شهد الأسبوع الماضي توافد رواد صناعة الأزياء على مدينة نيويورك لحضور أسبوع الموضة. واحتفى الحدث النصف السنوي بأفضل ما في الصناعة، وعرض أهم الاتجاهات لهذا الموسم.

ويعد أسبوع نيويورك للموضة مصدرًا ضخمًا للأموال بالنسبة للمدينة ولصناعة الأزياء بشكل عام، إذ يحقق متوسط عائدات يبلغ 600 مليون دولار سنويًا.

وبهذه المناسبة تناول الكاتب آندي هيرشفيلد في تقرير نشره موقع "الجزيرة" الإنجليزية، أثر استخدام الذكاء الاصطناعي على صناعة الموضة، والتأثير الذي يمكن أن يكون له على فرص العمل لعارضات الأزياء.

ويتعرض هذا المجال لذات التهديد الوجودي الذي يضرب قطاعات مثل الإعلام والتكنولوجيا، وهو الذكاء الاصطناعي الذي يؤدي إلى تآكل الوظائف الحالية والحد من فرص العمل في المستقبل. ووراء هذا البريق تكمن نفس المخاوف التي أدت إلى حد كبير إلى إضرابات نقابة الكتاب ونقابة ممثلي الشاشة في العام الماضي.

تحالف العارضات!

وقالت المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ"تحالف العارضات" سارة زيف في بيان، "عندما يكون جسدك هو عملك، فإن التلاعب بصورتك أو بيعها دون إذنك يعد انتهاكًا لحقوقك".

أما عارضة الأزياء المقيمة في نيويورك إيف إدموند، فقالت إن العصر الجديد للنمذجة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي فتح مجالا كبيرا للاستغلال، "فبعض الأشخاص في الصناعة تم التقاط وجمع صور أجسادهم على مر السنين، ثم استخدمت هذه الصور في إنشاء صور افتراضية، دون أن تمنح لهم الملكية الفكرية. ليس لديهم الحق في ذلك على الإطلاق".

وأبدت إدموند قلقها من أن هذا قد يؤدي إلى تقويض فرص العمل للعارضات في المستقبل القريب، "كعارضات أزياء، صورتنا، وقياساتنا، ووقفتنا، وشكل أجسادنا هي علاماتنا التجارية. في كثير من الحالات، يأخذ شخص ما ملكية تلك العلامة التجارية دون علمنا ودون تعويضنا. إننا نتنافس حرفيًا ضد أنفسنا في السوق".

وضع اللمسات الأخيرة للمشاركة في عرض أزياء خريف وشتاء 2024 خلال أسبوع الموضة بنيويورك (أسوشيتد برس)

وتعد إدموند إحدى العارضات المتحمسات للإصلاح واللاتي يضغطن لسن قانون يخص العاملين بمجال الأزياء في ولاية نيويورك. فبالإضافة إلى تغييرات أخرى أكبر، تطالب العارضات بتوفير ضمانات جديدة من شأنها حمايتهن من العملاء الذين قد يحاولون استخدام صورهن دون إذنهن. وسينص القانون على ضرورة منحهن موافقة كتابية واضحة تسمح باستخدام نسخ رقمية لصورهن.

كما سيُطلب من العملاء تحديد الطريقة التي يعتزمون بها استخدام صور عارضات الأزياء.

قانون لحماية عارضات الأزياء

وقالت زيف من تحالف العارضات، "قدمنا قانون العاملين بمجال الأزياء لتوفير الحماية العمالية الأساسية للعارضين ومنشئي المحتوى الذين يعملون في صناعة تعمل دون إشراف. إن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا جديدًا، ولا يمكننا السماح باستخدامه دون تنظيم".

ومن شأن مشروع القانون الذي صاغه السيناتور براد هويلمان سيغال أن يغير طريقة عمل صناعة الأزياء في واحدة من أكثر مدن الموضة شهرة في العالم، والتي لا تنافسها سوى مدن مثل باريس وميلان.

وتقول العارضات إن من شأنه أن يحميهن أيضًا من التوقيع على عقود غير عادلة عندما يكون البديل هو عدم العمل على الإطلاق.

وقالت عارضة الأزياء سينيد بوفيل لموقع "الجزيرة" الإنجليزي، "لا نريد أن ينتهي بنا المطاف في عالم يشعر فيه العارضون وكأنهم مخيرون بين الموافقة (على ما لا يرضيهم) أو عدم الحصول على أجورهم".

وفي حال تم إقرار القانون، فسيطبق على مستوى الولاية، إلا إنه سيمهد الطريق أمام المزيد من الضغط العالمي.

"تحالف العارضات" يطالب بقانون للعاملين في مجال الأزياء عموما ويوفر لهن الحماية العمالية الأساسية (غيتي) تهديد وجودي

ومع انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي عبر قطاعات تتراوح بين وسائل الإعلام إلى خدمة العملاء، يرى قادة الأعمال أن الأدوات التكنولوجية الجديدة ستساعد في تحسين سير العمل ومساعدة العمال على تسهيل وظائفهم.

لكن ذلك لم ينعكس في البيانات، فوفقًا لاستطلاع أجرته شركة "ريسيم بيلدر" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال ما يقرب من ثلث قادة الأعمال إن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تسريح العمال هذا العام.

وتتصاعد المخاوف عالميا من أن يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا وجوديًا من خلال تقويضه فرص العمل، خاصة في المجتمعات الملونة، فيما تواصل عارضات -مثل بوفيل- نضالهن من أجل المزيد من المساواة في الموضة وسط حال من الترقب والقلق.

تقول بوفيل، "ستستغل بعض الشركات التضحيات التي قدمتها عارضات الأزياء الحقيقيات، وسيكتفون (باستخدام الذكاء الاصطناعي) لإنشاء هويات متنوعة في الواجهة".

وأضافت بوفيل، "قد تقدم علامات تجارية (على الإيحاء) بالاهتمام بالمجتمعات المهمشة دون أن تضطر إلى الدفع فعليًا".

هذا بالضبط ما حدث مع ليفي شتراوس العام الماضي، حيث عقدت علامة تجارية شراكة مع شركة "لالا لاند. إيه آي" الهولندية والتي تسمح بإنشاء عارضي أزياء افتراضيين باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وقالت الشركة في بيان، "يستخدم لالا لاند إيه آي الذكاء الاصطناعي المتقدم لتمكين العلامات التجارية للأزياء وتجار التجزئة من إنشاء نماذج واقعية للغاية لجميع أنواع الجسم والأعمار والحجم ولون البشرة. ومن خلال هذه الصور الرمزية الشاملة للجسم، تهدف الشركة إلى خلق تجربة تسوق أكثر شمولا وشخصية واستدامة لماركات الأزياء وتجار التجزئة والعملاء".

يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا وجوديًا لفرص العمل وخاصة للمجتمعات الملونة بحسب بيان العارضات (الألمانية) رد فعل شعبي عنيف

وقوبلت هذه الخطوة برد فعل شعبي عنيف ووصفها النقاد بأنها إشكالية وعنصرية، مما اضطر شركة الملابس لاحقًا إلى تحديث بيانها، فقالت "نحن لا نتراجع عن خططنا لإقامة عروض حية أو الاستعانة بعارضات حقيقيات أو التزامنا بالعمل مع عارضات (ينحدرن من أعراق) متنوعة. لقد كانت العروض الحقيقة دائمًا جزءًا من تواصلنا مع جمهورنا، وعارضات الأزياء والمتعاونون هم جوهر هذه التجربة".

وتقوم بعض الشركات بإخراج عارضات الأزياء من الصورة كليا، ففي العام الماضي، قامت النسختان البرازيلية والسنغافورية من  "فوغ" باستخدام عارضات أزياء تم رسمهن بواسطة الذكاء الاصطناعي على أغلفة المجلتين بدلا من الاستعانة بعارضات بشريات.

كما قامت تطبيقات مثل "ديب" بإتاحة رسم عارضات أزياء تم إنشاؤهن بواسطة الذكاء الاصطناعي لعرض الملابس، وقال مبتكر الأداة داني بوستما في منشور على "إكس"، إنها ستساعد المسوقين والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويرى نقاد أن النموذج لم يكن أخلاقيا على الإطلاق، وأنه يقوض عمل عارضات الأزياء وغيرهن من المشاركين في العروض، مثل المصورين.

واتهم آخرون الشركة بالجشع ووصفوا خطوتها بـ "البائسة"، فيما رد أحد المعلقين على منشور بوستما قائلا، "أنا متأكد من أن لديك أيضًا مقترحات جيدة لمساعدة كل من سيفقد وظيفته إذا نجحت تكنولوجيا كهذه، أليس كذلك؟ أم أن كل شيء سيبقى على ما يرام طالما تمكنت من كسب المال؟ لا يوجد "حل" جيد يجلب مشاكل أكثر من تلك التي يحاول معالجتها".

ولم تعد "ديب" مفتوحة للاختبار التجريبي، علما بأن بوستما -الذي يؤكد ملفه الشخصي على "لينكد إن" أنه لا يملك أي خبرة في الموضة أو التصوير الفوتوغرافي-، أنشأ مجموعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: استخدام الذکاء الاصطناعی عارضات الأزیاء فرص العمل

إقرأ أيضاً:

نظرية أوركسترا الحمل المعرفي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعلم

تشهد العملية التعليمية في الآونة الأخيرة تطورات هائلة وسريعة وغير مسبوقة، وهو ما أَذِن بظهور ما يعرف بـ"أوركسترا الحمل المعرفي"، وهي طريقة مُثلى تستخدم الذكاء الاصطناعي وتستفيد منه في تطوير عملية التعلم. وهذه الطريقة مُستقاة من نظرية الحمل المعرفي للباحث سويلر عام 1988، وقد أثبتت فاعليتها في التكيف مع احتياجات الطلاب، وهو ما لم يكن مُتصوَّرا في بيئات التعلم التقليدية السابقة.

تنتج نظرية الحمل المعرفي من تكامل منهجي دقيق ومتطور بين علم الأعصاب وعلم النفس المعرفي والتعلم الآلي، وتنقسم الأحمال العقلية إلى ثلاثة أنواع:

- الحمل الجوهري: وهو الجهد الذي يبذله المتعلم لفهم مادة صعبة بطبيعتها.

- الحمل الخارجي: وهو الجهد الزائد الناتج عن أسلوب شرح معقد أو تصميم تعليمي غير مناسب.

- الحمل الملائم: وهو الجهد المفيد الذي يبذله المتعلم ليبني عقله المخططات الذهنية الواضحة وينظم المعلومات.

وتتبع هذه النظرية نهجا ديناميكيا يتحكم جيدا في تلك الأحمال ويراقبها ويحسِّنها باستمرار، وذلك من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

لقد كان للذكاء الاصطناعي دور هائل في تمكين التطبيقات الحديثة لنظرية الحمل المعرفي من استخدام مجموعة رائعة من تقنيات المراقبة البيومترية لتقييم الحالة المعرفية للطالب في الوقت الفعلي، على سبيل المثال:

- أنظمة تتبع حركة العين: إذا اتسعت حدقة العين أكثر من 5.5 ملم، فهذا دليل على إرهاق ذهني وإجهاد معرفي مفرط، وعليه؛ يستجيب الذكاء الاصطناعي مباشرة ويتدخل تلقائيا.

- خوارزميات التعرف إلى الوجه: إذا قطب الطالب جبينه، مما يشير إلى ارتباكه، يتدخل النظام ويقدم شروحا أيسر وأوضح.

- تحليل سرعة الكتابة وأنماط ضغطات المفاتيح: إذا أبدى الطالب ترددا أو تباطؤا، تُقدَّم تلميحات في الوقت المناسب أو يُعدَّل المسار التعليمي بما يناسبه.

ويكون عمل هذه الأنظمة باعتمادها على تقنيات التعلم الآلي، على سبيل المثال:

- تواصل خوارزميات التعلم المعزز عملها باستمرار لتصل بالطالب إلى أن يكون منتبها وعلى درجة عالية من التركيز، دون أن يشعر بالإرهاق.

- تولّد شبكات المحوّلات (Transformer networks) شروحات مصمَّمة خصوصا لسد فجوات المعرفة عند كل طالب. وقد تم ضبطها بدقة بناء على سجلات التعلم الفردية.

ولم يكن هذا التطور التكنولوجي بعيدا عن الواقع أو حبرا على ورق، وإنما أثبتت فعليا دراسات من جامعة سيدني عام 2023 أن هذه الأنظمة تزيد من سرعة التعلم بنسبة 31 في المئة مقارنة بالأنظمة التقليدية، كما أبلغت منصات التعلم عبر الإنترنت عام 2024 عن انخفاض معدل انسحاب الطلاب من الدورات بنسبة 40 في المئة.

وأمامنا تطبيق واقعي في فنلندا، يُظهر مدى فعالية نظرية تنظيم الحمل المعرفي؛ حيث يعمل برنامج رياضيات تكيفي على أجهزة لوحية مزودة بتغذية لمسية، مهمته تعديل صعوبة المسائل تلقائيا حسب أداء الطالب، وهو ما كان له بالغ الأثر في تقليص فجوات التحصيل بنسبة 37 في المئة خلال عامين فقط.

وفي الجامعات، استخدمت منصة "Neurostudy" عصابات رأس لقياس نشاط الدماغ، فإذا شعر الطالب بالإرهاق الذهني، وأظهر النظام إشارة على حمل معرفي زائد، تتوقف المحاضرة تلقائيا. وقد أدّى ذلك إلى تضاعف عدد الطلاب الذين يُكملون محاضراتهم، وبلغ رضاهم عن النظام نسبة 92 في المئة.

وعلى الرغم من هذه النجاحات المتتالية، تظل هناك تحديات تواجه تطبيقات "CLO" جارٍ العمل على معالجتها مثل:

- فيما يتعلق بالخصوصية: بمعالجة البيانات على الجهاز نفسه دون تخزينها خارجيا.

- فيما يتعلق بالتكلفة: بالاعتماد على الهواتف الذكية واستخدام تطبيقات منخفضة التكلفة مثل "EyeLearn" التي تعمل بكاميرا الهاتف الأمامية، وتحقق دقة عالية تقدر بـ85 في المئة من دقة أداء الأنظمة الأخرى الأغلى.

- فيما يتعلق بالتحيُّز الثقافي: تُدرَّب الأنظمة على بيانات تشمل أكثر من 50 جنسية وعِرقا لتجنُّب الانحياز في تحليل تعابير الوجه.

يَعِد "CLO" بمستقبل مليء بتطبيقات أكثر تطورا. فبحلول عام 2025، يُتوقَّع أن توفر عصابات الرأس "EEG" غير الغازية دقَّة غير مسبوقة في قياس الحمل المعرفي.

- في غضون العقد المقبل، قد تُمكَّن واجهات الدماغ والحاسوب من المراقبة العصبية المباشرة.

- يُصبح الذكاء الاصطناعي أكثر وعيا بالعاطفة، وقادرا على التمييز بين الإرهاق الضار والتحدي المفيد.

تمثل "CLO" ثورة تعليمية حقيقية بسبب نهجها الاستباقي لتحسين التعلم على العكس من الأنظمة التقليدية التي تنتظر الطالب أن يُخطئ حتى تتدخل. تتميز "أوركسترا الحمل المعرفي" بأنها تتنبأ بالمشكلة وتمنعها قبل أن تحدث، فضلا عن قدرتها اللا محدودة على التكيف؛ لذا لمست المدارس ما لها من فوائد كبيرة، على رأسها:

- تقليل الحاجة إلى الدروس الخصوصية.

- تحسين أداء الطلاب.

وهو ما أثمر عوائد على الاستثمار من 2 إلى 3 أضعاف ما كانت عليه من قبل.

ومع استمرار التعليم في تحوله الرقمي، تسعى أوركسترا الحمل المعرفي إلى إحداث نقلة نوعية في مفاهيم التعلم الشخصي والتعلم الفعَّال، حتى ترقى به إلى أعلى مستويات التعلم.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يطوّر مقاطع الفيديو بشكل مبهر
  • الذكاء الاصطناعي تقتحم عالم الزراعة.. روبوتات ذكية تحل مكان عمال المزارع
  • كأنّ السنوات لم تمر..عودة لافتة لكلوديا شيفر إلى عالم الموضة
  • 5 كتب ترسم ملامح القيادة بالمؤسسات في عصر الذكاء الاصطناعي
  • 5 حقائق عن عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي
  • نظرية أوركسترا الحمل المعرفي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعلم
  • غوتيريش يحذر من عسكرة الذكاء الاصطناعي
  • خمس حقائق قد لا تعرفها عن طريقة عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT
  • الذكاء الاصطناعي.. أمل اللغات المهددة
  • الروبوت المرافق.. هل يقترب الذكاء الاصطناعي من العاطفة الإنسانية؟