيام بعد المائة الأولى، وبالتالي تُحاول توسيع دائرة هذه الحرب وتُريد أن تستنهض الولايات المتحدة الأمريكية معها، وهي هنا تدفع أطرافًا ودولًا كثيرة للدخول في هذه الحرب من أجل إجبار واشنطن على التدخل العسكري المباشر.
وهنا تلتزم القاهرة بسياسة ضبط النفس وعدم الانجراف وراء الرعونة الإسرائيلية، ولكنها في ذات الوقت توعدت بالرد على كل ما يُهدد أمنها وأنها مستعدة لذلك، وهو ما أزعج إسرائيل، ولكن لم يردعها في نفس الوقت، لأنها ببساطة تُراهن على التدخل الأمريكي المباشر في حال حدوث ذلك.
التصريحات الإسرائيلية من قبل اليمين الإسرائيلي في الكنيست تعكس حجم الرعونة غير المحسوبة، فقد خرج المحسوبون على هذا اليمين متهمين الحكومة المصرية بدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالسلاح، كما وصف هؤلاء المتطرفين الجيش المصري بأنه بات مهددًا لدولة إسرائيل وتسليحه بات مرعبًا.
تصريحات اليمين المتطرف وبعض الوزراء المحسوبين على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة عبرت عن الحالة المتطرفة التي تعيشها هذه الدولة منذ نشأتها؛ فكلهم دعوا إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بما يمثل اعتداء على الأمن القومي المصري والعربي، فضلًا عن تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما لم ترضاه القاهرة وردت عليه في حينها.
القاهرة تُحافظ على معاهدة السلام ولا تُريد خرقها، ولكنها في نفس الوقت تعتبر هذه المعاهدة لا قيمة لها ولا أثر من ورائها لو أعادت إسرائيل احتلال محور صلاح الدين، وهنا يتجلى كلام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في عرض دفاعه عن الأراضي الصومالية: "محدش يجرب مصر"، بما يؤكد أن مصر سوف تُرد بقوة وبأسرع مما يتخيله العدو مهما كان ومهما كانت قوته.
مدينتا سرت والجفرة خط أحمر، بهذه العبارة أوقف الرئيس عبدالفتاح السيسي المطامع التركية في ليبيا، وبالأخص ما يُهدد الأمن القومي للدولة الشقيقة التي تجمعنا بها حدود تصل لأكثر من 1300 كيلومتر، فضلًا على تهديد الأمن القومي المصري، فمصر لن تفرط في أمنها مهما كانت التحديات التي تواجهها.
مصر دولة كبيرة تُدرك حجم أمنها القومي، كما أنها تُدرك أهمية الدفاع عنه، وقد بذلت الغالي والنفيس من أجل الدفاع عن هذه الأرض، فالدماء المصرية روت سيناء، وما زالت هذه المدينة موصولة بشرايين كل المصريين، وهو ما عكسته القيادة السياسية في إشارات كثيرة.
أخيرًا، محور فلادليفيا خط أحمر مثله مثل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وسرت والجفرة؛ فمن الذي يستطيع أنّ يتعدى خطًا وضعته مصر؟ وعلى ماذا يُراهن؟
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصر سيناء غزة الأمن القومي المصري عبد الفتاح السيسي منير أديب هذه الحرب وهو ما
إقرأ أيضاً:
محمد مندور يكتب: الشتاء النووي .. ماذا لو اندلعت الحرب الكبرى؟
ماذا لو حدثت حرب نووية؟
لطالما كان مفهوم الحرب النووية مرادفًا للدمار الشامل والموت الفوري. لكن وراء وميض الانفجار الهائل وموجة الحرارة المدمرة والإشعاع القاتل، يكمن تهديدٌ أعمق وأكثر شمولاً، هذا التهديد قادر على تحويل كوكبنا المزدهر، الذي نبني ونعمر فيه لقرون ونتصارع من أجل حصد خيراته، إلى صحراء قاحلة ومُتجمدة، وهو ما يعرف اصطلاحا بالشتاء النووي.
هذا السيناريو الكابوسي ليس مجرد خيال علمي، بل هو نتيجة محتملة علميًا لأي تبادل نووي واسع النطاق. يمكن أن نسميه ولادة الظلام على الأرض. يبدأ الشتاء النووي بسلسلة من الأحداث المروعة المرعبة. ولك أن تتخيل أنه عند انفجار الأسلحة النووية، خاصة فوق المدن والمناطق الصناعية المكتظة، لا تقتصر الأضرار على تدمير المباني والمنشآت، فالحرارة الشديدة الناتجة عن الانفجارات ستؤدي إلى اشتعال حرائق هائلة، تعرف بـ "عواصف النار". هذه الحرائق ستنتج كميات هائلة من الدخان والسخام والرماد، الذي سيصعد إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، وتحديداً إلى طبقة الستراتوسفير.
تهديد هذه الطبقة من الغلاف الجوي يهدد بدمار كبير، فبخلاف الغبار البركاني الذي يميل إلى السقوط بعد فترة، فإن جسيمات السخام الدقيقة الناتجة عن الحرائق النووية، خاصة الكربون الأسود، خفيفة بما يكفي لتبقى عالقة في الستراتوسفير لسنوات. وبالتالي ستعمل هذه الجسيمات كغطاء أسود عملاق، يحجب أشعة الشمس بشكل فعال عن الوصول إلى سطح الأرض. وهنا لك أن تتخيل ماذا سيحدث حال غياب الشمس عن الأرض!
يمكن أن نسمي ما سيحدث بالموت البطيء، وهو ما ينتج عنه تداعيات كارثية. مع حجب ضوء الشمس ستشهد درجات الحرارة العالمية انخفاضًا كارثيًا ومفاجئًا. تُشير النماذج المناخية للتوقعات بتلك الكوارث، أنه حال قيام هذه الحرب النووية واسعة النطاق، يمكن أن تخفض متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار يتراوح بين 10 إلى 20 درجة مئوية، وفي بعض المناطق، قد يصل الانخفاض إلى أكثر من ذلك بكثير. هذا التحول الجذري سيؤدي إلى موت النباتات والمحاصيل، مما يؤدي إلى مجاعة عالمية غير مسبوقة. ليس هذا فقط، فالمسطحات المائية ستتجمد، مما يدمر النظم البيئية المائية ويقطع مصادر المياه العذبة.
يتوقع علماء البيئة أيضا انهيار النظم البيئية، ستموت أعداد هائلة من الحيوانات والنباتات التي لا تستطيع التكيف مع الظروف القاسية الجديدة. والكارثة الأكبر ستكون تدمير طبقة الأوزون الواقية. هذا يعني أن أي قدر ضئيل من ضوء الشمس الذي يتمكن من اختراق الدخان سيحمل معه مستويات مميتة من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى، ويضر بالكائنات الحية حال نجاتها من البرد والجوع.
لكن ماذا بعد الشتاء النووي، إذا قدر لكائن أن نيجو من الموت؟ فحتى لو انتهى "الشتاء النووي" ببطء بعد سنوات، فإن الكوكب الذي سيكشف عنه ستار الدخان الأسود سيكون مختلفًا جذريًا عن كوكبنا الحالي. ستكون البيئة قد تغيرت بشكل لا رجعة فيه، مع تدهور التربة، وتلوث المياه، واضطراب كبير في أنماط الطقس. قد يؤدي ذلك إلى موجات جفاف طويلة، وفيضانات غير متوقعة، وعواصف شديدة، مما يجعل إعادة بناء الحضارة أمرًا شبه مستحيل.
هذا ليس قدر من الخيال، بل حقائق علمية. فالقوة العسكرية النووية ليست مجرد تهديد بالدمار المباشر، بل هي وعد بكارثة بيئية عالمية تدمر أسس الحياة على الأرض. إنها لعنة من السخام والدخان الأسود قادرة على تحويل كوكبنا الأزرق والأخضر إلى صحراء جليدية سوداء بدون ماء للعيش والحياة.
سيناريو الشتاء النووي يجب أن يكن بمثابة تذكير صارخ بالمسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق البشر لتجنب استخدام هذه الأسلحة المدمرة بأي ثمن. فهذه حرب نهاية لا رجعة فيها!
في الحرب النووية لن يكون هناك منتصرون، بل منتحرون!