«وهُنا الثّقافةُ قدْ رأتْ مأْواها»..قصيدة لعبدالله بلحيف النعيمي بمناسبة إدراج «الفاية» في قائمة التراث العالمي
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
نظم عبدالله بلحيف النعيمي أبياتاً شعرية بمناسبة إدراج«الفاية» في قائمة التراث العالمي 2025 قال فيها:
وهُنا الثّقافةُ قدْ رأتْ مأْواها
وتألَّقَتْ في أرضِها وسماها
وتفاعَلَ الآتونَ مِنْ كلِّ الدُّنَى
لِيُؤكِّدُوا أنَّ التُّراثَ سَقَاها
ولِيَفخَرُوا بالجُهدِ والعَمَلِ الّذي
يَرقى لِيُصبِحَ مَعْلَمًا لِحِماها
قادتْ بناءَ الخيرِ بنتُ حَكيمِها
نِعْمَ البُدورُ، ونِعْمَ مَن سمَّاها
جُهدٌ عظيمٌ رائِدٌ بمكانِهِ
مَحمِيَّةٌ نالَ الوجودُ سَنَاها
إذْ عالَمُ الآثارِ زانَ «عَوالِمًا»
وجَدَتْ تصانيفَ التّراثِ رُؤاها
وبِها تَرصَّعَتِ الصّحارى عالَمًا
أذْكَى الوجودَ بِعالَمٍ زَكّاها
جُهدٌ تواصَلَ بالقُلوبِ، وأثمَرَتْ
مِنهُ نَجاحاتٌ، ومِنهُ ضِيَاهَا
يا مَن سَقَيْتُمْ أرضَنا بوفائِكُمْ
أنتُم ضِياءُ الشَّمسِ، فيضُ سَنَاها
طُوبى لَكُمْ، لِعَطائِكُمْ وشُموخِكُمْ
أنتُمْ لَنَا صَوتُ المُنى وصَدَاها
.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات عبدالله بلحيف النعيمي التراث الإماراتي
إقرأ أيضاً:
ثلاثية الوجود.. ودعاوى الإلحاد
إنَّ الإيمان بالله -رغم اختلاف معتقداتنا نحن البشر فيه- راسخ في ضمائرنا؛ فالملحد المنكر لوجود الله - في البُعد الفلسفي- لا يختلف عنا - نحن المؤمنين - في إقراره بقوة مُوجِدة ومُنظِمة لهذا الكون العظيم، ولكنه أنكر الله واستبدل به أسماء مادية.
لقد طفق الملحد يؤول هذه القوة؛ قيومية الوجود المستقرة في نفسه بضروب مِن التأويل، فتارةً يستجدي العقل فلا يسعفه، وتارةً يلجأ إلى العلم فلا يجد فيه بغيته، ولا يلبث أنْ يستدعي تاريخ مبتدأ الإنسان؛ فيعلل به إلحاده، وأخيرًا.. يسبح في بحر التشريح البيولوجي للحيوان؛ ومنه الإنسان، فيتعسف في استنطاقه، ولست هنا مفندًا تأويلات الملحد، وإنَّما أتأمل حالةً مِن العلاقة بين الإنسان والكون وخالقهما، أزعم أنَّها تستوقف العاقل في رحلته المحدودة على الأرض، وكثيرًا ما تبلغ به مبلغ القلق الوجودي.
لقد كان الإنسان وكان الله حاضرًا في قلبه، فلا قلب خالٍ مِن وجود خالقه، ليس رأيًا أراه وحدي، ولا يقينا منعقدا به قلبي فحسب.. بل إقرار أقر به الإنسان منذ وجد وأينما وجد.
هناك ثلاث حقائق متلازمة: الله والإنسان والكون، إنَّها عَمَد الوجود، فلو زالت إحداها لانهدم صرحه، أقر المؤمن بها، وأنكر الملحد إحداها، فلا أدري أين قرار نفسه في هذه الحياة؟! هذه الحقائق الوجودية كنه إدراكها العقل. فالعقل.. وعينا به أنفسنا وعرفنا به ربنا وأدركنا به الكون مِن حولنا، وهو قاضٍ بوجود الله، وقاضٍ كذلك بعدله. وإنَّ العدل هو الميزان الذي تركّب عليه الوجود، وهو ما استلزم الجزاء الأخروي وأوجب الإيمان به، فلا يجوز في العقل أنَّ الكون المركَّب على ميزان القسط ينجو فيه الظالم بظلمه، وألّا يُنصَف المظلوم مِن ظالمه، مما استلزم - عقلا - أنْ نؤمن بالحساب الأخروي؛ وهذه ليست حجة الإيمان فحسب.. بل حجة الفلسفة، وقد محّصها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (ت:1804م) ببرهان العقل؛ لا بحجة الدين. وأما الدين فحجته الفطرة؛ وهي أرسخ في اليقين عندي.
أوجبت العقول الإيمان بالله، واختلفت في كيفية انغراسه فطرةً في النفس، ومتى حصل الانغراس؟ وليس المقام هنا تحقيق الرأي الأصوب مِن آراء لا يكاد العد يحصيها، فكما قال المتصوفة: الطرق إلى الله بعدد أنفاس البشر. فقصد المقال هو النظر في بعض دعاوى التي يرددها الملحد.
خلق الله الكون أطوارًا، والتطور سنة تحكم الكون بأسره؛ مِن أجرامه الضخمة حتى ذراته الدقيقة، وكان الإنسان واسطة عقد الكون وزينة وجوده، فلما استوى خِلقةً؛ بدنًا ونفسًا وعقلاً، نفخ الله فيه مِن روحه: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:29]، وهو سجود بمعنى الانقياد له؛ انقياد أساسه العقل وقوامه العلم ومساره الحرية. نتج عن النفخة الإلهية ثلاثة عناصر، ميزت الإنسان عن الحيوان: الإيمان والخُلُق والوعي. لقد اختلف الناس في أديانهم لكنهم أقروا بالله. وتباينوا في الالتزام بالأخلاق، واتفقوا بأنَّ أخلاق الخير حسنة وأخلاق الشر قبيحة. والناس جميعهم يتحركون بوعي؛ ومَن لم يكن واعيًا فمجنون.
وبعد؛ فأحصر ما برّر به الملاحدة إنكارهم وجود الله في ثلاث دعاوى:
- الخوف مِن الطبيعة: يرى أصحاب هذه الدعوى؛ أنَّ الإنسان في بدائيته واجه مخاطر قوى الطبيعة كالأعاصير والحرائق والثلوج، ولم يكن له حينها قدرة على مواجهتها.. بل ولا قدرة على إدراك طبيعة هذه القوى، وكان يتصور أنَّها تفعل ما تريد؛ بأقوى مما يفعل هو ويريد. ولأنَّه أدرك بأنَّ كثيرًا منها يأتي متعاقبًا خلال فصول السنة، ظن أنَّها تمتثل لما تأمرها به الأجرام السماوية، فلجأ إلى عبادتها.
ولكي ترضى عنه وتكف غضبها فعليه التقرب إليها بالصلوات والنُذُر والطقس والأضاحي، وأشاد لها المعابد وأقام لها الأنصاب والأصنام، وحج إليها، ومِن هذه المعبودات نشأ في وهمه وجود خالق أعلى للوجود.
إنَّ هذه الدعوى اجترحها بعض علماء الإناسة، ولا دليل علمي عليها. فعندما اكتشف الإنسان أنَّها أجرام طبيعية؛ تجري وفق نواميس كونية كلية، لا علاقة لها بـ«قوة ما ورائية»؛ لماذا لم يكف عن عبادته إياها؟ لقد استمر في عبادته حتى يومنا هذا، رغم التطور العلمي الهائل.
إنَّ دعوى الخوف مِن الطبيعة مع عدم ثبوتها علميًا؛ افتراض لا يملك سندًا مِن الترابط المنطقي، ورمي بمسلّمة وجودية راسخة في النفس في قعر اللامبالاة. ولماذا انتقل الإنسان مِن عبادة الأجرام المتشخَّصة إلى عبادة إله غير المُدرَك؟! فمِن المفترض عندما يبطل «سحر» الآلهة الجرمية؛ ألا يثق الإنسان بإله غير مُدرَك. المنطق يقول: إنَّ الإيمان بالله حقيقة كامنة في النفس؛ منغرسة فيها مَن خارجها؛ أي أنَّها مَن نفخة الروح الإلهية.
- الخوف مِن الموت: شكّل الموت هاجسًا وجوديًا للإنسان، وهذا أمر تفرضه طبيعته النفسية وحالته البيولوجية، لكي يحافظ على نوعه. وقد استغل منكرو وجود الله هذه الفطرة في الإنسان، وقالوا: لخوف الإنسان مِن الفناء وتعلقه بالبقاء؛ اخترع الإيمان بإله ترحل إليه «أرواح الميتين» ليكتب لها أو لأصحابها الخلود الأبدي.
وأقول: رغم أنَّ الخلود حقيقة تتبدى بصور مختلفة في معتقدات الأديان، إلا أنَّها ليست هي الدافع للإيمان بالله، وإنَّما هو العكس؛ فعندما آمن الإنسان بالله؛ آمن بأنَّه قادر حكيم وعادل رحيم، وهذه القدرة والرحمة والعدل استدعت إيمانه بالجزاء، ومع ذلك؛ ليس كل الناس يعتقدون بالجزاء الأخروي.. بل ليس كلهم يعتقدون بضرورة تحقق العدل، ورغم ذلك.. فكلهم يؤمنون بالله؛ وإنْ اختلفوا في تسميته ووصفه.
ثم أليس الملاحدة كغيرهم قد يهبون أنفسهم لتحقيق قضية يؤمنون بها، دون أنْ يهابوا الموت؟ فأين ذهب الخوف منهم؛ أم أنَّهم مِن جنس غير البشر، أم أنْ الإلحاد اختراع متأخر؟! فالإيمان بالله وإنكاره قديم قدم الإنسان، والفارق أنَّ الملحد ينكر وجود الله مع إيمانه بـ«قوى مادية» يُؤَوِل بها وجود الكون وقيوميته، لا تختلف عن «القوى الأسطورية» التي آمن بها الإنسان القديم؛ إلا في الاسم فحسب.
- تفسير المجهول: يذهب أصحاب هذه الدعوى إلى أنَّ الإنسان في نشأته الأولى واجهته ألغاز الحياة: مِن أين أتى الكون؟ وكيف وُجِد؟ وما مآله؟ وكيف تحدث الظواهر الطبيعية؟ فلمّا لم يجد لها جوابًا ماديًّا اتجه إلى الإيمان بإله خالق لها ومدبر لأمرها.
لعل أصحاب هذا الرأي يتصورون بأنَّ أبواب العلم فتحت بالأمس القريب، ولمّا يَقُرّ في عقول الناس؛ حتى يُطِير منها الإيمان بالله، ألا يعلم هؤلاء أنَّ العلم بدأ يشق سبيله مع بدء تعقّل الإنسان، تختلف أدوات العلم؛ ولكنه باستمرار يثير الأسئلة بقلق مُجهِز على المسلّمات.
كان الإنسان.. فكانت الأسئلة وحضرت الأجوبة بأدوات زمانهما، التي ليس لنا أنْ نقلل مِن شأنها لكوننا تطورنا في مراتب العلم وانكشاف المجهول، لو قُدِّر أنْ تصل إلينا معارف أقدم إنسان لمَا وجدنا اختلافًا كبيرًا بين تفكيرنا وتفكيره في النظر إلى القضايا الوجودية، والشاهد على هذا أساطير الأولين ومقولات الفلاسفة وأسفار النبيين ومعثورات الآثاريين، عند تحليل فحواها نجد ما تذكره مِن قضايا المجهول والمعلوم الكبرى هي ذاتها الموجودة الآن، وإنَّما الفرق في تفاصيلها وأسلوبها.
ثم إنَّ العلم نفسه - الكاشف للجهل - لم يقل إنَّه قادر على نفي وجود الله، وكل الجَهد أنْ قال بعضهم بأنَّ العلم لا يُثبِت وجود الله ولا ينفيه. وهذا يُتفهَّم؛ بكون الإيمان حقيقة نفسية وليس إثباتًا علميًا.
وأخيرًا.. لجأ بعض الملاحدة إلى الاستدلال بـ«نظرية التطور»، حيث رأوا فيها الدليل المُفحِم لإنكار وجود الله، باعتقاد أنَّ الكون قد تطور وفق نظام لا يحتاج إلى منظِّم، وهذه دعوى لها مقام آخر للحديث عنها.