الضيافة العُمانية.. موروث يعزز الروابط الاجتماعية
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
كتبت - فاطمة الحديدية -
تُجسّد الضيافة العُمانية أحد أبرز ملامح الهُوية الثقافية في سلطنة عُمان، بما تحمله من قيم الكرم والطيب وحسن الاستقبال. ومع تصاعد الاهتمام بتنمية القطاعات غير النفطية، برزت الضيافة العُمانية عنصرا محوريا في تعزيز السياحة ودعم جهود التنمية المستدامة؛ فقد أسهمت في إيجاد تجربة إنسانية فريدة للسائح والزائر، انعكست مباشرة على تنشيط الاقتصاد المحلي وازدهار المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مختلف المحافظات.
تعزيز الروابط الاجتماعية
قالت ميمونة بنت عبدالله الرمحية: «من الخصال التي تفردت بها سلطنة عُمان شرف الضيافة الذي يعد جزءا أصيلا من الثقافة العُمانية وأحد الموروثات الذي تناقلته الأجيال بصيغ متنوعة حسب المكان والزمان، فالضيافة العُمانية هي فن استقبال الضيوف وتقديم الرعاية والاهتمام بهم، فيبدؤون بالترحيب الحار بالضيوف، بعدها يتم تقديم التمر والقهوة الممزوجة بالهيل والقرفة كطبق رئيسي تتبعه أطباق أخرى مثل الفواكه والمقرمشات وغيرها، ولعبت الضيافة العُمانية دورا كبيرا في تعزيز الروابط الاجتماعية من حيث ترسيخ الكرم والاحترام المتبادل وتوفير الفرصة للالتقاء والتعارف وتعزز الانتماء بالوطن وتسهيل تبادل الخبرات الاجتماعية».
من جانبها قالت أروى الراشدية: إن الضيافة العُمانية ارتبطت في التاريخ العُماني بروح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، حيث كان الناس يتبادلون الزيارات ويقدّمون لبعضهم البعض ما يستطيعون من طعام وشراب وبخور وكلمة طيبة وحوارات نابعة من القلب توحي بطهاره القلب وسمو الخلق، وهكذا نشأت بين القرى والقبائل روابط إنسانية متينة أسهمت في ترسيخ روح المحبة والتآخي بين الناس وزيادة المحبة بينهم. مشيرة إلى أن الضيافة العُمانية أسهمت في بناء الثقة والتآلف بين الناس، إذ تُعدّ فرصة لتصفية النفوس وتعميق الصداقات، وقد كانت منذ القدم وسيلةً لحلّ الخلافات وتعزيز روح المصالحة، لما تحمله من طابع الودّ والإخاء. وهكذا فإن الضيافة في المجتمع العُماني لم تكن مجرّد عادة تراثية، بل قيمة اجتماعية فاعلة ساهمت في توحيد القلوب، ونشر المحبة وترسيخ التماسك بين أفراد الوطن الواحد، لتبقى عُمان نموذجًا يُحتذى به في التآلف والاحترام الإنساني. ويقال في الأمثال العُمانية: «الضيف عريس البيت»، وهو مثل يعبّر ببساطة عن المكانة العظيمة للضيف في المجتمع العُماني.
الضيافة بين
قرى الشمال والجنوب
يروي لنا محمد الهاشمي من سكان ولاية أدم أصول الضيافة قديمًا، فيقول: كان الضيف إذا وصل إلى القرية يتوجّه أولًا إلى الحارة أو مسجد القرية ليسأل الناس عن الشخص الذي يرغب في زيارته، إذ لم تكن تتوفر حينها وسائل الاتصال الحديثة أو خرائط المواقع. وكان أهل القرية يستقبلونه بضيافة بسيطة كالقهوة والتمر، ثم يُرشدونه إلى منزل الشخص الذي يقصده. وعند وصوله، يُستقبل الضيف بحفاوة كبيرة، وتُقدَّم له الوجبة الرئيسة، كالغداء المكوّن من الأرز واللحم، أو العشاء المعروف بـ« العرسي باللحم»، والذي يُطلق عليه قديمًا «عشاء الفقير»؛ لأن كمية اللحم المستخدمة لا تظهر بوضوح في الطبخ، ويُكتفى بإظهار رأس الذبيحة». موضحا أن حضور الضيف مناسبة تبعث الفرح في نفوس الأهالي، وتدلّ على الكرم والأصالة. وكانت العادة في الضيافة أن يُقدَّم الطعام للضيف منفردًا في المجلس، دون أن يشاركه أهل المنزل، كي يأخذ راحته بعد عناء السفر، ويجلس معه شيخ القبيلة أو من يقدّم له الخدمة. ولا تزال هذه العادة موجودة حتى اليوم لدى بعض الأسر، تعبيرًا عن احترام الضيف ورفع مكانته. وكان الضيف قديمًا يستقر في القرية ما بين ثلاثة أيام وأسبوع، يتنقّل خلالها بين بيوت الأهالي والقبيلة، نظرًا لقلة وسائل النقل وصعوبة الوصول من الأماكن البعيدة.
أما في الجنوب، فيحكي لنا حسن المعشني عن أساليب الضيافة العُمانية في جبال ولاية طاقة بمحافظة ظفار فيقول: تختلف عادات الضيافة العُمانية لدينا عن الشمال تماما، ونستخدم اللغة الجبّالية المحلية في الترحيب بالضيف ونقول: «أتوب ذحي بكم» ومعناها «يا حي وسهلا فيكم»، ولسكان محافظة ظفار اهتمام خاص بإعداد الطعام للضيف، وغالبًا ما تُقدَّم الأكلات التقليدية مثل العيش واللحم المظبي أو المشوي، وتُقدّم بكميات تدل على الكرم وسعة النفس، ويُعتبر الإلحاح على الضيف بالأكل جزءًا من التقاليد الاجتماعية المتعارف عليها، ويتم تقديم اللحم المظبي للضيف الذي يتم إعداده بوضعه في الأحجار الساخنة وتحتها الجمر، ويوضع الملح فقط على اللحم لا غير، وتتم عملية الطهو مدة ساعة كاملة، وإذا حضر ضيف جديد على القرية من اللازم ذبح الماشية له ترحيبا به، كما يتم تقديم «المعجين» وهو طبق تقليدي يصنع من لحم مجفَّف «مقدّد» ويكون غالبًا لحم جمل أو بقري، ثم يُقطع ويُطهى مع الشحم الحيواني، وهذه الطريقة في طهي اللحم تعتبر وسيلة لحفظه من التلف قديما قبل وجود الكهرباء وأجهزة التبريد.
وأضاف المعشني: إن الضيافة قديما قبل النهضة في جبال ولاية طاقة تعتمد على تقديم الشاي الأحمر كمشروب أساسي وليس القهوة نظرا لقلة توفرها، ويتم استيراد الشاي من ميناء عدن في اليمن، والذي يصل من الهند عن طريق التجار. كما يتم تقديم الحليب الدافئ الطازج المسمى بـ«المعذيبش»، ويتم إعداده بتسخين الأحجار في الجمر وتوضع مباشرة على الحليب الطازج البقري أو حليب الناقة، مما يضفي عليه نكهة خاصة مدخنه.
كما ذكر المعشني مجموعة من المنتجات المحلية التي تعتمد على الزراعة الموسمية في موسم الخريف مثل «الدوجر» وهي اللوبياء و«المهيندو» وهي الذرة. ويتم طهي طبق «دوجر وأرز» للضيوف أيضا، وهو عبارة عن خليط من الأرز واللوبياء يتم سلقهما بالسمن المحلي وتقديم الطبق للضيف دافئا، أما العصيدة الظفارية، فتعد من الأطباق المشهورة في جبال ظفار، وتتكون من الدقيق والسمن المحلي ويكون قوامها ناعما مثل الحلوى وتقدم للضيف خاصة في حالة عدم توفر اللحم لدى أصحاب المنزل.
التنمية المستدامة
وقالت الرمحية: إن الضيافة العُمانية تلعب دورا في تحقيق التنمية المستدامة في سلطنة عُمان، وذلك من خلال الممارسات الإيجابية التي تحقق التوازن بين الطرفين، بين شرف الضيافة والتنمية المستدامة، مثل تقليل استهلاك الطاقة والمياه وكيفية إدارة النفايات بطريقة مسؤولة ودعم الحرف الوطنية وشرائها وعمل المعارض الدولية والمحلية بهدف عرض المنتج العُماني وتسويقه دوليا، وبالتالي للضيافة دور كبير في دعم الاقتصاد المحلي للدولة، والحفاظ على الموروثات القديمة وينتج عنه ترسيخ الهُوية الوطنية، كما يمكن اعتبار الضيافة وسيلة للحفاظ على الموارد من خلال بعض الممارسات التقليدية مثل الحرص على تقديم الحلوى العُمانية التي تصنع بمنتجات محلية، كما يتم تقديم التمر الذي يزرع محليا مع شرب اللبن معه والذي يستخرج من الأبقار التي يتم تربيتها داخل مزرعة المنزل.
وأضافت الرمحية في حديثها أن الضيافة في المنشآت السياحية هي فن تقديم تجربة مريحة وممتعة للضيوف وتركز على تقديم خدمات متميزة مثل الفنادق، المطاعم وخدمات النقل والتي تتطلب مهارات عالية مثل خدمة العملاء والتواصل والإدارة المالية بالإضافة إلى المبادئ الأخلاقية، وللمؤسسات والمبادرات السياحية دور كبير في تعزيز مفهوم الضيافة المستدامة من خلال تجسيد هذه الممارسات في المعارض والفعاليات التي تقام داخل القلاع العُمانية والأسواق التقليدية، والتي تعبر عن مفهوم الضيافة العربية، كما يتم إنشاء منافذ لبيع المأكولات المنزلية والتي تدعم الأسر العُمانية وتساعد على تقديم واجب الضيافة بالطريقة الصحيحة وتجسد الضيافة بالطريقة التقليدية.
وأكدت الراشدية أن التطور السياحي أدى إلى بروز مفاهيم جديدة للضيافة مثل «الضيافة المستدامة» و«السياحة المسؤولة»، التي تهدف إلى تقديم تجربة راقية للزائر مع الحفاظ على البيئة والثقافة المحلية. وأصبحت المؤسسات السياحية والفندقية تهتم بتدريب موظفيها على الأسلوب العُماني في الترحيب، القائم على اللطف والبشاشة والاحترام ونجد أن بعض الفنادق تشجع على ارتداء اللباس العُماني للمضيفين لأنه رمز للإنسان العُماني وحشمته.
وبينت الراشدية دور وزارة التراث والسياحة، والمؤسسات المرتبطة بها في تدريب الكوادر على استقبال الزوار بأساليب الضيافة التقليدية، مثل تقديم القهوة العُمانية والتمر والبخور، مع مراعاة الاستدامة البيئية وحماية الموارد المحلية، وذلك بإقامة الورش والدورات لهم. وتُتيح المبادرات السياحية للزوار فرصة الاندماج في التراث العُماني من خلال برامج ثقافية ومهرجانات شعبية، لتعزيز فهم قيم الضيافة وتقاليدها الأصيلة. وتدعم هذه المبادرات الحرف المحلية مثل اللبان والعود، مما يساهم في اقتصاد مستدام يحافظ على الهُوية الوطنية. وحتى في مؤسسات التعليم تقام دورات للطلبة في كيفية استقبال الضيوف وحثهم على التقيد والتمسك بالعادات.
مظاهر الضيافة
وذكرت الراشدية تنوّع مظاهر الضيافة في عُمان فقالت: إن لكل نوعٍ منها رمزيته ومعناه العميق الذي يجسّد القيم الاجتماعية والروحية المتأصلة في وجدان الناس. ومن أبرز مظاهر الضيافة: ضيافة الطعام والشراب، فيُعدّ تقديم الطعام والشراب أول ما يُفكّر به العُماني عند استقبال ضيفه. تبدأ الضيافة غالبًا بتقديم القهوة العُمانية المصنوعة بعناية والممزوجة بالهيل والزعفران، وتُقدّم في فناجين صغيرة يرافقها التمر، في مشهدٍ يعبّر عن الأناقة والاحترام في آنٍ واحد. ولا تقتصر الضيافة على القهوة فحسب، بل تشمل الأطعمة التقليدية مثل الشواء العُماني والعصيد والهريس والحلوى العمانية وهي أكلات تُعدّ بعناية، وغالبًا تُطهى خصيصًا للضيف. ويُنظر إلى تقديم الطعام كرمزٍ للسخاء، ودليلٍ على أن صاحب البيت يرحّب بالضيف من قلبه قبل أن يقدّم له شيئًا بيده.
وأضافت الراشدية أن ضيافة الطيب والعطور هي من أجمل مظاهر الضيافة في سلطنة عُمان، فبعد أن يجلس الضيف يُقدّم له المبخرة لتفوح رائحة العود أو اللبان. ويُعتبر البخور جزءًا من الهُوية العُمانية، إذ كان اللبان العُماني منذ القدم يُصدَّر إلى أنحاء العالم لما يحمله من جودةٍ وتميز ويستخدمه العُماني بشكل كبير وكله فخر بما أنتجته أرضنا العمانية الطيبة.
واستكملت الراشدية حديثها وقالت: إن خصائص الضيافة في عُمان لا تقتصر على المظاهر المادية، بل تشمل المشاعر والاهتمام بالضيف. فبعد الترحيب وتقديم القهوة، يبدأ المضيف بالسؤال عن أحوال الضيف وأهله، فيما يُعرف في الثقافة العُمانية باسم «المناشدة عن الأحوال». ويُعدّ هذا النوع من الضيافة دليلًا على الاحترام والتقدير ومن باب الاطمئنان على أحوال الضيف؛ لأنه يُظهر اهتمامًا صادقًا بالإنسان، لا بما يملكه أو بمكانته.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الضیافة الع مانیة الضیافة فی على تقدیم یتم تقدیم اله ویة کما یتم من خلال
إقرأ أيضاً:
6 مبادرات مكتملة و11 قيد التنفيذ.. اللجنة العُمانية السعودية تستعرض آخر تطورات التكامل بين البلدين
الرياض - العُمانية
استعرض الاجتماع الدوري للجنة التنسيق في مجالات التجارة والصناعة والاقتصاد المنبثقة عن مجلس التنسيق العُماني السعودي الذي عقد بالرياض بالمملكة العربية السعودية مبادرات التكامل حيث اكتملت 6 مبادرات في حين يجري استكمال 11 مبادرة أخرى خلال الفترة القادمة.
ترأس الجانب العُماني في الاجتماع سعادة الدّكتور صالح بن سعيد مسن، وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والصناعة فيما ترأس الجانب السعودي سعادة المهندس راكان بن وضاح طرابزوني، وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط للشؤون الاقتصادية الدولية بالمملكة العربية السعودية .
وقد استعرض الاجتماع ما تم إنجازه ضمن المبادرات، وفي القطاع الصناعي، سجلت المبادرات تقدمًا مهمًا تمثل في استكمال المرحلة الثانية من مشروع التكامل الصناعي، الأمر الذي أتاح الاكتفاء بشهادة المنشأ العُمانية لنفاذ المنتجات العُمانية إلى السوق السعودي، كخطوة أساسية في تحسين انسيابية السلع وتقليل التكاليف على المصنعين في سلطنة عُمان.
كما تم اكتمال مبادرة مصانع المستقبل، إلى جانب التوقيع على 12 اتفاقية لربط سلاسل الإمداد بين المصانع العُمانية والسعودية، مما يعزز فرص التصنيع المشترك ويدعم توسيع القيمة المضافة بين البلدين.
وسجل التعاون التجاري نمواًّ ملفتًا، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري حاجز 8 مليارات دولار بنهاية عام 2024م، وهو ما يعكس قوة العلاقات والشراكات المتنامية بين مجتمع الأعمال في البلدين، كما شهد الجانب الاقتصادي التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، إلى جانب عقد حلقات عمل فنية مشتركة أسهمت في مواءمة التشريعات وتبادل الخبرات، دعماً لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040" ورؤية السعودية 2030.
وقدّم المهندس جاسم بن سيف الجديدي، المدير الفني بمكتب وكيل الوزارة للتجارة والصناعة، عرضًا تفصيليًّا حول التطوّرات التنفيذيّة للمبادرات خلال العام، مبينًا أن إطلاق المرحلة الثانية من مبادرات التكامل الصناعي في الرياض خلال يوليو الماضي شكّل نقطة تحول مهمّة، فقد شملت هذه المرحلة تعزيز تكامل القدرات الصناعية بين الجانبين، وترسيخ التعاون في المحتوى المحلي وإجراءات المشتريات الحكومية وفق الأنظمة واللوائح المعمول بها.
وأضاف أن هذه الجهود أسهمت في تعزيز تكامل سلاسل الإمداد ورفع مستوى الشراكة الصناعية، مشيرًا إلى التقدّم المُحرز في استكمال محضر التحقق من إثبات المنشأ الذي يعمل الجانبان على تنفيذه، بما من شأنه دعم انسيابية حركة السلع وتقليل الأعباء على المصنعين خلال المرحلة المقبلة.