لا شك أن أحاديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، مصدر هدى وضياء لكل مؤمن، فهى التطبيق العملى لهدى القرآن الكريم، وهى النموذج الأمثل لحياة النبى مع أصحابه وأهل بيته، وتعكس تعامله الجميل كذلك مع غيرهم.
فهذه الأحاديث التى جاءت ونُقلت لنا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لها دورها الكبير فى خَلْق إيمان صحيح، وتهذيب لسلوك الإنسان وأخلاقه، وقد وقعت هذه الأحاديث النبوية القولية أو الفعلية فى مواقف متعددة، منها ما كان بسبب، كأن تكون القصة كانت بسبب جواب لسؤال سائل، ومنها ما كان توجيهاً لسلوك، أو تصحيحاً لخطأ صدر من بعض الناس، ولكن ربما يصلنا الحديث القولى أو الفعلى، وتغيب عنا ملابسات الحديث وأسباب وروده عن النبى صلى الله عليه وسلم، فأردت من خلال هذا البرنامج أن يتعرَّف المشاهد على تلك الأسباب وتلك الملابسات كأنه يعيش القصة ويحضرها، فيستطيع أن يفهم الحديث النبوى فى ضوء أسباب وروده عن النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للاستفادة منه فى المواقف المشبهة لتلك القصة، ومن النماذج التى قُدمت فى هذا البرنامج، قول النبى صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتم ميسِّرين، ولم تُبعثوا معسِّرين، إنما بُعثتم مُبشِّرين، ولم تُبعثوا مُنفِّرين» رواه البخارى.
وقصة هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان جالساً فى المسجد فدخل أعرابى، فبال فى المسجد، فهمَّ الصحابة ليمنعوه من إكمال فعله هذا حتى لا يُنجِّس المسجد، وصاحوا به، فلما رأى النبى صلى الله عليه وسلم هذا الموقف، قال لهم: دعوه، وأهريقوا على بوله سَجْلاً من ماء، أى صُبُّوا على مكان بوله دلواً ممتلئاً بالماء، ثم توجه النبى عليه الصلاة والسلام لأصحابه بهذا الخطاب، قائلاً لهم: «إنما بُعثتم ميسِّرين، ولم تُبعثوا معسِّرين، إنما بُعثتم مُبشِّرين، ولم تُبعثوا مُنفِّرين».
والمتأمل فى هذا الموقف يتبين له كيف كان النبى عليه الصلاة والسلام يعالج الأخطاء، فالنبى عليه الصلاة والسلام لم يُغرق فى الحَدَث وتفاصيله التى ربما تُبعد عن حل للمشكلة، ولكن بدأ بإجراء عملى وهو أنه أولاً نظر إلى ما يمكن أن يترتب على قطع هذا الأعرابى لبوله من آثار طبية بدنية من حبسه للماء فى جسده، لا سيما بعد أن قام بالفعل وصار واقعاً لا يمكن درؤه، كما راعى النبى عليه الصلاة والسلام ثقافة وعقل هذا الأعرابى الذى جاء من البادية، والتى ربما خالفت طبيعتهم فى التعامل أهلَ الحضر، لا سيما أن هذا الأعرابى قبل أن يقوم بهذا الفعل قد أحدث تصرفاً قبله جعل النبى صلى الله عليه وسلم يفهم طبيعة تفكيره، وقدرته العقلية فى التعامل مع الأحداث والأشخاص، حيث دخل الأعرابى قبل ذلك فصلى ركعتين، ودعا الله بصوت مسموع، اللهم ارحمنى ومحمداً، ولا ترحم أحداً غيرنا، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى الأعرابى من صلاته: «يا هذا لقد حجَّرت واسعاً».
ثم بعدها بقليل قام الأعرابى فبال فى المسجد، غير مراعٍ لآداب المسجد وحرمته عن جهل منه، فكان توجيه النبى صلى الله عليه وسلم لهذا الأعرابى يتناسب مع ما فهمه النبى من طبيعته الخاصة مستصحباً تلك الأمور فى هذا التوجيه، داعياً الصحابة وموجهاً لهم الالتزام باللين والتيسير، وعدم التعانف والتنفير، وقد صدق رب العالمين حينما وصف نبيه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]، والله تعالى أعلم.
*الباحث بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأحاديث النبوية الشريفة الهدى الرحمة هيئة كبار العلماء
إقرأ أيضاً:
دعاء عدم تكرار الذنب.. داوم عليه كل يوم
دعاء عدم تكرار الذنب ورد الكثير من الأدعية في السنة النبوية عن الاستغفار والتوبة، وكذلك هناك بعض الصيغ غير واردة في السنة ولكن يجوز الدعاء بها، ومن الأدعية التى تعين الإنسان على التخلص من جميع الذنوب والمعاصى.
دعاء عدم تكرار الذنباللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة ويورث الندامة ويحبس الرزق ويرد الدعاء، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه وأستغفرك من النعم التي أنعمت بها علي فاستعنت بها على معاصيك وأستغفرك من الذنوب التي لا يطلع عليها أحد سواك ولا ينجيني منها أحد غيرك ولا يسعها إلا حلمك وكرمك ولا ينجيني منها إلا عفوك وكرمك.
1- «اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، وأبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأعترفُ بِذنوبي، فاغفِر لي ذنوبي إنَّهُ لا يَغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ».
2- «اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، والجبنِ والبخلِ، والهرمِ، وعذابِ القبرِ، وفتنةِ الدجَّالِ، اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من علْمٍ لا ينفعُ، ومن قلْبٍ لا يخشعُ، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها».
3- «رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ».
4- «أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه»، من قالها غفر له مهما كان ذنبه.
5- «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ».
6- «اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وأَسْرَرْتُ وأَعْلَنْتُ، أنْتَ إلَهِي لا إلَهَ لي غَيْرُكَ».
أسباب عدم استجابة الدعاءفي السياق ذاته، بين الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، أسباب عدم استجابة الدعاء، مؤكدًا أن التعجل في استجابة الدعاء، السبب فى عدم القبول من الله، لافتًا إلى أن الصبر شرط من القبول.
واستشهد «عبد المعز» بما روي عَنْ أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُسْتجَابُ لأَحَدِكُم مَا لَم يعْجلْ: يقُولُ قَد دَعوتُ رَبِّي، فَلم يسْتَجبْ لِي»، متفقٌ عَلَيْهِ.
وتابع: "وفي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ أن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزَالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَم يدعُ بإِثمٍ، أَوْ قَطِيعةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتعْجِلْ قِيلَ: يَا رسُولَ اللَّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَم أَرَ يَسْتَجِيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْد ذَلِكَ، ويَدَعُ الدُّعَاءَ».
وواصل: «تلاقى الناس تدعو لأولادها، ويقولك أنا دعوت وصليت ومفيش استجابة، وتلاقيه يقولك مفيش فايدة»، مستشهدا بالحديث النبوى الشريف: "يستجاب للمرء ما لا يعجل».
وأكد أن الدعاء هو العبادة، وقد أمرنا الله تعالى بدعائه ووعدنا بالإجابة عليه، فقال تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (غافر:60)، وقال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» (البقرة:186).
واستطرد: “ولتعلم أن دعاءك لن يضيع، فإما أن يعجل لك به ما تريدين، وإما أن يدخر لك من الثواب ما أنت في أمس الحاجة إليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وإما أن يصرف عنك به شر، أو بلاء في هذه الدنيا، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ”.