رؤية عمانية للسلام في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
يطرح الحوار الذي أدلى به معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية لمجلة الإيكونوميست رؤية تتجاوز الطرح السياسي والدبلوماسية للقضية الفلسطينية إلى الرؤية الفكرية والفلسفية التي تبحث في عمق التشابكات الحاصلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وهذه الرؤية ليست رؤية فريدة للسيد بدر، إنها رؤية سلطنة عمان التي عبّرت عنها في جميع المناسبات المحلية والإقليمية والدولية.
ويمكن قراءة دعوة سلطنة عمان إلى عقد مؤتمر دولي طارئ بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الصراع في المنطقة تحقيقا للسلام بوصفه الخيار الأمثل وفقا لمعطيات اللحظة خاصة وأن سلطنة عمان تنطلق في دعوتها من رؤية فكرية عميقة للقضية الفلسطينية ذروتها إعلان عالمي بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وطرح المبادرة معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي للمرة الأولى في محاضرة ألقاها في جامعة اكسفورد، ثم في حواره الأخير مع الإيكونوميست. ورغم إيمان البعض في العالم العربي بشكل خاص أن إسرائيل لا يمكن أن تذهب بقناعة نحو أي سلام جماعي مع العرب إلا أن المشهد العام يدعو في هذه اللحظة بالذات إلى الحديث بصوت مسموع أمام العالم أجمع عن السلام وعن الدولة الفلسطينية، ولا بدّ أن يخرج هذا الصوت من العالم العربي بهدف ترسيخ السردية الجديدة التي بدا أن شعوب العالم باتت تؤمن بها وهي أن الشعب الفلسطيني ضحية، ليس للإجرام الإسرائيلي فحسب، ولكن ضحية لمؤامرات الغرب الديمقراطي الباحث عن مصالحه حتى لو على حساب دماء مئات الآلاف من الفلسطينيين. لا بد أن تعي شعوب العالم الغربية أن العرب يؤمنون بالسلام أكثر مما يؤمن به غيرهم، وأن الكثير من الأحداث التي آلمت الشعوب الغربية من العالم العربي كانت نتائج مريرة لممارسات غربية فظيعة طوال عقود طويلة.
تتصور سلطنة عمان أن يكون المؤتمر الطارئ الذي تدعو إليه مماثلا لمؤتمر مدريد الذي دعا له الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عام 1991 وفي أعقاب حرب تحرير الكويت، على أن هذا المؤتمر وفق تصور سلطنة عمان لا بد أن يشمل جميع القوى الفاعلة في المنطقة بما في ذلك حماس وحزب الله وأنصار الله وكذلك إيران، وجميع حركات التحرر الوطني في فلسطين. وتبنى فكرة سلطنة عمان على أن إسرائيل أو غيرها لا يمكن أن تقضي على حركة حماس؛ لأنها حركة تحرر وطني، وحركات التحرر الوطني متجذرة بعمق في المجتمعات العربية وستبقى هذه الحركات حية وفاعلة حتى تحقيق أهدافها حتى لو مات الكثير من أعضائها، وعلى من يؤمن حقا بالسلام أن يفتح حوارا مع هذه الحركات ويستمع للفكر الذي تنطلق منه وتستمد منه قوتها وشعبيتها.
ويحتاج الغرب في هذا التوقيت بالذات لسماع أطروحات مماثلة لأطروحات سلطنة عمان حول القضية الفلسطينية فلا يمكن أن يبقى الغرب معتقدا أنه وحده مجتمع التعددية وأنها لا تصلح إلا للنخبة الغربية، بينما الحقيقة أن التعددية هي جزء حيوي من تاريخ وواقع العالم العربي، صحيح أن العالم العربي له طريقة تفكيره الخاصة لكنهم أيضا لهم أفكارهم السياسية ورؤاهم المنبثقة من ثقافتهم وتاريخهم ولا يمكن فهم ولاءتهم السياسية باعتبارها انتماءات طائفية. ولذلك على العالم الغربي أن يعيد رسم تصوراته للكثير من الحركات السياسية في المنطقة العربية ويتجاوز التصورات المبنية على الانتماء الطائفي.
إن كل يوم إضافي تبقى فيه الحرب على قطاع غزة قائمة تزيد من ابتعاد المنطقة عن السلام وتزيد من فرص ظهور أجيال تحمل حقدا تاريخيا ليس على إسرائيل وإنما على العالم الغربي الذي تعتقد الشعوب العربية إنه هو السبب الأساسي لكل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العالم العربی سلطنة عمان یمکن أن لا یمکن
إقرأ أيضاً:
تصاعدت بشكل لافت...كيف تستفيد مليشيا الحوثي من قضايا الثأر في اليمن
قالت صحيفة «الشرق الأوسط» أن مناطق سيطرة المليشيا الحوثية تشهد ارتفاعاً لافتاً في قضايا الثأر والنزاعات العائلية، على الرغم من إعلان الجماعة تبني مبادرات للصلح القبلي وإنهاء الخصومات.
ووفقاً لمصادر أمنية وقضائية تحدثت للصحيفة، فإن الأشهر الماضية سجلت عشرات الحوادث الدموية المرتبطة بالثأر، بعضها وقع خلال محاولات حلّ كانت تحت إشراف قيادات ومشرفين تابعين للجماعة.
وأشارت الصحيفة إلى أن إحدى أبرز هذه الحوادث اندلعت في نوفمبر الماضي بين عائلتين في محيط مدينة رداع بمحافظة البيضاء، وأسفرت عن مقتل نحو 20 شخصاً وإصابة أكثر من 30، قبل أن تتحول إلى موجة ثأرية استمرت لأيام، وتسببت في شلل شبه تام للحياة في المنطقة.
ووفق مصادر خاصة تحدثت لصحيفة «الشرق الأوسط» فإن الجماعة تتحفظ على الإحصائيات الدقيقة لحوادث الانفلات الأمني في مناطق سيطرتها، في محاولة للتستر على فشلها في إدارة هذه الملفات.
وتربط المصادر بين تصاعد النزاعات وبين اختفاء قيادات حوثية معروفة، خشية الاستهداف بعد تصعيد الجماعة ضد إسرائيل، وهو ما دفعها إلى تكليف مستويات دنيا بإدارة ملف الصلح، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد وأضعف فاعلية الوساطات القبلية.
الصلح القبلي… أداة نفوذ
وتنظر مليشيا الحوثب إلى ملف الصلح القبلي باعتباره وسيلة لبسط النفوذ داخل القبائل وتعزيز حضورها الاجتماعي، أكثر من كونه آلية لحل النزاعات.
وتنقل «الشرق الأوسط» عن مصدر قضائي في صنعاء أن بعض القيادات التابعة للجماعة تفرض حلولاً غير عادلة، وتميل لصالح الأطراف الأقوى نفوذاً أو الأغنى، بهدف تحقيق مكاسب مالية أو سياسية.
ويضيف المصدر أن الأطراف الضعيفة تُجبر على القبول بقرارات الصلح تحت تهديد توجيه اتهامات تتعلق بمخالفة توجيهات زعيم الجماعة.
نزاعات متوارثة
ليست قضايا الثأر جديدة على المجتمع اليمني، إذ أن بعض المناطق تشهد نزاعات قبلية وقضايا ثأر منذ سنوات طويلة ماضية، يعود بعضها لعقود.
الجدير بالذكر أن المناطق القبلية تعتبر أكثر عرضة لاندلاع الثأر نتيجة لغياب الدولة وانتشار السلاح في الأوساط القبلية بصورة كبيرة، ولا يمكن إغفال السياق الاجتماعي والأعراف التي تنظر للثأر باعتباره واجباً اجتماعياً لا يُمكن تجاهله أو نسيانه.
وخلال العقود الماضية عملت الحكومات اليمنية المتعاقبة على الحد من هذه الظاهرة عبر حملات توعية، ومبادرات صلح، وبرامج تأهيل، لتأتي الحرب لتعيد ظاهرة الثأر إلى الواجهة بسبب غياب أجهزة الدولة.
تشير تقارير حقوقية إلى أن حوادث الثأر خلال السنوات الأخيرة أصبحت أكثر دموية وتعقيداً، نظراً لانتشار الأسلحة الثقيلة، وغياب القضاء الفاعل، وتداخل النزاعات مع الولاءات السياسية.
في السياق، يلفت تقرير «الشرق الأوسط» إلى أن مناطق سيطرة مليشيا الحوثي باتت بيئة خصبة لعودة الصراعات القبلية، نتيجة غياب الأمن، وتعدد مراكز القوة، وتدخل المشرفين في شؤون السكان.
وتستخدم الجماعة هذه الصراعات لفرض الجبايات والنفقات على أطراف النزاع وإجبار بعضهم على بيع ممتلكاتهم مقابل إغلاق الملفات.
تبقى قضية الثأر في اليمن مشكلة قائمة تعجز المليشيات الحوثية عن احتوائها والحد من انتشارها، فالسلاح بات في يد كل من يملك المال، كما أن المجتمعات القبلية تنظر لمن لم يأخذ بثأره نظرة استنقاص واستضعاف، وهذا ما يزيد من خطورة المشكلة التي لم تستطع مؤسسات الدولة قبل سنوات إنهائها!