دراسة تؤكد دور الفيروسات القديمة في تشكل وتطور أدمغتنا وأجسامنا
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
أفادت دراسة جديدة بأن الفيروسات القديمة التي أصابت الفقاريات منذ مئات الملايين من السنين أدت دورا محوريا في تطور أدمغتنا المتقدمة وأجسامنا الكبيرة.
وفحصت الدراسة أصول مادة المايلين، وهي طبقة عازلة من الأنسجة الدهنية التي تتشكل حول الأعصاب وتسمح للنبضات الكهربائية بالانتقال بشكل أسرع.
وفقًا للمؤلفين، يعد التسلسل الجيني المكتسب من الفيروسات القهقرية (الفيروسات التي تغزو الحمض النووي لمضيفها) أمرًا بالغ الأهمية لإنتاج المايلين الموجود الآن في الثدييات الحديثة، والبرمائيات، والأسماك.
وقال المؤلف الكبير وعالم الأعصاب روبن فرانكلين من معهد “ألتوس لابز كامبريدج” للعلوم: “الشيء الذي أجده الأكثر روعة هو أن كل تنوع الفقاريات الحديثة التي نعرفها، والحجم الذي حققته، الفيلة، الزرافات، الأناكوندا، الضفادع الأمريكية، الكوندور لم يكن ليحدث لولاها”.
وقام فريق بقيادة تاناي غوش، عالم الأحياء الحسابي وعالم الوراثة في مختبر “فرانكلين”، بالبحث في قواعد بيانات الجينوم لمحاولة اكتشاف الجينات التي من المحتمل أن تكون مرتبطة بالخلايا التي تنتج المايلين.
وعلى وجه التحديد، كان مهتمًا باستكشاف “المناطق غير المشفرة” الغامضة في الجينوم والتي ليس لها وظيفة واضحة وتم استبعادها في السابق باعتبارها غير مرغوب فيها، ولكن تم الاعتراف بها الآن على أنها ذات أهمية تطورية.
وصل بحث غوش إلى تسلسل معين مشتق من فيروس قهقري داخلي، كامن لفترة طويلة في جيناتنا، الذي أطلق عليه الفريق اسم “RetroMyelin”.
ولاختبار النتائج التي توصلوا إليها، أجرى الباحثون تجارب فككوا فيها تسلسل “RetroMyelin” في خلايا الفئران، ووجدوا أنها لم تعد تنتج البروتين الأساسي اللازم لتكوين المايلين.
بحث الفريق عن تسلسلات تشبه “RetroMyelin” في جينومات الأنواع الأخرى، ووجدوا رمزًا مشابهًا في الفقاريات الفكية، الثدييات والطيور والأسماك والزواحف والبرمائيات، ولكن ليس في الفقاريات أو اللافقاريات عديمة الفك.
وأوضح الفريق أن الميالين يتيح التوصيل السريع للنبضات دون توسيع قطر الخلايا العصبية، مما يسمح لها بالتجمع بالقرب من بعضها البعض.
وفي غياب المايلين، وجدت اللافقاريات طرقًا أخرى لنقل الإشارات بشكل أسرع، على سبيل المثال، طورت الحبار العملاقة خلايا عصبية أوسع.
واستخدم الفريق طرقًا حسابية لتحليل تسلسلات “RetroMyelin” لـ22 نوعًا من الفقاريات الفكية، ووجدوا أن التسلسلات كانت أكثر تشابهًا داخل الأنواع منها بين الأنواع، ما يشير إلى موجات متعددة من العدوى.
وقال فرانكلين: “يميل المرء إلى التفكير في الفيروسات كمسببات للأمراض، أو عوامل مسببة للأمراض”.
وأضاف أن الواقع أكثر تعقيدًا، ففي مراحل مختلفة من التاريخ، دخلت الفيروسات القهقرية إلى الجينوم واندمجت في الخلايا التكاثرية للأنواع، ما سمح لها بالانتقال إلى الأجيال القادمة، بحسب مجلة “ساينس أليرت” العلمية.
وفي السياق نفسه، قال غوش إن أحد الأمثلة الأكثر شهرة هي المشيمة، وهي إحدى الخصائص المميزة لمعظم الثدييات، والتي اكتسبناها من مسببات الأمراض المدمجة في الجينوم لدينا في الماضي العميق.
وكالة سبوتنيك
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
العثور على ترنيمة بابلية عمرها 2100 عام تبوح بأسرار مثيرة عن الحضارة القديمة
الثورة نت/..
عثر علماء على ترنيمة تاريخية تعود إلى الحضارة البابلية القديمة بعد اختفائها لأكثر من 2100 عام.
وهذه القصيدة الدينية التي كانت تنشد تمجيدا للإله مردوخ (أو مردوك)، الإله الحامي لمدينة بابل، تقدم وصفا شعريا أخاذا لمظاهر الحياة في تلك المدينة الأسطورية، حيث تتحدث عن أنهارها الجارية، وبواباتها المزينة بالجواهر، وكهنتها الطاهرين.
وعثر على أجزاء من هذه الترنيمة محفورة على ألواح طينية في أنقاض مدينة سيبار الأثرية التي تقع على بعد نحو 65 كيلومترا شمال بابل.
واستخدم فريق بحثي من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ تقنيات الذكاء الاصطناعي لإعادة تجميع 30 قطعة من هذه الألواح المتناثرة، وهي عملية كانت ستستغرق عقودا إذا ما تمت بالطرق التقليدية.
ويبلغ طول النص الأصلي للترنيمة نحو 250 سطرا. وتمكن العلماء حتى الآن من فك رموز وترجمة نحو ثلث هذا النص المكتوب بالخط المسماري. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه يقدم رؤى جديدة وغير مسبوقة عن التفاصيل الحياتية والثقافية في بابل القديمة، حيث يصف البروفيسور إنريكي خيمينيز، قائد الفريق البحثي، النص بأنه “يتمتع بجودة أدبية استثنائية وببنية مترابطة بدقة”.
وتبدأ الترنيمة بتمجيد عظيم للإله مردوخ، الذي يوصف بأنه “مهندس الكون”، ثم تنتقل إلى تمجيد مدينة بابل نفسها، حيث تصورها كجنة غنية تفيض بالخيرات، وتشبهها بالبحر في عطائها، وبحديقة الفواكه في ازدهارها، وبالأمواج في تدفق خيراتها.
كما تقدم الترنيمة وصفا حيا لنهر الفرات والسهول الخصبة المحيطة به حيث ترعى المواشي.
لكن الأهم من ذلك أن النص يكشف عن منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع البابلي، حيث تبرز قيم مثل احترام الغرباء وحماية الضعفاء في المجتمع.
وتمدح الترنيمة الكهنة الذين لا يذلون الأجانب، ويحررون الأسرى، ويرعون الأيتام.
كما تقدم تفاصيل نادرة عن دور المرأة في المجتمع البابلي، حيث تكشف عن وجود كاهنات يعملن كقابلات لمساعدة النساء في الولادة، وهو دور لم يكن معروفا من قبل في المصادر التاريخية الأخرى.
وتشير الدلائل إلى أن هذه الترنيمة حظيت بمكانة خاصة في الثقافة البابلية، حيث ظلت تدرس في المدارس البابلية لما يقرب من ألف عام، منذ حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد وحتى القرن الأول قبل الميلاد. وهذا يعني أن الأجيال المتعاقبة من الطلاب البابليين استمروا في نسخها ودراستها حتى بعد سقوط الإمبراطورية البابلية.
وتقع أطلال بابل التي تعد اليوم أحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، على بعد نحو 85 كيلومترا جنوب العاصمة العراقية بغداد، وما تزال شاهدة على مجد حضارة عمرها آلاف السنين.
ومن بين أبرز ما ورد في الترنيمة المذهلة، مقطع شعري يصف نهر الفرات، شريان الحياة الذي قامت على ضفافه بابل:
“الفرات هو نهرها صنيع الإله الحكيم نوديمود —
يروي الضفاف، ويسقي السهول،
يصب مياهه إلى البحيرة والبحر،
تزدهر حقوله بالزهر والعشب،
تتلألأ في مروجه أعشاب الربيع وسنابل الشعير،
متكدسة في وسطه أكوام حبوب الجعة،
المواشي والأغنام تجلس على المراعي الخضراء،
الفيض والغنى — ما هو حق للناس —
تتضاعف، وتتوافر وتتهافى بغزارة”.
ويقدر العلماء أن الترنيمة كتبت في الفترة بين 1500-1300 قبل الميلاد، ما يجعلها واحدة من أقدم الأعمال الأدبية الطويلة في تاريخ بابل. وعلى الرغم من أنها أحدث من ملحمة غلغامش الشهيرة، إلا أنها كانت تدرس وتنقل جنبا إلى جنب معها لقرون طويلة. ومن المثير للاهتمام أن الباحثين يعتقدون أن هذه الترنيمة هي عمل مؤلف واحد، على عكس ملحمة غلغامش التي تم تجميعها على مر العصور.
وما يزال اسم مؤلف هذه التحفة الأدبية مجهولا حتى الآن، لكن البروفيسور إنريكي خيمينيث الذي قاد هذا البحث، أعرب عن تفاؤله بإمكانية اكتشاف هويته في المستقبل.