موقع النيلين:
2025-07-12@16:10:14 GMT

صورة فتاة في الرابعة عشرة

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT


إحداهن وقد تجاوزت السبعين أخرجت حقيبة قديمة وفتحتها لتتسلى بمحتوياتها. علقت على ما فعلت بقولها إنها مثل كل من هو فى عمرها لم يعد يسليها مشاهدة التلفزيون وبالتأكيد لن يشبعها إن هى فعلت. أضافت قائلة «من التلفزيون ومعه تعلمنا الكثير. أرانا كبرنا ونضجنا، وأراه كبر ولم ينضج. تغير كما تغيرنا. كنا فى بيوتنا ونحن صغار نستمع للكبار ونتعلم منهم، أما الآن فصغارنا يتعلمون من بعضهم البعض، بل وكثيرا الذى نتعلمه نحن كبار السن منهم».

أخرجت من الحقيبة صورا. تسحبها واحدة بعد الأخرى، كل منها تروى لها حكاية أو أكثر. استعادت بها سنوات من الماضى فى ساعة أو أطول. لم تمل، فمن الصور ما جلب حزنا خفيفا ومنها ما رسم على شفتيها بسمة جميلة، وكثيرة هى الصور التى خلفت لوعة وشوقا أو تركت علامات دهشة وانبهار. لاحظت أن غالبية الصور جنس النساء مع أطفالهن أو فى جماعات. قليلة كانت الصور لسيدات مع أزواجهن. تذكرت أنها كانت صغيرة عندما جلست مع والدها يتصفحان ألبوما للصور تصدرت صفحاته صورة لسيدة متينة القوام قوية الملامح نفاذة النظرة تقف ممسكة ببندقية قديمة الطراز. سألت أبيها عنها فأجاب فى فخر وبصوت يفرض على الصغيرة الاحترام ويضيف لصاحبة الصورة هيبة وربما رهبة. خلا الصوت من مشاعر الحب وهو يقول بالهمس «إنها صورة أمى». عادت صاحبتنا تركز على الصور باحثة فى الحقيبة عن هذه الصورة حتى وجدتها. أمسكت بها وراحت تتأمل فى الوجه الذى أثار فيها وهى صغيرة أحاسيس شتى. تساءلت بينها وبين نفسها إن كانت صاحبة الصورة فى حقيقتها وعلى طبيعتها مؤهلة للحب أو حتى قادرة على احتضان صغارها. انتهت من هذه الصورة فألقت بها فى الحقيبة. عادت أصابعها تقلب الصور وتلتقط ما لمسته بالصدفة.

خرجت الأصابع بمجموعة صور لم تحظ بالاهتمام إلا واحدة. كانت لفتاة لا يزيد عمرها على الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، أو هكذا أفصح قوامها ودلت عليه ابتسامتها المترددة. الشىء الذى يلفت النظر إلى الصورة ويكسبها اهتماما فوريا هو هذا الجمال الهادئ والوجه الصبوح. صاحبتنا الباحثة فى أوراق وصور الماضى عن مصدر للتسلية وقضاء الوقت توقفت أمام الصورة طويلا تحاول أن تجد فى ذاكرتها ما ينبئ عن هويتها. فشلت محاولاتها وتأكدت أن الصورة انضمت إلى محتويات الحقيبة فى مرحلة تالية للمرحلة التى كانت تستعين فيها بالوالد أو بغيره للتعرف على هويات أصحاب الصور. استبد بها فضولها فالوجه الذى أطل عليها من الصور أبى ألا أن يسيطر على اهتمامها ووقتها بجمال مكوناته وقوة جاذبيتها. شعرت أن صاحبة هذا الوجه لا بد وأن تمت لها بصلة قرابة أو جيرة. هناك فى هذا الوجه ما ينادى متوسلا الاعتراف به طرفا أصيلا فى سردياتنا العائلية. يكاد الوجه ينطق مطالبا كل فرد فى هذه العائلة التى امتدت شرقا وغربا بأن يأتى بمرآته وينظر فيها ليجد تفصيلا أو آخرا منقولا عن نظيره فى هذه الصورة.صاحبتنا لم تنتظر طويلا. استيقظنا ذات صباح لنجد الصورة على شاشات هواتفنا المحمولة وتحتها رسالة تحمل الأمل أن نساعد فى حل هذا اللغز والإجابة عن السؤال «لمن تكون هذه الصورة؟». هكذا صار انشغال فرد انشغالا عائليا. بعضنا نحى جانبا مشاغله ليهتم وبخاصة عندما ظهر من يجد فى العينين أو الشفتين أو فى البسمة المترددة أو فى الشعر حالك السواد شبها بنفسه أو بمن أنجب. تشاورنا ولم يطل تشاورنا. توصلنا فى نهاية التشاور وتبادل المعلومات والذكريات إلى هوية صاحبة الصورة. عند هذه اللحظة تبارى أفراد العائلة فى إثراء الاهتمام فألقوا بذكرياتهم.

قالت واحدة، كيف لا أذكرها وهى نفسها ولكن بعد مرور سنوات كثيرة على يوم التقاط هذه الصورة كانت تعقد جلسات موسمية لشقيقاتها وحفيدات العائلة الممتدة وجارات لها يقمن أثناءها بتفصيل ملابسنا، نحن الأطفال، لمناسبات العيد والانتقال للمصيف وللأعراس. كانت هذه الجلسات فى حد ذاتها مقدمات بهيجة لأيام نقضيها عندها فى مرح وفرح وأطايب الأكلات. قالت أخرى، أذكرها مصدرا دائما للقرارات التى تتطلب حكمة واتزان وتوازن. كنت حاضرة بزعم انشغالى بدروسى أتنصت على اجتماع فى الغرفة المجاورة انتهى بعقد الصلح ومنع حادث طلاق فى العائلة وعادت الزغاريد تملأ أجواء البيت الكبير. قالت ثالثة. نعم أذكر جمالها وهى ترفل فى البيت ولا غريب بيننا فى قميص نوم من قماش «رمش العين» أو آخر من الساتان أو الحرير الطبيعى. كانت إذا خرجت، ونحن معها، لزيارة جدتنا الكبرى، ارتدت السواد والبالطو الأسود واحتفظت بشعرها طليقا حرا.رابعة بلغت من العمر أخيرا ما يناهز الثمانين قالت نقلا عن أمها، إنها سمعت منها أن أباها وكان تاجرا كبيرا حرص دائما على أن تكون هذه الابنة صاحبة الصورة فى استقباله كل ليلة عند عودته من وكالته. كانت تراجعه عند وصوله إلى حارتهم لتتأكد من أنه أغلق باب الحارة قبل دخوله إلى البيت وأحسن ربط حماره، ولتتسلم منه كيس العملة الذهبية حصيلة أعماله التجارية عن اليوم. كانت هى المكلفة بأن تحصى الجنيهات الذهبية بينما تكرر أمها لأبيها نصيحتها أن يتعامل مع زبائنه وشركائه بالعملة الورقية لأنها حسب رأيها أثمن و«أقيم» من الذهب.

قالت حفيدة إنها سمعت منها أكثر من مرة قصة عرسها وهى فى الوقت نفسه قصة عرس ابنة عمها والعريسان شقيقان. تزينت حارة الوراق بأحلى زينة لأيام ثلاثة، وتبادلت العزف خلالها فرق موسيقية عدة ورقصت زينة عوالم محمد على حتى الفجر وانهالت الهدايا من كبار التجار ورجال الحكومة. كانت فى الرابعة عشرة من عمرها وأنجبت ابنة وهى فى الخامسة عشرة. وكانت فى الثانية والثلاثين عندما عقدت قران ابنتها الطالبة بالمدرسة السنية على أستاذ الجامعة العائد لتوه من إنجلترا والأصغر منها، أقصد من حماته، بثلاثة أعوام. تذكر الحفيدة التى سمعت القصة من جدتها أنها لم تذق منذ رحيلها طعاما فى جودة ما كانت تطبخ. بحنين واضح راحت تضرب المثل بصحن محشى الباذنجان الأبيض المقلى بعد إنضاجه فى السمن البلدى وبالبط المحشو بالمكسرات والزبيب وبالأرز «الملدن» ذى الرائحة الفريدة. كانت تطبخ على صوت الموسيقى الصادر من الراديو.تقول البنات وقد صرن جدات إن المطبخ فى أيامها كان مكانا للفرح والزهو والعمل الجماعى. كلهن يذكرن المناسبات التى كن يسهرن عندها ومعها حتى قرب الفجر يشاركن فى تحويل الزبد الجاموسى إلى سمن بلدى وتعبئتها فى صفائح تمهيدا لتخزينها فى صندرة البيت. كانت أجولة الأرز تأتى الجارة من أرياف شمال الدلتا تتقاسمانها وتشرفان على تنقيته من الحصى وتخزينه إلى جانب السمنة والعسل والمربات والمخللات وغيرها من الضرورات.

نعم. الفتاة الجميلة فى الصورة صارت أمى. عاشت تدعو لى بعد كل صلاة أن يرزقنى بالزوجة المطيعة والذرية الصالحة واستجاب الرب. رحلت قبل أن ترى أيا منهم.

جميل مطر – الشروق نيوز

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه الصورة

إقرأ أيضاً:

«الآسيوي» يعلن تفاصيل قرعة تصفيات المرحلة الرابعة المؤهلة لمونديال 2026

 
معتز الشامي (أبوظبي)
أعلن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم نظام قرعة المرحلة الرابعة من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026، والتي ستضم 6 منتخبات تتنافس في الطريق نحو المونديال، وسيجري الاتحاد القاري القرعة في مقره بكوالالمبور عند العاشرة صباح الخميس المقبل بتوقيت الإمارات.
وحجزت 6 منتخبات من أصل ثمانية مقاعد مباشرة مُتاحة لآسيا في المونديال بعد انتهاء الجولة الثالثة من التصفيات الشهر الماضي، والتي ضمّت ثلاث مجموعات تضمّ ستة فرق تأهل منها المنتخبان صاحبا الترتيب الأول والثاني في كل مجموعة، وهي اليابان، أستراليا، إيران، أوزبكستان، كوريا الجنوبية، الأردن.
بينما حصل أصحاب المركزين الثالث والرابع من كل مجموعة وهي، الإمارات، إندونيسيا، العراق، عُمان، قطر، المملكة العربية السعودية، على فرصة أخرى عبر تصفيات المرحلة الرابعة، والمقررة إقامتها في الفترة من 8 إلى 14 أكتوبر المقبل، بنظام «البطولة المجمعة»، عبر تقسيم المنتخبات على مجموعتين، تضم كل مجموعة 3 منتخبات، سيتم تقسيمها عن طريق القرعة الخميس المقبل، حيث يتأهل الفائزان فقط بصدارة كل مجموعة إلى نهائيات كأس العالم العام المقبل، وتأكد إقامة المجموعتين في قطر والسعودية.
ويعتبر منتخب عُمان المنتخب الوحيد الذي يسعى لمشاركة تاريخية في كأس العالم، بينما تسعى منتخبات الإمارات وإندونيسيا والعراق للحصول على بطاقة مؤهلة للمشاركة الثانية في تاريخها، بينما تأمل قطر والسعودية في التأهل مرتين متتاليتين.
ويعتمد تصنيف القرعة على تصنيف الفيفا العالمي للمنتخبات الأعضاء في آسيا، والذي أعلنه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في 13 يونيو الماضي، حيث أكد الاتحاد الآسيوي أنه سيتم توزيع المنتخبات على ثلاثة أوعية، وسيتم توزيع قطر والسعودية، بصفتهما الاتحادين المضيفين، على مجموعتين مختلفتين خلال الحفل.
بحيث يكون في المستوى الأول: قطر (تصنيف الفيفا: 53)، المملكة العربية السعودية (58)، والمستوى الثاني: العراق (59)، الإمارات (66)، والمستوى الثالث: عُمان (79)، إندونيسيا (118)، وبعد انتهاء مرحلة المجموعات في التصفيات، سيتواجه وصيف كل مجموعة في مباراتين ذهاباً وإياباً يومي 13 و18 نوفمبر، في تصفيات المرحلة الخامسة أو مرحلة «الأدوار الإقصائية» لتحديد ممثل القارة في بطولة الفيفا للملحق، والتي تتيح فرصة تأهل أخيرة على نصف مقعد مؤهل للبطولة.

 

أخبار ذات صلة «الأبيض» يبدأ «المعسكر المغلق» في النمسا 25 يوليو «الأبيض» يستقر في المركز 65 بتصنيف «الفيفا»

مقالات مشابهة

  • صورة.. 21 ألف دولار مقابل لحظة "عابرة" من حياة مارلين مونرو
  • إن شاء الله تظبط.. أحمد فهمي يكشف عن إمكانية زواج للمرة الرابعة
  • نترفع عن الصغائر..علاء مبارك يعلق على عدم وجود والده في صورة جمعت السيسي والسادات وعبدالناصر
  • «الآسيوي» يعلن تفاصيل قرعة تصفيات المرحلة الرابعة المؤهلة لمونديال 2026
  • أرسنال يقترب من «الصفقة الرابعة»
  • صورة جزائرية تفوز بمسابقة القمة العالمية لمجتمع المعلومات
  • سوبرمان بوجه ترمب.. البيت الأبيض ينشر صورة مثيرة على “إكس”
  • “ترامب سوبرمان”.. البيت الابيض ينشر صورة جدلية للرئيس تثير تفاعلاً واسعًا
  • اليوم.. البنك المركزي المصري يحسم أسعار الفائدة للمرة الرابعة في 2025
  • الاحتلال يعلن مقتل جندي احتياط قالت القسام إنها أجهزت عليه إثر استهداف جرافته (صورة)