اللحظات الأخيرة في حياة حلمي بكر: عانى من جفاف شديد.. وأوصى بدفنه داخل مقبرة اشتراها قبل رحيله
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
رغم أن الموت يأتى بغتة، فإن بعض الأحياء يضعون سيناريو وفاتهم: «لو رُحت المستشفى هموت واتبهدل»، كان هذا آخر عنوان فى مسيرة الموسيقار الكبير حلمى بكر، الذى رحل عن عالمنا مساء أمس الأول، عن عمر ناهز الـ86 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً كبيراً من الألحان والأغنيات التى شارك فيها، والتى قال عنها مؤخراً: «اتفاجئت إنى عامل 1800 لحن».
29 فبراير، قبل الوفاة بيوم واحد لم يكن يوماً عادياً، كان كبيساً بالفعل داخل أحد المنازل فى منطقة كفر صقر بمحافظة الشرقية، كان «حلمى بكر» يتألم بشدة، هذا ما تحدثت عنه زوجته «سماح القرشى»، فى تصريحاتها لـ«الوطن»، بداية كان «بكر» يشكو ويصرخ من آلام شديدة فى المعدة، لكنه كان رافضاً الذهاب للمستشفى، فطلب طبيبه الخاص المقيم فى القاهرة من زوجته ضرورة الاستعانة بطبيب لتوقيع الكشف فى المنزل، لتستعين بأحد الأطباء، الذى أخبرهم بضرورة نقله إلى المستشفى، لأنه يعانى من حالة جفاف شديدة ولا بد أن يظل تحت الرعاية والملاحظة الدقيقة.
رفض «بكر» أوامر الطبيب لكن الألم لم يتركه، فقرر الجميع الاتصال بالإسعاف، وبالفعل جاءت سيارة الإسعاف ووقّع الطبيب المرافق الكشف مرة أخرى، وكتب تقريره: «المصاب حلمى عيد محمد بكر، البالغ من العمر 86 عاماً، الحالة فى وعيها الكامل، والضغط 90 على 60، والحرارة 37 ونصف، وحالة المريض واعٍ تماماً، لكنه مشوَّش للغاية ويرفض الذهاب إلى المستشفى».
«مش هروح مستشفيات يا جماعة، لو رحت المستشفى هموت واتبهدل»، هكذا صاح «بكر»، مؤكداً رفضه الذهاب إلى المستشفى وأنه يتحمل كامل المسئولية، ولكن عند الفجر قررت زوجته التدخل، فطلبت سيارة إسعاف مرة أخرى، وهذه المرة لم يستطع «بكر» المقاومة، وفور وصوله إلى المستشفى دخل غرفة الرعاية المركزة لتلقى العلاج اللازم، حيث استلزمت حالته نقل دم وإعطاءه كميات كبيرة من الجلوكوز والبوتاسيوم لتفادى الجفاف.
وكشفت زوجته عن أن الطبيب المعالج له داخل العناية أبلغها بتوقف عضلة قلب زوجها فى الرابعة عصراً، فهرعت مسرعة للرعاية فوجدت الفريق الطبى بالكامل حوله يحاولون إنعاش القلب، واستمرت تلك المحاولات فترة طويلة، إلى أن فاضت روحه إلى بارئها وتوقفت جميع أجهزة الجسم بالتوقف المفاجئ لعضلة القلب بعدما كانت الحالة شبه مُستقرة.
وكان هشام، نجل الموسيقار الراحل، قال فى رسالة لمحاميه بالقاهرة: «أنا حالياً فى الطائرة متجه إلى مصر، وسامع عمى فتحى عاوز يسرع فى إجراءات دفنه، وأؤكد أنه لا بد من نقل جثمان والدى ووضعه فى الثلاجة لحين وصولى إلى مصر، وعدم اتخاذ أى قرار دون الرجوع لى وأنا نجله الوحيد».
لم يكن «بكر» يستطيع تحريك ساقيه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وطيلة هذه المدة كان طريح الفراش، بعدما شعر فى أحد أيام نوفمبر 2023 بإجهاد شديد، وآلام فى الصدر والقلب، وتم إيداعه أحد المستشفيات بمنطقة المهندسين، لكنه خرج منه فى حالة صحية أسوأ كما قال فى تصريح سابق لـ«الوطن»، فما الذى كان يعانى منه فى الأساس؟ هذا ما أخبر به الطبيب المعالج «محمد سلام» قائلاً: «كان يعانى من خلل فى كهرباء القلب، أو ما يسمى تحديداً (ارتجاف أذينى) سبّب له ارتشاحاً مائياً على الرئتين، ما أدى لصعوبة شديدة فى التنفس، حيث كان الأكسجين فى الدم فى أكثر معدلاته انخفاضاً، وكان يتأرجح ما بين الـ80 والـ90».
وقتها تلقى الملحن الكبير العلاج المنزلى على يد الطبيب، وبدأت حالته فى التحسن حتى عادت الرئة لطبيعتها وخف الارتجاف الأذينى، وعادت درجة الوعى لأفضل مستوياتها، وأوصى بعدها الطبيب بالتوجه لأحد المستشفيات لاستكمال العلاج وإعادة التأهيل، لكن هذا ما رفضه «بكر» أيضاً حتى تدهورت حالته.
بعد فترة قضاها «بكر» فى منزله بمنطقة المهندسين طريح الفراش، اقترحت زوجته الانتقال إلى مسقط رأسها بالشرقية، حيث مساحات خضراء أوسع وأكل صحى وهواء أنقى، فوافق.
وقالت «القرشى»، وهى فى حالة انهيار تام، عن بعض وصاياه قبل تدهور حالته نهائياً: «قال لى: ماتدخليش فى معارك مع حد، ركِّزى مع بنتك بس بنتك صغيرة ومحتجالك علشان تربيها كويس، وكانت نصيحته الثانية ماتودنيش المستشفى هتبهدل وهموت، كما أوصى بدفنه داخل المدفن الذى اشتراه فى الوفاء والأمل بمدينة نصر بالقاهرة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حلمى بكر إلى المستشفى
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. أول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت
تحل في الثالث عشر من ديسمبر ذكرى وفاة أحد أعلام الفكر الإسلامي والتجديد الديني في العصر الحديث، الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، وأول من حمل لقب الإمام الأكبر، والذي ترك بصمة فكرية عميقة في مسيرة الأزهر، وأسهم إسهامات غير مسبوقة في تطوير الخطاب الديني، وترسيخ منهج الوسطية، والتقريب بين المذاهب الإسلامية.
وُلد الشيخ محمود شلتوت بمحافظة البحيرة عام 1893م، في زمن شهد ميلاد عدد كبير من رواد الإصلاح الديني والفكري، ونشأ في بيئة علمية جعلته يتجه مبكرًا إلى طلب العلم الشرعي، حتى أصبح أحد أبرز علماء الأزهر الشريف في القرن العشرين.
رحل الشيخ شلتوت عن عالمنا عام 1963م عن عمر ناهز السبعين عامًا، بعد رحلة علمية وفكرية حافلة بالعطاء، شغل خلالها مناصب علمية رفيعة، أبرزها مشيخة الأزهر الشريف، وكان نموذجًا للعالم المجدد الذي جمع بين أصالة التراث ووعي العصر.
لم يقتصر دور الشيخ محمود شلتوت على الساحة المحلية، بل امتد إلى المحافل العلمية الدولية، حيث اختير عضوًا في الوفد الذي شارك في مؤتمر “لاهاي” للقانون الدولي المقارن عام 1937م، وقدم خلاله بحثًا علميًا مهمًا بعنوان: «المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية».
نال البحث استحسان المشاركين في المؤتمر، وأكدوا من خلاله صلاحية الشريعة الإسلامية للتطور ومواكبة العصر، واعتبارها مصدرًا أصيلًا من مصادر التشريع الحديث، لا تابعًا ولا مقتبسًا من القوانين الوضعية، وهو ما مثّل آنذاك شهادة دولية مهمة في زمن كانت تعاني فيه الأمة الإسلامية من الاستعمار والتشكيك في تراثها التشريعي.
يُنسب إلى الشيخ محمود شلتوت عدد من الأفكار التنويرية الجريئة، حيث كان من أوائل من نادوا بضرورة إنشاء مكتب علمي متخصص للرد على الشبهات المثارة حول الإسلام، وتنقية كتب التراث من البدع والخلط، وهي الدعوة التي مهدت لاحقًا لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.
كما دعا إلى تجديد الفقه الإسلامي من داخل أصوله، دون قطيعة مع التراث، مؤكدًا أن التجديد لا يعني الهدم، وإنما الفهم العميق للنصوص في ضوء مقاصد الشريعة ومتغيرات الواقع.
في عام 1958م، صدر قرار تعيين الشيخ محمود شلتوت شيخًا للأزهر الشريف، ليصبح أول من حمل رسميًا لقب الإمام الأكبر. وخلال فترة توليه المشيخة، بذل جهودًا كبيرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان مؤمنًا بأن الخلاف المذهبي لا ينبغي أن يكون سببًا للفرقة أو الصراع.
كما أدخل لأول مرة دراسة المذاهب الإسلامية المختلفة في مناهج الأزهر، سعيًا لترسيخ ثقافة التعدد وقبول الآخر، والعمل على وحدة الصف الإسلامي.
شهد عهد الشيخ شلتوت صدور قانون إصلاح الأزهر الشريف عام 1961م، وهو من أهم القوانين المنظمة للأزهر في العصر الحديث، حيث توسعت الدراسة الأزهرية لتشمل العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية، ولم تعد مقتصرة على التعليم الديني فقط.
كما أُنشئت في عهده كليات جديدة، وارتفعت مكانة الأزهر العلمية عالميًا، وتعزز دور شيخ الأزهر كرمز ديني وفكري له ثقله في العالم الإسلامي.
خلّف الإمام الأكبر محمود شلتوت تراثًا علميًا غنيًا، من أبرز مؤلفاته:
فقه القرآن والسنة
مقارنة المذاهب
القرآن والقتال
يسألونك (مجموعة فتاوى)
منهج القرآن في بناء المجتمع
القرآن والمرأة
تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام
وقد تُرجمت العديد من مؤلفاته إلى لغات مختلفة، ما أسهم في نقل صورة الإسلام المعتدل إلى العالم.