ما تأثيرات قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
سرايا - قال جيمس شوتر الكاتب بصحيفة "فايننشال تايمز" إن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في حرب غزة، حظيت بمتابعة وثيقة عالميا وبقدر من الجدل السياسي لم يسبق له مثيل.
وأوضح الكاتب أنه حتى قبل أن يصدر قضاة المحكمة قرارهم، فإن اتهاما ديمقراطيا مدعوما من قبل الغرب أمام المحكمة بارتكاب أكبر جريمة دولية، أحدث ضجة في جميع أنحاء العالم.
وتعتبر "إسرائيل" وحلفاؤها أنه لا أساس من الصحة لهذه القضية، لكن بالنسبة للفلسطينيين ومؤيّديهم، ولا سيما في دول الجنوب، تمثل القضية اختبارا لمصداقية النظام الدولي الذي لطالما اعتبروه ضدّهم، كما يقول شوتر.
ونقل الكاتب عن داليا شيندلين، خبيرة استطلاعات الرأي والمحللة السياسية المقيمة في "تل أبيب" قولها إن الناس في جميع أنحاء العالم لديهم موقف من هذه القضية، "لذلك يمكنني أن أتخيّل أن أيّ قرار سيُتّخذ من قبل المحكمة سيؤجج غضب كلا الجانبين بطريقة أو بأخرى".
وأضاف الكاتب أن قضية جنوب أفريقيا قوبلت في "إسرائيل" بعدم الفهم والغضب، لا سيما أن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 التي تم تقديم الاتهام بموجبها صيغت ردا على الهولوكوست.
ووضح الكاتب أنه بالنسبة للفلسطينيين، فإن القضية تقدم الأمل في زيادة الضغوط الدولية على "إسرائيل" لدفعها نحو إنهاء هجومها المدمر على غزة، الذي أدى حتى اللحظة الراهنة إلى مقتل أكثر من 25 ألف شخص وتشريد 1.9 مليون من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. كما يرون أنها فرصة لمحاسبة "إسرائيل" على ممارسات القمع التي لطالما استخدمتها ضدهم على مدى 75 عاما.
ونقل الكاتب عن حسام زملط، السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة قوله إن هذه القضية تمثل أول جهد دولي جدي لإنهاء الوضع المروع والمطالبة بالمحاسبة "بعد 75 عاما من الحرمان من حقوقنا الأساسية، على قدم المساواة مع جميع الشعوب الأخرى".
ويضيف زملط "هذه لحظة حاسمة. فإذا التزمت محكمة العدل الدولية بولايتها القانونية، ونجحت في حكمها، فقد نجحت في إثبات مصداقيتها وتعزير النظام الدولي المبني على القانون. وإذا فشلت، أعتقد أنها بذلك تقوّض مصداقيتها، والمهام الموكولة لها، والنظام القائم على القانون برمته".
وحسب شيمين كيتنر -أستاذة القانون الدولي في كلية ديفيس للحقوق بجامعة كاليفورنيا- فإن التأثير الأكثر إلحاحا لأي إجراءات طارئة، إذا وافقت "إسرائيل" على الالتزام بها، سيكون على الحرب في غزة.
ويشك المحللون القانونيون في أن تأمر المحكمة "إسرائيل" بوقف العمليات، لكن الخيارات الأخرى، مثل الأمر بزيادة المساعدات الإنسانية، أو السماح بوصول محققين مستقلين، تعتبر أكثر ترجيحا.
لكن محللين قالوا إنه حتى لو اختارت "إسرائيل" تجاهل أي أوامر صادرة عن المحكمة، فإن مجرد صدورها يمكن أن يؤثر على كيفية تعامل الدول الأخرى معها، كأن تكون الدول الأخرى أقل استعدادا لبيع الأسلحة "لإسرائيل"، أو أكثر استعدادا لفرض العقوبات.
ويعتقد البعض أن الحكم النهائي ضد "إسرائيل" يمكن أن يؤثّر على الإجراءات في محاكم أخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي تتعامل مع الإجراءات الفردية، وليس الدول.
وذكر الكاتب أنه بالنسبة للمحكمة نفسها، تبقى كثير من الأمور على المحك، ونسب إلى كيتنر قولها إن هذه القضية ستزيد من لجوء الدول إلى المحاكمات الدولية، بعد الشلل الذي أصاب مجلس الأمن الدولي.
وأضافت كيتنر أن هذا الاتجاه يشكل فرصا ومخاطر لمحكمة العدل الدولية "فهو يمكن أن يعزّز في نهاية المطاف نفوذ المحكمة". ولكن هناك خطرا من أن يتم جرّ المحكمة إلى قضايا من شأنها أن تتركها عرضة لاتهامات بـ"التسييس".
إقرأ أيضاً : تطورات اليوم الـ111 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزةإقرأ أيضاً : ردا على الأنصاري .. سموتريتش يهاجم قطر
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: هذه القضیة الکاتب أن
إقرأ أيضاً:
هل تنجح أفريقيا في التحرر من هيمنة الدولار؟
في ليلة باردةٍ من ليالي شتاء جوهانسبرغ، أغسطس/ آب 2023، صعد الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا إلى المنصة في القمة الخامسة عشرة لمجموعة البريكس، وهو يحمل في نبرته ما بدا أنه أكثر من بيان رسمي، فأعلن، باسم الدول الخمس المؤسّسة، عن قرار تاريخي بتوسيع عضوية التكتل؛ لتشمل ستّ دول جديدة، وهي: مصر، وإثيوبيا، والسعودية، والإمارات، وإيران، والأرجنتين.
لم يكن الإعلان مفاجئًا فحسب؛ بل بدا وكأنه يكسر سقف التوقعات. ففي قاعة تعجّ بالكاميرات والمراقبين، تجاوز وقع الأسماء المضافة مجرد التوسعة، وبدا كمن يفتح الباب على نظام مالي آخر، أو على الأقل يعيد ترتيب خارطة النفوذ الاقتصادي العالمي.
فبين الكلمات البروتوكولية وعدسات الإعلام، سرت همساتٌ عن عملات بديلة، ونظام مالي جديد، ومصطلحات من قبيل "التحرر من هيمنة الدولار" و"إعادة التوازن النقدي العالمي".
كانت اللغة حذرة؛ لكنها في العمق تنبئ بتحول يتجاوز التحالفات الجغرافية؛ إنه حديث عن الجنوب العالمي حين يتأهب للخروج من طوق الدولار.. أو على الأقل يُعيد التفكير في علاقته به.
لم تكن الكلمات صاخبة؛ لكنها أفصحت عن الكثير. كانت، في جوهرها، إعلانًا صامتًا، عنْ أنّ الجنوب العالمي، وأفريقيا في صميمه، يتهيآن لمرحلة ما بعد الدولار.
إعلانفمنذ عقود، لم يعد الدولار مجرد عملة؛ بل تحول إلى أداة هيمنة تنعكس بعمق على اقتصادات الدول الأفريقية التي تلهث خلف تقلباته في غياب سياسات نقدية مستقلة. وفي هذا السياق، تطرح البريكس بدائل مغرية، من نظم دفع موحدة إلى تمويلات بعملات غير غربية، لكنها تثير تساؤلات جوهرية: هل يُمكن التحرر من التبعية بالدخول في تبعية أخرى؟ وهل تملك أفريقيا مشروعًا نقديًّا ذاتيًّا، أم أنها ما تزال تتحرك ضمن خرائط الآخرين؟
وبناء عليه، يحاول هذا المقال الاقتراب من هذه اللحظة الفارقة، لا من بوابة التحليل المالي فحسب؛ بل من سؤال السيادة نفسه. فينطلق من واقع الاختلال النقدي المتجذر، ثم يتأمل في أدوات البريكس وإمكاناتها، وأخيرًا يحاول التمهّل عند التساؤل الأخطر، ويترجل ربما حوله: هل نعيش بالفعل بداية خروج أفريقيا من المدار؟ أم أننا فقط نُبدّل اتجاه التبعية.. لا طبيعتها؟
ضيق العملة.. واتساع التبعيةفي عمق المشهد النقدي الأفريقي، تتجلى هيمنة الدولار الأميركي كعامل مركزي يُقيّد قدرة العديد من الدول على تحقيق استقرار اقتصادي مستقل. حيث تُظهر تجارب دول عديدة، مثل: مصر ونيجيريا ودول منطقة الفرنك سيفا كيف أنّ الاعتماد المفرط على العملة الأميركية يُعرض هذه الاقتصادات لتقلبات خارجية تُعيق جهود التنمية المستدامة.
ففي مصر، شهد الجنيه المصري سلسلة من التخفيضات الحادة، أبرزها في يناير/ كانون الثاني 2023م بنسبة 40%، تلاها تعويم العملة في مارس/ آذار 2024، مما أدى إلى انخفاض قيمتها إلى 0.02 دولار أميركي. أدّتْ هذه التغيرات إلى ارتفاع تكاليف الواردات، وزيادة معدلات التضخم، مما أثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين. فضلًا عن ذلك، تفاقمت أزمة العملة الأجنبية، مما دفع الحكومة إلى السعي للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار.
أمّا في نيجيريا، فقد تراجعت قيمة النيرة بشكل ملحوظ؛ حيث انخفضت بنسبة 47% من 770.38 نيرة مقابل الدولار في عام 2023 إلى 1.470.19 نيرة في عام 2024. ولقد أدّى هذا التراجع إلى زيادة عبْء الديون الخارجية؛ حيث ارتفع إجمالي الدين الخارجي إلى 42.5 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2023، مما زاد من تكاليف خدمة الدين، وأثر على الاستقرار المالي للبلاد.
إعلانوفي دول منطقة الفرنك سيفا (CFA Franc)، التي تضم 14 دولة أفريقية في وسط القارة وغربها، تُستخدم عملة مرتبطة باليورو بسعر صرف ثابت. حيث تُلزَم هذه الدول بإيداع 50% من احتياطاتها من النقد الأجنبي لدى الخزانة الفرنسية، مما يحد من سيادتها على سياساتها النقدية. هذا النظام، يُقيد التنمية الاقتصادية، ويُعزز من التدفقات الرأسمالية نحو أوروبا، مما يُضعف من قدرات هذه الدول على تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وعلى الصعيد العالمي، بدأتْ بعض الدول في اتخاذ خطوات لتقليل الاعتماد على الدولار. فعلى سبيل المثال، اتفقت الصين والبرازيل على استخدام عملاتهما المحلية في التبادلات التجارية، كما بدأتْ روسيا في استخدام اليوان الصيني في بعض معاملاتها التجارية. تُظهر هذه التحركات رغبة متزايدة في تقليل هيمنة الدولار.
وفي هذا السياق، تَظهر مبادرات مجموعة البريكس كفرصة للدول الأفريقية لتعزيز سيادتها النقدية. إلا أنّ نجاح هذه المبادرات يعتمد على قدرة الدول على تطوير مؤسسات مالية قوية، وتعزيز التكامل الإقليمي، ووضع رؤية واضحة للسيادة النقدية. فبدون هذه الخطوات، قد تتحول هذه البدائل إلى تبعية جديدة، تُعيد إنتاج نفس الاختلالات السابقة؛ ولكن بأدوات مختلفة.
إنّ التحرر الحقيقي لا يتحقق من خلال تبني بدائل جديدة فحسب؛ بل يتطلب بناء نظام نقدي أفريقي متماسك داخليًا، يستند إلى مؤسسات قوية، وتكامل إقليمي فعّال، ورؤية إستراتيجية واضحة. فمن خلال هذه الأسس، يمكن لدول القارة أنْ تحقق السيادة النقدية الحقيقية، وتتجنب الوقوع في فخ التبعية بألوان جديدة.
حين تَهْمِس البريكس بلغة أخرىتسعى مجموعة البريكس إلى تقديم بدائل للنظام المالي العالمي المهيمَنِ عليه من قبل الدولار الأميركي، من خلال تطوير أدوات مالية جديدة، تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، وتقليل الاعتماد على العملات الغربية.
إعلانومن بين هذه الأدوات، يأتي نظام "بريكس باي " (BRICS Pay)، وهو منصة دفع رقمية تعتمد على تقنيات البلوكشين، وتهدف إلى تسهيل المعاملات عبر الحدود بين الدول الأعضاء، باستخدام عملاتها المحلية، مما يقلل الحاجة إلى الدولار في التسويات الدولية.
وتُشير التقارير إلى أنّ ما يقرب من 160 دولة قد تعتمد هذا النظام الجديد، مما يعكس الاهتمام العالمي المتزايد بتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في المعاملات المالية الدولية.
كما تَدرُس المجموعة إمكانية إنشاء عملة موحدة، تُعرف باسم "عملة بريكس"؛ لتكون وسيلة تبادل بين الدول الأعضاء، مما يعزز الاستقلال المالي، ويقلل من تقلبات أسعار الصرف المرتبطة بالدولار. وتشير الدراسات إلى أنّ هذه العملة، قد تكون مدعومة بسلة من السلع الإستراتيجية، مما يضفي عليها استقرارًا وقيمة حقيقية في الأسواق العالمية.
فضلًا عن ذلك، لقد أنشأت البريكس بنك التنمية الجديد (NDB) لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء، مع التركيز على تقديم قروض بعملات محلية لتقليل مخاطر تقلبات العملات الأجنبية. ففي عام 2024، وافق البنك على قروض بقيمة مليار دولار لجنوب أفريقيا لمشاريع البنية التحتية، و200 مليون دولار لدعم مشاريع التنمية المستدامة في مصر.
فيما يتعلق بالتجارة، تسعى مجموعة البريكس إلى تعزيز استخدام اليوان الصيني في المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الدولار، وتعزيز مكانة اليوان كعملة دولية. وتشير البيانات، أيضًا، إلى أنّ استخدام اليوان في المعاملات التجارية بين دول البريكس قد ارتفع بنسبة 6% خلال السنوات الأربع الماضية، مما يعكس التوجه المتزايد نحو تنويع العملات المستخدمة في التجارة الدولية.
أمّا بالنسبة للدول الأفريقية، فتُعدّ هذه المبادرات فرصة لتعزيز السيادة المالية، وتقليل التبعية للنظام المالي الغربي (الأوروبي والأميركي). فمصر، على سبيل المثال، تأمل أنْ يساعد انضمامها إلى البريكس في جذب الاستثمارات، وتخفيف أزمة العملة الأجنبية. أما نيجيريا، فتسعى إلى الاستفادة من تمويل بنك التنمية الجديد لدعم مشاريع البنية التحتية، والتنمية الاقتصادية.
إعلانوفي المقابل، تواجه هذه المبادرات تحديات عديدة، منها الحاجة إلى توافق سياسي واقتصادي بين الدول الأعضاء، وتطوير بنية تحتية مالية وتقنية متقدمة، وضمان استقرار العملة الموحدة المقترحة. كما أنّ هناك مخاوف من أنْ تؤدي هذه البدائل إلى تبعية جديدة، خاصة في ظل الهيمنة المتزايدة للصين داخل مجموعة البريكس.
وبالتالي، في الوقت الذي تقدم فيه مجموعة البريكس أدوات واعدة لتعزيز الاستقلال المالي للدول الأعضاء، فإنّ نجاح هذه المبادرات يعتمد على قدرة الدول على التعاون والتنسيق الفعّال، وتطوير مؤسسات مالية قوية تدعم هذه التوجهات.
تبعية مُقنّعة أم استقلال مؤجّل؟في الوقت الذي تسعى فيه أفريقيا إلى التحرر من هيمنة الدولار، تظهر مبادرات مجموعة البريكس كبدائل محتملة، إلا أنّ هذه البدائل قد تحمل في طياتها تحدياتٍ جديدة، مما تثير التساؤل التالي: هل ستُفضي هذه البدائل إلى سيادة نقدية فعلية، أم إنها ستؤدي إلى تبعية بألوان جديدة؟
إنّ أحد أبرز التحديات يتمثل في الهيمنة المتزايدة للصين داخل مجموعة البريكس. فوفقًا لتقرير صادر عن East Asia Forum، تمثل الصين أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا في تحديد السياسات والتوجهات المالية. قد يؤدي هذا التركيز إلى تبعية جديدة؛ حيث تعتمد الدول الأعضاء على الصين بدلًا من الولايات المتحدة، مما يحدّ من استقلالية قراراتها الاقتصادية.
فرغم ما تتيحه مجموعة البريكس من أدوات بديلة، ومساحات للمناورة النقدية، فإنّ التحدي الحقيقي لا يزال داخل القارة نفسها. فأفريقيا، التي تضم أكثر من خمسين دولة متباينة في مستويات النمو والاستقرار والتكامل، تفتقر إلى قاعدة مؤسسية صلبة، يمكن أنْ ترتكز عليها مبادرات التحرر من الهيمنة النقدية.
حيث تُظهر تقارير البنك الدولي أنّ ضعف البنية التحتية المالية، وتعدد العملات، وغياب التنسيق بين السياسات النقدية والمالية، جميعها تعمق من حالة التشظي، وتُضعف إمكانية بناء نظام نقدي موحد أو حتى منسق وظيفيًا.
إعلانففي الغرب الأفريقي، يستمر ربط الفرنك سيفا بالخزانة الفرنسية كقيد تقني وسياسي معًا، بينما تعاني دول الشرق من ضغوط تقلبات الأسواق، ونقص احتياطيات النقد الأجنبي، أمّا في الجنوب، فرغم مرونة المؤسسات كما في حالة جنوب أفريقيا، فإنّ الاعتماد على تدفقات رأسمالية مضاربة يبقي الاستقرار معرضًا للاهتزاز.
فالمشكلة، إذًا، ليست في غياب البدائل؛ بل في هشاشة الأرضية التي يُفترض أنْ تُبنى عليها تلك البدائل. فالبديل الحقيقي لا يأتي من خارج المشهد والسياق؛ بل من إعادة ترتيب داخلي شجاع، يعيد تعريف العلاقة مع السوق، ومع السياسة المالية، ومع أدوات التنسيق الإقليمي. ومهما تعددت مسارات الانفكاك الظاهري، فإنها ستظل عرضة للارتداد، ما لم تُحسم الأسئلة البنيوية أولًا.
في انتظار السيادة.. لا المخلّصفي عالم تُعيد فيه القوى صياغة موازينها، لا يكفي أنْ تخرج دول أفريقيا من شبح هيمنة الدولار، إنْ لم تكن قادرة على الوقوف في ظلّها الذاتي. فالمشكلة لم تكن في العملة وحدها؛ بل في المسافة الطويلة بين القرار والمصدر، بين الحاجة والقدرة، بين التبعية والمبادرة.
تطرح مجموعة البريكس أوراقًا جديدة على الطاولة، وبعضها يحمل وعدًا حقيقيًا بمساحة أوسع للحركة؛ لكنها أوراق لا تكتمل إنْ لم تُقرَأ من الداخل أولًا. فالنوافذ وحدها لا تُحدث تغييرًا إنْ كانت الجدران متصدعة، والمؤسسات واهنة، والرؤية غائبة أو مؤجلة.
فالسيادة النقدية لا تُمنح، ولا تُستورد؛ بل تُبنى لبِنة لبِنة. فاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية ليست مجرد مشروع تكامل اقتصادي؛ بل ربما تكون الإطار الوحيد الذي يمكن أنْ تُكتب فيه خارطة استقلال نقدي حقيقي، تتقاطع فيه الإرادة مع البنية، والسياسة مع الإنتاج، والمصالح مع المستقبل.
فأفريقيا التي تطمح إلى التحرر، لا يكفيها أنْ تستبدل العملة بعملة؛ بل أنْ تعيد كتابة شروط العلاقات، لا مع واشنطن أو بكين فحسب؛ بل مع ذاتها أولًا. فهي وحدها القادرة على أنْ تجعل من تلك النوافذ أبوابًا تُفتح باتجاه السيادة، لا مجرّد ممرات جديدة للنفوذ القديم، أو الجديد الذي لم يتضح مدى أفقه بعد.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline