برلين- تسبّب دفاع فائزين في مهرجان برلين السينمائي عن الشعب الفلسطيني، وانتقادهم الشديد لإسرائيل واتهامها -في خشبة المسرح- بـ"الإبادة الجماعية والفصل العنصري"، في حرج كبير للسياسيين الألمان وأحزابهم الداعمة لإسرائيل.

ولم تخفّ وتيرة الردود رغم أن الحدث يتعلق بمهرجان فني يُفترض أن يدافع عن حرية التعبير.

وتوحد أعضاء في الأحزاب الألمانية في وصف ما جرى بـ"معاداة السامية"، صابين جامّ غضبهم على وزيرة الثقافة كلوديا روث، كما انتقدت الحكومة الألمانية "التصريحات مجانبة الصواب" في المهرجان.

المخرج الأميركي بن راسل (يسار) متشحا بالكوفية الفلسطينية (غيتي) "فلسطين حرة"

وقال السفير الإسرائيلي، رون بروسور، "إن الخطاب المعادي للسامية ولإسرائيل قوبل بالتصفيق، وإن المشهد الثقافي الألماني يبسط السجادة الحمراء -حصريا- لمن يروجون لنزع الشرعية عن إسرائيل".

وجاءت التصريحات من وزير العدل الذي كتب على "إكس": "معاداة السامية غير مسموح بها ولا مكان لها، خصوصا حيث يجب أن تكون الثقافة والتبادل الحر للآراء. معاداة السامية هي كراهية غير مسموح بها في ألمانيا"، مضيفا أن المهرجان "تسبب بضرر كبير".

ولم يُحِل الوزير بشكل مباشر على كلمات ثلاثة متوجين على الأقل، انتقدوا السياسات الإسرائيلية، لكنه أحال على عبارة "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، التي ظهرت في حساب المهرجان على موقع إنستغرام، زاعما أنها "تُفهم منها عمليات القتل في إسرائيل"، وبالتالي فهي جريمة جنائية، حسب قوله.

وتعرض حساب المهرجان للاختراق وفق المنظمين، وتم نشر صورة تحمل العبارة المذكورة، لكن تم حذفها لاحقا، وتقدمت إدارة المهرجان، ببلاغ ضد مجهول، غير أن موقع "تي أو لاين"، نشر، اليوم الثلاثاء، تقريرا قال فيه إن قصة القرصنة مشكوك فيها، وإن عاملين داخل الإدارة لديهم تعاطف كبير مع الجانب الفلسطيني.

وبالعودة إلى ما جرى في ليلة توزيع جوائز المهرجان، لم يستسغ الساسة الألمان وجلّ وسائل الإعلام المحلية، رفع مشاركين للافتة "وقف إطلاق النار الآن"، ولا تصريح المخرج الأميركي بن راسل، الذي صعد إلى المنصة متشحا بالكوفية الفلسطينية، وقال "نقف مع الحياة وضد الإبادة الجماعية ولأجل وقف إطلاق النار".

وفاز بن راسل رفقة المخرج الفرنسي غيوم كايو بأفضل فيلم في فقرة "إنكاونتر" من المهرجان المخصصة للأفلام المستقلة ذات النفس الإبداعي.

تصريح قوي

لكن التصريح الذي انتشر بشكل كبير على شبكات التواصل كان للصحفيين الفلسطيني باسل عدرا، والإسرائيلي يوفال أبراهام، اللذين أخرجا فيلم "لا لأرض أخرى" -إلى جانب مخرجين آخرين- الذي توج بجائزة أفضل فيلم وثائقي، ويصوّر طرد المستوطنين الإسرائيليين للفلسطينيين من أراضيهم.

وقال عدرا: "من الصعب عليّ الاحتفال وعشرات الآلاف من شعبي يُذبحون ويُقتلون من طرف إسرائيل في غزة"، داعيا ألمانيا إلى احترام دعوات وقف إطلاق النار، ووقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.

كما أشار أبراهام إلى معاناة الفلسطينيين تحت نظام وصفه بـ"الأبارتايد"، قائلا: "سأعود أنا وزميلي أدرا إلى أرض لسنا متساويين فيها، أنا أعيش تحت قانون مدني، وباسل تحت قانون عسكري. أنا أملك حق الانتخاب، وهو لا، أنا حر في التنقل كما أريد، وهو كالملايين من الفلسطينيين، محتجز في الضفة الغربية المحتلة".

وقالت إدارة المهرجان -في تصريح للصحافة- إن آراء المتوجين تُلزمهم وهي فردية، مضيفة أنه "يجب التسامح مع التصريحات التي تتعارض مع آرائنا، طالما أنها لا تنطوي على تمييز عنصري"، لكنها استدركت بأن الأمر الأفضل "لو كان الضيوف عبروا عن أنفسهم بطريقة مغايرة".

ومن التصريحات التي أثارت انتقادات كبيرة، التوضيح الذي ذكرته وزارة الثقافة الألمانية، لأجل الدفاع عن الوزيرة كلوديا روث، بعد ظهورها وهي تصفق بعد كلمة عدرا وأبراهام. وجاء في التوضيح أن "التصفيق للمخرج الإسرائيلي-اليهودي الذي تحدث عن دعمه لحل سياسي وعن التعايش السلمي في المنطقة".

وتجاهلت الوزيرة وجود الفلسطيني عدرا، وهو ما رد عليه بأن تعليقها يعكس "المعايير المزدوجة والنفاق الممارس من طرف الحكومة الألمانية ضد الفلسطينيين"، علما أن روث أعلنت عن فتح تحقيق في ما جرى في حفل التتويج، واصفة التصريحات المنتقدة لإسرائيل "بالصادمة"، حسب رأيها.

الممثل الأرجنتيني ناهويل بيريز بيسكايارت يرتدي قميصا يحمل عبارة "إنهاء الحصار على غزة" خلال مهرجان برلين السينمائي (الفرنسية) أمر مخز

وكتب الصحفي الألماني ذو الأصول التركية طارق بايي: "الوزيرة تدافع عن نفسها بتهنئة الإسرائيلي، لكنها تضحي بين السطور بالفلسطيني الذي يتحدث عنه الإسرائيليّ، أمر مخزٍ".

وحاول عمدة برلين، كاي فيغنر، الذي كان حاضرا في الحفل، الدفاع عن نفسه ضد منتقديه، بالقول إن "برلين لها موقف واضح من الحرية وتقف إلى جانب إسرائيل"، متهما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحدها بـ"التسبب في المعاناة داخل إسرائيل وقطاع غزة"، حسب زعمه، مشيرا إلى أن "معاداة السامية لا مكان لها في برلين".

واستغرب الصحفي الأميركي-البريطاني المعروف، مهدي حسن من تصريح فيغنر، وكتب: "عمدة برلين، الذي ليس يهوديا، يتهم صحفيا إسرائيليا يهوديا، بمعاداة السامية لتقديمه معطيات موثقة من منظمات حقوقية، جنون استبدادي في ألمانيا".

وهاجمت وسائل الإعلام الألمانية الداعمة لإسرائيل المهرجان والمتوجين، لكن وعلى غير العادة، وصف مقدم أخبار في قناة "تاغز شاو" الإخبارية العامة خلال سؤال لضيف من المهرجان، مخرجيْ الفيلم بكلمة "المعتدين".

كما كتبت صحيفة "تاغز تسايتونغ" (taz) المصنفة في اليسار: "مهرجان برلين اختُطف من طرف النشطاء الداعمين للفلسطينيين. هذا ليس مفاجئا"، وزعمت أن كل من يرتدي الكوفية في حفل توزيع جوائز و"يكرّر نفس العبارات وسط التصفيق لا يهتم بالفن، ولكن بالإثارة".

من جانبه، كتب الصحفي الألماني هانو هاونشتاين، وهو من الأصوات القليلة المنتقدة للتوجه الألماني المنحاز لإسرائيل، أن عمل المخرجين يتجه إلى عمق الهوية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي الهوية التي "تمجد إسرائيل كنوع من السردية البطولية التي تتعامل مع شياطينها الخاصة"، وأن "كل ما يهدد هذه الحبكة" يُنظر له كإزعاج.

يُذكر أن ألمانيا شهدت خلال الأشهر السابقة إلغاء ووقف فعاليات ثقافية وفنية عديدة، بسبب وجود مشاركين مناوئين للحرب على غزة، أو بسبب دعمهم لحركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، وباتت ولايات ألمانية، كبرلين، تدفع نحو إلزام المستفيدين من الدعم، بالالتزام بعدم "معاداة إسرائيل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: معاداة السامیة مهرجان برلین

إقرأ أيضاً:

منظمات حقوقية: مهرجان الرياض للكوميديا يُغطي على انتهاكات السلطة

يتعرض مهرجان كوميدي في المملكة العربية السعودية يشارك فيه فنانون أمريكيون بارزون لانتقادات شديدة من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يقولون إن الحدث الذي يضم نجومًا، يساعد في التغطية على انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في المملكة.

ووُصف مهرجان الرياض للكوميديا الذي انطلق في 26 أيلول/سبتمبر، بأنه "أكبر مهرجان كوميدي في العالم"، حيث شارك فيه أكثر من 50 نجمًا كوميديًا، منهم كيفن هارت، وديف شابيل، وبيل بور، وبيت ديفيدسون، ويستمر المهرجان حتى الـ 9 من تشرين الأول/أكتوبر، بتنظيم من الهيئة العامة للسياحة في المملكة، في إطار محاولاتها لجذب المزيد من الزوار.

أجواء الرياض اليوم غير ????????
حضور جماهيري كبير لعروض فنانين اليوم في #مهرجان_الرياض_للكوميديا ????

لا تفوّت الجاي واحجز الآن ????️https://t.co/WLGrewfaEQ pic.twitter.com/TDYGNFnLnF — TURKI ALALSHIKH (@Turki_alalshikh) October 2, 2025
ويصادف المهرجان أيضًا الذكرى السابعة لاغتيال الكاتب الصحفي في صحيفة واشنطن بوست والمعارض السعودي جمال خاشقجي، والذي أفاد تقرير استخباراتي أمريكي أنه حدث بناءً على أمر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ما دفع بمنتقدي المهرجان للقول بإن الكوميديين الأميركيين البارزين يمنحون الشرعية لحكومة تقمع المعارضة وتسجن الناشطين وتقيد حرية التعبير، بحسب تقرير لشبكة "سي أن ان".


مارك مارون سخر من فناني المهرجان في العرض الكوميدي، مشيرًا إلى أن "الرجل نفسه الذي سيدفع لهم هو نفس الرجل الذي دفع لاغتيال جمال خاشقجي، فيما كتب الكوميدي ديفيد كروس الأسبوع الماضي على موقعه الإلكتروني: "أشعر بالاشمئزاز وخيبة أمل عميقة من هذا الأمر المُقزز"، مضيفا: "أنتم تُمثلون أمام أكثر نظام قمعي على وجه الأرض"، أما شين جيليس، وهو كوميدي آخر لا قال إنه "اتخذ موقفًا مبدئيًا" ضد قبول عرض "مهم" للظهور".

View this post on Instagram A post shared by Marc Maron (@marcmaron)


سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن، وهي منظمة غير ربحية أسسها خاشقجي في عام 2018، قالت لشبكة سي أن أن: "إن القول بأن هناك المزيد من الحرية في البلاد صحيح بالتأكيد، لكن الواقع هو أن المملكة العربية السعودية لا تزال (ديكتاتورية استبدادية) مطلقة حيث تواجه الأصوات التي تنتقد الحكومة، وتنتقد العائلة المالكة، وتنتقد الأداء الاقتصادي لصندوق الاستثمار العام عقودًا وعقودًا في السجن".

بدورها، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش بيانا، قالت فيه، إن الحكومة السعودية تستغل "مهرجان الرياض للكوميديا 2025"، لحرف الأنظار عن قمعها الوحشي لحرية التعبير وانتهاكاتها الحقوقية الواسعة الأخرى، حيث تتزامن مواعيد المهرجان مع الذكرى السابعة لاغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد الدولة السعودية، ويأتي بعد أشهر قليلة من إقدام السلطات السعودية على إعدام صحفي بسبب خطابه العلني حسب الافتراض.

وأضافت المنظمة الحقوقية في بيانها، "لتجنب المساهمة في غسل سمعة الحكومة السعودية، على الكوميديين المشاركين أن يستغلوا المهرجان لحث السلطات السعودية علنا على الإفراج عن المعارضين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين السعوديين المحتجزين ظلما".

جوي شيا، الباحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش، قالت: "الذكرى السابعة للقتل الوحشي بحق جمال خاشقجي ليست نكتة، وعلى الكوميديين الذين يتلقون مبالغ طائلة من السلطات السعودية ألا يصمتوا عن المواضيع المحظورة في المملكة، مثل حقوق الإنسان أو حرية التعبير، على كل من يقدم عروضا في الرياض أن يستغل هذه الفرصة البارزة للمطالبة بالإفراج عن النشطاء السعوديين المحتجزين".

في 19 أيلول/سبتمبر، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى ممثلي وإدارة مجموعة من الكوميديين المشاركين المعلَنين لطلب لقاء حول أزمة حقوق الإنسان في السعودية، ولكن لم يرد الممثلون ولا الإدارة.

حكومة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نظّمت وموّلت بشكل حثيث فعاليات رفيعة المستوى شارك فيها فنانون ومشاهير وشخصيات رياضية دولية بارزة. يرتبط الاستثمار في هذه الأحداث بـ "رؤية 2030" التي وضعها ولي العهد، وهي خطة لإصلاح اقتصاد البلاد وجذب المستثمرين والسياح الأجانب. ومن بين عناصرها خلق المزيد من خيارات الترفيه والاستجمام من أجل تعزيز صورة المملكة على الصعيد الدولي.

قال تيم ديلون، في بودكاسته يوم 30 آب/أغسطس: "أنا أفعل هذا لأنهم يدفعون لي مبلغا كبيرا من المال وبما يكفي لأغض الطرف"، وأضاف:" دفع المهرجان السعودي لي 375 ألف دولار أمريكي مقابل عرض واحد في 8 تشرين الأول/أكتوبر، اشتروا الكوميديا، أنا أؤمن برفاهيتي المالية".

ولكن سرعان ما أعلن ديلون في 20 أيلول/سبتمبر  أن عرضه أُلغِي بعد أن زُعم أن السلطات السعودية "غير راضية" عن تعليقاته الكوميدية بشأن معاملة العمال الوافدين والقضايا الحقوقية الأخرى، قائلا: "تناولت الموضوع بطريقة مضحكة فطردوني".


جيمي كار، الذي يشارك في العرض الرئيسي في المهرجان في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، لا يذكر ظهوره في السعودية على موقعه الإلكتروني أو قنواته على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنه غالبا ما دافع بقوة وعلنا عن حرية التعبير، قائلا: "أنا من أشد المؤيدين لحرية التعبير المطلقة، لكنها لا تعني الحرية من العواقب".

منظمة هيومن رايتس ووتش، رصدت تناقض التصريحات العلنية التي أدلى بها العديد من الفنانين المشاركين في مهرجان الرياض للكوميديا حول أهمية حرية التعبير بشكل حاد مع القمع الوحشي الذي تمارسه السلطات السعودية ضد أي انتقاد للحكومة، ففي 2025، نفذت الحكومة السعودية موجة إعدامات لسحق المعارضة السلمية، بما يشمل حرية التعبير.


وأضافت المنظمة، أن محمد بن سلمان تبني مشروع  لبناء قطاع الترفيه، ورغم أن هذه التغييرات واسعة النطاق ومهمة، إلا أنها ساعدت أيضا في التعتيم على التقييد البالغ للحقوق المدنية والسياسية منذ أن أصبح وليا للعهد في 2017، بينما كان قطاع الترفيه الناشئ يحظى بالثناء على الصعيد الدولي، كانت السلطات السعودية تنفذ موجات من الاعتقالات التعسفية بحق المعارضين، والنشطاء، والمثقفين، وأفراد العائلة المالكة.

قالت شيا: "على الكوميديين الذين يؤدون عروضا في الرياض أن ينتقدوا الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في السعودية، وإلا فإنهم قد يساهمون في دعم جهود الحكومة السعودية الممولة بسخاء لغسل صورتها، ويأتي هذا التلميع وسط زيادة كبيرة في القمع، الذي يطال أيضا حرية التعبير، التي يدافع عنها العديد من هؤلاء الكوميديين ولكن يُحرَم منها تماما الناس في السعودية". 

مقالات مشابهة

  • تكريم النجمة إلهام شاهين في مهرجان Vs-film على دعمها له منذ اللحظة الأولى
  • موقع أمريكي: لماذا مهرجان الرياض للكوميديا ليس مضحكًا؟
  • "نستو" يطلق "مهرجان عُمان للتسوق" لمدة شهر
  • فنادق الغردقة تشارك السياح الألمان احتفالات مهرجان أكتوبر
  • منظمات حقوقية: مهرجان الرياض للكوميديا يُغطي على انتهاكات السلطة
  • بدء فعاليات ختام الدورة الأولى من مهرجان القاهرة لمسرح العرائس
  • الكويتية "غصة عبور" تتألق في مهرجان بغداد المسرحي الدولي
  • «مهرجان منصور» يعود إلى أبوظبي
  • اختتام فعاليات مهرجان القاهرة لمسرح العرائس بأكاديمية الفنون غدًا
  • مصر تشارك بـ 4 أفلام في المهرجان الدولي لفيلم المرأة بتونس