عربي21:
2025-05-10@21:45:19 GMT

خطط بايدن ومسرح نتنياهو: فارق العبث والدماء

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

لا تستهدف هذه السطور مناقشة اللغو الذي أطلقه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وصُنّف تحت مسمى لا يقلّ تذكيراً بالهراء المجاني، أي «خطة ما بعد الحرب»؛ ولا تسعى إلى أيّ طراز من التفنيد أو المساجلة أو التدقيق، فلا خير في مسعى كهذا أياً كان الجهد المبذول في سبيله.

الهدف هنا هو ردّ هذه المبادرة الزائفة إلى ماضي نتنياهو الطافح بنظائر مماثلة من حيث التزييف والتسويف والخداع والمخادعة؛ ليس مع الطرف الفلسطيني وحده، بل أساساً (وربما جوهرياً) مع الطرف الأمريكي: الراعي والصديق والحليف وصانع شتى أدوات المساندة، من القاذفة المقاتلة إلى القبب الحديدية من دون إغفال فزاعات العداء للسامية.



هدف تالٍ، في المقابل، هو استعادة بعض خرافات ما كان يُسمى «المفاوضات» بين الفلسطينيين والاحتلال تحت رعاية أمريكية، وكانت تعلن التطلع إلى «ترتيبات الحلول النهائية» التي توجّب أن تفضي إلى «حل» الدولتين» بوصفه أمّ الأباطيل.

وكان الراحل صائب عريقات، من موقع كبير المفاوضين الفلسطينيين، قد أطلق في سنة 2009 تصريحاً استهلالياً ذهب (على عكس ما قصد عريقات) مذهب المثل على عقم جولات التفاوض تلك: «لسنا في حاجة إلى إعادة اختراع العجلة. الوقت الآن ليس للمفاوضات، بل للقرارات».

وبالفعل، لم يكن المفاوض الفلسطيني يطلب القمر من الإسرائيليين، بل البتّ في القضايا العالقة واتخاذ القرارات بشأنها. التجربة الفعلية، من جانبها، برهنت أنّ إعادة اختراع أيّ ابتكار إعجازي في تاريخ الإنسانية مثل العجلة، أو اشتراط نزول القمر إلى «المقاطعة» مقرّ السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله؛ لن يكونا أصعب كثيراً من تنازل دولة الاحتلال عن مواقفها بصدد تلك القضايا العالقة إياها، فما بالك باتخاذ قرارات ــ من أي نوع، في الواقع، حتى على مستوى اللفظ والرمز ــ تتمتع بإوالية تنفيذ… من أيّ نوع، هنا أيضاً!
إعادة اختراع العجلة أسهل من زحزحة دولة الاحتلال قيد أنملة في مسائل التعريف الإسرائيلي للأمن وتفسير مفهوم المستوطنة وقراءة حق العودة بأية لغة
ومن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، إلى خَلَفه بيل كلنتون، ثمّ جورج بوش الابن، وخَلفه باراك أوباما، وصولاً إلى دونالد ترامب وخَلَفه جو بايدن، كي يضع المرء جانباً ريشارد نكسون وجيمي كارتر ورونالد ريغان؛ ثمّ من واشنطن إلى كامب دافيد، ومدريد، وأوسلو، وواي بلانتيشن، وشرم الشيخ، وطابا، وأنابوليس، والعقبة… ظلّ القمر، أو إعادة اختراع العجلة، أسهل منالاً من زحزحة دولة الاحتلال قيد أنملة في مسائل التعريف الإسرائيلي للأمن، وتفسير مفهوم المستوطنة، وقراءة حقّ العودة بأية لغة، وتوظيف أية جغرافيا لتحديد مدينة القدس بوصفها «عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة»؛ أو، في طائفة أخرى من المسائل «الشائكة» اعتبار الجدار العنصري العازل بمثابة حدود لدولة الاحتلال، وإعادة إحياء فكرة الكونفدرالية الفلسطينية ــ الأردنية.

وفي كلّ مرّة كانت عبقرية ما، تتفتق على الجانب الفلسطيني، آتية من مفاوض أريب هنا، أو خطيب لوذعي هناك، لتبرير الخطوة الأحدث في درب انحناء السلطة، وعودتها صاغرة إلى طاولة مفاوضات لا تستأنف إلا عروض مسرح العبث. وكان يحدث دائماً، إذْ هكذا تطلّب الإخراج، أن تتوفر تغطية أمريكية ـ عربية، وأحياناً دولية محفلية يختلط فيها الحابل بالنابل (كما في مؤتمر أنابوليس، خريف 2007، حين ارتأى بشار الأسد أنّ فضيلة «الممانعة» لا تمنع هرولة نظامه إلى ذلك المؤتمر، والمشاركة في أشغال الهفت والتهافت).

وهكذا فإنّ القرارات حول تسيير العجلة ظلت مرجأة حتى إشعار آخر طويل، ليس على الجانب الإسرائيلي وحده في واقع الأمر، فهذا أمر بات مكروراً معاداً، بل عند الراعي الأمريكي ذاته. ذلك لأنّ سيد البيت الأبيض، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، لا يهمّ بإطلاق «مؤتمر تاريخي» داعياً الفريقين إلى اغتنام «فرصة تاريخية» حتى تعاجله دورة انتخابات لتجديد الكونغرس (الذي يصغي معظم أعضائه إلى رجالات الـ AIPAC، مجموعة الضغط اليهودية الأقوى في أمريكا، أكثر بكثير من إصغائهم إلى رجال البيت الأبيض؛ أو يدنو موعد انطلاق حملته الانتخابية الشخصية لتجديد رئاسته إذا كان في الولاية الأولى، أو لإنقاذ مرشّح حزبه من هزيمة نكراء إذا كان في ختام ولايته الثانية.

وفي مناسبة شيوع الأحاديث اليوم عن «خطة» جديدة لإطلاق المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، برعاية أمريكية طبعاً، ومشاركة عربية (من كوكبة اتفاقيات أبراهام، غالباً)؛ ليس عسيراً على المرء أن يستبعد أيّ أقمار يمكن أن تهبط من السماء إلى الأرض، وأية عجلات سوف تُخترع، بما يتيح ترجمة التوصيات إلى أفعال على الأرض، حتى على مسرح عبثي لا تتعالى على خشبته سوى الضوضاء والعجيج والجعجعة… دون طحن!

ولأنّ نتنياهو بدأ، ويظلّ حتى توافيه المنية، معلّق تلفزة بهلوانياً؛ فإنّ العالم لن يفتقد جرعة خطابية توراتية ترتدّ 4500 سنة إلى الوراء، نحو العماليق مثلاً؛ أو اجترار ما سبق أن اجترّه مراراً: «قبل آلاف السنين، فوق الهضاب ذاتها التي عليها يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون اليوم، كان النبي اليهودي أشعياء، وسواه من أنبياء شعبي الآخرين، قد أبصروا رؤيا سلام دائم للإنسانية جمعاء». ما خلا، بالطبع، أنّ رؤى أشعياء كانت تُظهر ملائكة يحملون مناجل قاطعة، ليس لحصيد الأرض وعناقيد العنب، فحسب؛ وإنما لإيقاع الخراب، أسوة بجزّ الرقاب.

وشتّان بين منجل من هذا الطراز، وعجلة عريقات التي لا تدور أصلاً؛ أو بين هذه «الإنسانية جمعاء»

وبين شرق أوسط رفع نتنياهو خريطة له من سدّة الأمم المتحدة خالية تماماً من… فلسطين. وما خلا، كذلك، أنّ ما يُشاع عن توتر واحتقان وغضب وعتب، بين بايدن ونتنياهو، ليس سوى آثار جانبية للفعل الحقيقي بين الرجلين: قبلة الدبّ، ولكن من طراز فريد لا يخنق ولا حتى يحبس الأنفاس!

ولهذا تصحّ استعادة حكاية كان نتنياهو يستطيب سردها، على نحو لا يغيب عنه التخابث بالطبع، وإنْ كان السرد ينطوي في ذاته على فضيلة التفضيح المفيد.

حين قام أوباما بزيارة دولة الاحتلال من موقع المرشّح لرئاسة الولايات المتحدة، انتحى جانباً بزعيم حزب الليكود، نتنياهو، وأسرّ له بالتالي: «أنت وأنا نشترك في الكثير. لقد بدأتُ على اليسار وانتقلتُ إلى الوسط. وأنت بدأتَ على اليمين وانتقلتَ إلى الوسط. كلانا براغماتي يرغب في إنجاز الأمور». لكنّ الرغبة شيء، والإنجاز كان شيئاً آخر مختلفاً تماماً، ولهذا لم يوفّر نتنياهو جهداً لإحراج أوباما، ولم يخفِ تعاطفه مع ميت رومني في الانتخابات الرئاسية.

ولقد بدا مضحكاً، ومدعاة شماتة صريحة من أنصار أوباما وخصوم نتنياهو، أنّ الأخير انخرط ــ منذ الصباح الباكر الذي أعقب فوز أوباما ــ في محاولات إصلاح الضرر وقَلْب الموقف رأساً على عقب: استدعاء السفير الأمريكي إلى مكتب نتنياهو، لالتقاط صورة عن عناق التهنئة الحارّة؛ وإصدار بيان عن العلاقات الإسرائيلية ــ الأمريكية، «الصلبة مثل صخرة»؛ والتعميم على قيادات الليكود بعدم التلميح، في برقيات التهنئة، إلى «خطأ» التعاطف مع رومني.
وأياً كانت الوجهة التي ستتخذها الخطة الأمريكية المزعومة للسلام فإن حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة لن تتوقف ما بقي نتنياهو حاكم دولة الاحتلال
لهذا، وأياً كانت الوجهة التي ستتخذها «الخطة» الأمريكية المزعومة للسلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ فإنّ أمثولة اختراع العجلات لن تكون على طاولة المفاوضات، والقمر لن ينزل بين المتفاوضين والوسطاء والرعاة، وحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة لن تتوقف ما بقي نتنياهو حاكم دولة الاحتلال. وأمّا العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية فإنها سوف تظلّ بقوّة الصخور، سواء استأنف بايدن الرئاسة أم آب إليها ترامب؛ ونقطة على السطر، هي خير تلخيص لمنطق معلَن مرسّخ.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال الولايات المتحدة الولايات المتحدة غزة الاحتلال السلام حل الدولتين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: الحرب في غزة يجب ألا تستمر وعلى ترامب الضغط على نتنياهو

دعت مجلة "إيكونوميست"، في افتتاحية لها، إلى وقف الحرب في قطاع غزة، مشددة على أن الأمريكيين الضغط على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القبول بوقف إطلاق النار ثم الضغط  على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لنزع سلاحها.

وقالت المجلة في الافتتاحية التي نشرتها الخميس وترجمتها "عربي21"، إن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا أن المرة هذه ستكون مختلفة، في إشارة لقرار حكومة الاحتلال في 5 أيار/مايو توسيع العدوان على قطاع غزة.

وتهدف إلى تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط. وسوف يستعيد جيش الاحتلال جزءا من القطاع، ويقوم بهدم بعض المباني أثناء تقدمه وسيتم تهجير الفلسطينيين إلى قطعة صغيرة من الأرض في جنوب غزة. وفي موازاة ذلك، ستسمح إسرائيل بإدخال بعض المساعدات إلى القطاع الذي تفرض عليه حصارا منذ 2 من آذار/مارس حيث سيتم تخزينها في مراكز يحرسها مرتزقة أمريكيون. ومن ثم تأتي العائلات مرة كل أسبوعين لجمع الطعام وبعض الضروريات.


وتقول المجلة إن أنصار الخطة يجادلون بأنها ستكون حاسمة حيث سيتم تدمير ما تبقى من حماس وحرمانها من المساحة لإعادة تجميع صفوفها أو قمع سكان غزة ومنع الغذاء عنها بحيث لا تكون قادرة على إطعام مقاتليها. 

وتعلق المجلة أن نتنياهو أمضى 18 شهرا وهو يعد بتحقيق "النصر الكامل"، ويقول مؤيدو الخطة إنهم بحاجة إلى بضعة أشهر أخرى فقط لتحقيقها.

ولفتت المجلة إلى أنه لا يوجد أي سبب يدعو لتصديق كلامهم. فبداية لن تؤدي العملية لتحرير الأسرى المتبقين في غزة. إلى جانب معاناة جيش الاحتلال الإسرائيلي من أزمة معنويات، ففي بعض الوحدات العسكرية لم تستجب سوى نسبة 50% من جنود الإحتياط للدعوة إلى الخدمة مرة أخرى. وتكشف الاستطلاعات أن نسبة 60% من الإسرائيليين يعارضون هجوما جديدا يؤدي لاحتلال غزة.

وزعمت المجلة أن دولة الاحتلال "حطمت قيادة حماس ودمرت ترسانتها العسكرية بشكل تستطيع شن هجمات معقدة، وما تبقى هي قوة عصابات والتي ستجد إسرائيل صعوبة في القضاء عليها لأن الأعداد الجديدة من المجندين كثيرة".

ويعاني المدنيون من الجوع بسبب الحصار. كما أن خطة إسرائيل لتقديم المساعدات لن تقدم سوى القليل من الإغاثة. ولا تتضمن على أي أجراءات خاصة تتعلق بالأشخاص المرضى أو غير القادرين على الذهاب إلى مركز التوزيع.

وتقول المجلة إن المستفيد الوحيد من استمرار الحرب هو نتنياهو وتحالفه المتطرف الذي يحلم بإفراغ غزة من سكانها وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك. ولو تمكنوا من تحقيق هدفهم، فإن 2 مليون إنسان سوف يضطرون إلى العيش في 25% من مساحة غزة على أساس حصص غذائية.

ويتفاخر بعض الوزراء الإسرائيليين بالفعل بأن مثل هذه الظروف من شأنها أن تدفع سكان غزة إلى المنفى، وهو ما يعتبر بمثابة تطهير عرقي.

وتضيف المجلة أنه يجب عدم استخدام الطعام كسلاح في الحرب. ويجب على إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى غزة والسماح للمنظمات الخيرية بتوزيعها.


وتزعم المجلة أنه حتى لو أخذت حماس بعضا من المساعدات، وهذا أمر سيء، ولكن البديل سيكون المجاعة. وإلى جانب ذلك، فقد حان الوقت للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. ويجب على  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يطالب نتنياهو بالموافقة على صفقة تبادل، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى. وهو ما لا يستطيع أي زعيم آخر أن يفرضه.

ويتطلع الرئيس الأمريكي إلى تحقيق انتصار في السياسة الخارجية، وعندما يزور الخليج الأسبوع المقبل، ينبغي للقادة العرب أن يحثوه على مواصلة هذه الجهود.

وبعد وقف إطلاق النار، تقول المجلة إن على ترامب الضغط على حماس، مستخدما الوسيلة القوية والاخيرة، وهي إعادة الإعمار. وتقدر الأمم المتحدة أن هذه التكلفة ستصل إلى 53 مليار دولار على مدى العقد المقبل.

وشددت المجلة على أن الحرب التي لا تنتهي سوف تعمق الخلافات في إسرائيل وتضر أكثر بمكانتها في العالم، موضحة أنه في حال انتهى الأمر بإخلاء غزة من سكانها وإعادة احتلالها، فسوف ترتكب إسرائيل خطأ استراتيجيا وفضيحة أخلاقية.

مقالات مشابهة

  • زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي: حكومة نتنياهو تقود البلاد نحو الانهيار والعزلة
  • كاتب أمريكي: ترامب بدأ يفهم لعبة نتنياهو
  • هذا ما كشفته التحقيقات الإسرائيلية بشأن إخفاقات 7 أكتوبر
  • عاجل- جيش الأحتلال يحقق في حادثة سقوط قنابل على الأراضي الإسرائيلية ويفيد بإصابة 7 جنود
  • عاجل.. طائرة لجيش الاحتلال تسقط قنابل على الأراضى الإسرائيلية المحتلة بالخطأ
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية يدعو إلى استهداف الخبراء الإيرانيين والحرس الثوري
  • غزة.. أجهزة طبية متهالكة والقيود الإسرائيلية تعيق إصلاحها
  • إيكونوميست: الحرب في غزة يجب ألا تستمر وعلى ترامب الضغط على نتنياهو
  • لهذه الأسباب نتنياهو خائف
  • لهذه الأسباب يريد نتنياهو استمرار الحرب 12 شهرًا إضافيًا