بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي …!!
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
بقلم : د. مظهر محمد صالح ..
واصل دونالد ترامب سيرهُ على الرصيف المؤدي الى شارع المال في مدينة نيويورك ليتوقف فجأة أمام شحاذ افترش الارض وهو يقلب الكثير من اللاشيء سوّى بضعة سنتات ودولارين غطتا تلك القطع النقدية المعدنية في كاس كوكا كولا فارغ . نظر ترامب الى ذلك الفقير بعين من الأسى محدثاً إياه: إنك أيها الرجل تمتلك صفر من الثروة وانا مدين بمبلغ 900 مليون دولار بعد ان فقدتُ ثروتي كلها فإنك بالمحصلة اغنى مني! اجابه الشحاذ مبتسماً انا حقاَ اغنى منك.
غادر ترامب ذلك الشحاذ وهو يسبق الخطى للالتقاء بصديق سيساعده على استعادة ثروته مجدداً ولكنه ظل يردد في سره بان التيارات الرئيسة السائدة في علم الاقتصاد مازالت تستخدم نماذج المنفعة المتوقعة ودور العوامل العقلانية عند استخدامها في التحليل الاقتصادي واختبار نماذج التحليل. هنا توقف ترامب وهو يُحدّث نفسه كرة اخرى قائلاً: ان العديد من تلك التحليلات لم تستطع ان تفسر كيف يمكن الحصول على الثروات التي تحققها الطفرات الاقتصادية وكيف تُشكل تلك الثروات مجدداً! مع ذلك، احتفظ بصورة “رجل الأعمال الناجح”، وهو ما يعكس مهارة في إدارة السمعة رغم الضغوط التي لاحقتني .
ففي عالمٍ يتسارع فيه الاقتصاد وتتصاعد فيه الفروقات الطبقية ، لا تُقاس قرارات البشر فقط بالأرقام أو بالمكاسب والخسائر، بل أيضًا بما يجري داخل أدمغتهم ،فكيف يؤثر المال أو غيابه على طريقة تفكيرنا؟
و هل يفكر الأغنياء بطريقة مختلفة عن الفقراء، أم أن البيئة والضغوط تغير من آلية عمل عقولنا ذاتها؟
انه علم الاقتصاد العصبي، الذي بات يجمع بين الاقتصاد، وعلم النفس، وعلوم الدماغ، اذ يقدّم اليوم أدوات جديدة لفهم دهاليز التفكير الطبقي، حيث لا تكون القرارات مجرد اختيارات عقلانية، بل نتاجًا لتفاعلات عصبية معقدة، محفوفة بالخوف، والأمل، والإجهاد، والحرمان أحيانًا.
ففي هذه الرحلة، نغوص معًا في أعماق الدماغ، لنفهم كيف يتخذ الفقير قرارًا ماليًا تحت ضغط الاحتياج، ولماذا يميل الغني للمخاطرة أحيانًا دون قلق. لنكتشف كيف يغيّر المال الطريقة التي نرى بها العالم، وكيف يعيد الفقر برمجة العقل على البقاء بدلًا من النمو.
ربما لم يدرك دونالد ترامب ظهور ما يسمى بعلم الاقتصاد العصبي Neuroeconomics
وهو من العلوم السلوكية التي تشكلت من خليط علوم الاعصاب وعلوم الاقتصاد كما نوهنا ، اذ حاول هذا العلم ايجاد مشتركات في التصرف ازاء تعظيم المنفعة ومقاييس الاستجابة العصبية والتي تركز جميعها على دور الدماغ في تدفق الدم ،فالدماغ يتكون حقاً من مقاطع وانظمة عديدة تتعامل جميعها في توجيه صنع القرار.
، فالعديد من القرارات تُتخذ في إطار ظروف محفوفة بالمخاطر، لذلك تتجه النزعة الانسانية إما صوب تحمل المخاطر بغية تعظيم المنفعة، او نحو تجنب المخاطر والتضحية بجانب من المنافع. فقد كشفت البحوث والدراسات في الولايات المتحدة الامريكية ان هنالك الكثير من الامور الاستثنائية والشاذة والانماط الشائعة من التصرفات التي غدت جميعها لا تتلائم ومبدأ تعظيم المنفعة والتي منها تلك النزعة المتجنبة للمخاطر risk aversion التي كان يمارسها شحاذ وول ستريت وهو يفترش الرصيف حين واجهه دونالد ترامب المجازف الذي بات مفلساً.
مر ترامب بتجارب خسارة مالية وتجارية كبيرة قبل أن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة، وهي تجارب كثيرًا ما تُستخدم كمثال على التقلبات في عالم المال والقرارات عالية المخاطر، وحتى في بعض الأحيان كمادة لدراسة السلوك الاقتصادي من منظور علم الاقتصاد العصبي وان تلك الإفلاسات كانت نتيجة قرارات استثمارية محفوفة بالمخاطر في قطاع الكازينوهات والعقارات. كما عد ترامب انموذجًا لما يسمى بـ “القرارات عالية المخاطرة عالية العائد High-risk, high-reward”.
فمن المحتمل أن يكون لديه ميل عصبي للمخاطرة، وقدرة على تجاهل الخوف من الفشل، وهو ما يترافق مع نشاط منخفض نسبيًا في مناطق الدماغ المرتبطة بالخوف أو الحذر، مثل اللوزة الدماغية (amygdala).
وهكذا يوضح لنا علم الاقتصاد العصبي بان ثمة مناطق متعددة في الدماغ تختلف في درجة تحسسها إزاء موضوع تحديد المخاطر او حالة اللايقين ازاء التصرفات الانسانية المتعلقة باتخاذ القرار الاقتصادي، والتي تتوقف على شكل وتركيب وطبيعة القشرة الخارجية لمقدمة العقل البشري. فبالوقت الذي يركز فيه الفقراء على احتمالات الخسارة مهما كانت ضئيلة يركز الاغنياء على احتمالات الربح مهما كانت ضئيلة ايضاً. فكل فريق ينظر الى القدح المملوء نصفه بالماء. فالفقراء يعتقدون ان عليهم معرفة كل شيء مقدماً وضرورة الحصول على المعلومة عند كل ردة فعل وهو امر لا يتيسر حصوله لارتفاع تكاليفه ، في حين يبقى الاغنياء وحدهم من يمتلك المحفظة المعلوماتية لاتخاذ قراراتهم المعظِمة لمنافعهم utility maximisation وهي حكراً في متناول ايديهم وشبكة اعصابهم في تعظيم ثروتهم مهما كان تركيب قشرة ادمغتهم التي وعدنا بها علم الاقتصاد العصبي!.
فاذا كان الاقتصاد التقليدي يفترض أن الأفراد عقلانيون ويعملون دائمًا على تعظيم منفعتهم ، فان الاقتصاد العصبي يُظهر أن اتخاذ القرار ليس دائمًا عقلانياً، بل يتأثر بالعواطف، والحدس، والتحيزات، والنشاط العصبي.
ختاما، يبقى علم الاقتصاد العصبي (Neuroeconomics) كما ذكرنا هو حقل متعدد التخصصات يدمج بين علم الاقتصاد، وعلم الأعصاب، وعلم النفس المعرفي، بهدف فهم كيفية اتخاذ الأفراد للقرارات الاقتصادية.
اذ يهتم هذا العلم بدراسة العمليات العصبية والذهنية التي تقف وراء السلوك الاقتصادي، مثل اتخاذ القرار، والمخاطرة، والمكافأة، والتفضيلات الشخصية ،ما يقتضي من صناع القرار في عالم الاسواق الحرة تصميم حملاتهم التسويقية الفعالة بناءً على فهم كيف سيستجيب الدماغ للإعلانات والدعاية ،كذلك تطوير سياساتهم لتأخذ في الاعتبار التحيزات المعرفية لدى الناس.فضلاً عن تحسين استراتيجيات التفاوض أو الاستثمار بناءً على فهم أعمق لآليات اتخاذ القرار. انه عالم اقتصادي شديد التعقيد والصراع والتفكير والتفاوت في بناء الثروات او نهبها …!!! د.مظهر محمد صالح
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات اتخاذ القرار
إقرأ أيضاً:
شر البلية ما يضحك.. المنصات تتفاعل مع الرسوم التي فرضها ترامب على العراق
تناولت حلقة 2025/7/10 من برنامج "شبكات"، الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات كل من العراق وليبيا والجزائر، والتي تنحصر غالبيتها في النقط ومشتقاته.
ويقدر حجم التبادل بين الولايات المتحدة والعراق بـ9 مليارات دولار، لكن الميزان التجاري يميل للعراق بفائض يصل إلى 5.7 مليارات دولار.
الأمر نفسه مع الجزائر التي يقدر حجم تجارتها مع الولايات المتحدة بـ3.5 مليارات دولار من الواردات الأميركية و1.5 مليار دولار من الصادرات الجزائرية، وكذلك ليبيا التي تسيطر على 1.5 مليار دولار من حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة الذي يصل إلى ملياري دولار.
ويسيطر النفط ومشتقاته على معظم صادرات هذه الدول للولايات المتحدة، بينما تستورد الدول الثلاث كل شيء من أميركا تقريبا، كالأدوية والمعدات الطبية والصناعية والتكنولوجية وغيرها.
لكن توقف هذه الدول عن تصدير نفطها للولايات المتحدة لن يؤثر على الأخيرة كثيرا، كونها تعتمد اعتمادا كبيرا على إنتاجها المحلي، والواردات من دول أخرى.
"شر البلية ما يضحك"وأثارت هذه الرسوم الجديدة سخرية على مواقع التواصل، حيث كتبت بشرى عبد الرحمن: "شر البلية ما يضحك، ما يكفي (أن) السياسيين يسرقون خزينة العراق والأراضي والعقارات، بالإضافة إلى رواتبهم وامتيازاتهم؟ ترامب راح يكمل علينا".
كما كتب كريم غيزول: "هذ القرار يؤثر على دولة منتجة ونسبة صادراتها عالية، أما احنا وينو (أين هو) الإنتاج، ووينو التصدير؟"، مضيفا "روح ابحث على نسبة الضريبة المطبقة على الواردات القادمة للجزائر من جميع الدول وبعدها نحكيو على الضريبة لي رفعتها أميركا".
أما باسم الشريفي، فكتب "هو (ترامب) يأخذ نسبة من قبل، وهسه (الآن) يفرض 30% رسوما، يعني حوالي ثلثي النفط العراقي صار لأميركا".
في المقابل، اقترح ناشط يدعى الأمين: "سياسة تغيير الوجهة للسلع إلى دول الجوار -كالمكسيك وكندا ودول أخرى- للتصدي لهذه الرسوم، كما فعلت الصين التي حولت سلاسل توريدها".
إعلانوعن آلية التعامل مع هذه الخطوة، قال الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور صفوان عبد الحليم، لبرنامج شبكات، إن على بغداد "رسم علاقة جمركية عبر التصفير المتبادل، لأننا بحاجة لمزيد من الانفتاح على الاقتصاد الأميركي، ومن ثم يجب عدم السعي لإعاقة التبادل التجاري".
وأضاف "حاليا نحن (لدينا) النفط، لكننا بحاجة لتطوير الصناعة المحلية، حتى يمكننا تصدير مزيد من المنتجات للسوق الأميركية".
10/7/2025-|آخر تحديث: 19:32 (توقيت مكة)