غالبًا ما تكون الإمبراطوريات غير قادرة على استيعاب الدروس القيمة دون التعرض لإهانة كبيرة أولاً. ورفضت الولايات المتحدة نصائح حلفائها الأوروبيين ودول المنطقة من أن إعلان تحالف عسكري ضد الحوثيين من خارج الدول المطلة على البحر الأحمر، وشن حملة قصف في البر اليمني سيؤدي إلى نتائج عكسية بدلاً من تحقيق أهدافه.
بحلول 18 فبراير/شباط سيكون الحوثيون قد أنهوا ثلاثة أشهر من استهداف السفن في البحر الأحمر؛ وبغض النظر عن المبرر الذي أعلنته الجماعة، إلا أنه يحقق أهدافهم بترسيخ أنفسهم كقوة رئيسية مؤثرة في المنطقة وبالتالي في اليمن، وجعلهم أقرب بكثير من السابق إلى حلفائهم الإيرانيين؛ ومنحتهم الهجمات الأمريكية الهروب من الاستحقاقات الداخلية من السلام إلى دفع رواتب الموظفين، والتنصل من الوعود بإزاحة الفاسدين من قادة الجماعة الذين سيطروا على السلطة والثروة خلال حرب السنوات العشر الماضية.
إن المخاطرة الرئيسية ليست هجمات الحوثيين في البحر الأحمر التي يربطونها بالحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة؛ بل في خروج الوضع في البحر الأحمر عن السيطرة مع الوجود الدولي المتزايد. مع محاولات استخدام الممر المائي الاستراتيجي كبالونة اختبار حرب باردة جديدة توجه الولايات المتحدة من خلالها الرسائل للحفاء والخصوم أنها ما تزال شرطي العالم ولم تتقاعد بعد.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الأيديولوجية، وليس الاقتصاد، كانت الدافع الرئيسي لقرار بايدن شن الحملة في البحر الأحمر والضربات على الحوثيين، إذ يعتقد بايدن أن على الولايات المتحدة أن تتصرف كما وصفوها بـ”الدولة التي لا غنى عنها” في العالم، بجيش قوي وقدرة على تنظيم دول متنوعة خلف قضية واحدة- (واشنطن بوست 20/01/2024).
وفي الواقع فإن التحرك الأمريكي في البحر الأحمر وخليج عدن بقدر حساسيته فإنه لا يقارن بالمخاطر التي تقد تترتب على تصرفات مماثلة في بحر الصين الجنوبي ضد بكين، وفي القطب الشمالي ضد موسكو. ما يعني أن واشنطن قادرة على فرض نفسها كزعيم أعالي البحار بتكلفة منخفضة ضد الحوثيين لكنها في الواقع تدافع عن صورتها كقائد أعالي البحار عبر جميع المحيطات. ولذلك كان موقف الصين وروسيا غاضب للغاية من الهجمات الأمريكية والبريطانية في البر اليمني بموجب قرار مجلس الأمن إذ يمكن اعتباره سابقة دولية يمكن استخدامها ضد تحركاتهما في البحار القريبة منها. والأمر ذاته بالنسبة للتهديدات الإيرانية في مياه الخليج العربي.
في حين أن العمليات البحرية ليست جديدة على الحوثيين حيث استهدفوا السفن السعودية والإماراتية في 2018 و2019م، إلا أن المخاطرة باستخدامها من قِبل الحوثيين كتكيك رئيسي للحصول على مكاسب داخلية وأداة ضغط لإيران للإقليم بتهديد التجارة الدولية، يثير قلق التجارة بين الشرق والغرب بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي؛ والدول العربية بما في ذلك قناة السويس، وتأخر مشاريع السعودية على البحر الأحمر. لكن الحملة الأمريكية ضد الجماعة المسلحة فرصة ذهبية للجماعة كانت تحتاجها لترسيخ نفسها كقوة في المنطقة، بتكلفة يمكن تحملها.
يمكن أن يكون للرد العسكري الغربي على هجمات الحوثيين قيمة رمزية لهذه الدول، لكن تأثيرها على قدرات الحوثيين العسكرية محدود. كما أن الهجمات الأمريكية والبريطانية لم تؤثر إلا على الملاحة في البحر الأحمر، إذ أن معظم شركات الشحن حوّلت سفنها عبر طريق رأس الرجاء الصالح بعد الهجمات الأمريكية مع احتمالات وكالات المخاطر بتصاعد الفوضى.
في نهاية المطاف كان ينبغي للولايات المتحدة- وتابعها بريطانيا- أن تتعلم من حروبها في الشرق الأوسط وأن هناك حدوداً لما يمكن أن تفعله، وأن تجاهلها لحلفائها في وقت حاجتهم، ونصائحهم في وقت حاجتها، لن يؤدي إلا إلى توريط المنطقة في حرب جوالة جديدة كما فعلت في حروبها منذ بداية القرن وتزايد غطرستها بعد حروبها في العراق وأفغانستان ووصلت إلى سقفها مهددة عالم القطب الواحد.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق الأخبار الرئيسية
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
عملية عسكري او سياسية اتمنى مراجعة النص الاول...
انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الهجمات الأمریکیة فی البحر الأحمر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
تداول 64 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر
أعلن المركز الإعلامي لهيئة موانئ البحر الأحمر، أن إجمالي عدد السفن المتواجدة على أرصفة الهيئة 10 سفن، وأنه تم تداول 64 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة، و1181 شاحنة و420 سيارة، فيما سجلت مواني الهيئة وصول وسفر 4260 راكبا بموانيها.
وأوضح المركز - في بيان اليوم /الخميس/ - أن حركة الواردات شملت 7000 طن بضائع، و515 شاحنة و415 سيارة، فيما شملت حركة الصادرات 57 ألف طن بضائع، و666 شاحنة و5 سيارات.
وأشار البيان، إلى أن ميناء سفاجا شهد مغادرة السفينة (SEA KSONTI)على متنها 44 ألف طن فوسفات تصدير إلى سنغافورة، كما غادرت السفينتان (الحرية2،وبوسيدون أكسبريس).
فيما استقبل الميناء ثلاث سفن وهي (القاهرة، PELAGOS EXPRESS، و ALCUDIA EXPRESS)، كما تم تداول 3400 طن بضائع، و420 شاحنة بميناء نويبع من خلال رحلات مكوكية (وصول وسفر) لأربع سفن وهي (أور، وسينا، والحسين، وإيلة)، فيما شهد ميناء بورتوفيق اليوم استقبال السفينة SEA WAVE2 على متنها 265 سيارة بوزن 680 طنا قادمة من جدة.