مطرح بوابة التواصل الثقافي والتبادل التجاري مع قارات العالم
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
تنبض ولاية مطرح في محافظة مسقط بطبيعة جغرافية فريدة ومكانة تاريخية وحضارية خالدة، جسّدت التواصل الحضاري والتاريخي بين سلطنة عمان وقارات العالم، ومنحها الموقع الجغرافي وتكوينها الجيولوجي لتكون معبرا للسفن التجارية، وبوابة للتواصل الثقافي والتجاري عبر الحقب الزمنية المختلفة.
وشكل ميناء السلطان قابوس السياحي محطة عبور أعداد هائلة من السفن السياحية العملاقة، شهدت زيادة نسبية كبيرة في أعدادها وعدد المسافرين عبرها عام 2023، مقارنة عما كانت عليه في عام 2022، وهذا انعكاس حقيقي لمستهدفات القطاع السياحي في رؤية «عمان 2040».
ولتسليط الضوء على المكانة التاريخية والاقتصادية والسياحية لولاية مطرح التقت «عمان» بسعادة الشيخ المنذر بن أحمد المرهون والي مطرح الذي أكد على أهمية الولاية التاريخية والحضارية وقال: «تشكل ولاية مطرح -إلى جانب أهميتها التاريخية والحضارية- محطة أساسية للتجارة واستقطاب السيّاح، وشكل ميناء السلطان قابوس السياحي محطة مهمة لرسو السفن السياحية العملاقة واستقطاب السياح إلى ولاية مطرح العريقة وإلى المحافظات القريبة من محافظة مسقط، وشكل الميناء بوابة للتواصل الثقافي والتبادل التجاري مع مختلف قارات العالم.
نمو أعداد السياح
وأوضح والي مطرح أن الإحصائيات السنوية لوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات تؤكد على الدور الكبير الذي يقوم به ميناء السلطان قابوس لتحقيق مستهدفات القطاع السياحي في رؤية «عمان 2040» باستقطاب السياح والسفن السياحية العملاقة التي تزور ولاية مطرح وتحط رحالها في هذه الولاية التي تحتضنها الجبال من جانب وينضح البحر بخيراته في الجانب الآخر، حيث استقبل ميناء السلطان قابوس خلال عام 2023 حوالي 110 سفن سياحية، مقارنة بـ56 سفينة سياحية خلال عام 2022، بنسبة ارتفاع بلغت 96.4%، كما بلغ عدد المسافرين في ميناء السلطان قابوس حوالي 431800 سائح عام 2023، مقارنة بـ145393 سائحا عام 2022، بنسبة ارتفاع بلغت 197%، وهي نسب ارتفاع جيدة، كما تشكل ولاية مطرح محطة لنقل النفط العماني إلى أنحاء العالم المختلفة من خلال ميناء الفحل الذي يعد أهم ميناء لتصدير النفط في سلطنة عمان.
نافذة عمان السياحية
وأضاف:« تعد ولاية مطرح إحدى الولايات الست في محافظة مسقط العريقة بشموخ جبالها التي شكّلت جزءًا فريدا من هُويتها الجغرافية المتناغمة مع جمال زرقة مياه بحر عمان، ويعتبر ميناؤها البحري نافذة عمان السياحية وحلقة وصل وتفاعل كبير بين سكانها والثقافات الإنسانية عبر العصور، كما مثل الميناء نقطة مهمة للتبادل التجاري ومصدرا رئيسيا لتصدير البضائع إلى مختلف الأسواق المحلية والعالمية، ويشكل سوق مطرح القديم -بطابعه العمراني الفريد وتفاصيل أروقته التي تعرض مختلف أنواع السلع والمنتجات والمشغولات اليدوية والتشكيلات العصرية من منتجات حلي الذهب والفضة- مقصدا للكثير من السياح والدارسين للتاريخ والحضارة العمانية الخالدة، موضحا أن الولاية توجد بها ثماني مناطق، لكل منها ما يميزها من تاريخ وجمال شكلته الطبيعية الفريدة لولاية مطرح، حيث تضم الولاية أحياء «مدينة مطرح، والوطية، وروي، ووادي عدي، والوادي الكبير، وعينت، والقرم، وميناء الفحل وحي الميناء ودارسيت».
آثار تاريخية شامخة
وواصل سعادة الشيخ المنذر بن أحمد المرهون والي مطرح حديثه بالقول:«تمتلك الولاية عددا من الآثار التاريخية الخالدة التي جسدت شموخ أبناء عمان عبر مختلف الأزمنة، حيث توجد في الولاية قلعة مطرح التي تعد من أبرز القلاع فيها، وكانت مقرا للحكم أثناء ولاية السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وتقع على الجبل المحاذي لشاطئ مطرح، ومن أهم القلاع الموجودة بالولاية أيضا قلعة الروجة، ومطيرح الفناتيق، وبيت الفلج، كما يوجد بها ستة أبراج متفرقة بنيت في عهد البرتغاليين أثناء احتلالهم لمسقط عام 1578، كما تتحصن الولاية بعدة أسوار تاريخية قديمة ومنها السور الممتد من الجبل الجنوبي إلى الجبل الشمالي، ويسمى سور روي، وتتوسطه بوابة تعد قديما بوابة مسقط الأولى من جهة الشمال الداخل، وكان الغرض من بنائه هو تنظيم الدخول للعاصمة التي اتخذها السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي مقرا للحكم، ومن أهم الأسوار التحصينية المهمة الأخرى بالولاية سور اللواتيا الذي يتميز بهندسته المعمارية وتصاميمه التي تعكس التمازج الثقافي ذا الطابع الإسلامي، بما يضمه السور من مبان محيطة وشرفات مطلة على بحر عمان ويوجد سور جبروه، كما يشكل متحف القوات المسلحة نافذة للتعرف على تاريخ عمان وحاضرها المشرق وتجسد معروضات المتحف أهم الجوانب العسكرية المضيئة من التاريخ العماني المجيد لمراحل مختلفة التي بدأت من تاريخ ما قبل الإسلام وحتى تاريخ النهضة المتجددة، ومن أهم المعروضات الأسلحة التقليدية، والأسلحة الحديثة، وبعض الوثائق والمخطوطات، كما يوجد في الولاية متحف بيت البرندة ومتحف غالية للفنون الحديثة.
نزهة واستمتاع
وتعد أحياء ولاية مطرح مقصدا للسياح ومكانا مهما للاستجمام وبها العديد من الأماكن السياحية، ويشكل الكورنيش مكانا جميلا للنزهة والمشي والاستمتاع بنسيم البحر العليل، وعلى امتداد الكورنيش يتربع متنزه ريام بجماله، كما توجد في الولاية متنزهات عامة في كل من حي الميدان التجاري والوادي الكبير، كما تجسد أحياء مطرح وسوقها مقصدا لتجول السيّاح للمشي بين أزقة وممرات أحيائها المتعرجة والضيقة المُعطرةّ بروائح اللبان الذي يستقبل الزائر لها، وبالولاية يوجد عدد من مسارات المشي الجبلية التي يرتادها عشاق المغامرة الجبلية، تمر عبر سلسلة الجبال المحيطة بمطرح.
خدمات مزدهرة
وأكد سعادة والي مطرح على اكتمال الخدمات والبنى الأساسية بالولاية وقال:« حظيت الولاية في نهضتها المتجددة بالكثير من الاهتمام والرعاية لتطوير مرافقها وتجميل أحيائها، والحكومة ماضية في تطويرها، حيث تشكل جائزة صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد دورا رئيسيا ومهما في تطوير مشروع الواجهة البحرية وميدان مطرح، الذي تشرف عليه محافظة مسقط، وتتمتع الولاية بشبكة طرق عصرية تربطها بالولايات الأخرى، وفي الجانب الصحي يوجد بها عدد من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، منتشرة بين أحيائها، حيث يقع بالولاية مستشفى النهضة ومستشفى خولة وهي مستشفيات تخصصية مرجعية، تقدم خدماتها الصحية للجميع، إلى جانب 5 مراكز صحية منتشرة في أحياء الولاية تقدم عددا من الخدمات العلاجية والصحية، وفي الجانب التعليمي يوجد بالولاية ١٧ مدرسة، كما توجد بها كلية مجان الجامعية، وفي الجوانب التطويرية تم الانتهاء من إنارة بعض شوارع الولاية، وتهيئة موقع الباعة المتجولين بمنطقة الوادي الكبير، إلى جانب إعادة تأهيل دوار مطيرح، وتبليط الساحة الترابية أسفل جسر دارسيت بالبلاط المتشابك، وتجميل الحي السكني أمام مسجد الكويتي في منطقة الوادي الكبير».
تعظيم القيمة المضافة
وأشار والي مطرح إلى حرص كافة الجهات بالدولة على تعزيز الولاية، لتشكل قيمة اقتصادية وسياحية مضافة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتجّار، فإلى جانب الاهتمام بتطوير سوق مطرح يجري حاليا دراسة إنشاء سوق يحمل طابعا تقليديا بلمسات جمالية عصرية بمنطقة حلة مطيرح القريبة من وادي خلفان، كما يجري التنسيق مع وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، لإقامة سدود لحماية المحلات التجارية أثناء هطول الأمطار، والآن المشروع في مرحلة الاستشارات، ويعتبر الحي التجاري بمطرح من الأحياء التجارية والاستثمارية المهمة في الولاية، حيث يضم الحي وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وغرفة تجارة وصناعة عمان وسوق مسقط للأوراق المالية التي تمثل الأدوات المهمة لجذب الاستثمار والتطوير العقاري والاقتصادي الذي عملت الحكومة على تشجيعه وتحفيزه، ويوجد في هذا الحي عدد من البنوك، ومنها البنك المركزي العماني وعدد من البنوك التجارية، وفي مجال الاستثمار والترويج للمواقع السياحية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعظيم دورها الاقتصادي، تم إسناد استثمار قلعة مطرح لإحدى الشركات الوطني وهي شركة قلعة مطرح للسياحة التي قامت باستثمار القلعة وتوظيف عدد من الكوادر الوطنية، وساهمت الشركة في زيادة عدد زوار القلعة من سياح الداخل وسياح الخارج بشكل جيد والنسبة تضاعفت عن الأعداد المسجلة سابقا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محافظة مسقط فی الولایة إلى جانب عدد من
إقرأ أيضاً:
لويس مونريال: التراث الثقافي مورد اقتصادي واجتماعي لبناء المستقبل
الدوحة – ليست الثقافة وصيانة التراث ماضيا يحتفى به فحسب، بل هي كنز إنساني واقتصادي يمكن أن يفتح آفاقًا للتنمية، كما يقول ضيف هذا الحوار الذي يركز على دور الثقافة في بناء المجتمعات وتحقيق الاستقرار لا سيما في منطقة ثرية بعراقة تاريخها لكنها حبلى بالاضطرابات كما هو الحال في بعض بلدان الشرق الأوسط العربية.
وفي هذا السياق، استضافت الجزيرة نت الدكتور لويس مونريال، المدير العام لمؤسسة الآغا خان للثقافة، وأحد الأسماء البارزة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي في العالم، إذ يمتلك مونريال مسيرة مهنية حافلة تمتد عقودا، تنقل خلالها بين مؤسسات ثقافية دولية مرموقة، منها المجلس الدولي للمتاحف التابع لليونسكو، ومعهد غيتي للحفاظ على التراث في الولايات المتحدة، وصولا إلى دوره المحوري في قيادة مشاريع ثقافية وتنموية كبرى ضمن شبكة الآغا خان للتنمية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باسم الشمايلة يحمل الدكتوراه ويقدم الشاي والقهوة في المناسبات الاجتماعيةlist 2 of 2مسرحية “كل عارٍ وأنتم بخير” صرخة ضد القمع السوري في مشهد ثقافي يتعافىend of listوتصف شبكة الآغا خان للتنمية (AKDN) نفسها بأنها مجموعة من البرامج والمنظمات الدولية التنموية اللاطائفية التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية وخلق فرص جديدة للفقراء ودعم وتحسين آفاق التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط. تركز وكالات الشبكة التسع على التنمية الاجتماعية والثقافية والتنمية الاقتصادية لجميع المواطنين، بغض النظر عن الجنس أو الأصل أو الدين.
إعلانفي هذا اللقاء، تحدث مونريال عن طبيعة العمل في البيئات الهشة التي مزقتها الحروب، مثل سوريا وأفغانستان، مشيرا إلى أن التراث الثقافي هو مورد اقتصادي واجتماعي يسهم في بناء المستقبل وخلق فرص عمل. كما سلط الضوء على مشاريع بارزة كموقع "ميس عيناك" في أفغانستان، وحديقة الأزهر في القاهرة، وسوق حلب التاريخي وغيرها، فإلى الحوار:
من بين المشاريع التي أشرفت عليها، مثل إعادة إعمار حلب، وحديقة الأزهر في القاهرة، ما أكثر مشروع واجهت فيه تحديات؟ وأخبرنا أيضا عن طبيعة عملك بشكل عام؟عملنا زاخر بالتحديات، لأننا نعمل في دول تمر غالبا بظروف ما بعد الحرب. ويمكنك أن تتخيل طبيعة العمل في ظل الفقر الناتج عن الحروب، ثم نقص أساسيات الحياة. هذه هي البيئة الصعبة التي نعمل فيها في دول مثل أفغانستان وسوريا بشكل خاص.
الأهم هنا هو بناء القدرات المحلية في تلك الدول والعمل مع المواطنين أنفسهم. فمشاريعنا توفر الخبرة، وتخلق فرص عمل، لأننا نعمل مع أشخاص يصبحون مؤهلين تماما بنهاية كل مشروع، كمهندسين معماريين متخصصين في الحفاظ على التراث، وبنّائين، وعمال بناء، ونحاتين على الحجر والخشب وغيرهم.
وربما يكون من أكثر المشاريع إثارة للاهتمام حاليا هو ما نقوم به في أفغانستان، في موقع يُدعى "ميس عيناك Mes Aynak"، وهو مشروع للحفاظ على موقع بوذي، إنه موقع بوذي يقع تحت الأرض، ويُعد أحد أهم مواقع تعدين النحاس في العالم. وكانت الحكومة الأفغانية السابقة قد منحت امتيازا لشركة تعدين صينية، وكان من المقرر تدمير الموقع من خلال التعدين المكشوف.
لكن الحكومة الحالية طلبت منا قبل عامين حماية الموقع وإيجاد وسائل للحفاظ عليه. ولذلك، ناقشنا الأمر مع الحكومة الصينية وشركة التعدين الصينية المملوكة للدولة، وتوصلنا إلى حل يقوم على تنفيذ أعمال الحفر واستغلال الموقع بشكل مكشوف حتى عمق 750 مترا. وهكذا سيتم إنقاذ الموقع الأثري، وقد أنشأنا هياكل حماية ضخمة، ويعمل لدينا فريق من العلماء وعلماء الآثار للحفاظ على هذا الموقع للأجيال القادمة.
إعلانهذا مهم، لأنه ليس عملا أكاديميا بحتا. فالتراث الثقافي يُعد موردا اقتصاديا حقيقيا للأجيال الحالية والمستقبلية، لأن الناس يزورون المواقع بحثا عن التراث الثقافي، وذلك يُولد سياحة محلية ودولية، ويوفر دخلا للشركات الصغيرة والمتوسطة. ولهذا السبب نحافظ على التراث الثقافي. فالتراث الثقافي ليس غاية في حد ذاته، بل هو مدخل متأخر لإدخال عناصر من الفرص الاجتماعية والاقتصادية في أماكن ومجتمعات محددة.
كيف تسهم مشاريع الترميم التي تقوم بها مؤسسة "الآغا خان" في دعم الاستقرار وبناء مستقبل مستدام للمجتمعات المحلية؟مشاريعنا، على سبيل المثال، إذا تحدثنا عن مصر، وتحديدا القاهرة، حيث نعمل منذ أكثر من 20 عاما، فإن عملية ترميم الآثار تترافق مع إنشاء برامج تدريب مهني تُوظف مئات الشباب الذين يتعلمون مختلف مهارات الحفاظ على المعالم العمرانية.
ففي مصر، مثلا، وخلال هذه السنوات العشرين من العمل، وفرنا فرص عمل لمئات الأشخاص الذين أسسوا الآن مشاريعهم الخاصة في مجال ترميم الآثار، وتمكنوا من إيجاد مصدر رزقهم. وهناك جانب آخر أيضا، وهو أن هذه المشاريع تجذب استثمارات أجنبية، وتُتيح العديد من الفرص.
ففي أفغانستان أيضا، كان لدينا مشروع لإعادة تأهيل موقع صناعي كبير يعود تاريخه إلى أوائل القرن العشرين يُسمى "ماشين خانا Machine Khana".
وقد وظف هذا المشروع 1600 عامل لمدة 3 سنوات، أي إن هناك ما لا يقل عن 1600 عائلة استفادت من الاستثمار الذي قدمته، وفي هذه الحالة كانت الحكومة الألمانية هي التي دعمت مشروعنا. وقد شكل هذا المشروع وسيلة لبقاء هذه العائلات على قيد الحياة خلال تلك الفترة الصعبة.
في سياق أعمال الترميم بعد الحروب أو الدمار، هل لديكم مشاريع في سوريا؟ فلقد كنتم قد بدأتم مشروعا كبيرا في حلب من قبل. فهل هناك مشاريع جديدة تعتزمون تنفيذها في سوريا قريبا بعد ما شهدته خلال 15 سنة الماضية؟ إعلاننعم، كما قلت، عملنا في حلب منذ أواخر 2016، عندما كان ممكنا الدخول إلى المدينة. ولقد بدأنا عملنا بترميم السوق في حلب، لأن السوق عنصر مهم جدا في الاقتصاد المحلي، وتمكّن التجار من العودة إليها. ونحن الآن في المرحلة الرابعة من هذا المشروع الطموح للغاية. بالمناسبة، يُعد سوق حلب أهم معلم غير ديني من العصور الوسطى في العالم الإسلامي، لذا فهو فريد من نوعه. ليس فقط كمنصة للتجارة والاقتصاد، بل أيضا كرمز تاريخي.
وحاليا، نحن نُعِد مشروعا جديدا ونتناقش بشأنه هنا في الدوحة. نحن نعمل على مقترح لبدء مشروع تجديد في قلب مدينة دمشق القديمة، وتُجرى الآن محادثات مع صندوق قطر للتنمية الذي نأمل أن يكون أحد الرعاة الرئيسيين لهذا المشروع.
وسيكون للمشروع أهداف متعددة:
الحفاظ على المعالم الأثرية والمساكن التي تضررت جراء الحرب وتعاني من الإهمال ونقص الصيانة منذ سنوات طويلة. وسيسعى المشروع إلى تلبية الحاجة إلى إنشاء مساحات خضراء جديدة في المدينة. توفير خدمات جديدة للسكان، كإنشاء رياض أطفال جديدة، على سبيل المثال، وتقديم خدمات صحية. وبالتعاون مع البلدية، سنعالج كذلك مشكلات البنية التحتية المتعددة.هذه المشاريع ليست قصيرة الأجل، بل ستستمر وتُسهم أيضا في توليد موارد اقتصادية للسكان المحليين، وتوفير فرص عمل لسنوات مقبلة.
ويجب أن أشير إلى أن طبيعة عملنا تتطلب أن نبقى في هذه المدن القديمة سنوات طويلة. فمشاريع إعادة التأهيل تحتاج إلى وقت. وكما ذكرت سابقا، نحن في القاهرة منذ أكثر من 20 عاما، وهذا هو الزمن اللازم لتحقيق نتائج ملموسة.
كيف أثرت خلفيتك بصفتك مؤرخا وعالم آثار في رؤيتك لعملك ضمن مؤسسة "آغا خان" للثقافة؟حسنا، كان لدي شغف مبكر بالآثار والتاريخ، وهذا ما قادني من خلال محطات متعددة في حياتي إلى العمل الذي أقوم به اليوم. مررت بتجارب عديدة قبل عملي في مؤسسة آغا خان للثقافة. كنت في البداية عالم آثار أثناء بناء السد العالي في جنوب مصر، وقضيت عاما ونصف العام في التنقيب في المنطقة التي غمرتها مياه بحيرة ناصر.
إعلانوعملت مع قبيلة "كنوز-Kunuz" بجنوب أسوان، وعملت أيضا في السودان في القطر الثاني لنهر النيل في شمال السودان، وتحديدا في جنوب النوبة السودانية.
ثم عملت أمينا لأحد المتاحف، وتبعه العمل 10 سنوات أمينا عاما للمجلس الدولي للمتاحف التابع لليونسكو. بعد ذلك، انتقلت إلى مؤسسة "غيتي ترست" في لوس أنجلوس بكاليفورنيا، وهي مؤسسة أميركية تُعنى بالثقافة. ثم أسستُ مؤسسة مصرفية في إسبانيا تعمل في مجالات متعددة، لا تقتصر فقط على الثقافة بل تشمل أيضا الأبحاث الطبية ومجالات أخرى.
وأخيرًا، في عام 2002، بدأت مسيرتي المهنية الحالية مديرا عاما لمؤسسة "آغا خان" للثقافة، وهو الدور الذي كنت أؤديه طوال حديثنا هذا.
في ما يتعلق بالاتفاقيات التي ستوقع في قطر، هناك اتفاقيتان ستوقّعان. هل يمكنكم إعطاءنا المزيد من التفاصيل عنها؟
بالفعل هناك اتفاقيتان، الأولى هي اتفاقية تعاون عامة بين "صندوق قطر للتنمية" و"شبكة الآغا خان للتنمية". وكما تعلمون، فإن شبكة الآغا خان للتنمية هي كيان عالمي يشمل مجالات متنوعة مثل التعليم، الصحة، التنمية الريفية، الثقافة، الخدمات الطبية. وقد أنشأها الآغا خان الرابع، ويقودها اليوم ابنه الأمير رحيم آغا خان.
هذه الاتفاقية تهدف إلى تعزيز قدرات الطرفين في تحقيق مصالحهما المشتركة في مناطق تتقاطع فيها أهدافهما، وغالبا ما تكون في دول تمر بمرحلة ما بعد الحرب، مثل أفغانستان وسوريا.
أما الاتفاقية الثانية، فهي بين "متاحف قطر" و"وقف آغا خان للثقافة"، وتتعلق بمشاريع بدأت بالفعل، بعضها داخل قطر، وتشمل توفير التدريب في مجال الحفاظ على القطع الثقافية، وإنشاء مركز للحفظ يُلحق بالمتحف الوطني في قطر، بالإضافة إلى مشاريع ستُنفذ بالتعاون مع متاحف قطر في دول أخرى، من بين هذه الدول: لبنان، وأوزبكستان، وغيرها. ونحن نؤسس من خلال هاتين الاتفاقيتين منصتين للتعاون، نأمل أن تتيحا لنا تنفيذ مشاريع مهمة تُسهم في تحسين حياة الناس في هذه الدول.
إعلان هذا النهج في الترميم، خاصة بعد الحرب، يعد ضروريا جدا في منطقتنا؛ في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، حيث تعرض التراث للضرر على مدى العقود الماضية. لقد ذكرت مشاريعكم في مصر وسوريا والسودان، فهل لديكم مشاريع في دول أخرى؟بالطبع، ركزنا على الدول التي تمر بمرحلة ما بعد الحرب، لكننا نعمل أيضا في بلدان أخرى، فكما قلت نعمل في مصر، ومالي، وسوريا، وباكستان، والهند، وماليزيا، وآسيا الوسطى، خاصة في قيرغيزستان.
كذلك لدينا أنشطة في العالم الغربي، فعلى سبيل المثال أنشأنا متحفا في تورنتو بكندا، يعرض مجموعات من الفن الإسلامي، ولا يقتصر فقط على الماضي، بل يتناول أيضا الحاضر، من خلال برامج للفن المعاصر، وتسليط الضوء على المجتمعات الإسلامية وإسهاماتها في الثقافة العالمية الحديثة.
وافتتحنا العام الماضي متحفا كبيرا تحت الأرض في الهند، هو أول متحف من نوعه هناك، بموقع "ضريح همايون" في دلهي، وهو أحد مواقع التراث العالمي. هذا المتحف يروي تاريخ المغول في الهند، ويعرض مجموعة أثرية غنية ومثيرة للاهتمام. من خلال برنامج التراث الثقافي هذا، نحن منتشرون في آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأيضا بدرجة أقل في أميركا الشمالية.
وهناك أيضا مبادرات ثقافية أوسع، مثل جائزة الآغا خان للعمارة، وهي جائزة تُمنح منذ 46 عاما، كل 3 سنوات، تكريما لإبداعات العمارة المتميزة في العالم الإسلامي، وكذلك للمشاريع المرتبطة بالمجتمعات المسلمة في الغرب، أو التي يقف خلفها مهندسون مسلمون بارزون يعملون في الغرب.
بالإضافة إلى ذلك، لدينا برنامج الآغا خان للموسيقى، وهو برنامج أحدث نسبيا، لكنه يكرم الموسيقى التقليدية والمعاصرة في المجتمعات الإسلامية، ليُكمل بذلك نطاق الأنشطة الثقافية التي نقوم بها في المؤسسة.