حصري- لماذا لم تستهدف الضربات الأمريكية كبار قادة الحوثيين؟... خبراء دوليون يجيبون
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
شن التحالف العربي الذي تقوده السعودية آلاف الغارات الجوية على مدى تسع سنوات على مواقع وأهداف عسكرية لمليشيا الحوثي (المصنفة على قائمة الإرهاب)، فلماذا تكرر الولايات المتحدة ذات السيناريو، بدلاً من تركيزها على استهداف كبار قادة الحوثيين بدلاً من ذلك؟
تساؤل يكرر طرحه الملايين داخل وخارج اليمن، وقبلهم المراقبون للمشهد اليمني، في ظل قيادة الحرس الثوري الإيراني للهجمات العسكرية التي تتبنى مليشيا الحوثي تنفيذها في عرض البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، أو في أراض اسرائيلية تحت مسمى "نصرة أبناء غزة"، يواجهها عمليات ردع تقودها واشنطن (الحليف الإسرائيلي) تحت شعار "حماية الملاحة والدفاع عن النفس"، وهما شعاران اجوفان من حيث المضمون.
سفينة تجسس
الخبير الإيراني جيسون برودسكي، وهو مدير السياسات في منظمة متحدون ضد إيران النووية، وباحث غير مقيم في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط، كان واحدا ضمن عديد خبراء طرحت عليهم وكالة "خبر" هذا التساؤل، بحثا عن إجابة أكثر عمقاً في مضامينها.
يقول جيسون برودسكي، إن "فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ينشر عناصره في اليمن، وعلى رأسهم عبد الرضا شهلائي، قائد كبير مقيم في صنعاء. وتوقعت قوة القدس اتخاذ إجراءات غربية، وقامت أيضا بنقل سفينة التجسس "بهشاد" التي كانت تنقل معلومات استخباراتية للحوثيين لتوجيههم في استهداف السفن في المياه الدولية. وقد أضعف هذا الأمر الأمن التشغيلي.
وأشار خلال حديثه لوكالة خبر، إلى أن هذا التحرك الأمريكي-البريطاني "يثير تساؤلات حول مدى فعالية الحملة العسكرية الأمريكية".
ويؤكد أن "الأمر لا يتعلق بالكمية، بل بنوعية الأهداف، وبالتحديد أهميتها بالنسبة للحوثيين والقيادة الإيرانية". في حين "تعتمد استراتيجية الدفاع الإيرانية على استخدام وكلاء وشركاء يمكن الاستغناء عنهم لردع أي هجوم على الأراضي الإيرانية من قبل الولايات المتحدة".
ويجزم أن "خامنئي سوف يقاتل حتى آخر حوثي" من أجل الحفاظ على بقاء نظامه قائما في طهران "لكنه يتجنب المخاطرة في استخدام قواته بشكل علني لأنه يعلم أن مثل هذا الصراع مع القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها من شأنه أن يخاطر بزعزعة استقرار نظامه".
كما أن سيل التسريبات -وخاصة من وسائل الإعلام البريطانية في الأيام الأخيرة- في الفترة التي سبقت الضربات، شجع الحوثيين والحرس الثوري الإيراني على نقل ترسانتهم من الأسلحة والأفراد الرئيسيين بعيدا.
ويؤكد برودسكي، أنه "من أجل ردع القيادة الإيرانية بشكل فعال، سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها ضرب أهداف لها قيمة بالنسبة للحكم الديني. وتشمل هذه قواعد الحرس الثوري الإيراني في إيران وقادة الحرس الثوري الإيراني في اليمن والمنطقة، وفقا لبرودسكي".
أما بالنسبة لليمن فيرى برودسكي أنه "يتوجب عليهم (الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف الدولي) القضاء على أهداف حوثية عالية القيمة بدلا من استهداف مواقع استهدفها التحالف العربي مئات المرات على مدى اكثر من ثماني سنوات".
الضربات الجوية الأمريكية- البريطانية، والهجمات الصاروخية والمسيراتية للحوثيين، جميعها لم تسفر عن مصرع قيادي عسكري هنا او هناك. ومثل هكذا عمليات تثير الشكوك.
الخبير في الشؤون العسكرية والدفاعية، والضابط الإيراني المنشق، بابك تقوايي، يكشف عن اهم هذه الاسباب قائلاً: "أحد الأسباب الرئيسية هو أنهم لا يفعلون ذلك فقط لأنه لم يفقد أي من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية حياته في هجوم الحوثيين.
ويؤكد خلال حديث لوكالة خبر، أنه "إذا حدث ذلك (استهدفت مليشيا الحوثي قيادات عسكرية أمريكية في السفن والفرقاطات المنتشرة في البحر الأحمر) فمن المؤكد أنهم سيلاحقون بعض قادة الحوثيين".
لا حرب إقليمية
المخاوف الأمريكية من التصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط تظهر جلياً لدى إدارة بايدن الذي يخشى انعكاسات آثاره على سير حملته الانتخابية، ولكن ما مدى الرغبة في الرد بالمثل بالنسبة لطهران التي خسرت عددا من أبرز قياداتها في ضربات بالعراق وسوريا وغيرها.
بروس ريدل، مستشار سابق لأربعة رؤساء أمريكيين ومدير معهد (بروكينغز) الاستخباراتي الأمريكي، يجيب على ذلك مؤكداً: "الولايات المتحدة متخوفة من التصعيد في المنطقة".
ويضيف المستشار الرئاسي الأمريكي لوكالة خبر، "لكن في الحقيقة لن تجرؤ إيران على التصعيد. فلن تكون هناك حرب إقليمية حتى بعد القضاء على قاسم سليماني، الذي كان يحمل أهمية كبيرة للنظام الايراني".
مواجهة مباشرة
الجميع اتفق على أهمية التساؤل الذي يبحث عن إجابته الملايين داخل وخارج اليمن، بشأن سر عدم استهداف الولايات المتحدة قيادات عسكرية حوثية رفيعة في ضرباتها الجوية. والمصالح المشتركة بين واشنطن وطهران وحلفائها في المنطقة هي القاسم الأكبر في هذا التخادم غير الخفي، وإن دثرته جميع الأطراف بدوي الضربات لغير جدواها.
وتقول المحامية والخبيرة الأمريكية المتخصصة في شؤون الأمن القومي إيرينا تسوكرمان لوكالة خبر: "هذا سؤال رائع! للأسف، لا تزال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعتقدان أن تحقيق اختراق دبلوماسي مع إيران أمر ممكن إذا استمرت واشنطن في الحد من هجماتها، ومن ناحية أخرى، إذا هاجمت الولايات المتحدة حلفاء إيران القريبين أو مصالح أخرى، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران وحرب إقليمية أكبر مع وكلائها".
للأسف، تواصل إدارة بايدن تجاهل الحقائق الأساسية للمنطقة والسياسة الإيرانية الخبيثة. وبالتالي لن تتأثر طهران بالدبلوماسية أو الضغط المحدود.
ثانياً، الولايات المتحدة لا تدرك أن إيران تعتبر استعداد واشنطن للتوصل إلى تسويات وتجنب المواجهات على أنه ضعف، وليس حكمة أو لطفاً.
وتشير إلى أن "الولايات المتحدة نسيت المبدأ المكيافيلي الذي يؤكد أنه من الأفضل أن تكون مهاباً بدلاً من أن تكون محبوباً".
ومع ذلك، تواجه الولايات المتحدة صعوبة حتى في تعريف وتمييز بين الحلفاء والأصدقاء والأعداء بوضوح. فلديها نهج غامض وغير مترابط فيما يتعلق بالعلاقات، بحسب تسوكرمان.
وترى أنه "لضرب كبار قادة الحوثيين، ستحتاج الولايات المتحدة أولاً أن تقبل استخدام القوة المنظمة والردع الاستراتيجي كوسيلة لمنع الصراعات الكبيرة وإنقاذ الأرواح".
وسيتعين عليها أيضا أن تفهم أن إيران قوة أضعف بكثير ومن المهم السيطرة على التصعيد واستخدام الضغط حتى تخشى طهران العواقب وتتراجع.
وتؤكد في نهاية حديثها أنه "يجب على واشنطن أن تقبل أن إيران تقوم بالتصعيد من جانب واحد منذ أكثر من 40 عاماً، وأنها لن تتوقف من تلقاء نفسها".
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 12 يناير الماضي، بدء عملياتها الجوية ضد أهداف عسكرية تابعة لمليشيا الحوثي في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرتها في اليمن، رداً على هجمات نفذتها الأخيرة ضد السفن التجارية التي تعبر البحرين الأحمر والعربي عبر مضيق باب المندب بمزاعم "نصرة غزة".
وفي 17 يناير الماضي، أعلنت واشنطن تصنيف مليشيا (جماعة إرهابية عالمية)، وتوعدت بإعلان تصنيف المليشيا (منظمة إرهابية) في 16 فبرير الجاري حال استمرت بمهاجمة السفن في عرض البحر، في وقت تتواتر الأنباء عن وساطة تقودها سلطنة عمان بإيقاف الحوثيين المدعومين من إيران، هجماتهم مقابل رفع واشنطن التصنيف.
وأظهر الصراع الدائر بين البحر الأحمر حقيقة الصراع على المصالح الخاصة بهما، بعيداً عن ما يرفعانه من شعارات لم تعد تأتي أُكلها.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الثوری الإیرانی قادة الحوثیین
إقرأ أيضاً:
لماذا فشل الكيان بتحييد جبهة اليمن
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إن إسرائيل باتت تعاني اختلالا في مفهوم الردع والدفاع، إذ اعتادت تاريخيا أن تكون ضرباتها أكثر ردعا وأثرا وأقل تكلفة، لكن بالأعوام الـ30 الأخيرة باتت تقوم بعملية ردع عبر الاحتلال.
ووفق حديث جبارين فإن إسرائيل تنفذ عمليات في اليمن ذات ضجيج إعلامي وبتكلفة كبيرة، لكن بأثر ردع قليل.
وبناء على ذلك، فإن إسرائيل عالقة بين البعد الإستراتيجي الاستخباراتي، وبين كل ما يريده وزيرا المالية والأمن القومي الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير للحفاظ على توليفة الحكومة.
وأمس الأحد، أعلن متحدث القوات المسلحة يحيى سريع تنفيذ 4 عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية حيوية بصاروخ باليستي فرط صوتي وطائرات مسيّرة، مؤكدا أنهم يعملون على فرض حظر كامل على حركة الملاحة الجوية في مطار بن غوريون بعد النجاح في فرض حظر جزئي.
بدوره، يقول الخبير العسكري العميد عابد الثور إن اليمنيين يرسلون رسالة مفادها أنهم "يمتلكون القوة الكافية لتوجيه ضربات للاحتلال طالما استمر بارتكاب جرائم الإبادة في قطاع غزة".
واستبعد الخبير العسكري ما يدعيه الاحتلال من إسقاط الصواريخ اليمنية، مشيرا إلى تقدم الصناعات العسكرية لليمنيين وأنها "ستثير رعبا، وستصل إلى مستوى إفشال قدرة الاحتلال في اعتراضها".
أما الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي فأكد أن ضربات اليمنيين تعد إحدى المشكلات التي تواجهها إسرائيل في غزة، لكنها ليست الوحيدة.
وحسب مكي، فإن هذه الضربات "لا تسبب صدمة لإسرائيل في منظومة الردع فحسب، وإنما بقدرتها في التعامل مع المحيط الخارجي".
وأعرب عن قناعته بأن صواريخ اليمن "سببت أزمة لإسرائيل في نظرتها لنفسها كدولة متفوقة في المنطقة".
وبشأن تداعياتها، قال الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات إن عمليات اليمن "تزيد تكاليف العدوان على غزة، وتجعل من الزمن عدوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومخططه الكبير".
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن اليمنيين أطلقوا 43 صاروخا باليستيا من اليمن على إسرائيل، إضافة إلى ما لا يقل عن 10 طائرات مسيرة، منذ استئناف إسرائيل حربها على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الماضي.
وأعرب عابد الثور عن قناعته بأن إسرائيل "فشلت في ضرباتها ضد منشآت مدنية واقتصادية وحيوية يمنية"، مؤكدا أن هذه الضربات تعد جريمة واضحة.
وأضاف "لو كانت إسرائيل قادرة على فرض حظر بحري وجوي على اليمن لنفذته منذ بداية طوفان الأقصى"، مشيرا إلى أن "اليمنيين يعلمون بنتائج إسناد غزة، وأصروا على ذلك للرد على المجازر".
وأطلق اليمنيون 17 صاروخا منذ الثاني من الشهر الماضي، أي بمعدل صاروخ كل يومين تقريبا، مما يعطل حركة الطيران ويحدث إرباكا مستمرا في الحركة الطبيعية للإسرائيليين.
من جانبه، يرى الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي أن ذهاب إسرائيل إلى تصعيد مع اليمنيين يعني تصعيدا مع إيران، "لذلك تبقى عالقة في جبهة اليمن، دون أي قدرة بسبب العمى الاستخباراتي وغياب الردع الحقيقي".
وجدد تأكيده على أن ضربات اليمنيين لديها تكلفة اقتصادية واجتماعية على إسرائيل.
إستراتيجية واشنطن
وبشأن الدور الأميركي، قال الخبير العسكري إن واشنطن خرجت عسكريا من البحر الأحمر، لكن إسنادها الاستخباراتي واللوجستي لا يزال مستمرا مع إسرائيل.
في المقابل، قال مكي إن الولايات المتحدة لم تبدِ أي رد فعل سياسي أو عسكري واضح باتجاه ضربات اليمن، مشددا على أن واشنطن يهمها وجود ضغوط على نتنياهو، و"ألا يشعر بالأمان المطلق".
ووفق مكي، فإن المفاوضات بين واشنطن وطهران لن تنعكس على ضربات اليمنيين باتجاه إسرائيل، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقتنع بعد ضربات واشنطن على اليمن بأنه "دخل مستنقعا ومغامرة خاسرة، مما سيعرضه لخسائر أخلاقية وعسكرية".
الجزيرة