احترام الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن كما نص عليها الدستور المصرى بأنها لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً لم ترد فى الدستور الحالى ولا فى جميع الدساتير السابقة التى صدرت منذ دستور 1923، واللوائح الأخرى من قبله، ولكنها صدرت فى عهد ملوك مصر الفراعنة قبل الميلاد، واهتدت بها الدساتير المصرية التى نصت على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل أو العرق، أو اللون، أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، وحظر على صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسرى للإنسان، وتجارة الجنس وغيرها من أشكال الاتجار فى البشر، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بمس أصلها وجوهرها.
حقوق الإنسان معترف بها من أيام الفراعنة، ومن أهم المبادئ التى جاءت لترسيخ هذه الحقوق قديماً كانت الحق فى الحياة، فالمصريون القدماء كانوا أول من اعترف للإنسان بهذا الحق وبشكل عملى، فلم يذبحوا أبناءهم أو يئدوهم كما ذكر فى بعض الأقاويل غير الحقيقية، فالمصريون القدماء كانوا يقدسون حياة الإنسان وحق الطفل سواء كان ذكراً أو أنثى فى أن يتربى فى جو أسرى سليم.. كان المصريون القدماء أمام «ماعت» سواء، فلا فرق بين غنى وفقير، ولا رجل ولا امرأة، ولا بين حر وعبد، ولا بين مواطن وأجنبى.. الجميع له نفس الحق، لأن اختلال ذلك النظام يعنى الفوضى وهى أعظم الأخطار التى كان الملك والمعبد مكلفين بمنع حدوثها. كان المجتمع المصرى قديماً مجتمعًا عاملًا لا سبيل فيه للكسالى والعاطلين، كان مجتمعاً يقدس العمل، فبالعمل لا غيره كان طريق مصر إلى القوى وسبيلها للازدهار وعرف المصريون منذ القدم تنظيم العمل، وكانت الدولة المصرية تكفل العمل للأفراد فى أوقات الفيضان والتى لا تصلح فيها الأراضى للزراعة فكانت تقام المشاريع الكبرى مثل بناء الأهرامات أو السدود وغيرها، والتى يلتحق بها العمال من كل فج فى مصر. وكان لابد من نظام دقيق يكفل للعمال حقوقهم، حيث كفل ذلك النظام للعمال مواقيت عمل مع منحهم إجازة فى نهاية كل أسبوع عمل.
سبق عهد الفراعنة الدساتير والقوانين الحالية فى احترام كرامة العامل، حيث يعتبر الملك أمنحوتب الأول هو من ألغى السخرة عن العمال وأمر بالمساواة بين عمال مصر، لا فرق بين لون أو جنسية أو ديانة وكان مبدؤه «عملك هو ما تقيم عليه»، وكان أمنحوتب الأول ثانى ملوك الأسرة الثامنة عشرة وحكم مصر من 1504 قبل الميلاد، حتى 1525، وكان الابن الثالث لأحمس الأول وأحمس نفرتارى، وتولى الحكم صغيراً، وكانت أمه العظيمة الملكة نفرتارى هى من تولت الحكم حتى بلغ أشده وتولى حكم مصر.
وكالعادة عندما يموت ملك ويتولى آخر، تتكالب الغزاة على مصر ولكن أمنحوتب الأول الشاب تعلم من والده ووالدته كيف يحافظ على بلده وشعبه، وأغار الليبيون من الغرب فتصدى لهم، وهزمهم وأخضعهم لحكمه، ثم وكالعادة هجم «الكوشيون» من الجنوب وقتلوا الحامية المصرية ووصلوا إلى الشلال الأول وطاردهم أمنحوتب الأول حتى الشلال الرابع وأخضع «كوش» للملكة المصرية.
استقرت أوضاع مصر فى عهد أمنحوتب الأول، وبدأ فى بناء معبد الكرنك وبناء معبده فى دير المدينة، وعندما كان يتابع العمل هناك وجد أن العمال يتم تسخيرهم فى الأعمال الشاقة دون إعطائهم الراحة اللازمة والأكل المناسب، وكان هناك تمييز قائم على اللون والعرق، وأمر أمنحوتب الأول بإلغاء كافة أشكال السخرة والتمييز بين العمال.. الكل يتساوى ولذلك أحبه أهل طيبة وقدسوه حتى بعد وفاته.
أمنحوتب الأول مات وعمره 35 عاماً، بعد أن حكم مصر 20 عاماً، أقام فيها إمبراطوريته المصرية التى كانت تنعم بالأمان والاستقرار، ومن شدة حب المصريين له بالغوا فى تصوير قوته البدنية، فنراه مصوراً ممسكاً بأسد من ذيله، ثم يرفعه فى سرعة خاطفة، ويقضى عليه، وعلى الرغم من عدم حقيقة هذا التصوير الفنى المبالغ فيه، فالأمر يعكس مدى فخر المصريين بقوة ملكهم البدنية الخارقة والتغنى بشجاعته وبسالته القتالية.
كان أمنحوتب الأول يهتم بكل طبقات المجتمع حتى أن عمال منطقة دير المدينة، فى البر الغربى لمدينة الأقصر، ظلوا لقرون عديدة فى عهد الفراعنة يقدمون له القرابين، بل كان هناك تقليد خاص وهو أن كهنة معبده كانوا من العمال أنفسهم، ويأتى تقديس العمال له نظراً لاهتمام هذا الملك بطوائف العمال ووضع نظام خاص بالعمل لهم، وقدم لهم أرزاقهم، ومن ثمّ جاء تقديرهم لهذا الملك، محبوب العمال.
تم العثور على مومياء الملك أمنحوتب الأول عام 1881، فى مخبأ الدير البحرى الملكى فى الأقصر، وتعتبر هى المومياء الملكية الوحيدة التى لم يتم فك اللفائف عنها فى العصر الحديث، حفاظاً على جمال المومياء المغطاة بالقناع الجنائزى وبأكاليل الزهور الملونة، مات الملك أمنحوتب الأول دون أن يترك ولداً يخلفه، ويرث عرشه، عرش مصر، تاركاً مصر منعمة بالرخاء والأمن والاستقرار.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن محمود غلاب الحقوق ا الدستور المصرى
إقرأ أيضاً:
ذا إيكونوميست: رجل الكهف بسقطرى.. آخر رجل كهف على الأرض يعيش بعيداً عن الحداثة (ترجمة خاصة)
سلطت مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية الضوء على رجل الكهف في اليمن الذي يعيش في أحد كهوف جزيرة أرخبيل سقطرى بعيدا عن الحداثة.
وقالت المجلة في تقرير لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه على شاطئ صخري في اليمن، يعيش رجل حياةً بعيدةً عن الإنترنت والشاشات. يعيش حياةً قاسية.
ونشر مدوّن فيديو سفر يُدعى كولين مؤخرًا فيديو له وهو يلتقي عبدالله علاوي، رجل يبلغ من العمر 62 عامًا يعيش على الشواطئ الصخرية لجزيرة سقطرى النائية في اليمن.
وحسب المجلة فإن الفيديو الجديد الذي انتشر على نطاق واسع يُقدم الرجل الذي لا يعتمد على الكهرباء والهواتف ووسائل الراحة الحديثة. يصطاد السمك يدويًا، وينام في كهف، ويعيش على إيقاع المد والجزر.
أطلق عليه كولين والإنترنت لقب "آخر رجل كهف على الأرض".
في التعليق، كتب المدوّن: "تعرّفوا على علاوي، رجل الكهف اليمني البالغ من العمر 62 عامًا. يعيش على شواطئ سقطرى الصخرية، ويعيش على البحر بما تمنحه الطبيعة.
يتحدث إنجليزية ركيكة، وقد تعلّمها على مرّ السنين من زوار فضوليين، فمن منّا لا يرغب بلقاء رجل كهف في عام 2025؟ ينام في كهف، ويصطاد السمك بيديه، ويمشي حافي القدمين على صخور متعرجة كرمالها.
أيامه تُقاس بالمدّ والجزر لا بالوقت. لا هاتف. لا كهرباء. فقط إيقاع الرياح والماء. ومع ذلك، يبتسم وكأنه يعرف شيئًا نسيه الآخرون."
يرتدي علاوي مئزرًا فقط، ويختار يدويًا صدفة بحرية كإكسسوار. يتحدث بصراحة عن حياته في الفيديو.
يدّعي الرجل أن لديه 15 طفلًا، تسعة منهم متوفون. كما يُظهر للمدوّنة أسلوب حياته، ويتجول معه في أرجاء المكان، بل ويشاركها لحظات من الضحك والفرح.
بينما انبهر الكثيرون بأسلوب حياة علاوي، أشار آخرون إلى أمر مهم: علاوي ليس من "رجال الكهوف". من المرجح أنه من قبيلة أصلية تحاول العيش وفق التقاليد.
يقول بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إن وصفه برجل الكهف قد يكون مُضلِّلاً أو حتى مُهينًا. وأشار مستخدم آخر إلى أن "هناك ملايين الناس يعيشون في الكهوف. في الصين والمكسيك والأردن وتونس وتركيا وغيرها".
وختمت مجلة إيكونوميست تعليقها بالقول "سواءً وُصف برجل الكهف أم لا، فإن أسلوب حياة علياء جعل الكثيرين يتوقفون ويتأملون".