مجلة نزوى تحتفي بعقدها الثالث.. والطلبة يحلمون بكتب مجانية
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
د.عبدالله الحراصي :مجلة نزوى منارة عربية ثقافية على مدى 30 سنة -
سيف الرحبي :نتأمل تجربة مكثفة بالزمن والمعرفة بتجلياتها المختلفة -
احتفلت وزارة الإعلام في أول أيام معرض مسقط الدولي للكتاب للدورة الثامنة والعشرين بالذكرى الثلاثين على إصدار مجلة نزوى، وذلك اليوم من خلال إقامة ندوة موسّعة تستمر إلى الغد، بمشاركة نخبة من أدباء الخليج والوطن العربي.
وقد افتتحت الندوة بكلمة معالي وزير الإعلام الدكتور عبدالله الحراصي، مشيرًا إلى أنه، علاوة عن كونه وزيرًا للإعلام، إلا أنه في كلمته يميل إلى وصفه أحد كتّاب مجلة نزوى، حيث شارك في أعدادها الأولى كاتبًا ومترجمًا من الأدب الإنجليزي مباشرة، أو من الأدب الفرنسي عبر الترجمة الإنجليزية ومنها إلى العربية، مهنئًا رئيس تحريرها سعادة سيف الرحبي وجميع العاملين بها على مسيرة الإنجاز الثقافية الكبيرة التي تحسب لمجلة نزوى.
كما أشار معاليه إلى أبرز التحديات التي تواجهها المجلات الثقافية على وجه العموم، بما فيها مجلة نزوى، ذاكرًا على سبيل المثال التكنولوجيات الحديثة وتأثيرها على الأدب والإنتاج الأدبي، ومن ذلك الذكاء الاصطناعي الذي يفتح أفق التساؤلات غير معروفة النهايات، منها هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في الإبداع الأدبي، قائلا: «سألت الذكاء الاصطناعي ما إذا كان بإمكانه كتابة قصيدة أفضل وأكثر إبداعا مما كتبه البشر، فأجاب: بنعم؛ لأني أعرف كل القصائد وأعرف أكثرها إعجابا لدى المجتمع، وهذا مثال على التحديات الحديثة التي تواجهها المجلات الثقافية».
وتطرق معاليه إلى الدور الريادي الذي لعبته مجلة نزوى في البناء الثقافي على مدى 30 سنة، إذ قال: «مجلة نزوى قامت بالبناء الثقافي على مدى 30 سنة ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العربي، حيث جمعت المثقفين العرب بين دفتيها، ولذلك أثر قوي، فأصبحت منارة عربية ثقافية».
واسترسل معاليه: «كما قامت المجلة بدور طليعي من مجالات الثقافة والفكر والأدب والفن، ومن ذلك مبادرة كتاب نزوى، هذه المباردة التي كنتُ أحد المستفيدين منها وطُبِع لي كتاب من خلالها، كما دخلت المجلة قبل أيام بمجال جديد وهو الإنتاج المرئي الضخم، حيث دشنت مؤخرا الجزء الأول من سلسلة أفلام (بيت العجائب) مع الشركة العالمية (دي ماكس) يستعرض الحضور العماني في شرق إفريقيا، فالمجلة ذات أفق واسع وعميق».
أهل الثقافة والفكر
و كان لرئيس تحرير مجلة نزوى سعادة سيف الرحبي كلمة، مما جاء فيها: «ثلاثون عاما مضت ونحن الآن مع نفر من طليعي أهل الثقافة والفكر، مع الأصدقاء الذين شرفونا من أنحاء مختلفة من العالم ومن عُمان، لنتأمل جوانب من هذه التجربة المكثفة بالزمن والمعرفة بتجلياتها المختلفة، ونصغي ونسمع منهم ليضيئوا بعض ما خفي من سؤال معرفي وثقافي الذي طرحته المجلة منذ بداياتها مشتبكا مع أسئلة المعرفة بشمولها..».
وفي حديثه رفع إلى المقام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- جل شكره على اهتمامه ورعايته الخاصين بالثقافة والفنون منذ كان وزيرا للتراث والثقافة مراهنا على قمة هرم الدولة والبلاد، كما وجه شكره لسعادة محمد البلوشي وكيل وزارة الإعلام ومنظمي الندوة والعاملين في المجلة والكتاب الذين يشاركون في الندوة وساهموا منذ الأعداد الأولى بالكتابة في المجلة، واصفًا إياهم أنهم المساهمون في المجلة إسهاما حقيقيا.
مكتبات باريس
وعاد الأكاديمي والناقد والمترجم السعودي الدكتور معجب الزهراني -خلال كلمة له- بالذاكرة إلى الوراء في الثمانينيات، مستذكرا الوضع الذي كان عليه حينما تعرف على سيف الرحبي، قائلا: «كنت أحسد سيف الرحبي الذي كان يتجول في شوارع باريس دون ارتباط بدراسة أو وظيفة أو عمل، كنا أمام مسؤوليات وارتباطات كثيرة بينما هو يحدثنا عن أدب (مولير)، وحينا مرت الأيام وعاد إلى وطنه عُمان سمعت أن هناك إصدارا لمجلة ثقافية يكون رئيس تحريرها سيف، فقلت في نفسي إن هناك نقلة نوعية سوف تحدث، وهذا ما حفزني على الكتابة فيها من الأعداد الأولى».
وأشاد الزهراني بالدور الذي قامت به المجلة سواء من استقطاب مختلف القوالب الأدبية، من مختلف الوطن العربي، وخاصة الأدب المغاربي والمغربي، وكذلك بتصدير الأدب العماني إلى الخارج بعدما ذاع صيت المجلة على مستوى العالم العربي، لافتًا الانتباه إلى أن مجلة نزوى ما زالت حاضرة في الكثير من مكتبات باريس، بل في واجهتها الأمامية.
مختتما حديثه بالإشارة إلى أن الناس تخلط بين الثقافة العابرة وبين الثقافة التي تصنع الفكر، ويرى أن مجلة نزوى هي مجلة ثقافية تصنع الفكر لذلك يجب الحفاظ عليها ومن الضروري أن تُصدر لها أخوات كثر.
3 أجيال
أما الدكتور محسن الكندي فقد كانت له كلمة، مشيدا بالدور الكبير الذي حققته المجلة خلال السنوات الماضية، حيث أصبحت نبراسا على مستوى الوطن العربي، كما أثنى على ما قامت به المجلة من نشر الثقافة العمانية والأعلام العمانيين الذين ظلمهم النقاد العرب أمثال أبي مسلم البهلاني، وقسّم الكندي تاريخ المجلة إلى 3 أجيال، الأول في السنوات العشر الأولى وأسماها «جيل الجامعة»، حيث ساهم الطلبة الجامعيون والباحثون والدارسون في الكتابة فيها، ومنحتهم المجلة فرصة لصقل مهاراتهم والنشر فيها، والجيل الثاني الممتد من 2004 إلى 2014 أسماه «جيل التشكيل» الذي تجلّى خلالها نتاج التلاحق الفكري للثقافة العربية، وأخيرا «جيل التبلور» حيث الانفتاح والتكامل.
مرارة البدايات
كان لمديرة تحرير مجلة نزوى هدى حمد كلمة في حفل انطلاق الندوة، إذ قالت: «(كلُ ما هو عظيمٌ ومُلهم.. صنعهُ إنسانٌ عمِل بِحرِّية)، هذا ما قاله أينشتاين، ورأيناه ماثلًا في سماتِ المجلةِ التي تتوسلُ منذُ أعداِدها الأولى الانفتاحَ على حقولٍ شاسعةٍ من الدراساتِ والآدابِ والفنون، متمتعةً برؤيةٍ ثاقبةٍ من رئيسِ تحريرِها الذي خاضَ المغامرةَ في غمرةِ ظروفٍ لم تكن مُواتية، لكن رياحَ التغييرِ كانت تدقُ نَواقيسَها في منتصف التسعينيات، لتستوعبَ تنوُّعَ الأصواتِ في الداخلِ، وتأتي بأنهارٍ من المعارفِ من الخارج، لكن، لا يمكنُ لعملٍ من هذا النوعِ أن يصمُدَ دون مؤازرةٍ حقيقيةٍ من أسرةِ التحريرِ الصغيرةِ، التي رافقت تَخَلُّقَ المشروعِ الصلبِ والرصين.
وتأتي هذه الالتفاتة، كمحاولةٍ صغيرةٍ لتقديمِ الشكرِ الذي يليقُ بأسرةِ التحريرِ التي سبَقَتنا ومهَّدتِ الطريقَ لنا وكابدتْ مرارةَ البداياتِ ومشقَّتَها، وكذلك للجنودِ المخفيين الذين بَقَوا في الظلِّ، وخلفَ كواليسِ المجلةِ لسنواتٍ مديدة، يعملون في الخفاءِ في سبيلِ أن ينموَ حقلُها المعرفيُّ، وتُكتَبَ قصَّتُها الآسِرة».
وفي أثناء انطلاق الندوة تم تدشين الطابع البريدي الخاص بالذكرى الثلاثين على تأسيس مجلة نزوى، التي وصلت إلى عددها الـ 117 منذ انطلاقها جامعًا ما يربو على 6400 مادة ثقافية رصينة.
الجلسة الأولى
وانطلقت الجلسة الأولى بتقديم 5 أوراق عمل، كانت الورقة الأولى بمعية الدكتور أحمد المديني الباحث والناقد المغربي بعنوان «تحديث الأصيل.. وتأصيل الحديث» التي تناول فيها التصور العام عن المشروع الفكري النقدي الإبداعي للمجلة، من حيث المفاهيم والأنساق والأدوات، إلى جانب التبلورات التدريجية التي حصلت على مدى ثلاثة عقود، وذلك في إطار المرجعيات الثابتة لسلطنة عُمان، وطموح نخبها للتجديد في المجال الثقافي ضمن الفضاء الثقافي العربي الشامل.
والورقة الثانية قدمتها الدكتورة فاطمة الشيدية بعنوان «الشعر العماني في مجلة نزوى الملامح والثيمات.. قراءة أسلوبية»، تناولت فيها النص الشعري في المجلة من ناحية الكم والكيف، مشيرة إلى أننا أمام منطقة تجمع الكم والكيف معًا، ولاستقراء النص الشعري العماني الجديد في ثلاثين عامًا من عمر مجلة نزوى، يُلاحظ أن المجلة كانت ولا تزال الحاضنة الأهم للنص الشعري الجديد في عُمان، مهد اللغة الكلاسيكية والفكر والتراث، ومع ذلك استطاعت مجلة نزوى كسر طوق تلك العزلة الثقافية الراسخة والعميقة وفتح الأبواب مشرعة للنص الشعري العماني الجديد بكل تحرره وثورته.
فيما قدم الدكتور أحمد برقاوي الفيلسوف الفلسطيني ورقة بعنوان «فلسفة الأنا والآخر»، واصفا مجلة نزوى أنها أرشيف العقل العربي في صوره المختلفة، الأدبية والنقدية والفكرية والفلسفية. والأرشيف هو ذاك الذي يمنح تاريخ العقل ملامحه، ولما كنا بصدد حضور الفلسفة في نزوى فإنها انطوت على فلسفة الأنا والآخر، الفلسفة العربية الوسيطة والمعاصرة وفلسفة الآخر (الغربي)، وهذا يعني أنها عبرت عن نمطين من الوعي: الوعي الذاتي والوعي الذاتي بالآخر.
وأخيرا قدم عبدالرحمن المسكري ورقة بعنوان «مقاربات التراث العربي في مجلة نزوى.. الشعر أنموذجًا» تناول فيها مقاربات النص العربي التراثي -بالمجلة بوصفها جزءًا أصيلًا في متنها العام- مع مقاربات النص الحديث: منتظمة في نسيج مشروع ثقافي متعدّد الاتجاهات والمنابع وفق رؤية عميقة، ونسق ناظم، وموقف أبستمولوجي إزاء موروث الأسلاف وإنجازهم الفكري والحضاري.
كما تطرق إلى انشغالات المجلة بالحفر في أخاديد التراث العربي، إذ هو في صميم مشروعها الثقافي؛ بغية التعريف به، والكشف عن المضيء فيه، وترسيخ رؤية نقدية إزاءه رؤية تتميز بانفتاحها على قراءات متعددة، وطرائق تأويلية متحرّكة في إطار واسع من المعارف النظرية والمنهجية، متطرقًا إلى مجمل أعداد مجلة نزوى البالغة 117 عددًا منذ صدور عددها الأول في 1994 ومعرفا بأهم الدراسات التي تناولت التراث الأدبي العربي في مسالكه الفكرية وطرائقه التعبيرية.
حركة اليوم الأول
شهد صباحُ أول يومٍ هدوءًا في المعرض، قصَّ شريط افتتاحها طلاب المدارس الذكور من مختلف المحافظات، أسرابٌ سعيدةٌ ترفرف بين الأروقة والرفوف، يستوقفهم مجسم مدينة السلطان هيثم بدهشة، حيث أنوار المدينة المتلألئة ومساحاتها المترامية، وأسئلة المستقبل اللامتناهية.
بدا أن الأغلبية من طلاب المدارس صباح هذا اليوم يتراكضون في البهو الخارجي للمعرض أكثر من المشي بين أركان الكتب، حاملين صناديق البيتزا وصحون رقائق البطاطا، يذكرون بعضهم البعض بنفاد وقت الرحلة المدرسية إلى معرض الكتاب، ولأنه اليوم الأول للمعرض يؤكد الذين التقيتُ بهم أنهم جاؤوا بلا خطة شرائية وبلا قائمة كتب.
نجحت وزارة الصحة في اجتذاب هؤلاء تحديدًا، فالكل يحمل أكياس برنامج «سلامتك» الذي أعادت الوزارة إحياءه عبر المسلسل الذي لم يلحق عليه أبناء هذا الجيل، كيس بداخله كتيب عن الصحة والنظافة الشخصية وهدايا رمزية، فالناشئة والأطفال من طلاب المدارس هنا يقولون إنهم ما داموا قد حصلوا عليه مجانا، فلا داعي لأن يقتنوا كتبا، وأكياس الكتب التي كانت بحوزتهم كانت تضم علب طعام، ولأن وزارة الشؤون الإسلامية السعودية كانت توزع المصاحف والأجزاء هدايا، كان ذلك ركنا يتوقف عنده الطلبة باستمرار.
دفاتر التلوين في أيدي الجميع، يقول أحد الطلاب: إنها أفضل ما يمكن شراؤه، فيما يعتبر آخر أن قطع التركيب هي الأفضل، ويقول ثالث: إن أفضل ما فعله اليوم أنه ابتاع لأمه وأخته بعض الكتب ونسي نفسه، لكن بعضهم لم ينس هوسه بالرياضة وبالأرجنتيني «ميسي» فثمة كتاب لمحته من بعيد يحمل صورة ميسي في موضع تسديد الكرة، كان من أبرز اهتمامات الطلاب.
وشهد اليوم الأول لمعرض مسقط للكتاب مجموعة من الفعاليات المتنوعة، كانت أبرزها فقد أقام ضيف شرف المعرض -محافظة الظاهرة- جلسة حوارية بعنوان «الظاهرة ثغر من ثغور عمان» قدمها الدكتور خالد الخروصي وحاوره أحمد الكلباني. فيما قدمت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء جلسة نقدية عن الشعر والرواية شارك فيها كل من الدكتور عمر السراي، والدكتور علي بن متعب والدكتور غنام محمد، إلى جانب أمسية شعرية شارك فيها الشعراء: آمنة محمود والشاعرة غرام الربيعي والشاعر منذر عبد الحر والشاعر حازم إبراهيم والشاعر فوزي أكرم، وأدارت الأمسية الدكتورة سعيدة خاطر.
وأقامت مؤسسة إشراق للصحافة والنشر جلسة حوارية بعنوان «التحولات الثقافية: تأثير الذكاء الاصطناعي على الثقافة والإبداع. شارك فيها المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية والأستاذ مهنا الزهيمي والدكتور حميد بن مسلم السعيدي. فيما نفذ النادي الثقافي محاضرة سلطت الضوء على النتاج الفني للفنان موسى عمر والفنان محمد نظام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی المجلة على مدى شارک فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: ترامب يحلم بنصر سريع على إيران.. لكن الواقع مختلف
تثير تقارير استخباراتية مسربة الشكوك حول فعالية الضربة الأخيرة التي استهدفت منشآت التخصيب الإيرانية، ورغم الإعلان عن تدمير مواقع استراتيجية في نطنز وفوردو، إلا أن المعطيات الأولية تشير إلى أن البرنامج النووي تأخر لأشهر فقط.
ونشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا حول ما قالت إنها الفنتازيا المغرية للنصر السريع على إيران، حيث جاء فيه إن المعلومات الاستخباراتية الغامضة تقترح أن احتواء النظام الإيراني يحتاج إلى سنوات من استعراض القوة الأمريكية، فبعد النشوة، الشك أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه عملية "مطرقة منتصف الليل" "محت بالكامل" منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
وأضاف التقرير أن تقييم استخباراتي مبكر سرب في 24 حزيران/يونيو إلى أن البرنامج النووي قد تأخر لأشهر فقط، وأن بعض اليورانيوم المخصب ربما يكون قد سرق.
وقالت المجلة إن التقرير يعد تقييما أوليا وبدرجة ثقة متدنية، رفضته إدارة ترامب والمصادر الإسرائيلية. لكنه يركز الضوء على مشكلة أكبر وهي أن ترامب يريد حلا سريعا للكابوس الإيراني بضربة ضخمة واحدة وواضحة، يتبعها وقف إطلاق نار ثم ازدهار. إلا الحقيقة غير ذلك، كما تقول المجلة، فأمريكا ستواجه سنوات من عدم اليقين حول قدرات إيران النووية.
وأشارت إلى أن افتراض ترامب بأنه يستطيع تحقيق انتصار نصر حاسم وفي يوم واحد بالشرق الأوسط، ثم تأمين صفقة دائمة وسريعة، افتراض في غير محله.
وتابع التقرير أن الأخبار الجيدة لترامب هي أن وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه في يوم 24 حزيران/ يونيو مستمر، كما أن التقرير المسرب من وكالة الاستخبارات الدفاعية ليس قاطعا، وسيتعرض للمراجعة وستظهر عدة تقييمات مخالفة من وكالات استخبارات أمريكية أخرى.
وأكدت مصادر إسرائيلية للتقرير أن صور الأقمار الاصطناعية لا تظهر وحدها إلا القليل نسبيا عن فعالية الضربات تحت الأرض، وتصر على أن إسرائيل احتفظت بسجلات اليورانيوم عالي التخصيب، وقال نائب الرئيس، جيه. دي. فانس، في 23 حزيران/يونيو، بأن اليورانيوم ربما "دفن" تحت الأنقاض.
وأضاف التقرير أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، أن أضرارا جسيمة قد وقعت في موقعي التخصيب الرئيسيين. ويقول خبراء إن الانفجار ربما أحدث موجات كافية لإتلاف أجهزة الطرد المركزي الهشة حتى لو لم يدمر الهياكل الإسمنتية الرئيسية تحت الأرض.
وتعتقد المجلة أن هذا الغموض الجنوني ليس عيبا، بل هو طبيعة متأصلة في الحروب التي تشن من الجو. ولكنه يطرح سؤالا مقلقا، وهو، إذا تمسك قادة إيران بالسلطة واستمروا في محاولات تطوير وراء برنامج نووي سري، فإن التعامل معهم سيتطلب التزاما عسكريا أمريكيا طويل الأمد تجاه المنطقة. فهل أمريكا مستعدة حقا لذلك؟
والجواب على حد تعبير المجلة "ربما"، ذلك أن الرئيس ترامب تحدث عن وقف النار بأنه سيظل للأبد، وقدم مقارنة في 24 حزيران/يونيو بين قنابله الخارقة للتحصينات على نطنز وفوردو والقنبلة النووية الأمريكية على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية " التي أنهت الحرب، وهذه أنهت الحرب".
وعلق فانس أن عقيدة ترامب الجديدة في السياسة الخارجية لـ "تغيير العالم" تحتوي على "تحديد واضح" للمصالح الأمريكية ومفاوضات "عدوانية" وإذا لزم الأمر اللجوء إلى "القوة الساحقة".
ومع ذلك ترى المجلة أن التوقعات بشأن إيران، تبدو أكثر غموضا. قد تفوض أمريكا مهمة قمع الجيش الإيراني وأي برنامج نووي قائم إلى إسرائيل، التي أظهر جواسيسها مهارة استثنائية في اختراق النظام والتي يسيطر طياروها على الأجواء. ومع ذلك، فإن إسرائيل بلغت أقصى قدراتها، وستعيد إيران بناء دفاعاتها. قد تضطر أمريكا إلى تقديم دعم وأسلحة مستمرة، وقد يطلب منها الدفاع عن إسرائيل والخليج من الغارات الإيرانية. وربما اضطرت لإرسال المقاتلات مرة أخرى لضرب أهداف لا تستطيع إسرائيل الوصول إليها.
وتقول "إيكونوميست" إن أمريكا أصبحت شريكة داعية للحرب مع إسرائيل وتولت الملف النووي الإيراني. ولو انهار النظام في طهران، فسيطلب من ترامب التدخل ومحاولة وقف انتشار الفوضى بالمنطقة. ويخشى البعض في أمريكا أن هذا يصل إلى حد "الحرب الأبدية" ومواصلة بذل الجهود لاحتواء إيران المتمردة، وهو ما سيجر أمريكا إلى مستنقع إيران.
وتابع التقرير أن هناك من يقارن بين حرب الخليج الأولى عام 1991، عندما طردت أمريكا العراق من الكويت، بدون أن تطيح بنظام صدام حسين، وبدلا من ذلك حاولت السيطرة على أسلحة الدمار الشامل التي زعم أنه يملكها، ولتحقيق هذا فرضت نظام تفتيش صارم ومناطق حظر الطيران والقصف، ونقلت المجلة عن ريتشارد فونتين، من مركز الأمن الأمريكي الجديد، في واشنطن قوله: "إذا غيرت حرفا واحدا فقط في اسم الدولة، فقد يصبح كل شيء مألوفا بشكل مخيف". ويضيف فونتين: "السيناريو الأقل ترجيحا هو أن تختفي إيران ببساطة كتهديد أمني".
فقد كان احتواء العراق المرهِق مقدمة لغزو عام 2003. وترى المجلة أن البديل عن تغيير النظام، هو محاولة تحويل النجاح العسكري إلى تسوية سياسية دائمة.
وفي هذا المجال فشل رؤساء سابقون. فقد قادت رونالد ريغان لحفظ السلام في لبنان إلى هجمات انتحارية على جنود ودبلوماسيين أمريكيين عام 1983. وتسببت الحملة الجوية لباراك أوباما في ليبيا عام 2011 في حرب أهلية لا تزال مستعرة. وقد استحضر ترامب شعار ريغان ونسبه لنفسه: "السلام بالقوة".
وذكر التقرير أن مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، قال إن محادثات "واعدة" تجري مع إيران، بشكل مباشر وغير مباشر. ويؤكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، استعداد بلاده لحل خلافاتها مع أمريكا "في إطار المعايير الدولية". ومن هنا ترى المجلة أن الأولوية هي الحد واحتواء البرنامج النووي الإيراني، مع أن هذه الجهود تشتمل على وقف الحرب في غزة وتحقيق اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل.
وأضاف أن الأولوية هي تقييد البرنامج النووي الإيراني (على الرغم من أن الجهد قد يمتد بشكل معقول إلى إنهاء حرب إسرائيل في غزة وتعزيز اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية)، وما يهم في كل هذا هو التوصل لاتفاق يجبر إيران للتخلي عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم والتنازل عن مخزونها من المواد الانشطارية المخصبة إلى درجة نقاء بنسبة 60 بالمئة، وهو ما يقترب من درجة صنع الأسلحة.
وأردف ان إيران أصرت دائما على حق التخصيب للأغراض "المدنية". وقد يجد ترامب أن إغراءاته بشأن التجارة وكسب المال والصداقة مع أمريكا ليست كافية لإغراء المتشددين الجدد في إيران الذين شعروا بالانزعاج بعد نجاح الهجوم الإسرائيلي والتوتر من افتقارهم إلى الردع. وكلما ضغط ترامب بقوة من أجل "صفر تخصيب "، زادت صعوبة إقناع إيران بالتوصل إلى اتفاق. ولإقناع قاعدته من ماغا، قال ترامب إن إظهار القوة لفترة قصيرة سيحقق نتائج.
وأضاف أنه لو عاد ترامب للتهديد باستخدام القوة من جديد، فستتوصل قاعدته الانتخابية إلى أنه يقود أمريكا إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. وفي المقابل، لو قرر ترامب الالتزام باستراتيجية احتواء طويلة الأمد لإيران، فسيضطر لتحويل الأصول العسكرية الأمريكية التي من المفترض أنها موجهة لأسيا.
فقد نصت التعليمات الدفاعية الوطنية المؤقتة للإدارة، الصادرة في آذار/مارس، على أن أولويات الجيش الأمريكي من الآن فصاعدا هي الدفاع عن الوطن ومنع الغزو الصيني لتايوان. ولم يستغرق الأمر سوى ثلاثة أشهر حتى فرضت الأحداث واقعا مختلفا جدا.