مفتي الجمهورية: الاحتفال بالمناسبات الدينية الموسمية جائز ولا حرج فيه
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إن ليس كل أمر مُحدَث في العبادات أو المعاملات منهيًّا عنه؛ بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكام التكليفية بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، فما كان في حيز ونطاق خلاف ما أمر الله به ورسولُه صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحضَّ عليه اللَّه أو رسوله فهو في حيز المدح لأَن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابًا، فقال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»، وقال في ضدِّه: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»، وذلك إِذا كان في خلاف ما أَمر الله به ورسوله.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج "للفتوى حكاية" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس في معرض حديثه عن حكم الاحتفال بالمناسبات الدينية الموسمية كالاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وغيرها، مضيفًا فضيلته أنَّ الاحتفال بهذه المناسبات أمرٌ جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه، ولا يوجد نصٌّ يمنع ذلك، ومن يستشهد على عدم جواز ذلك بترك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الاحتفال بنحو هذه المناسبات فذلك ليس دليلًا على المنع؛ لأنه لم يَرِد نص ينهى عن ذلك، بل الترك هنا فيه دليل على الإباحة.
الصحابة وسائر المسلمين على مر العصور قد فعلوا كثيرًا من الأمور التي لم يكن هناك فعل لها من سيدنا رسول اللهوأشار مفتي الجمهورية إلى أن الصحابة وسائر المسلمين على مر العصور قد فعلوا كثيرًا من الأمور التي لم يكن هناك فعل لها من سيدنا رسول الله، وكان ذلك منهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ وهي تدل على الجواز لأن لها أصلًا في الدين، وكلها كانت ضمن المقاصد العامة للشريعة وسيرًا على نهج ومسيرة النبي الأمين والصحابة والتابعين الكرام.
واستشهد المفتي بموقف الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي مصر الأسبق وأحد العلماء الرواد في الإفتاء في العصر الحديث فيما يخص مفهوم البدعة، وذلك كما جاء في رسالته «أحسن الكلام فيما يتعلق بالسُّنة والبدعة من الأحكام»، موضحًا أنه ليس كلُّ مُحدَث في العبادات أو المعاملات منهيًّا عنه؛ بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ الخمسة بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، أمَّا الزعمُ بأنها محرمةٌ اتِّكاءً على تسميتها بدعةً عند بعض العلماء فغيرُ سديدٍ، ولو كان كل ما أُحدث بعد زمن النبي بدعة مذمومة شرعًا لما كان هناك مسوغ شرعي ولا عقلي للاجتهاد، مستدلًّا فضيلته بفتوى للشيخ المطيعي -على سبيل المثال لا الحصر- أفصح فيها عن عدم تبديع مَن يردِّد صيغة معينة للدعاء والذكر بعد الأذان.
مفهوم البدعة المذمومة منحصر فيما يبطل الدين وما كان على خلاف الشرع الشريفوشدد مفتي الجمهورية على أن مفهوم البدعة المذمومة منحصر فيما يبطل الدين وما كان على خلاف الشرع الشريف، حيث إن قراءة حديث: "... وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" منعزلًا عن غيره من الأحاديث الأخرى قراءة كلية، توصل إلى فكرة التبديع والجمود خوفًا من البدعة، وهذا ليس غرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي أراد لنا أن ننطلق في الحياة ونبدع وننجز، والصحابة فهموا هذا الأمر وانطلقوا إلى الآفاق وعمروها.
مفتي الجمهوريةوأكد مفتي الجمهورية أن العلماء المعتبرين تحدثوا كثيرًا عن أقسام البدعة، فتحريم الأمور المبتدعة ليس على إطلاقه، وذكروا أن هناك خمسة أقسام للبدعة، وهي: البدعة المحرمة، والبدعة الواجبة، والبدعة المستحبة، والبدعة المباحة، والبدعة المكروهة، وعندما نقرأ النصوص الشرعية مجموعةً نخرج بأن البدعة المحرمة هي تلك البدعة التي تبطل أحكام الإسلام، أما ما تتوافق معها فتدخل في دائرة السُّنة الحسنة، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
وأوضح أن الغرض من الاحتفال بهذه المناسبات هو الفرح واستخلاص الدروس المستفادة التي تؤسِّس لكيفية مجاهدة النفس، والنظر للمآلات، مع الخبرة والحكمة في إدارة الأزمات، وبكل ذلك يكون التقدم والرقيُّ والدعوة إلى الله تعالى والوقوف على مقاصد الشرع من الخلق.
واختتم المفتي حديثه بالتأكيد على ضرورة الاستفادة من المناسبات الدينية الموسمية في تعميق التكاتف الأسري والتراحم والتواد والبر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية شوقي علام هيئات الإفتاء العبادات قناة الناس ذكرى الإسراء والمعراج شعبان النبی صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
كل ما تريد معرفته عن يوم عاشوراء .. موعده ومتى بدأ الاحتفال به
يوم عاشوراء هو من الأيام المباركة المميزة على مدار السنة الهجرية، يحمل مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لما فيه من فضل وذكرى عظيمة.
ما هو يوم عاشوراءيوم عاشوراء يوافق اليوم العاشر من شهر المحرم، أول شهور السنة الهجرية، ويستحب فيه الصيام، شكرًا لله تعالى واتباعًا لسنة النبي محمد ﷺ.
اقرأ أيضًا:
سمي يوم عاشوراء بهذا الاسم نسبة إلى اليوم العاشر من شهر محرم، وكان معروفًا لدى العرب قبل الإسلام، وازدادت أهميته بعد أن صامه النبي ﷺ وأمر بصيامه.
شهد العاشر من المحرم حدثًا عظيمًا ومعجزةً كبرى لنبي الله سيدنا موسى عليه السلام؛ إذ نجاه الله وقومه حين شق لهم في البحر طريقًا يبسًا فكان لهم أمنًا ونجاة، ثم أطبقه على فرعون وجنوده فكان عليهم عذابًا وهلاكًا، وأغرقوا جميعًا، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 77، 78]
ومن وفاء سيدنا رسول الله ﷺ لحق أخيه سيدنا موسى عليه السلام أن صام هذا اليوم؛ شكرًا لله تعالى على نجاته ونصر الله له؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم النبي ﷺ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «مَا هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فصامه، وأمر بصيامه. [أخرجه البخاري]
عاشوراء هو اليوم الذي نجّىٰ الله فيه موسى من فرعون، وعلى الرغم من عدم وجود دعاء مخصوص ليوم عاشوراء، لكن يمكن للمسلم أن يدعو بما يستحب من أدعية، ومن أفضل صيغ دعاء يوم عاشوراء، ما يلي:
اللهمَّ بارك لنا في عاشوراء، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتقبل صيامنا واجعل في صيامنا غفرانًا لذنوب عامنا المنصرم يا رب العالمين، اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب.
اللهم إني أسالك في يوم عاشوراء الرحمة والمغفرة والفوز بالجنة والعتق من النيران.
اللهمَّ في يَوم عَاشوراء المبارك، اللهم إني أسألك الثبات في الأمْر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
اللهم طهرني ونقني من جميع الذنوب والخطايا كما يُنقي الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم انثر على حياتنا فيضًا واسعًا من بركتك، اللهم أزل الرياء من قلوبنا واجعلنا نتمنى الخير لغيرنا، كما نتمناه لأنفسنا.
إنَّه يوم عاشوراء، اللهم نجني فيه من الغم والحزن والأسى يا رب العالمين كما نجّيت نبيك موسى عليه الصلاة والسلام، اللهم ربنا لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن.
اللهم إن قلبي مُثقل بالذنوب وعقلي مضغوط من كثرة التفكير، فارزقني اللهم هدوء القلب وراحة العقل.
اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ العفوَ والعافيةَ في دِيني ودُنياي وأهلي ومالي اللَّهمَّ استُرْ عَوْراتي وآمِنْ رَوْعاتي اللَّهمَّ احفَظْني مِن بَيْنِ يدَيَّ ومِن خَلْفي وعن يميني وعن شِمالي ومِن فَوقي وأعوذُ بعظَمتِكَ أنْ أُغتالَ مِن تحتي.
ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: «ما رأيتُ النبي ﷺ يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء، وهذا الشهر»،يقصد رمضان، كما جاء في حديث النبي ﷺ: «صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم].
يُستحب أيضًا صيام يوم قبله أو بعده، أي تاسوعاء (9 محرم) أو الحادي عشر، مخالفة لليهود الذين كانوا يصومونه وحده، كما قال النبي ﷺ: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن التاسع» [رواه مسلم].
يقول مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه يستحب صيام يومي التاسع والعاشر من شهر الله المحرم، وقد سنَّ لنا سيدنا رسولُ ﷺ الله صيام يوم عاشوراء؛ لما فيه من تكفيرٍ للسيئات، وزيادةٍ في الحسناتِ، إذ قال سيدنا رسول الله ﷺ: «وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». [أخرجه مسلم].
ويقول الأزهر للفتوى إن صوم المسلمين ليوم عاشوراء قربة عظيمة، واتباع لسنة سيد البشر ﷺ وإن وافق يوم سبت أو غير ذلك، ولا صحة لما تردد مؤخرًا: أنه لا يجوز إفراد السبت أو الجمعة بصيام وإن وافق أحدهما يوم عاشوراء.
ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله: (وقد أذن رسول الله ﷺ في صوم عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليلٌ على دخول كل الأيام فيه). [شرح معاني الآثار (2/ 80)]
أما الأحاديث الواردة في كراهة إفراد يوم السبت بصيام، فمختَلف في ثبوتها، وعلى فرض ثبوتها فقد وجهها الجمهور بأن النهي فيها راجع إلى صيام النفل المطلق، غير المعلل، والذي لم يوافق عادة ولا سنة مأثورة عن النبي ﷺ.
أما إذا وافق السبت أو الجمعة يوم عرفة أو عاشوراء أو عادة المسلم فلا حرج في الصوم.
حكمة الصيام في يوم عاشوراءيحمل يوم عاشوراء معاني عظيمة في التاريخ الإسلامي، أبرزها نصر الله لسيدنا موسى عليه السلام على فرعون، إذ قال النبي ﷺ: «هذا يوم نجّى الله فيه موسى من فرعون، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن أحق بموسى منهم».
يشار إلى أن سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه استشهد وهو صائم في هذا اليوم اقتداء بسنة جده النبي الذي أوصى بصيام يوم عاشوراء، العاشر من محرم، لذا فهذا اليوم وافق أيضًا واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين بن على رضي الله عنه، حفيد النبي ﷺ، وهو يوم حزين لدى كثير من المسلمين الذين يستحضرون فيه قيم الثبات والعدل والحزن على استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه.