أصدرت الأديبة والشاعرة الكاتبة التونسية كوثر بلعابي دراسة نقدية في ، (( من وصاياها ) للأديب والصحفي أشرف كمال مدير مكتب جريدة الوفد بالمنيا ، وعضو نقابة الصحفيين (منتسبين ) ، جاء فيها .

 

للوصيّة عامّة معنيان :  فهي إقرار عن طواعية يكون شفويّا أو مكتوبا بتوريث ممتلكات ماديّة او غير ماديّة من قِبلِ شخص  لبعض ذويه أو أخلافه.

. وهي ايضا القول البليغ المؤثّر الذي يحثّ على السلوك الإيجابي النّافع حُبّا في مَن تُوَجَّه إليه الوصيّة و رغبة في إعلاء شأنه و جلب الخير له.. و الوصية في معناها الرّسميّ عريقة في ثقافتنا العربية.. لها جذور في الديانات السماوية .

 

(( الوصايا العشر في التّوراة التي تلخّص مجمل تشريعات الدّيانة اليهوديّة : " سفر الخروج " و التي لها ما يرادفها من المبادئ العامّة في التّشريع الإسلامي الواردة في القرآن الكريم : "سورة الأنعام" )) و لها جذور ايضا في الأدب القديم ((وصايا الخلفاء إلى أولياء العهد _ وصايا علي بن أبي طالب إلى أتباعه و قد جُمِعت في كتاب نهج البلاغة _ وصايا سهل بن هارون التي أوردها الجاحظ في كتاب البخلاء _المقامة الوصية لبديع الزمان الهمذاني... )) .

 

و مهما كان تنوّع الدّلالات و مهما كثرت الوصايا في موروثنا الثقافي فإنها تقوم جميعا على ثنائية التّوريث و التّرشيد بواسطة خطاب مباشر بين طرفين موجّه لغاية او هدف غالبا ما يكون لفائدة المُوصَى له .. و وصايا الأديب و الصحفي * أشرف كمال* تنهل من هذا المَعين ضاربة في عمق الأصالة  ممتدّة إلى مقتضيات العصر الحديث الذي افرزها فجاءت في نسيج فنّيّ محكم التّقاطع مع الرّسالة من جهة و مع الخاطرة و القصيدة من جهة ثانية سواء في بناء خطابها و في طرق توظيف لغتها و ابتكارات تعبيرها أو في مضامينها القيميّة السّامية.. 

 

فعلى مستوى بناء الخطاب :

  اعتمد المؤلف الخيال في تَمثُّلِ مرايا الذّات المتنصّلة من ذاتها لتواجهها عبر استحضار ال "هي" التي وقعت نسبة الوصايا لها.. أنثى الحكمة و مَعين المعنى تدرّ على أشرف بكمّ من الحكم و النصائح النّاجمة عن تأملات عميقة و تجارب عريقة ضمن خطاب محوره النداء الملحّ (( يا أشرف)) الذي يفيد الإستقطاب و لَفت انتباه المتلقّي بما أنّ المؤلّف تقمّص في مراوغة ذكيّة دَوْرَ التّلقّي في الخطاب حتى لكأنّه المُوصِي و المُوصَى له في ذات الآن و هو يتوجه بالوصايا لنفسه و للآخرِ مُطلَقًا غيرَ محدَّدٍ متحصّنا  بالحِياد و الموضوعيّة فكان الكلام بذلك مُرسَلا من أشرف الأديب المثقل بتجارب الحياة التي انضجته  و المتشبّع بالحكمة إلى أشرف المتعلّم من الحياة كوسيط او ممثّل لبني جلدته يستوعب معهم الدّرس أو بالأحرى الرّسالة الملتبسة بوصيّة الأنثى الأمّ/ الولادة او الأنثى الحبيبة/ السعادة  و كلتاهما بهذا المعنى اكسير الحياة (( من وصاياها.... هي أمّك؟ هي حبيبتك؟ ملهمتك؟ هي امرأة خارقة؟.. )) 

 

و قد ادّت ذلك كما يَحسُنُ الأداء صياغةٌ تعليميّةٌ في منتهى الدّقّة البيداغوجية الموجّهة للوعي و الشّعور كليهما نحو ما يستطاع به ان يكون الإنسان إنسانا حقيقيا يحب بمشاعر سليمة و صحيّة  و يفكّر وفق مبادئ نبيلة و صحيحة .. فأجاد توظيف التقرير المطلق في مواضع التّلقين و التّفسير (( الشّكّ خنجر صدئ يا أشرف يطمس الحُبِّ و يشوّه الأغنيات)).. و أجاد استخدام الأمر و النهي في مواطن إسداء النّصيحة المباشرة الحافظة للسّلامة (( لا تفكّر في إسعاد غيرك يا أشرف.. فكّر فقط في عدم إيذائهم...)) و أجاد التّوسّل بالأسلوب الحكمي في مواضع التّأمّل  حجاجا (( البقاء غريزة حارّة يا أشرف و الرّحيل انسحاب جبان يتوكّأ عليه الأشقياء)) او استدلالا عبر تراكيب الشرط  (( إذا شاءت أقدارك ان تودّع حبيبة لا تنظر في عينيها   عيناها تشقّقات أرض عطشى...)) هكذا كان خطاب الوصايا تناسُبا مدمجا بين الخاطرة و الرّسالة كتبته لغة الشعر الموغلة في التعبير الجمالي كما سأبيّنه في :

 

مستوي توظيف اللغة و إمكانات التعبير الجمالي :

لقد كتب أشرف كمال وصاياها بلغة لا تماثل سياقاتها المعجمية جاعلا العدول عن أصل المعجم وسيلته الأساسية في بلوغ مرتبة الجمالية الإبداعية في كتابته متعاملا مع اللغة على اساس العدول البلاغي حينا الذي يظهر خاصّة في استخدامه للتشبيه البليغ أسلوبا تعبيريّا أساسيّا في تحقيق الإيحاءات الطّريفة المراوغة بالمعنى و كذلك التشبيه المرسل و المجاز و الاستعارة (( الليل خفقة عطر الذكريات _تشبيه بليغ _يتدفق مع خيوط السّهر _ استعارة مكنيّة _ كوجع قديم _ تشبيه مرسل _)) فضلا عن التوظيفات الطّريفة للمجاز و المحسّنات البديعيّة (( الأرواح خدوش دامية نعالجها بالنسيان و تهلكنا بالتّذكّر _ تداخل بين المجاز و المقابلة _)) و على أساس العدول السّياقي حينا آخر الذي يظهر في الخروج بالكلمات عن معانيها الأصلية إلى معان سياقيّة مخالفة للمعتاد الأديب هو الذي يحدّدها بوضعها في ترصيفات لغوية محققة لدرجة اوفي من جمالية الإيحاء (( قلوبنا مدرّبة على الغربة لا تعرف كيف تبدّل جلودها و إن أعياها البلاء)) فاختزال الكائن البشري في قلبه فقط من خلال هذه الصّورة و إسناد  أفعاله (مدرّبة) و لوازمه (جلودها) إلى القلب تجعل الصّورة ملامسة للخواطر محرّكة للخوالج عالقة في الذّهن و الوجدان ممّا طعّم الوصايا هذا البلاغَ المُرسلَ بشعريّة في منتهى البلاغة فكانت شعريّة البلاغ المِبين جليّة تتّضح معالمها أكثر في : 

 

مستوى مضامين الوصايا : 

فقد جات هذه الوصايا محمّلة بأنبل القيم و موضّحة لأصول العيش القويم في حياة الفرد و المجموعة فبدت خلاصة تجربة عميقة في الحياة فيها كثير من العثرات و قليل من النّجاحات لما نلمسه في ثنايا المحتوى من مسحة حزن و شجن.. هي وصايا لا تخلو من صوفية موغلة في التجريد (( لا تهرب من الليل يا أشرف لا و لا منه اللّيل سفر الغريب تتوه به الثّنايا كلّما أوهنته الخطى بالوصول))  و وجوديّة مؤمنة بالإنسان الأمثل (( جراحات الرّوح مفزعة حقّا يا أشرف و رفع الأذى عنها فضل باذخ و صنوبرة وارفة تظلل القلب بالفرح)) و رومنسية حالمة  فائقة النّبل في التنظير للشّعر الذي ينفع الناس و يرتقي بهم و يزرع المودّة و الرّحمة بينهم  (( الشّعراء أطفال يدّخرون هشاشة الأيّام ليعالجوا جروح العاشقين..... عيون امرأة غاضبة جوع لا يدركه إلا الشعراء)) .

 

و في التنظير لترشيد الحبّ و الترفّع به عن الغرائز و الرذائل (( الحبّ اجتماع كلّ ضدّ بضدّه يا أشرف و عناق سخيّ بين الحياة و الموت...... غيرة المرأة حبّ يا أشرف حبّ وديع ...)) و في التنظير لعشق الأوطان و الإعتزاز بها اعتزازا يدفعنا إلى الاستماتة في البِرّ بها و التوجّع لانتكاسها و الانتصار لسلامتها (( الأوطان أوجاع على هيئة أنغام حزينة مواويل و أهازيج مكتومة... أوطاننا اليوم أغمار خيبة... أوطاننا الكلمة التي تحاول أن تقول المعنى فتغصّ بالعدم.. )) بإختصار إنها وصايا تعلّمنا كيف نعيش الحياة القويمة نسعد فيها ببعصنا بعضا مع بعضنا بعضا و دون أن نسبّب المعاناة و المآسي لبعضنا بعضا.. إنها كما قال موصيها مختفيا وراء لسان أمّه الحياة أو حبيبته (( وصايا كثيرة في الحب في الصبر في الشّوق في الخيانة في الشّعر....... وصايا قلب دافئ عامر بالحب و العطاء)) تذكّرنا بوصايا أحمد أمين في كتاب " إلى ولدي "

 

كم يحتاج إنسان هذا العصر و الأجيال اللّاحقة له الى مثل هذه الوصايا لا ليتعلّم كيف يعيش و يحلم و يحب و يحسن إلى نفسه و غيره و وطنه فقط.. بل ليتعلّم ايضا كيف يكون مفيدا في مجتمعه قدوة لغيره و خاصّة إذا كان أديبا أو مثقّفا إذ ليتعلّم  كيف يطوّع اللغة لتكون علاجا للنفس و العقل فتكون القصائد في أيدي المبدعين رسائل  سلام صالحة لتقويم ما اعوجّ من قيم الإنسان على مدى  الأجيال.. و كم يحتاج أخلافنا إلى ميراث من هذا النّوع يرفع من شأنهم و يوجّههم إلى ما ينفعهم.. فهل يكون لهذا اللّون الأدبي الوزن الذي يستحقّ في مستقبل الكتابة عندنا؟؟ 

 

                            بقلم الأديبة التونسية كوثر بلعابي

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أشرف كمال دراسة نقدية أشرف کمال فی الت

إقرأ أيضاً:

السيدة الأولى للعراق شاناز إبراهيم أحمد تكتب لـCNN: حماية الأسرة والطفل هي العمود الفقري لمجتمع سليم

هذا المقال بقلم شاناز إبراهيم أحمد، السيدة الأولى لجمهورية العراق، مدافعة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ومؤسِسة أقدم جمعية خيرية للأطفال في كردستان عام 1991، والآراء الواردة أدناه تعبّر عن وجهة نظرها ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

 نعلم جميعاً أن مكونات المجتمع كثيرة ومتنوعة، لكن الحقيقة هي أنه في كل زمان ومكان الأسرة هي النواة الأساسية لبناء المجتمع والمدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل وغرس القيم والسلوك فيه.

في العراق، نتحدث كثيرا عن العمل على تمكين المرأة ونشيد بدور المرأة العراقية في المجتمع وقوتها وقدرتها على تحمل المصاعب ونسمي نساء العراق الناجيات اللواتي يمكنهن التكيف مع الحرب والسلام. وندرك بأن الجنة تحت اقدام الامهات ونتذكر عددا لا يحصى من النساء اللواتي ترملن في سلسلة الحروب التي ابتلي بها البلد، وكيف أصبحن المعيلات الوحيدات للأسرة، وربين أطفالهن بمفردهن في ظل الظروف الصعبة.

ونتكلم أيضا عن حقوق الطفل واهمية اقرار قانون حماية الطفل، لأننا على يقين بإن أطفالنا هم مستقبلنا. وفي حزيران 1994 صادق العراق على اتفاقية حقوق الطفل، وقد أحرز تقدما في مجال حقوق الاطفال منذ ذلك الحين رغم سنوات النزاع وعدم الاستقرار في البلاد، فضلاً عن العمل على إصلاح قوانين حقوق الطفل وحمايته بحيث تتماشى مع المعايير الدولية.

رغم ذلك، يذهلني بانه تجري الان بعض المساعي الى تعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية لعام 1959، حيث يلغي تعديل بعض الفقرات من هذا القانون حق المرأة في حضانة أطفالها وتقوض في الواقع حقوق المرأة ككل وكل ما اكتسبناه خلال عقود من النضال.

فقد جرت خلال السنوات السابقة محاولات لتعديل هذا القانون لكن الشعب العراقي رفض ذلك رفضا قاطعا، حيث تمنح المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 الأم حق الحضانة حتى يبلغ المحضون 15 عاماً وبمجرد أن يبلغ 15 عاما، يمكنه اختيار أحد الوالدين للعيش معه. بينما يمنح التعديل المقترح حق الحضانة للأم حتى يبلغ المحضون السابعة من عمره، ثم تنتقل الحضانة إلى الأب وإذا توفي الأب، تنتقل الحضانة إلى الجد. كما يمنع حق الحضانة عن الأم في حال الزواج مرة أخرى. فاذا تزوجت الأم مرة أخرى وتوفي الأب والجد، يتم إرسال الطفل إلى دار الأيتام رغم أن الأم على قيد الحياة.

دعونا ننظر فيما هو على المحك. في حالة تمرير هذه التعديلات، سيبقى عدد لا يحصى من النساء في علاقات زوجية مسيئة من أجل البقاء مع أطفالهن. فأين حق الطفل في العيش في بيئة صحية وسليمة؟

إن حضانة الأطفال مسألة حساسة، لا سيما في العراق المتعدد الأعراق والأديان وذلك يتطلب مراعاة التقاليد والقيم الثقافية لمختلف المجتمعات والفئات التي تشكل هذا البلد، واحترام حقوقهم ومطالبهم بأن يحظى ابناءهم برعايتهم. ومع ذلك يتوجب على كلا الوالدين التعاون وتحمل مسؤولية القرارات المتخذة فيما يصب في مصلحة أطفالهم، والابتعاد عن القرارات العاطفية التي تضر بمستقبل أطفالهم. وهذا هو جوهر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

لنكون حذرين بشأن تأطير هذا على أنه قضية جنسانية، أو قضية نسوية. حقوق المرأة وحقوق الطفل هي حقوق الإنسان. إذا تم انتهاك حقوق النساء والأطفال، وإذا تم تجريدهم من الحماية الدستورية، فمن سيكون التالي؟ إن انتزاع حقوق أي مواطن عراقي، سواء كان من النساء أو الأقليات الدينية أو المعوقين او غيرها، يتعارض مع مجتمعنا الديمقراطي التعددي المتسامح. علينا أن نحافظ على دستورنا من أجل الحفاظ على العراق كدولة ديمقراطية والتي نركز فيها على المداولة والحوار المتبادل الذي يساعد السلطات التشريعية على معرفة الرأي العام.

في عام 2012، أعلنت الأمم المتحدة الاول من حزيران هو اليوم العالمي للوالدين «لتقدير جميع الآباء في جميع أنحاء العالم لالتزامهم وتفانيهم تجاه ابناءهم وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة». وكان الهدف هو تحفيز الوعي بأهمية الأبوة والأمومة ودور كلا الوالدين في توفير الحماية للأطفال وتعزيز النمو الإيجابي للأسرة.

في هذه المناسبة، دعونا نكرم الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم على التضحيات التي يقدمونها لأطفالهم، ودعونا لا ننسى المعاناة التي تجرعها الأمهات والآباء في العراق الذين ذاقوا الألم الذي لا يطاق لفقدان أبناءهم في الحروب، وغير ذلك من الجرائم الوحشية المرتكبة ضد الإنسانية، فضلا عن الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها الشعب العراقي، ولا ننسى المأساة الانسانية التي تجري في غزة فهل يحتفل الابوين في غزة هذا العام في عيدهم؟

وأخيرًا، دعونا نلقي نظرة على الصورة الكبيرة والتعديلات غير الضرورية على قوانيننا النموذجية التي من شأنها أن تكشف نسيج مجتمعنا.

العراقرأينشر السبت، 01 يونيو / حزيران 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • اتركوا نقاشاتكم الطائفية لأنها ملغومة
  • رشا سمير تكتب: مفهوم "الشرف" من قرطاس الروائي إلى سوط الجلاد
  • السيدة الأولى للعراق شاناز إبراهيم أحمد تكتب لـCNN: حماية الأسرة والطفل هي العمود الفقري لمجتمع سليم
  • المغرب وجيبوتي يوقعان بمراكش مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في التنمية الرقمية
  • بالفيديو: مشهورة مواقع التواصل كوثر تكشف عن دخلها اليومي من التيك توك
  • السياسي أزال عمر الجاوي يدعو إلى ضرورة وجود حوار يمني – يمني مباشر دون رعاية أجنبية 
  • كوثر محمود تستعرض خطة تطوير التمريض في مؤتمر جامعة بدر
  • نقيب التمريض تشارك في مؤتمر علمي بجامعة بدر وتستعرض خطة تطوير المهنة
  • تحديد مواعيد الاختبارات في معهد قوى الأمن الدّاخلي – عرمون
  • «نزاهة» تطلق خدمة جديدة تمكن المواطنين من تقديم بلاغات حول التصرفات المشتبه بها