شكلت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى 26 مارس 1979 منطلقاً لمرحلة جديدة لمصر والعرب ولمنطقة الشرق الأوسط عامة، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم، هذه المعاهدة حققت لمصر العديد من الأهداف المباشرة وغير المباشرة، فقد أدت المعاهدة إلى انسحاب إسرائيلى كامل من شبه جزيرة سيناء، وعودة السيادة المصرية على كامل ترابها، وإزالة الوجود الإسرائيلى منها، ومن الأهداف غير المباشرة هو إحداث متغيرات هامة فى العقيدة التى غرسها أول رئيس وزراء لإسرائيل بن جوريون فى المؤسسات العسكرية والقيادة السياسية الإسرائيلية، حين ترك دولة إسرائيل منذ قيامها دون أن يحدد لها حدوداً وأطلق كلمته الشهيرة: «إن حدود إسرائيل هى حيث يقف جنود إسرائيل»، فلأول مرة تعترف إسرائيل بأن لها حدوداً دولية هى الحدود المشتركة بينها وبين مصر، أما باقى حدود إسرائيل فهى تعتبرها أمراً لا يزال خاضعاً للمساومة والتفاوض سواء بالنسبة لحدودها مع سوريا عبر هضبة الجولان المحتلة، أو باقى الأراضى المحتلة.
لقد أكدت معاهدة السلام مع إسرائيل أن السلام لا يعنى تنازلاً عن السيادة، وأن مرونة الحركة غير المباشرة مطلوبة فى ظروف التفاوض، ولكن ذلك كله لم يكن يعنى خروجاً عن المسار أو انحرافاً عن الهدف، كذلك فإن السلام إنما يحافظ على الاستقلال السياسى، ولا يؤثر على الالتزامات الدولية والإقليمية، وقد أكدت المعاهدة كذلك أن الاعتراف بإسرائيل كدولة قائمة ولها حق استمرار الوجود، كأمر واقع يصعب تغييره، لا يعنى إعطاءها أى حق فى التوسع فى الأراضى العربية المجاورة.
إن تحول الدور الأمريكى فى عملية السلام من دور الوسيط إلى دور الشريك الكامل، أتاح الفرصة لإمكان إشراكها بقوة فى مرحلة السلام الشامل، وإذا كانت الولايات المتحدة تلعب الدور الرئيسى فى دفع وتوجيه عملية السلام نحو الحل الشامل، فذلك يعود للجهد الكبير الذى بذلته مصر خلال السبعينيات لتطوير الدور الأمريكى عن اقتناع بأن 99٪ من أوراق الحل فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، فالولايات المتحدة هى التى تزود إسرائيل بالخبز والماء والمدفع والطائرة فهى شريان الحياة بالنسبة لإسرائيل، لقد دعمت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التطور الهائل الذى حدث لدى الرأى العام العالمى بين حرب أكتوبر 1973 تجاه القضية الفلسطينية، والنظر إليها على أنها قضية شعب له الحق فى الحياة والوجود، والحصول على وطن، بعد أن كان يعتبرها قضية لاجئين يحتاجون إلى المأوى والطعام.
لقد كانت مباحثات كامب ديفيد، هى الطريق الرئيسى للاتفاق وتوقيع معاهدة السلام، وتحدث السادات طويلاً عن الاستراتيجية التى حكمت مسار محادثات كامب ديفيد، فقال إنها كانت تسير فى خطين متوازيين، أولاً: اتفاق إطار السلام الذى يضع الأسس لاتفاق سلام مع جميع الأطراف العربية سوريا والأردن ومصر ولبنان والفلسطينيين، وثانياً اتفاق سلام يصلح أساساً للمباحثات بين مصر وإسرائيل من أجل معاهدة السلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل منطقة الشرق الأوسط وغير المباشرة لمصر معاهدة السلام
إقرأ أيضاً:
لا يتحدثون عن السلام في إسرائيل
لم تترك إسرائيل لحلفائها مجالاً للمناورة، ولا ما يكفي من الهامش للتلاعب باللغة. الدولة تحاكم بتهمة إبادة بشرية، قائدها مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، والكاميرات تنقل على مدار الساعة الحدث الأكثر بربرية ووحشية منذ الحرب العالمية الثانية. وزراء الحكومة الإسرائيلية يعبّرون، بلا مجاز، عن عزمهم على تصفية غزّة من السكان، التصفية العرقية كما هي في كتب في المدرسة. حتى سكانها العقلاء قد يضطرون لتركها والرحيل إلى أميركا وأستراليا، كما يتوقع توماس فريدمان على نيويورك تايمز.
مطلع هذا الشهر نشرت مؤسسة YouGov نتائج استطلاعها الذي أجرته على ست دول من غرب أوروبا حول الموقف من إسرائيل. تراوحت نسبة الذين يحملون نظرة إيجابية عن إسرائيل بين 13-21%. مستوى التعاطف مع إسرائيل في غرب أوروبا، بحسب YouGov، هو الأضعف على الإطلاق. فقد قال 6% فقط من الإيطاليين إن إسرائيل كانت محقّة في إرسال قواتها إلى غزة. أعلى نسبة تأييد لاجتياح غزة كانت في فرنسا، ومع ذلك فلم يتجاوز ذلك التأييد 16%، بحسب الاستطلاع. تعتاش إسرائيل على البروباغاندا، الهاسبارا بالعبرية، أحاطت نفسها بجدار ناري مكوّن من طبقات: الهولوكوست، البوغروم، معاداة السامية، الأقلّية، الكتاب المقدس، والتاريخ اليهودي- المسيحي المشترك. معاداة السامية، جدار الحماية الأول، يوشك أن يخسر صلاحيته بسبب تسليحه، ولسوء استخدامه. في الأيام الماضية نشرت الأكاديمية الإسرائيلية- اليهودية أورنا بن دافيد مقالاً قالت فيه إن جامعة هارفارد أدرجت أعمالها في تقرير حول الأنشطة المعرفية المعادية للسامية. في الشهر الأخير من العام 2023 أعدت مجلة The Harvard Crimson ملفاً بعنوان “معاداة السامية في هارفارد كما يراها سبعة من المنتسبين اليهود”. شارك المعلّم بيرني شتاينبيرغ في كتابة مقالة بعنوان “لأجل سلامة اليهود والفلسطينيين، توقفوا عن عسكرة معاداة السامية”. لاقت المقالة صدى كبيراً، ومما جاء فيها: “خلال مسيرتي الطويلة كمعلم وقائد يهودي، بما في ذلك ثلاثة عشر عامًا قضيتها في القدس، شهدت وعشت صراعات مجتمعي. والآن، بصفتي قائدًا مخضرمًا، ومع ما أتاحه لي الزمن من نظرة متبصرة، أشعر بأن عليّ واجب التحدث عمّا أراه توجهًا مزعجًا يهيمن على حرمنا الجامعي، وعلى كثير غيره، ألا وهو: الاستخدام الانتهازي لمعاداة السامية كسلاح من قبل قوى نافذة تهدف إلى ترهيب المنتقدين وإسكات النقد المشروع لإسرائيل ولسياسة الولايات المتحدة تجاهها”.
هراوة معاداة السامية تفقد معقوليتها الأخلاقية، وحتى قيمتها السياسية. تنبه لهذه الورطة 370 باحثاً إسرائيليّاً من حقول المعرفة الثلاثة: دراسات الهولوكوست، الدراسات اليهودية، ودراسات الشرق الأوسط. أصدر الباحثون قبل ثلاثة أعوام تعريفاً جديداً لمعاداة السامية أطلق عليه إعلان القدس، ويهدف إلى الحيلولة دون أن تذهب دالّة معاداة السامية إلى مصادفة مباشرة مع حريّة التعبير. فرّق الباحثون باستفاضة بين معاداة اليهودية، كدين وعرقيّة، ونقد الدولة الإسرائيلية وحتى الصهيونية. التعريف الذي أصدره التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، 2016، واعتمده الاتحاد الأوروبي كتعريف “عملي إجرائي” يجعل اليهودية والصهيونية والدولة الإسرائيلية شيئاً واحداً. زعزعت غزّة كل ذلك، وأجرت المياه الكثيرة في السواقي التي تفصل المسائل الثلاث. بل قادت إلى حرب ثقافية مزلزلة، نشهد تجلياتها في العالم الغربي من برلين إلى واشنطن.
في العام 2016 أقرت الدول الأوروبية تعريفاً واسعاً لمعاداة السامية يتكوّن من 46 صفحة، يتسع ليشمل كل شيء تقريباً، حد القول إن اليهود يملكون نفوذاً مالياً أو إعلامية معاداة للسامية. أضافت ألمانيا إلى التعريف الواسع مادة خاصة بها، جاء فيها إن انتقاد إسرائيل، بحسباها المشروع اليهودي الأكبر، يعد من قبيل معاداة السامية. والآن فيما يبدو سقطت هذه العصا العشوائية بسبب سوء استخدامها، وعلى ضوء الجريمة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في غزة. ثمّة تحوّل متسارع للغة الغربيّة، من مديح إسرائيل الديموقراطية – التي لا يمكنها إلا أن تفعل أموراً مشروعة كما قال مستشار ألمانيا السابق- إلى علك الحديث عن القيم الغربية الديموقراطية التي ترفض التجويع والتصفيات العرقية.
تململت ألمانيا الرسمية أخيراً، وتحرّكت بعض استوديوهات التحليل في برلين على خجل. مثل ذلك يجري في الأجواء البريطانية والفرنسية. وجدت الليبرالية الغربية مخرجاً من المأزق الأخلاقي من خلال الحديث عن “حكومة متطرّفة في تل أبيب”، لا عن إسرائيل. حتى هذه الجملة لم تكتمل بعد، إذ يجري أغلب الحديث حول بعض الوزراء المتطرّفين، ويُلقى باللوم على وزيرين متطرفين، أحدهما من أصول كردية والآخر من أصول أوكرانية. عوقب الرجلان من قبل بعض الدول الغربية مؤخراً. تحاول الديموقراطية الليبرالية، من خلال هكذا تمويه وتشتيت أخلاقي، أن تحافظ على طهارتها، أو تقفز من السفينة الغارقة، إذا استعرنا من نورمان فينكلشتاين. غير أن دير شبيغل ترى الأمر على نحو مختلف، فالدبلوماسيون الألمان في الجنوب العالمي لم يعودوا يسمعون سوى كلمة واحدة: “النفاق”.
تقود إسرائيلَ مجموعةٌ سياسية تنتمي إلى اليمين الفاشي، وهذه ليست كل الأزمة. فالأجواء السياسية الإسرائيلية ملبّدة بذلك اليمين، حتى إن 82% من المستطلعة آراؤهم، في دراسة حديثة لجامعة بنسلفانيا، يؤيدون تطهير غزة عرقيّاً، بينما يرى أكثر من نصف السكان أن إبادة أهل غزة تتماشى مع ما جاء في سفر التثنية من الكتاب المقدس اليهودي.
عجلة التطرّف تدور بتسارع مثير، سوق المزايدة التوراتية مفتوح على مصراعيه، ولا حياة لسياسي ما لم يضرب بسهم في تلك المياه العكرة. لا معتدلون في إسرائيل، هنالك “مجتمع متعفن يندفع بغباء وجنون نحو غياهب النسيان والهلاك” بحسب الكاتبة الإسرائيلية رافيت هيشت في مقالها على صحيفة هآرتس في مايو من العام الماضي. أما اليسار – الذي قاد المجتمع اليهودي إلى حلم الدولة عبر حزب ماباي- فباتت أقصى أحلامه بلوغ الكنيست ولو ببضعة مرشّحين.
من صفحة الكاتب على منصة أكس
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفللأسف لا توجد لدينا رعاية واهتمام بالفنانين واصبحنا في عالم...
انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...