إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد

عبرت برلين ولندن وحلفاء أوروبيون آخرون لكييف الثلاثاء عن رفضها لطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعتبر الإثنين في ختام مؤتمر دولي لدعم أوكرانيا، أنه "لا ينبغي استبعاد" إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا.

من جهته رد الكرملين الثلاثاء محذرا بأن إرسال قوات إلى أوكرانيا "لن يكون في مصلحة" الغرب.

وأفاد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن مجرد إثارة هذا الاحتمال يشكل "عنصرا جديدا مهما جدا" في الصراع.

وسئل بيسكوف عن خطر نشوب نزاع مباشر بين الحلف الأطلسي وروسيا في حال إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، فأجاب "في هذه الحالة علينا أن نتحدث ليس عن احتمال بل عن حتمية" المواجهة.

وأقر ماكرون الإثنين في إطار المؤتمر المنعقد في باريس لدعم أوكرانيا الذي نظمته فرنسا، بعدم وجود "إجماع اليوم لإرسال... قوات على الأرض" لكنه أضاف "ينبغي عدم استبعاد أي شيء. سنفعل كل ما ينبغي حتى لا تتمكن روسيا من الانتصار في هذه الحرب".

ولفت إلى أن "كثير من الناس الذين يقولون -لا أبدا- اليوم هم أنفسهم الذين كانوا يقولون -لا للدبابات ولا للطائرات ولا للصواريخ طويلة المدى أبدا- قبل عامين"، عندما غزت روسيا أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022.

وكان ماكرون يتحدث في ختام مؤتمر دولي لدعم أوكرانيا تم تنظيمه على عجل في فرنسا بحضور سبعة وعشرين دولة أخرى، في مرحلة حرجة بالنسبة لكييف، التي تنتظر الأسلحة الغربية اللازمة للتصدي للقوات الروسية.

"بدون تخطي عتبة العمل الحربي"

وتعقيبا على اقتراح ماكرون، أوضح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الثلاثاء أن على الغربيين "درس تحركات جديدة دعما لأوكرانيا" مثل عمليات نزع الألغام والعمليات السيبرانية أو "إنتاج أسلحة... على الأراضي الأوكرانية"، مشيرا إلى أن "بعض هذه العمليات قد تتطلب وجودا على الأراضي الأوكرانية بدون تخطي عتبة العمل الحربي".

بالتالي لا قوات لمحاربة الجيش الروسي مباشرة.

واعتبر ميخائيلو بودولياك، مساعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن تصريحات ماكرون تعد "مؤشرا جيدا" وتظهر "فهما عميقا للمخاطر التي تواجهها أوروبا"، يأتي ذلك رغم أن كييف لم تطلب علنا من الغرب إرسال قوات.

واعترفت المملكة المتحدة بأن "عددا صغيرا" من الأشخاص الذين أرسلتهم لندن كانوا في أوكرانيا "لدعم القوات المسلحة الأوكرانية، خاصة في ما يتعلق بالتدريب الطبي" وفقا لمتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. وتابع "لا نخطط لانتشار كبير".

في المقابل، شدد المستشار الألماني أولاف شولتز الثلاثاء أنه لن يتم إرسال "أي جندي" إلى أوكرانيا سواء من الدول الأوروبية أو من الحلف الأطلسي، موضحا أن "ما تم الاتفاق عليه منذ البداية ينطبق أيضا على المستقبل، وهو أنه لن تكون هناك قوات على الأراضي الأوكرانية مرسلة من الدول الأوروبية أو دول الناتو".

واشنطن لن ترسل قوات للقتال في أوكرانيا

بدوره، قال البيت الأبيض الثلاثاء إن الولايات المتحدة لن ترسل قوات للقتال في أوكرانيا. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون "الرئيس بايدن كان واضحا بشأن هذا الأمر وهو أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات للقتال في أوكرانيا".

وأدلت واتسون بهذا التصريح بينما كان بايدن يجتمع مع كبار المشرعين في البيت الأبيض لمناقشة قضايا التمويل ومنها المساعدات لأوكرانيا.

وأكدت الحكومة الإيطالية أن دعمها لكييف "لا يعني وجود قوات من الدول الأوروبية أو حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية".

ودعا وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إلى "توخي الحذر الشديد" بشأن هذا الموضوع لأنه "يجب ألا نظهر وكأننا في حالة حرب مع روسيا".

إسبانيا "لا توافق" على اقتراح ماكرون والثنائي الذي تشكله بولندا وتشيكيا "لا يعتزم إرسال قوات إلى أوكرانيا" بحسب قادة البلدين.

من جانبه، قال رئيس الوزراء السويدي الذي ستصبح بلاده قريبا العضو الـ32 في الحلف الأطلسي، إنه "ليس هناك طلب" من كييف على قوات برية، وبالتالي فإن "المسألة غير مطروحة"، بدون أن يستبعد هذا الاحتمال في المستقبل.

 "لا خطط" إطلاقا للحلف الأطلسي 

واستبعد الحلف الأطلسي نفسه إرسال أي قوات إلى ساحة المعركة. وقال مسؤول في الحلف لوكالة الأنباء الفرنسية الثلاثاء إن "الناتو والحلفاء يقدمون مساعدة عسكرية غير مسبوقة لأوكرانيا. قمنا بذلك منذ العام 2014 وانتقلنا إلى وتيرة أعلى بعد الغزو الروسي الواسع النطاق. لكن ليس هناك أي خطط لنشر قوات قتالية تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأرض في أوكرانيا".

ومنذ استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في منتصف شباط/فبراير في قصر الإليزيه لتوقيع اتفاق أمني ثنائي، يرسم ماكرون صورة قاتمة جدا لنوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحرص على تقديم نفسه في طليعة الداعمين لكييف.

وعلى الساحة السياسية الفرنسية، أثار اقتراح إرسال قوات إلى أوكرانيا موجة تنديد في صفوف المعارضة على اختلاف أحزابها، من اليسار المتطرف إلى أقصى اليمين، مرورا بالاشتراكيين واليمين.

رأى رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال الثلاثاء أن هناك "ما يدفع للتساؤل عما إذا كانت قوات فلاديمير بوتين موجودة بالفعل" في فرنسا مستهدفا على وجه التحديد مارين لوبان، في نقاش حاد في البرلمان مع نائبة اليمين المتطرف، الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2027.

فرانس24/ أ ف ب

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية ريبورتاج إيمانويل ماكرون أوكرانيا روسيا ستيفان سيجورنيه فولوديمير زيلينسكي أوروبا ريشي سوناك أولاف شولتز حلف شمال الأطلسي الحرب في أوكرانيا روسيا أوروبا إيمانويل ماكرون فرنسا الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي أوكرانيا فرنسا غزة الحرب بين حماس وإسرائيل حصار غزة المغرب الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا إرسال قوات إلى أوکرانیا على الأراضی الأوکرانیة الحلف الأطلسی فی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

قمة “لاهاي” 2025: كيف يعيد ترامب توجيه بوصلة حلف “الناتو”؟

 

هيمنت قضية رفع سقف الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء حلف الناتو على أجندة قمة لاهاي 2025، متقدمة على قضايا شكلت محوراً رئيسياً لثلاث قمم سابقة (مدريد 2022، فيلنيوس2023، واشنطن 2024) مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والموقف من الصين، وتنامي الاهتمام بالاندو-باسيفيك. كما توارى الحديث عن طبيعة عمليات التشغيل المشترك، وتقدير الموقف الخاص بالتسلح النووي، والتطوير المشترك لمنظومات الدفاع الصاروخي، ومستوى الاستثمار في الابتكار الدفاعي، والتنظير الخاص بالقضايا الاستراتيجية ذات الصلة بالأمن الجماعي والردع.

ويميل العديد من محللي الدفاع إلى أن تحليل بنود الإنفاق العسكري قد يفسر طبيعة السياسة الدفاعية للحلف، على أساس أوجه الإنفاق، خاصة وأن هناك تحديد لتوزيع الإنفاق، ما بين 3.5% للقدرات الصلبة و1.5% للقدرات اللوجستية والعمليات ذات الطابع المدني العسكري. مع الأخذ في الاعتبار أنه وفق احصائيات صادرة عن العديد من مؤسسات الدفاع والتمويل فإنه وبحلول فترة تطبيق الزيادة في 2035، سيكون نمو الإنفاق الدفاعي هو عملية اضطرارية، بالنظر لعوامل كثيرة، من بينها حسابات التسعير وعامل التضخم، لكن في الوقت ذاته سيكون هناك فائض حسابي في معدل النمو يقدر بهامش 300 مليار دولار، على أساس أن حساب التكلفة يقدر بزيادة تصل إلى 500 مليار دولار، بينما إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي يتوقع أن يتجاوز حاجز الـ 800 مليار دولار.

مع ذلك؛ فالسؤال الكبير هنا، هو كيف ستدار المرحلة الانتقالية وفق الجدول الزمني بحلول العام 2035، على سبيل المثال لا الحصر: ما هي خطة عمل الحلف خلال العام 2026 -2027؟ وعليه تأتي وجهة النظر الأخرى، التي تميل إلى أنه يتعين النظر إلى ما لم يتضمنه محتوى أو نص البيان الختامي، وإمكانية تفسير ذلك باعتباره مؤشر تحول في السياسة الدفاعية للحلف بقيادة الولايات المتحدة (في عهد إدارة ترامب الثانية)، فبغض النظر عن ذكر التفاصيل، ومن أبرز هذه المؤشرات المنظر الأمريكي لصيغة الأمن الجماعي تحت مظلة الحلف، وما أثير من جدل مكتوم حول موقف الرئيس ترامب من المادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي قال إنه لها تفسيرات عديدة أو يتوقف الأمر على حسب الحالة. المسألة الأكثر بروزاً أيضاً، هي الفصل الأمريكي الواضح ما بين (الأمن الأطلسي والأمن الأوروبي).

في هذا السياق يمكن تحليل بعض المؤشرات التي تعكس مظاهر تحول في ضوء قمة لاهاي 2025 وانعكاساتها المحتملة.

أولًا: تجسيد القيادة الأمريكية في صياغة أجندة الحلف

كرست القمة هيمنة الرؤية الأمريكية، حيث جاء قرار رفع الإنفاق الدفاعي استجابة مباشرة لضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اعتبره “انتصارًا عظيمًا”، حتى أنه عرض رسالة خاصة تلقاها من الأمين العام للحلف مارك روته يمتدح فيها قدرته على تحفيز الدول الأعضاء للقبول بمعدل 5%. وفي المقابل، لم تطرح تحفظات أوروبية حقيقية، بل جرى تحييد أي لغة قد تفسر كموقف معارض للرئيس ترامب، باستثناء واقعة اسبانيا، والتي رد عليها الرئيس ترامب على النحو المتوقع والضغط بورقة التعريفة الجمركية.

في واقع الأمر، لا يتعين تجاهل أن القمم السابقة أيضاً طغي عليها أجندة السياسية الأمريكية، لاسيما من حيث الموقف من الصين، التي وصفت بالخصم في بيان مدريد 2022. إذن قمة لاهاي ليست المقياس في فرض الأجندة، لكن قد تكون مقياس لحصرية الأجندة واختزالها في المطلب الأمريكي، من جهة، وتنحية رغبات الحلفاء في إدراج ملفات على الأجندة من ناحية أخري.

ثانياً: أولوية الإنفاق الدفاعي.. مخاطرة مالية دون استراتيجية

يكشف هذا الاتجاه عن تحول في أولويات الحلف من التركيز على سياسات الأمن الجماعي إلى أولوية الامتثال المالي، تحت ضغط القيادة الأمريكية، وتبرز أهمية هذا التحول عند مقارنة الواقع القائم بأهداف القمة، إذ لم يحقق سوى 23 من أصل 32 عضوًا في الناتو حاليًا هدف 2% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم مرور عقد على تعهد قمة ويلز 2014 بالوفاء بهذه النسبة. ويشير تقرير الناتو لعام 2024 إلى أن متوسط إنفاق الأعضاء الأوروبيين لا يزال عند 1.9% فقط، ما يظهر الفجوة الكبيرة التي ينبغي تجاوزها لبلوغ نسبة 5%.

هذه الفجوة تثير شكوكا إضافية حول القدرة التنفيذية للتعهدات الجديدة، ومدى الجدية السياسية في الالتزام طويل الأمد. لكن بالإضافة إلى ذلك، ثمة درس مستفاد من تجربة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تري الإدارة الحالية أن الإنخراط المكلف للحرب يتعين وقفه، لا يعني ذلك وقف عملية تمويل أوكرانيا كلياً، لكن سيكون التمويل من خارج ميزانية الحلف، وبالتالي ستتحملها ميزانيات الدفاع الخاصة بكل دولة.

 

ثالثاً: “أمن الأطلسي” أم “الأمن الأوربي”

وفقاً لـ”بوليتكو” الأمريكية شدد الرئيس ترامب- في اجتماع مجلس القيادة المغلق- على الالتزام بالأمن الجماعي، في إطار القيادة الأمريكية، لكنه لم يبدد الغموض في تصريح أخر متزامن مع الحدث أشار فيه إلى قضايا في صميم الأمن الإقليمي للحلفاء، في ضوء تسريبات حول مراجعات البنتاغون للانتشار الأمريكي في أوربا خلال الربع الأخير من العام الجاري، أو على الأقل سحب بعض الوحدات الاستراتيجية من بعض المواقع الأوروبية، ما يشكك في ضمانات الأمن الجماعي، وسيكون لذلك انعكاساته على قيادة بعض العمليات التشغيلية. في المقابل تظهر مؤشرات البنتاغون أن مراجعة وضع القوات الأمريكية قد تفضي إلى خفض فعلي للوجود الأمريكي في أوروبا، لصالح إعادة الانتشار في آسيا والشرق الأوسط.

مع ذلك أقرت وثيقة للناتو خلال المؤتمر بمحورية وأهمية القيادة الأمريكية للحلف إلى درجة الاعتمادية شبه الكاملة على الولايات المتحدة في مجالات حيوية مثل الاستخبارات، والمراقبة، والتزود بالوقود جوًا، والدفاع الصاروخي، والقيادة والتحكم. وبينما التزمت الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكري فإن القدرة على تطوير هذه القدرات محلياً لا تزال محدودة. وفي ظل هذا الاتجاه، يواجه الأوروبيون تساؤلًا استراتيجيًا حاسمًا: هل ينبغي الاستثمار في بناء ركيزة مستقلة داخل الناتو تعوض عن الانسحاب الأمريكي المحتمل؟ أم الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة؟ ويعزز هذا الاتجاه من موقف أوربي متنامي مفاده أنه بات من الضروري أن يتحول الأمن الأوروبي إلى أولوية أوروبية، لا مجرد رهينة لتقلبات السياسة الأمريكية.

رابعاً: أوكرانيا والحلف.. من الشراكة إلى التهميش

الموقف الأمريكي من الحرب الروسية في أوكرانيا مؤشر في هذا السياق بالنسبة للأمن الأوربي، فقد تم تجميد حزم الدعم والانسحاب من قيادة مجموعة الاتصال، على الرغم من عدم احراز تقدم في المفاوضات مع موسكو، بل إن روسيا تتقدم ميدانيا بوتيرة متسارعة في أوكرانيا، وقد يتزايد الأمر خلال الصيف، في الوقت الذي تعاني فيه كييف من اختناقات في تدفقات الأسلحة الأمريكية التي تم التدريب عليها خلال مرحلة الحرب.

وفي هذا السياق، بدأ رئيس الأركان الأوكراني يتحدث عن إمكانية تأجير معدات مثل بطاريات الدفاع، والتناقض اللافت هو كثرة التوقعات الأمريكية باحتمالات توسع روسيا في أوكرانيا، بل وقد تتجاوزها في المستقبل، وبغض النظر عن مدى المصداقية أو الثقة في هذه التنبؤات، فإحالة ترامب الأمر إلى الأوربيين هو نقلة شاملة في عكس الاتجاه السابق. من مساعي لضم أوكرانيا إلى الحلف في مرحلة ما بعد الحرب، إلى إبعاد أوكرانيا عن الحلف.

 

خامساً: تباين الرؤى الأوروبية والأمريكية حول مفهوم الردع

فسر بعض القادة الأوروبيين الالتزامات الدفاعية الجديدة باعتبارها عودة إلى نمط الحرب الباردة، بينما ترى الإدارة الأمريكية أن الإنفاق الدفاعي هو وسيلة لإبقاء التزام واشنطن تجاه الحلف، وليس تجسيدا لاستراتيجية متماسكة. وفي ظل غياب تفسير موحد للمادة الخامسة على نحو ما سلفت الإشارة، وبالتالي تبقى مسألة الردع الجماعي مرهونة بالضبابية السياسية.

ومع ذلك عكست القمة حالة من الانقياد الأوروبي للمزاج السياسي الأمريكي، لكن هذا النهج يكشف عن هشاشة القيادة الجماعية داخل الحلف. بالنسبة للولايات المتحدة فإن عامل الردع تشكله القوة التراكمية للحلف، والتي سيعززها الإنفاق، دلالة ذلك سيل التسريبات الأمريكية حول تراجع المخزون العسكري الأمريكي من الذخائر التي استنزفت خلال المرحلة السابقة في أوكرانيا.

سادساً: الفجوة الصناعية الدفاعية الأوروبية والاستقلال الاستراتيجي

أظهرت قمة لاهاي أحد أبرز أوجه الضعف البنيوي في السياسة الدفاعية الأوروبية، والمتمثلة في الفجوة الصناعية الدفاعية التي تقيد قدرة الدول الأوروبية على تنفيذ التزاماتها العسكرية بمعزل عن القدرات الأمريكية. فعلى الرغم من رفع سقف الإنفاق إلى 5%، فإن الواقع الصناعي الأوروبي لا يزال عاجزاً عن توفير الذخائر والمعدات بالوتيرة المطلوبة، وهو ما برز جلياً في الاستجابة المتعثرة لحاجات أوكرانيا خلال العامين الماضيين.

وكدلالة تشير تقارير الوكالة الأوروبية للدفاع إلى أن أكثر من 70% من المشتريات الدفاعية لدول الاتحاد الأوروبي ما تزال تتم عبر الولايات المتحدة، ما يكرس التبعية بدلًا من تقليصها. كما أن نقص الإنتاج المشترك، وضعف التنسيق في سلاسل التوريد، ومحدودية الاستثمارات في الصناعات الحربية الثقيلة، كلها تحد من قدرة أوروبا على بناء قاعدة صناعية مستقلة تعزز استقلالها الاستراتيجي. وتثير هذه الفجوة تساؤلات حول مدى قدرة القارة على التعامل مع السيناريو الأسوأ، وهو انسحاب تدريجي أمريكي من القيادة التشغيلية. وفي ظل التراجع المتواصل لمخزونات الذخيرة الثقيلة، والاعتماد على شركات محدودة في دول مثل فرنسا وألمانيا، أصبح الاستثمار في صناعات الدفاع الأوروبية ليس خيارًا استراتيجيًا فحسب، بل ضرورة وجودية لبقاء الناتو كتحالف فعال ومتوازن.

سابعاً: الموقف الجيوسياسي والتمدد نحو الاندو-باسفيك

شكلياً سعت القمة إلى تعزيز الشراكات مع دول آسيا والمحيط الهادئ، لكن من حيث المضمون ورغم حضور ممثلين عن قادة آسيا وتحديد مجموعة (IP4) والتي تضم اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، إلا أنه لا يقارن بالزخم السياسي لهذا التوجه مقارنة بالقمم السابقة.

كذلك؛ فإن تخفيف اللهجة أو غياب اللهجة التنافسية والعدائية تجاه الصين إلا أن بكين أعادت تسليط الضوء على القضية من خلال تحليلها للإنفاق الدفاعي، بالإشارة إلى أن سياسات تمدد الناتو نحو الشرق الآسيوي هو مبرر للتوسع لا للاستقرار. ووصفت وزارة الخارجية الصينية القمة بأنها جزء من “تضليل متعمد يؤجج المواجهة”، كما اتهمت الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بتشويه الحقائق وافتعال ذريعة لزيادة الإنفاق العسكري، مشيرة إلى أن الحلف تجاوز نطاقه الجيوسياسي وتدخل في شؤون منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما أكدت على أنها لا تزود روسيا بأسلحة، وتدعو إلى تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا.

ما بعد لاهاي؟

لم تكن قمة لاهاي إعلاناً عن فشل، لكنها أيضاً لم تكن دليلاً على تماسك استراتيجي، فقد عكست القمة ديناميكية جديدة في عمل الناتو، تركز على الامتثال المالي مقابل التراجع السياسي، وعلى الشكل المؤسسي بدلاً من العمق الاستراتيجي.

كذلك؛ لا يمكن اعتبار قمة لاهاي نقطة تحول نهائية في مسار الناتو، لكنها تشكل لحظة مفصلية تفرض على الأوروبيين إعادة تعريف دورهم داخل الحلف، والتمييز بين الامتثال المالي والانخراط الاستراتيجي، وبينما تبقى القيادة الأمريكية محوراً حاسماً، فإن بروز هوية أوروبية مستقلة يظل الرهان الأهم في معادلة الأمن الجماعي للمرحلة المقبلة في ظل التحديات الأوربية، لكنها ستظل بحاجة في الوقت ذاته إلى حلف قوى وأكثر تماسكاً وتوازناً.

لا يقاس مستقبل الحلف بمخرجات قمة لاهاي، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل أنها تطرح أسئلة مهمة من المبكر الإجابة عنها في المرحلة الحالية، فهل يواجه الحلف فعلياً إشكالية هوية. أم أنها لحظة ظرفية فرضتها ضرورات التعامل مع إدارة ترامب، مما يفتح الباب لمراجعة أوسع مع تغير القيادة الأمريكية مستقبلًا.

 

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • زيلينسكي يتحدث عن دعم عسكري أميركي وأوروبي مرتقب لأوكرانيا
  • آصف ملحم: إرسال الأسلحة لأوكرانيا تصعيد محسوب.. وروسيا قد تطرح مقترح الاحتلال المؤقت
  • الكرملين ينتقد خطة ماكرون بشأن أوكرانيا.. وباريس تتهم روسيا بـ "توسيع أنشطتها العسكرية"
  • الكرملين عن خطة ماكرون: وجود قوات أجنبية قرب حدودنا أمر “غير مقبول”
  • الكرملين يرفض مقترحات السلام التي تتضمن قوات حفظ سلام في أوكرانيا
  • الكرملين: وجود قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا غير مقبول
  • الكرملين : نشر قوات عسكرية أجنبية على الأراضي الأوكرانية أمر غير مقبول
  • ماكرون يعلن خططا لدوريات جوية وبحرية في أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار
  • ماكرون: القوة الفرنسية البريطانية المُحتمل نشرها في أوكرانيا ستبلغ 50 ألف شخص
  • قمة “لاهاي” 2025: كيف يعيد ترامب توجيه بوصلة حلف “الناتو”؟