رالف والدو إمرسون.. أول من بشر بالوعي قبل أن يولد علم التنمية البشرية
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
قبل أن تطبع ملايين الكتب وتُعقدع آلاف الندوات عن التنمية البشرية، كان هناك فيلسوف وشاعر أمريكي في القرن التاسع عشر ينادي بقوة العقل، واستقلال الذات، والبحث عن النور الداخلي.
اسمه رالف والدو إمرسون، وقد يفاجئك أن كثيرًا مما نراه اليوم في كتب التحفيز وتطوير الذات، قد قاله هذا الرجل منذ أكثر من 150 عامًا.
في زمن كانت فيه أمريكا لا تزال تتشكل فكريًا، خرج إمرسون بأفكار جريئة تقول إن الإنسان يحمل في داخله قوة كافية لقيادة مصيره، بعيدًا عن التبعية الدينية أو المجتمعية العمياء.
كتب في مقاله الشهير(الاعتماد على النفس):
“الثقة بالنفس هي جوهر البطولة الحقيقية.”
هذا النوع من الخطاب نسمعه اليوم من أشهر مدربي التنمية البشرية، لكنه كان ثوريًا في عصره، حيث طالب الناس بأن يثقوا بعقولهم وحدسهم قبل أي سلطة.
من الفلسفة إلى التحفيز:على عكس الفلاسفة التقليديين، لم يكن إمرسون يكتب بلغة أكاديمية معقدة، بل كانت لغته شعرية، تحفيزية، ومباشرة.
ما دعا الإنسان إلى التأمل في الطبيعة، لا لأنها جميلة فقط، بل لأنها تعكس جوهر الروح البشرية.
قال:“ما تخاف منه هو مؤشر على ما عليك مواجهته.”
كثير من هذه العبارات أصبحت لاحقًا شعارات على الجدران وفي كتب التنمية الذاتية، دون الإشارة دائمًا إلى صاحبها الأصلي.
تأثيره على فكر النجاح:إمرسون ألهم عددًا كبيرًا من المفكرين والكتاب ، أبرزهم صديقه هنري ديفيد ثورو، الذي عاش تجربة العزلة والتأمل في الطبيعة.
كما أثر لاحقًا على شخصيات مثل نيتشه، وغاندي، بل وحتى على بعض كتاب العصر الحديث في مجال القيادة والتفكير الإيجابي.
فهو أول من ربط بين الفكر الإيجابي والنتائج الواقعية، وهي الفكرة المركزية لما يسمى اليوم ب (قانون الجذب).
هل كان إمرسون أول مدرب حياة؟رغم أن المصطلح لم يكن موجودًا، إلا أن إمرسون كان أقرب ما يكون إلى موجه فكري وروحي.
لم يلق محاضرات تحفيزية بالمعنى العصري، لكنه ألهم آلاف الأمريكيين بخطاباته وكتاباته للبحث عن معنى أعمق للحياة، خارج قوالب الدين والمؤسسات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التنمية البشرية كتب النفس التنمیة البشریة
إقرأ أيضاً:
فاجعة الدكتورة آلاء النجار فاجعة البشرية كلها
لا أوحش على الإنسان من فاجعة موت عزيزٍ، فكيف لو كانت الفاجعة التي حطت على رأس الدكتورة آلاء النجار تتمثل بفقد 9 من أطفالهما ارتقوا حرقاً جراء غارة إسرائيلية، والأطفال هم يحيى، وركان، ورسلان، وجبران، وإيف، وريفان، وسيدين، ولقمان، وسيدرا، في حين أُصيب آدم، وهو الطفل الوحيد المتبقي، وما زال زوجها الدكتور حمدي يرقد الآن في العناية المركزة.
فأي مصيبة على وجه الأرض تتقاطع مع هذه المصيبة؟ وأي حزن غير مسبوقٍ يرخي بظلاله على حياة الدكتورة آلاء؟ وأي تاريخ بشري يحفظ في كتبه وذاكرته إرهاباً وإجراماً يعادل هذا الإرهاب الإسرائيلي؟
نحن أمام كارثة تعجز عن حمل وزرها أمة، كارثة هبطت على رأس الدكتور آلاء، لا ينفع معها كل كلمات المواساة، فمجال التخيل للمصيبة أوسع من الرؤيا البشرية، والتصبر في هذه المصيبة خرافة، وطيف الأبناء يدق على جدران الذكريات، وهي تنتقي لهم الأسماء المميزة، وهم يلتفون حولها ساعة الغروب، وهم يفركون عيونهم ساعة إيقاظهم للمدرسة، ووقوفهم أمام المرآة في الصباح، وهم يتناولون طعام الغذاء، وهم يبكون بين يدي أمهم طلباً لألعابهم الطفولية، وقلبها يرقص لفرحهم وابتساماتهم، وترتجف روحها في حالة غضبهم وحزنهم، مشاهد الطفولة المزدحمة بالأحداث لن تغيب عن ذاكرة الأم، وهي تتخيل أطفالها التسعة، وقد اشتعلت في أجسادهم النيران الإسرائيلية، فاحترقوا، حتى تفحمت أجسادهم، ليرتقوا شهداء بالصواريخ الأمريكية.
طبيبة الأطفال آلاء النجار التي أنجبت 10 أطفال أكبرهم 12 سنة، حلمت بحياة آمنة، حتى وهي تعاني آلام الحمل والمخاض والميلاد والتربية والرعاية والإنفاق والتعليم والإرشاد على مدار السنين، وكل حلمها أن يكبر الأولاد، وأن يكونوا صالحين، وأن يشقوا درب حياتهم بأمن وسلام، بعيداً عن الاحتلال، وبعضهم يحلم بأن يصير طبيباً، وبعضهم كانت أحلامه أن يكون مهندساً، أو قاضياً أو معلماً، ولم يخطر في بال الدكتور حمدي النجار والدكتورة آلاء النجار أن الصواريخ الأمريكية ستحرق أحلام أطفالهم التسعة في ضربة إسرائيلية واحدة، ولم يخطر في بال الأب والأم أن النار ستحرق وجود الأسرة وأمنها واستقرارها وكيانها بضغطة زر واحدة من مجندة إسرائيلية، تستعجل انهاء الخدمة للقاء حبيبها.
فإذا كان حجم الوجع لفقد ولد واحد لا يفارق ذاكرة من فقد، فكيف بأهل غزة وقد تجاوزوا فقد ولد واحد، بل صارت عائلات غزة كلها تتوقع القصف، وتنتظر الموت الإسرائيلي الساقط على هيئة صاروخ، ليجتث كل العائلة عن وجه الأرض في ضربة خاطفة.
جريمة حرق أطفال عائلة النجار ليست قضية أهل غزة فقط، ولا هي قضية الشعب الفلسطيني، ولا هي قضية الأمة العربية والإسلامية، هذه قضية إنسانية، يجب ألا تمر دون أن يدفع المجتمع الإسرائيلي كله ثمنها، وعلى القيادة الفلسطينية في رام الله أن تتحرك لعقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية، وجلسة لمجلس الأمن، وأن تصير الدعوة لعقد مؤتمر القمة الإسلامي، فالحدث ليس عادياً، والقتل ليس عادياً، وطريقة الموت ليست عادية، كل شيء في هذه القضية مختلف، ومحرض على العدو، وقادر على تحريك المجتمع الدولي والعربي والإسلامي ضد حرب الإبادة، مجزرة عائلة النجار قضية أممية، يتوجب العمل على نشرها، وتفعيلها، وتكبيرها لتأخذ ماكنتها الإنسانية، إنها وثيقة إدانة ضد العدو الإسرائيلي، وشاهد إثبات على الإرهاب الإسرائيلي، ومجرم وخائن للإنسانية كل مسؤول يحاول أن يطمس معالم هذه الجريمة الصهيونية، ومجرم كل من يتعامل مع هذه الجريمة وكأناها المكمل التدميري للسياسة الإسرائيلية ضد أهل غزة.
أطفال الدكتورة آلاء النجار، والدكتور حمدي النجار لا يقلون مكانة وقيمة بشرية عن أطفال الصهاينة، الذين يسخرون إعلامهم وسفاراتهم وحكوماتهم ووزرائهم وكل إمكانياتهم لمجرد جرح طفل إسرائيلي، أو إصابة امرأة يهودية بالفزع، أطفال الدكتور آلاء لهم قلوب تنبض بالحرية، وهم أطفال الإنسانية كلها، وهم أطفال كل فلسطيني ينتمي لهذا لتراب، وهم أطفال كل مسلم يقول: لا إله إلا الله، وهم أطفال كل عربي يزعم أن للعرب شهامة ونخوة وكرامة وجذور تمتد عبر التاريخ، ترفض المذلة، وتأبى الخنوع للغزاة.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني