فرنسا غابرييل أتال وقيم الجمهورية في اختبار الضواحي
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
قبل دخول الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون قصر الإليزيه، كشفت دراسات ميدانية أجراها معهد "مونتين" أن نسبة المقاطعة من جانب الناخبين في الضواحي الفقيرة للانتخابات الرئاسية عام 2017 بلغت 48% مقابل 29% في عموم البلاد.
واعتُبرت تلك النسبة انعكاسا طبيعيا لأزمة ثقة عميقة في تلك المناطق إزاء السلطة، وذلك بسبب فشل السياسات المتعاقبة تجاه الأغلبية المنحدرة من أصول مهاجرة في تلك الأحياء.
وينتظر الفرنسيون كيف سيتم التعامل مع هذه المعضلة، بعد صعود أصغر رئيس وزراء في تاريخ الجمهورية، غابرييل أتال الذي يحمل أصولا مهاجرة، وينظر له كأحد أكثر المقربين إلى الرئيس ماكرون وحامل لوائه.
سياسات يمينيةقبل دخوله الإليزيه، كان أتال قد عرض بالفعل في وزارة التربية خططا إصلاحية تحت يافطة "الحد من الهوة الاجتماعية" في المؤسسات التربوية، بأن عرض إعادة اللباس الرسمي المدرسي، على أن يخضع هذا الإجراء لفترة تجربة في نحو 500 مدرسة متطوعة، لاختبار أثره في نجاح الموسم الدراسي.
لكن في نظر المراقبين فإن الاختبار الأكثر تعقيدا أمام أتال سيكون مرتبطا بمدى قدرته على تبديد الفوارق الفجة بين الأوضاع الاجتماعية في الضواحي وباقي المناطق في فرنسا.
وفي حين كان يتوقع من رئيس الوزراء أن يمنح جرعة إنعاش لشعارات اليسار وقيمه، فإن خطابه للسياسة العامة لم يخل من إيماءات لليمين إلى حد التحدث بمفرداته.
ومن ذلك حديثه بشأن الدفاع عن "الهوية والكبرياء الفرنسي" وتدابير أوسع لضبط النظام و"احتواء الشباب الضائع" بل زاد في الحديث عن "الشذوذ" بأنه أحد معايير التغيير بأعلى جهاز حكومي بفرنسا 2024.
وبعد خطوة إصلاح تأمين العمل -وهو من بين الاصلاحات الاجتماعية التي تم اقرارها نهاية 2021، وقد تضمن تشديدا للقيود على الانتفاع بتعويضات الباحثين عن العمل والعاطلين- يريد أتال الذهاب إلى أبعد من ذلك وهو مراجعة عملية احتساب منح البطالة للباحثين عن عمل، حيث أصبح المستفيدون من المنح الاجتماعية ملزمين بالنشاط المهني وتلقي تكوين لمدة لا تقل عن معدل 15 ساعة في الأسبوع.
وأطلقت الحكومة بالفعل مع بداية 2024 منصة لتسجيل المستفيدين من هذه المنح، وربطها بالشروط الجديدة. وبالتالي لن يكون تلقي العاطلين والباحثين عن العمل للمنح الاجتماعية آليا، ولكن وفق شكل تعاقدي جديد مع الدولة، وهو مطلب كثيرا ما سوق له تيار اليمين في السابق.
وتقول الحكومة إن الهدف من هذه الخطوة هو التمهيد لإعادة الإدماج في سوق العمل، وذلك لأن المنح الاجتماعية لن تكون كافية لأن يعيش الفرد خارج دائرة الاحتياج.
ولكن عمليا ينظر إلى هذا الإجراء على أنه ضربة موجهة إلى الأحياء الفقيرة بالضواحي أو "الأحياء ذات الأولوية" كما يطلق عليها، لجهة أن ربع هذه المناطق تستفيد من دخل "التضامن الاجتماعي النشط" هو تقريبا ضعف المعدل في باقي البلاد.
فوارق كبيرةولا يرتبط الأمر فقط بانحسار الفرص في سوق العمل، ولكن هذه المناطق تعاني أصلا من فوارق متفشية في نسب الدخل مقارنة بباقي المناطق في فرنسا.
وتصف منصة "ستاتيستا" الفرنسية للإحصائيات الضواحيَ كشرخ اجتماعي ومرآة لغياب العدالة الاجتماعية.
وتعكس بياناتها المجمعة الهوة الواضحة في مستوى معدل الدخل البالغ 1168 يورو للفرد بالضواحي مقابل 1822 على المستوى الوطني، وفي مستوى نسبة الفقر بأكثر من 43% بالضواحي مقابل 15% على المستوى الوطني، وأيضا فيما يرتبط بنسبة البطالة البالغة أكثر من 18% بالضواحي مقابل 7% على المستوى الوطني.
ويقول ميشال كوكوريف الباحث في علم الاجتماع جامعة باريس لشبكة "أورونيوز" إن هناك نوعا من الحاجز العنصري في فرنسا "على الرغم من سمعتها كدولة حقوق الإنسان ومهد إعلان حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية وما إلى ذلك".
ويضرب كوكوريف مثالا على ذلك في تعليقه "في الواقع، لا يزال العثور على وظيفة عندما يكون اسمك بوبكر، أو من أصل مالي، أكثر تعقيدا بكثير مما لو كان اسمك برنارد ووالداك مولودان في بريتاني (منطقة شمال غرب فرنسا). إنه بلد المساواة على الورق، وعدم المساواة والظلم في الواقع".
مؤشرات اجتماعية
بموازاة التغييرات على الجهاز الحكومي والسياسات المعلنة مع رئيس الوزراء الجديد، لم تتأخر المؤسسات الرسمية في طرح المؤشرات الاجتماعية التي تشمل بشكل خاص الوضع بالضواحي.
وتفيد بيانات جهاز الإحصاء التابع لوزارة الداخلية إلى ارتفاع في جميع أنواع الجرائم والجنح المرتكبة في البلاد عام 2023.
فقد زادت جرائم الاعتداء بالضرب بنسبة 7%، وجرائم الاغتصاب ومحاولات الاغتصاب بنحو 10%، بينما استمرت جرائم القتل ومحاولات القتل في صعود منذ 2020، حيث تخطى عدد ضحايا هذه الجرائم الألف العام الماضي، بينما تعرض أكثر من 4 آلاف شخص لمحاولات قتل.
ومع أن جرائم السرقة والعنف الجنسي بوسائل النقل العام تراجعت عام 2023، فإن الداخلية لفتت إلى أن غالبية مرتكبي هذه الجرائم في سن يتراوح بين 15 و24 عاما.
وبموازاة ذلك، تضاعفت السرقات المستهدفة للمؤسسات الصناعية والتجارية 3 مرات، وارتفعت حالات سرقة السيارات بــ27 %.
هاجس الضواحيويظل الهاجس الأكبر للسلطات الفرنسية هو الوضع بالضواحي الذي يمثل أكبر تحد لرئيس الوزراء الجديد.
وبالعودة للأحداث التي أعقبت مقتل الشاب من أصول جزائرية ناهيل برصاص شرطي في مدينة نانتير، فإن أعمال الشغب والتخريب المتعمد من قبل المحتجين الغاضبين من شباب الضواحي زادت بنسبة 140% الفترة الفاصلة بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2023 مقارنة بنفس الفترة العام السابق.
ودفعت هذه الاحتجاجات السلطات إلى تعبئة حوالي 45 ألف عنصر من الدرك لضبط النظام.
ويخشى أن تكون هذه المؤشرات لوزارة الداخلية مقدمة لسياسة أكثر تطرفا تجاه ما يفوق 5.2 ملايين نسمة من سكان الضواحي الفقيرة، ولمزيد من القيود على المهاجرين بشكل عام، تحت ضغط اليمين المتطرف.
صب الزيت على النار
وفي حديثه مع الجزيرة نت، أوضح عبد المجيد مراري المحامي المتخصص في القانون الدولي ومدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة "إفدي" لحقوق الإنسان في باريس أن تعيين أتال لا يبعث برسالة طمأنة لهذه المناطق، ولا يؤشر على رغبة الحكومة في المصالحة مع جزء من الشعب الفرنسي، حتى وإن كانت أصوله من المهاجرين ولكنهم مواطنون فاعلون في عدة قطاعات حيوية ومراكز عليا في البلاد".
ولم يتردد هذا الحقوقي في وصف ذلك التعيين بمثابة "صب الزيت على النار".
ويستدل مراري على ذلك بمواقف أتال المتشددة في ملفات الهجرة والأقلية المسلمة بجانب خطوات اتخذها لإصلاح قطاع التعليم ومن بينها مشروع حظر العباءة في المدارس بدعوى "حماية العلمانية".
ويقول للجزيرة نت "أثبتت هذه الإصلاحات إفلاسها. بدليل الاضرابات المتتالية في القطاع مما يعكس استمرار الأزمة. كما أن مواقفه المعلنة في منصبه الجديد يمكن أن تشعل حربا اجتماعية".
وتعهد أتال -في إعلانه للسياسة العامة- بتطبيق السلطة "في كل مكان، في الصف والعائلة والشوارع" كما أعلن اعتزامه إقرار نظام عقوبات تعليمية موجهة ضد القصر من ذوي السوابق، تكون بمثابة المشاركة في القيام بـ"خدمات" للمجتمع كما ستكون هناك خطوة مماثلة تجاه آباء القصر "الذين تهربوا من التزاماتهم".
ويعود مراري بالنظر إلى هذه الإصلاحات والخطط على أنه امتداد للسياسات اليمينية التي طبعت مشروع إصلاح قانون الهجرة، مؤكدا أن "الإصلاحات في مشروع قانون الهجرة أثبتت أنها لا تتماشى مع الدستور وقيم الجمهورية. وهي لن تحل مشاكل الفرنسيين".
ومع أن المجلس الدستوري أبدى بالفعل تحفظه على نحو ثلث المادة بمشروع قانون الهجرة المثير للجدل، فإن حكومة أتال على الأرجح ستمضي قدما في خطط خفض التعويض لمنح البطالة والمساعدات الاجتماعية ومراجعة حقوق التغطية الصحية.
نوايا إصلاح
ولا تتوافق هذه الخطط مع نوايا الحكومة المعلنة منذ سنوات لتخصيص استثمارات تصل إلى 12 مليار يورو حتى العام 2030، لتحسين مستوى الحياة في الضواحي.
وبهذا الصدد، يقول مدير المركز العربي للدراسات الغربية في باريس أحمد الشيخ -للجزيرة نت- إن "أخطر ما في قانون الهجرة أنه يأخذ المجتمع الفرنسي بعيدا عن مشاكله الحقيقية وعن التفكير في طرق حلها، وهذا القانون وغيره مرتبط بالصراع السياسي".
ويتابع الشيخ في ملاحظته "يتم توظيف مشاكل الهجرة واستخدامها لأغراض تتجاوز مشكلة الهجرة والمهاجرين الذين هم في النهاية كبش فداء مرتين، الأولى عندما هجروا أوطانهم تحت ضغط أنظمة استبدادية مدعومة من الدول الأوروبية، والمرة ثانية عند استخدامهم للتغطية على المشاكل الحقيقية التي تعصف بالمجتمع الفرنسي والأوروبي والتي تجعله يبتعد تدريجيا عن قيم الحرية والمساواة والإخاء وعن حقوق الإنسان، بل وعن العقلانية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حقوق الإنسان قانون الهجرة
إقرأ أيضاً:
الضيافة العُمانية.. موروث يعزز الروابط الاجتماعية
كتبت - فاطمة الحديدية -
تُجسّد الضيافة العُمانية أحد أبرز ملامح الهُوية الثقافية في سلطنة عُمان، بما تحمله من قيم الكرم والطيب وحسن الاستقبال. ومع تصاعد الاهتمام بتنمية القطاعات غير النفطية، برزت الضيافة العُمانية عنصرا محوريا في تعزيز السياحة ودعم جهود التنمية المستدامة؛ فقد أسهمت في إيجاد تجربة إنسانية فريدة للسائح والزائر، انعكست مباشرة على تنشيط الاقتصاد المحلي وازدهار المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مختلف المحافظات.
تعزيز الروابط الاجتماعية
قالت ميمونة بنت عبدالله الرمحية: «من الخصال التي تفردت بها سلطنة عُمان شرف الضيافة الذي يعد جزءا أصيلا من الثقافة العُمانية وأحد الموروثات الذي تناقلته الأجيال بصيغ متنوعة حسب المكان والزمان، فالضيافة العُمانية هي فن استقبال الضيوف وتقديم الرعاية والاهتمام بهم، فيبدؤون بالترحيب الحار بالضيوف، بعدها يتم تقديم التمر والقهوة الممزوجة بالهيل والقرفة كطبق رئيسي تتبعه أطباق أخرى مثل الفواكه والمقرمشات وغيرها، ولعبت الضيافة العُمانية دورا كبيرا في تعزيز الروابط الاجتماعية من حيث ترسيخ الكرم والاحترام المتبادل وتوفير الفرصة للالتقاء والتعارف وتعزز الانتماء بالوطن وتسهيل تبادل الخبرات الاجتماعية».
من جانبها قالت أروى الراشدية: إن الضيافة العُمانية ارتبطت في التاريخ العُماني بروح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، حيث كان الناس يتبادلون الزيارات ويقدّمون لبعضهم البعض ما يستطيعون من طعام وشراب وبخور وكلمة طيبة وحوارات نابعة من القلب توحي بطهاره القلب وسمو الخلق، وهكذا نشأت بين القرى والقبائل روابط إنسانية متينة أسهمت في ترسيخ روح المحبة والتآخي بين الناس وزيادة المحبة بينهم. مشيرة إلى أن الضيافة العُمانية أسهمت في بناء الثقة والتآلف بين الناس، إذ تُعدّ فرصة لتصفية النفوس وتعميق الصداقات، وقد كانت منذ القدم وسيلةً لحلّ الخلافات وتعزيز روح المصالحة، لما تحمله من طابع الودّ والإخاء. وهكذا فإن الضيافة في المجتمع العُماني لم تكن مجرّد عادة تراثية، بل قيمة اجتماعية فاعلة ساهمت في توحيد القلوب، ونشر المحبة وترسيخ التماسك بين أفراد الوطن الواحد، لتبقى عُمان نموذجًا يُحتذى به في التآلف والاحترام الإنساني. ويقال في الأمثال العُمانية: «الضيف عريس البيت»، وهو مثل يعبّر ببساطة عن المكانة العظيمة للضيف في المجتمع العُماني.
الضيافة بين
قرى الشمال والجنوب
يروي لنا محمد الهاشمي من سكان ولاية أدم أصول الضيافة قديمًا، فيقول: كان الضيف إذا وصل إلى القرية يتوجّه أولًا إلى الحارة أو مسجد القرية ليسأل الناس عن الشخص الذي يرغب في زيارته، إذ لم تكن تتوفر حينها وسائل الاتصال الحديثة أو خرائط المواقع. وكان أهل القرية يستقبلونه بضيافة بسيطة كالقهوة والتمر، ثم يُرشدونه إلى منزل الشخص الذي يقصده. وعند وصوله، يُستقبل الضيف بحفاوة كبيرة، وتُقدَّم له الوجبة الرئيسة، كالغداء المكوّن من الأرز واللحم، أو العشاء المعروف بـ« العرسي باللحم»، والذي يُطلق عليه قديمًا «عشاء الفقير»؛ لأن كمية اللحم المستخدمة لا تظهر بوضوح في الطبخ، ويُكتفى بإظهار رأس الذبيحة». موضحا أن حضور الضيف مناسبة تبعث الفرح في نفوس الأهالي، وتدلّ على الكرم والأصالة. وكانت العادة في الضيافة أن يُقدَّم الطعام للضيف منفردًا في المجلس، دون أن يشاركه أهل المنزل، كي يأخذ راحته بعد عناء السفر، ويجلس معه شيخ القبيلة أو من يقدّم له الخدمة. ولا تزال هذه العادة موجودة حتى اليوم لدى بعض الأسر، تعبيرًا عن احترام الضيف ورفع مكانته. وكان الضيف قديمًا يستقر في القرية ما بين ثلاثة أيام وأسبوع، يتنقّل خلالها بين بيوت الأهالي والقبيلة، نظرًا لقلة وسائل النقل وصعوبة الوصول من الأماكن البعيدة.
أما في الجنوب، فيحكي لنا حسن المعشني عن أساليب الضيافة العُمانية في جبال ولاية طاقة بمحافظة ظفار فيقول: تختلف عادات الضيافة العُمانية لدينا عن الشمال تماما، ونستخدم اللغة الجبّالية المحلية في الترحيب بالضيف ونقول: «أتوب ذحي بكم» ومعناها «يا حي وسهلا فيكم»، ولسكان محافظة ظفار اهتمام خاص بإعداد الطعام للضيف، وغالبًا ما تُقدَّم الأكلات التقليدية مثل العيش واللحم المظبي أو المشوي، وتُقدّم بكميات تدل على الكرم وسعة النفس، ويُعتبر الإلحاح على الضيف بالأكل جزءًا من التقاليد الاجتماعية المتعارف عليها، ويتم تقديم اللحم المظبي للضيف الذي يتم إعداده بوضعه في الأحجار الساخنة وتحتها الجمر، ويوضع الملح فقط على اللحم لا غير، وتتم عملية الطهو مدة ساعة كاملة، وإذا حضر ضيف جديد على القرية من اللازم ذبح الماشية له ترحيبا به، كما يتم تقديم «المعجين» وهو طبق تقليدي يصنع من لحم مجفَّف «مقدّد» ويكون غالبًا لحم جمل أو بقري، ثم يُقطع ويُطهى مع الشحم الحيواني، وهذه الطريقة في طهي اللحم تعتبر وسيلة لحفظه من التلف قديما قبل وجود الكهرباء وأجهزة التبريد.
وأضاف المعشني: إن الضيافة قديما قبل النهضة في جبال ولاية طاقة تعتمد على تقديم الشاي الأحمر كمشروب أساسي وليس القهوة نظرا لقلة توفرها، ويتم استيراد الشاي من ميناء عدن في اليمن، والذي يصل من الهند عن طريق التجار. كما يتم تقديم الحليب الدافئ الطازج المسمى بـ«المعذيبش»، ويتم إعداده بتسخين الأحجار في الجمر وتوضع مباشرة على الحليب الطازج البقري أو حليب الناقة، مما يضفي عليه نكهة خاصة مدخنه.
كما ذكر المعشني مجموعة من المنتجات المحلية التي تعتمد على الزراعة الموسمية في موسم الخريف مثل «الدوجر» وهي اللوبياء و«المهيندو» وهي الذرة. ويتم طهي طبق «دوجر وأرز» للضيوف أيضا، وهو عبارة عن خليط من الأرز واللوبياء يتم سلقهما بالسمن المحلي وتقديم الطبق للضيف دافئا، أما العصيدة الظفارية، فتعد من الأطباق المشهورة في جبال ظفار، وتتكون من الدقيق والسمن المحلي ويكون قوامها ناعما مثل الحلوى وتقدم للضيف خاصة في حالة عدم توفر اللحم لدى أصحاب المنزل.
التنمية المستدامة
وقالت الرمحية: إن الضيافة العُمانية تلعب دورا في تحقيق التنمية المستدامة في سلطنة عُمان، وذلك من خلال الممارسات الإيجابية التي تحقق التوازن بين الطرفين، بين شرف الضيافة والتنمية المستدامة، مثل تقليل استهلاك الطاقة والمياه وكيفية إدارة النفايات بطريقة مسؤولة ودعم الحرف الوطنية وشرائها وعمل المعارض الدولية والمحلية بهدف عرض المنتج العُماني وتسويقه دوليا، وبالتالي للضيافة دور كبير في دعم الاقتصاد المحلي للدولة، والحفاظ على الموروثات القديمة وينتج عنه ترسيخ الهُوية الوطنية، كما يمكن اعتبار الضيافة وسيلة للحفاظ على الموارد من خلال بعض الممارسات التقليدية مثل الحرص على تقديم الحلوى العُمانية التي تصنع بمنتجات محلية، كما يتم تقديم التمر الذي يزرع محليا مع شرب اللبن معه والذي يستخرج من الأبقار التي يتم تربيتها داخل مزرعة المنزل.
وأضافت الرمحية في حديثها أن الضيافة في المنشآت السياحية هي فن تقديم تجربة مريحة وممتعة للضيوف وتركز على تقديم خدمات متميزة مثل الفنادق، المطاعم وخدمات النقل والتي تتطلب مهارات عالية مثل خدمة العملاء والتواصل والإدارة المالية بالإضافة إلى المبادئ الأخلاقية، وللمؤسسات والمبادرات السياحية دور كبير في تعزيز مفهوم الضيافة المستدامة من خلال تجسيد هذه الممارسات في المعارض والفعاليات التي تقام داخل القلاع العُمانية والأسواق التقليدية، والتي تعبر عن مفهوم الضيافة العربية، كما يتم إنشاء منافذ لبيع المأكولات المنزلية والتي تدعم الأسر العُمانية وتساعد على تقديم واجب الضيافة بالطريقة الصحيحة وتجسد الضيافة بالطريقة التقليدية.
وأكدت الراشدية أن التطور السياحي أدى إلى بروز مفاهيم جديدة للضيافة مثل «الضيافة المستدامة» و«السياحة المسؤولة»، التي تهدف إلى تقديم تجربة راقية للزائر مع الحفاظ على البيئة والثقافة المحلية. وأصبحت المؤسسات السياحية والفندقية تهتم بتدريب موظفيها على الأسلوب العُماني في الترحيب، القائم على اللطف والبشاشة والاحترام ونجد أن بعض الفنادق تشجع على ارتداء اللباس العُماني للمضيفين لأنه رمز للإنسان العُماني وحشمته.
وبينت الراشدية دور وزارة التراث والسياحة، والمؤسسات المرتبطة بها في تدريب الكوادر على استقبال الزوار بأساليب الضيافة التقليدية، مثل تقديم القهوة العُمانية والتمر والبخور، مع مراعاة الاستدامة البيئية وحماية الموارد المحلية، وذلك بإقامة الورش والدورات لهم. وتُتيح المبادرات السياحية للزوار فرصة الاندماج في التراث العُماني من خلال برامج ثقافية ومهرجانات شعبية، لتعزيز فهم قيم الضيافة وتقاليدها الأصيلة. وتدعم هذه المبادرات الحرف المحلية مثل اللبان والعود، مما يساهم في اقتصاد مستدام يحافظ على الهُوية الوطنية. وحتى في مؤسسات التعليم تقام دورات للطلبة في كيفية استقبال الضيوف وحثهم على التقيد والتمسك بالعادات.
مظاهر الضيافة
وذكرت الراشدية تنوّع مظاهر الضيافة في عُمان فقالت: إن لكل نوعٍ منها رمزيته ومعناه العميق الذي يجسّد القيم الاجتماعية والروحية المتأصلة في وجدان الناس. ومن أبرز مظاهر الضيافة: ضيافة الطعام والشراب، فيُعدّ تقديم الطعام والشراب أول ما يُفكّر به العُماني عند استقبال ضيفه. تبدأ الضيافة غالبًا بتقديم القهوة العُمانية المصنوعة بعناية والممزوجة بالهيل والزعفران، وتُقدّم في فناجين صغيرة يرافقها التمر، في مشهدٍ يعبّر عن الأناقة والاحترام في آنٍ واحد. ولا تقتصر الضيافة على القهوة فحسب، بل تشمل الأطعمة التقليدية مثل الشواء العُماني والعصيد والهريس والحلوى العمانية وهي أكلات تُعدّ بعناية، وغالبًا تُطهى خصيصًا للضيف. ويُنظر إلى تقديم الطعام كرمزٍ للسخاء، ودليلٍ على أن صاحب البيت يرحّب بالضيف من قلبه قبل أن يقدّم له شيئًا بيده.
وأضافت الراشدية أن ضيافة الطيب والعطور هي من أجمل مظاهر الضيافة في سلطنة عُمان، فبعد أن يجلس الضيف يُقدّم له المبخرة لتفوح رائحة العود أو اللبان. ويُعتبر البخور جزءًا من الهُوية العُمانية، إذ كان اللبان العُماني منذ القدم يُصدَّر إلى أنحاء العالم لما يحمله من جودةٍ وتميز ويستخدمه العُماني بشكل كبير وكله فخر بما أنتجته أرضنا العمانية الطيبة.
واستكملت الراشدية حديثها وقالت: إن خصائص الضيافة في عُمان لا تقتصر على المظاهر المادية، بل تشمل المشاعر والاهتمام بالضيف. فبعد الترحيب وتقديم القهوة، يبدأ المضيف بالسؤال عن أحوال الضيف وأهله، فيما يُعرف في الثقافة العُمانية باسم «المناشدة عن الأحوال». ويُعدّ هذا النوع من الضيافة دليلًا على الاحترام والتقدير ومن باب الاطمئنان على أحوال الضيف؛ لأنه يُظهر اهتمامًا صادقًا بالإنسان، لا بما يملكه أو بمكانته.