سودانايل:
2025-05-28@03:56:05 GMT

ازدواجية المعايير وتأثيراتها السالبة

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

mohammedhamad11960@gmail.com

بقلم: د. محمد حمد مفرح

تعكس السياسية الخارجية الامريكية، كما تبدو تجلياتها لكل متابع لسيرورتها و تفاعلاتها، مفارقة صارخة تتمثل في عدم ترجمتها للسياسة الامريكية الداخلية بصورة متوازنة او عقلانية تتسق مع نصوص و أحكام الدستور الأمريكي و موجهاته العامة. فبناء على أن السياسة الخارجية Foreign Policy لأي بلد تمثل، في وجهها العام، البعد الخارجي للسياسة الداخلية لهذا البلد، من جهة مراعاتها لمصلحته العامة، حسبما تتضمنها السياسة الداخلية للبلد المعني، فان الدول تحرص، من خلال ممارستها لسياستها الخارجية، على خدمة مصلحتها، و ذلك وفقا لما ورد في دستورها و ما فصلته قوانينها.

بيد انه يتعين على الدولة، في هذه الحالة، و خاصة الدولة الديموقراطية، الا تطلق العنان لمصلحتها او تمارسها دون ضوابط تتمثل في مباديء سامية او مثل عليا تمثل وجها من وجوه الممارسة الديموقراطية، بل و تؤطر هذه المصلحة باطار من هذه المثل المضمنة، صراحة او ضمنا، في ثنايا دستورها، بحكم توجهها الديموقراطي. لذا تحرص بعض الدول على ان تتوافق سياستها الخارجية، إلى حد كبير او معقول، مع سياستها الداخلية، فيما يلي تعبير الأولى عن الثانية خارجيا دون افراط او تفريط، و ذلك تفاديا لعدم التوازن المخل الذي ربما يكون له تأثيرات سالبة او يعرض الدولة للنقد، على اقل تقدير.
و من الشواهد على المفارقة الصارخة انفة الذكر و التي تعكسها السياسة الخارجية الامريكية، كما سلف القول، ما تضمنه الدستور الامريكي American Constitution الذي تم توقيعه و العمل به في العام ١٧٨٧م من نصوص تعمل، في توجهها العام، على تعظيم حقوق المواطن في ظل الديموقراطية، مع اختلال واضح تعكسه السياسة الخارجية على مستوى الممارسة. ذلك ان هذا الدستور اوضح بجلاء الحقوق و الواجبات لكل فرد و اختصاصات السلطات التشريعية (الكونغرس) و التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة و القضائية ممثلة في المحكمة العليا مع تحديده دائرة اختصاص كل منها، كما وضع القيود لهذه السلطات و ذلك لضمان عدم تداخل او تعارض الاختصاصات، ما يحقق دولة المؤسسات المستندة الى سيادة القانون.
و مما ينص عليه الدستور الامريكي في هذا الصدد هو:
(أقترح الكونغرس وثيقة الحقوق في ٢٥ سبتمبر ١٧٨٩م، وتم إقرارها في ١٥ ديسمبر ١٧٩١م، بمصادقة الهيئات التشريعية لمختلف الولايات وفقاً للمادة الخامسة من الدستور الأساسي.
و تحدد التعديلات العشرة الأولى للدستور الأميركي الحقوق والامتيازات والحريات التي لا يجوز للحكومة الفيدرالية أن تحرمها. هذه الحقائق بديهية، بأن كل البشر خلقوا متساوين، وأن خالقهم وهبهم حقوقاً معينة غير قابلة للتصرّف، وأن من بينها الحق في الحياة، والحرية، ونشدان السعادة. ولضمان هذه الحقوق، تمّ إنشاء الحكومات بين الناس، لتستمد سلطاتها من موافقة المحكومين).
و مما يجدر تأكيده ان هذه المعاني السامية التي نص عليها الدستور الامريكي و أستبطنها تمثل، دون شك، مباديء سامية تعكس طبيعة النظام الديموقراطي كما تعد ذات قيمة انسانية عالية كونها ترتبط ارتباطاا وثيقا بحقوق الانسان، بمفهومها الشامل حسبما نصت عليه القوانين.
و من الأهمية بمكان الإشارة الى أن الدستور الامريكي بوصف بأنه دستور جامد لا يتيح فرصة للتعديلات المتواترة او المتكررة التي يمكن ان تنال من صرامة محتواه أو تكون خصما على احكامه و نصوصه التي تمثل ثوابتا ذات اثار قانونية منتجة. و مع ذلك فهو يتيح فرصة للتعديلات التي تقتضيها المتغيرات الوطنية و الدولية، و التطور العام.
من جانب اخر، و وفقا لنص الدستور و القوانين الأمريكية، يتوجب على كل السلطات المذكورة في صدر المقال و كذا الأفراد احترام هذا الدستور دون أدنى تهاون.
لذا فعادة ما يتم تعديله باجراءات دستورية خاصة و ليس قانونا عاديا، و ذلك تأكيدا على حرفيته و تجنبا للمساس بها.
و مع كل ذلك فهنالك مفارقة تسم الواقع السباسي الامريكي تتمثل في أنه بقدر ما ان أمريكا متقيدة، على المستوى الداخلي الرسمي بالدستور و حريصة على الديموقراطية و حقوق الانسان، كما يعبر عنها دستورها، فان سياستها الخارجية تستند فحسب على المصالح التي لا تقيم للديموقراطية و حقوق الانسان وزنا. و ليس أدل على ذلك من تعامل أمريكا و مواقفها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، فضلا عن الوقائع العديدة التي تؤكد على اتباع امريكا لهذا النهج، و التي لا يتسع المحال لاستعراضها تفصيلا.
و من الأهمية بمكان الإشارة الى ان هذه المفارقة تعد وليدة جنوح السياسة الامريكية الى المصلحة الذاتية بكل تقاطعاتها الداخلية ذات الابعاد الحزبية و الشخصية.
من جهة ثانية فان مما يدلل على هذه المفارقة انه يوجد، على المستوى الفردي و الجماعي بأمريكا، افراد و جماعات و منظمات و هيئات تقر بهذا الخلل و ترى ضرورة إصلاحه كونه يمثل ازدواجية معايبر Double Standards تجسد الظلم و تنال من مباديء امريكا المضمنة في دستورها. و ليس أدل على ذلك من ان هذه الازدواجية ظلت تعمل على تعرية أمريكا امام العالم و تؤكد على ديموقراطيتها الشائهة و على هضمها لحقوق الكثير من الدول و الشعوب، علاوة على ان لها تأثيراتها السالبة على الكثير من الأصعدة الدولية.

/////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدستور الامریکی ان هذه

إقرأ أيضاً:

مجلس الحسابات : الأحزاب السياسة حصلت على 14 مليار سنة 2023

زنقة 20. الرباط

أفاد المجلس الأعلى للحسابات بأن الدعم العمومي الذي رصدته الدولة للأحزاب السياسية في قانون المالية لسنة 2023 بلغ 140 مليون درهم، وذلك للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها، وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية، ومصاريف المهام والدراسات والأبحاث.

وأوضح المجلس، في تقريره الصادر اليوم الثلاثاء ، المتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2023، أنه تم صرف 43 في المئة من هذه الاعتمادات لفائدة 17 حزبا، بما مجموعه 60,38 مليون درهم، بالإضافة إلى صرف مبلغ دعم مخصص لتشجيع تمثيلية النساء بلغ 100.813,20 درهما لفائدة حزب واحد. وقد س ج ل بذلك انخفاض بنسبة 25,5 في المئة مقارنة بسنة 2022، التي بلغ فيها إجمالي المبالغ المصروفة 81,17 مليون درهم.

وأضاف التقرير أنه لم يتم صرف هذا الدعم لفائدة 16 حزب ا، لعدم استيفائها شرطا أو أكثر من الشروط المطلوبة قانونا.

وحسب التقرير، فقد توز ع المبلغ الإجمالي لهذا الدعم (60,48 مليون درهم) بين مساهمة الدولة في تغطية مصاريف التدبير (99,21%)، وتغطية مصاريف تنظيم المؤتمرات الوطنية العادية (0,62%)، وتشجيع تمثيلية النساء (0,17%).

كما أفاد التقرير بأن الموارد المصر ح بها من طرف 27 حزبا سياسيا برسم سنة 2023 بلغت ما مجموعه 104,97 مليون درهم، موزعة بين الدعم الممنوح من طرف الدولة (58%)، والموارد الذاتية للأحزاب (42%)، أي ما مجموعه 44,49 مليون درهم، موضح ا أن حصة التمويل العمومي شكلت ما يناهز 58% من مجموع الموارد المصرح بها من طرف الأحزاب برسم سنة 2023.

وبلغت الموارد الذاتية للأحزاب 44,49 مليون درهم، مسج لة بذلك انخفاضا ملحوظا بنسبة تفوق 38% مقارنة بسنة 2022. وقد توزعت هذه الموارد، أساس ا، بين واجبات الانخراط والمساهمات (89%)، والعائدات غير الجارية (11%). وي عزى هذا الانخفاض، أساس ا، إلى تراجع العائدات غير الجارية من 19,21 إلى 4,79 مليون درهم، وتراجع واجبات الانخراط والمساهمات من 52,49 إلى 39,60 مليون درهم.

ولاحظ التقرير ذاته أن تسعة أحزاب فقط صر حت بموارد بلغ مجموعها حوالي 96,97 مليون درهم، أي ما يعادل 92% من إجمالي الموارد المصر ح بها برسم سنة 2023.

وأشار إلى أن مبالغ الموارد موضوع ملاحظات المجلس تجاوزت 1,72 مليون درهم، هم ت ثمانية أحزاب، وتمثلت أبرز الملاحظات في نقائص على مستوى تبرير جزء من الموارد المصرح بها من طرف أربعة أحزاب، وكذا في استخلاص مبالغ نقد ا من طرف خمسة أحزاب، بلغ مجموعها 865.900,00 درهم، من خلال تسديدات تتجاوز السقف المحدد قانونا.

الأحزاب المغربيةالمجلس الأعلى للحسابات

مقالات مشابهة

  • الوجوه والأقنعة وتبدُّلها في علم السياسة العالمية
  • مجلس الحسابات : الأحزاب السياسة حصلت على 14 مليار سنة 2023
  • ملف الانسحاب الامريكي يوضع في الادراج.. والسوداني يوان بين واشنطن و خصومها
  • ‌‏الخارجية الليبية تنفي المعلومات التي تحدثت عن اقتحام مقرها في طرابلس
  • بوريطة يدعو السفراء لجلب الإستثمارات : الدبلوماسية الإقتصادية ركيزة أساسية في السياسة الخارجية
  • وفق أعلى المعايير.. منظومة متكاملة لتقديم الخدمات الصحية للحجاج
  • وزير خارجية إسبانيا ينتقد ازدواجية مواقف بعض الدول الأوروبية تجاه غزة وأوكرانيا
  • ماليزيا تندد باللامبالاة وازدواجية المعايير بشأن مذابح غزة
  • ماليزيا: الفظائع التي ارتكبت في غزة تعكس اللامبالاة وازدواجية المعايير
  • عبدالغفار: تدريب الأطباء وفق أعلى المعايير العالمية لسد عجز التخصصات وإنقاذ المنظومة الصحية