أبوظبي (الاتحاد)
أكد مسؤولون وخبراء وباحثون أن الشراكة الإماراتية الصينية تُعد أيقونة للتعاون الدولي القائم على أسس الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، وأن هذه الشراكة لا تقتصر على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية فحسب، بل تشكل نبراساً يُضيء دروب الابتكار والاستدامة.
جاء ذلك، في ندوة نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالتعاون والشراكة مع المكتب الإقليمي لمجموعة الصين للإعلام، ضمن أنشطة «تريندز» الرمضانية بعنوان «الحوار الإعلامي العالمي - الاقتصاد الصيني في مرحلة الازدهار» في قاعة المؤتمرات بالمركز في أبوظبي.


وأضافوا أن مبادرة الحزام والطريق تعكس التزام الصين بتعزيز التعاون الدولي المبني على التجارة والنمو الاقتصادي المتبادل، وأن هذه الممرات ليست مجرد قنوات لتدفق السلع والخدمات، بل هي جسور تربط بين الثقافات وتوفر حلولاً مبتكرة للتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم اليوم.
وقالوا إن انضمام دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية مؤخراً لتكتل بريكس سيدفع الشراكة بين الصين ودول الخليج العربية إلى مزيد من الازدهار، كما أن العلاقات الاقتصادية بين الصين ودولة الإمارات على سبيل الخصوص ستزدهر، حيث لديهما تاريخ طويل من الشراكة التجارية، ولديهما رؤية مشتركة، وتحركهما دوافع متشابهة تجاه قضايا دولية متعددة.

دراسة الفرص
وقد بدأت الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، أكد خلالها أهمية الندوة التي تعقد بالتعاون مع المكتب الإقليمي لمجموعة الصين للإعلام، والتي تسلط الضوء على موضوع الاقتصاد الصيني في مرحلة الازدهار، لتبرز انعكاسات هذا الازدهار على آفاق النمو الاقتصادي العالمي.

وأشار إلى أن دراسة آفاق النمو الصيني تعد من صلب اهتمامات المركز البحثية، مؤكداً أن دراسة الفرص التي يخلقها هذا النمو، سواء على صعيد التجارة الدولية أم على صعيد تدفقات الاستثمارات العالمية، تكتسب أهمية خاصة في عالم يكافح حالياً ليتعافى ما أصابه من تداعيات الأزمات المتعاقبة. ونوه الدكتور محمد العلي بأن الصين حددت هدفاً طموحاً للنمو الاقتصادي بنحو 5%، خلال العام الجاري 2024، وهو ما زاد من تفاؤل كبريات الشركات متعددة الجنسيات حول إمكانات الصين على المدى الطويل.
وأكد أن انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية مؤخراً لتكتل بريكس سيدفع الشراكة بين الصين ودول الخليج العربية إلى مزيد من الازدهار، متوقعاً المزيد من الازدهار للعلاقات الاقتصادية بين الصين ودولة الإمارات على سبيل الخصوص، حيث لديهما تاريخ طويل من الشراكة التجارية، ولديهما رؤية مشتركة وتحركهما دوافع متشابهة تجاه قضايا دولية متعددة، كما أن دولة الإمارات تشكل أهمية كبيرة لنجاح مبادرة الحزام والطريق الصينية لقيادة التنمية، إقليمياً وعالمياً.

علاقات مزدهرة
وفي الكلمة الرئيسة، استهل تشانج يي مينج، سفير جمهورية الصين الشعبية لدى دولة الإمارات كلمته بتقديم التهنئة لمركز تريندز على استضافة حوار الإعلام العالمي، مستشهداً بمثل صيني يقول «خطة السنة تبدأ في الربيع»، مؤكداً أن الربيع هو الفصل الأكثر حيوية، والوقت المناسب لبدء الأعمال، وهو ما يتناسب مع موضوع وتوقيت الحوار العالمي للإعلام.
وذكر أن الاقتصاد الصيني تعافى بسرعة من وباء كورونا، ودخل المسار الصحيح للتنمية النشطة. وفي عام 2023، وصل إجمالي الناتج الاقتصادي للصين إلى 18 تريليون دولار أميركي، بنمو سنوي قدره 5.2%، ما ساهم بما يقرب من ثلث النمو الاقتصادي العالمي.
وأشار إلى أنه على مدى السنوات الأربعين الماضية، صمدت العلاقات الصينية - الإماراتية في وجه التغيرات الدولية المختلفة، موضحاً أن العلاقات بين البلدين تشهد ازدهاراً ونمواً بشكل مطرد، لافتاً إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات العربية المتحدة.
وبين أنه في عام 2023، وصل حجم التجارة الثنائية بين دولة الإمارات والصين إلى 95 مليار دولار أميركي، وفي الوقت ذاته يزدهر التعاون المشترك في المشاريع الكبرى بين البلدين في كل مكان، مشيراً إلى أن مشروع تعليم الصينية بـ200 مدرسة إماراتية أصبح مشروعاً عالمياً لتعليم اللغة الصينية.

أخبار ذات صلة الإمارات: حرب غزة مثال صارخ على الحاجة لمنع نشوب الصراعات «الإمارات الإنسانية»: أيادٍ حانية تضمد جراح أهالي غزة

واختتم السفير كلمته بالتأكيد أن دولة الإمارات العربية المتحدة، شريك استراتيجي شامل للصين، معرباً عن تطلعه لمزيد من التعاون المثمر بين البلدين.

نموذج يحتذى
وفي الكلمة الافتتاحية قال سعيد حمد الغفلي، رئيس قسم الشؤون الاقتصادية بسفارة الدولة في بكين «نحتفل هذا العام بمرور أربعين عاماً على العلاقات الصينية – الإماراتية، بما يعكس عمق وقوة هذه العلاقات»، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الماضية تعمقت الروابط السياسية والتجارية والثقافية بين البلدين، بما يعزز الطموحات نحو مستقبل مشرق.
وأضاف أن دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية الصين تشتركان في الكثير من المشتركات، والتي من بينها الطموحات الكبيرة في الساحة الدولية، فضلاً عن عمق وتميز هذه العلاقات، حيث باتت الصين الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير، مشيراً إلى أن البلدين يسعيان للوصول بها إلى نحو 200 مليار دولار في عام 2030.
وأكد سعيد حمد الغفلي أن العلاقات بين البلدين تعكس التزاماً مشتركاً نحو تعزيز التعاون في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، حيث يوجد أكثر من 6000 شركة صينية تعمل في دولة الإمارات. وقال إننا نشهد اليوم عصراً جديداً من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة، وتعد العلاقات الوثيقة بين البلدين نموذجاً يحتذى به في العلاقات الدولية، حيث تشترك الدولتان في الطموح وروح الابتكار.

فرص وسمات
عقب ذلك بدأت أعمال الندوة بمناقشة المحور الأول حول النموذج الصيني في التنمية: الفرص والسمات الرئيسة، بإدارة السيدة مو لي، مديرة المكتب الإقليمي لمجموعة الصين للإعلام في الشرق الأوسط، وتحدثت تشاولي يان، الممثل الرئيس للمكتب التمثيلي للمجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية في منطقة الخليج حول نموذج التحديث الصيني مع التركيز على مبادرة الحزام والطريق، ومساعي الصين لعلاقات اقتصادية دولية متوازنة، وقال: إن الصين ودولة الإمارات تتقاسمان العديد من المُثُل المشتركة فيما يتعلق بالاقتصاد، وخاصة التركيز على التخطيط طويل المدى. ودعت تشاو ليان، إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، من خلال المشاركة في معرض سلسلة التوريد الدولي الذي تنظمه المنظمة. وأشارت تشاو ليان، خلال كلمتها، إلى القيم المشتركة التي تجمع الصين والإمارات، لافتة إلى مسيرة النمو الاقتصادي الناجحة للصين، وتركيزها الحالي على تحسين جودة الإنتاج، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وعادل.
كما سلطت الضوء على المبادرات العالمية التي أطلقتها الصين لدعم التنمية الاقتصادية العالمية، مثل مبادرة الحزام والطريق، مشيرة إلى تطلع بلادها لتعزيز التعاون مع الإمارات، التي تسعى لتصبح مركزاً صناعياً رائداً.

دور الإعلام
تناول المحور الثاني من الندوة دور الإعلام في تعزيز العلاقات الصينية - الخليجية، حيث تمت مناقشة دور الإعلام في تعزيز العلاقات الصينية - الخليجية، ودوره رافداً للدبلوماسية العامة، وتعزيز العلاقات بين الدول، إضافة إلى دوره في تعزيز العلاقات الإيجابية بين الصين ودولة الإمارات، وأهمية تعزيز التعاون الإعلامي الإماراتي-الصيني.
قال الدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لـ «مركز الاتحاد للأخبار»، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد: إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وضع اللبنة الأولى للعلاقات الإماراتية الصينية منذ أربعين عاماً، وبعد ذلك سارت قيادة الدولة على المسار ذاته. وأضاف أن وجود 6 آلاف شركة تجارية صينية على أرض الإمارات، يعكس أن الإمارات حاضنة رئيسة للعديد من العلامات التجارية الصينية، بالنظر لموقع الإمارات مركزاً للتجارة العالمية.
وأشار إلى أن الأربعين عاماً الماضية شهدت العديد من الزيارات المتبادلة لمسؤولي قطاعات الثقافة والإعلام في البلدين، ولهذا تحتل هذه الجوانب من العلاقة بين الإمارات والصين مرتبة متقدمة لا تقل أبداً عن العلاقات التجارية المزدهرة بين البلدين.
وأكد وجود علاقات ثقافية وإعلامية متشعبة بين دولة الإمارات والصين، كما أن هناك نتاجاً فكرياً لتلك العلاقات، مشيراً في هذا الصدد إلى أنه في عام 2001 تم توقيع اتفاقية للتعاون الإعلامي والثقافي بين البلدين، كما أن دولة الإمارات تستضيف مجموعة الصين للإعلام منذ عام 2009، وكذلك العديد من الصحف والمؤسسات الإعلامية الصينية.

مستقبل مبادرة الحزام والطريق
تناول المحور الرابع الاتجاهات المستقبلية للنمو الصيني وتأثيراتها عالمياً، حيث تطرق عبدالعزيز الشحي، الباحث بمركز تريندز للبحوث والاستشارات إلى مقومات النمو الصيني في عصر التنافس الاقتصادي الدولي، ومستقبل مبادرة الحزام والطريق وتأثيراتها التنموية عالمياً، والصين وبريكس وقيادة التنافس العالمي. وأكد أهمية الدور الكبير الذي تلعبه الصين في النظام العالمي، سواء من حيث القوة الاقتصادية أم السياسية، مشيراً إلى أن الصين تُعد قوة اقتصادية عالمية صاعدة لها تأثير كبير على النظام الدولي.
وقال إنها تسعى من خلال مبادرة الحزام والطريق، ومجموعة بريكس إلى تعزيز التعاون الدولي وتحقيق التوازن في النظام الاقتصادي العالمي، لافتاً إلى أن الصين تواجه بعض التحديات، لكن إدراكها هذه التحديات، والتعامل معها بحكمة سيساعدها على تحقيق أهدافها.
وقدم للندوة وأعلن توصياتها الباحث في «تريندز» زايد الظاهري.

آفاق واعدة
تطرق المحور الثالث إلى العلاقات الاقتصادية الإماراتية - الصينية: تعاون متنامٍ وآفاق واعدة، وتطرق الباحث والمحلل الاستراتيجي أمجد طه في ورقة عمل بعنوان «الإمارات بوابة الصين للمنطقة الخليجية، إلى التنمية الصينية والتنمية الإماراتية وأوجه التشابه ونقاط الالتقاء، ومؤشرات ازدهار التجارة والاستثمارات البينية الإماراتية-الصينية، ودور القطاع الخاص في تعميق العلاقات الإماراتية-الصينية.
وأكد أمجد طه أن دولة الإمارات تتألق كنبض حي للشرق الأوسط، بينما تتلألأ الصين كعبقرية مشرقة، وأنهما معاً يجسدان قصة فريدة، حيث يتآزر القلب والعقل لغاية أسمى، مشيراً إلى أن هذه الشراكة الرائدة لا تُعزز التقدم المشترك فحسب، بل تُساهم في رسم ملامح مستقبل مشرق للعالم أجمع.
وأضاف أنه في زمن تتشابك فيه خيوط العولمة، تُعد الشراكة الإماراتية الصينية أيقونة للتعاون الدولي القائم على أسس الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، مشيراً إلى أن هذا التحالف لا يقتصر على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية فحسب، بل يُعد نبراساً يُضيء دروب الابتكار والاستدامة، خصوصاً في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا، ما يَعِدُ بمستقبل أفضل، ليس للمنطقة وحدها، بل للعالم كله.
وخلص إلى أنه مع تنامي التعاون الاقتصادي بين الإمارات والصين، نشهد تبلور ممرات تجارية جديدة تمهد الطريق لآفاق رحبة من التنمية المستقبلية، موضحاً أن هذه الممرات ليست مجرد قنوات لتدفق السلع والخدمات، بل هي جسور تربط بين الثقافات، وتوفر حلولاً مبتكرة للتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم اليوم.
وشدد على أن ما يميز دولة الإمارات والصين أنهما لا تعرفان كلمة المستحيل، وأن كل شيء ممكن. وقد بلغ عدد الرخص الاقتصادية الصينية في دولة الإمارات أكثر من 14 ألف رخصة، وتعد الصين اليوم أكبر مصدر لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإمارات.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات والصين الإمارات الصين مركز تريندز للبحوث والاستشارات مركز تريندز حمد الكعبي محمد العلي السفير الصيني الإمارات العربیة المتحدة مبادرة الحزام والطریق العلاقات الاقتصادیة الإماراتیة الصینیة العلاقات الصینیة أن دولة الإمارات النمو الاقتصادی الإمارات والصین تعزیز العلاقات الصین للإعلام تعزیز التعاون بین البلدین الصینی فی بین الصین إلى أنه أن هذه إلى أن فی عام کما أن

إقرأ أيضاً:

تاريخ العلاقات الصينية اليابانية.. عقود من التوتر والتعاون

منذ توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات بين الصين واليابان عام 1972 تحت الرعاية الأميركية، شهدت العلاقة بين البلدين تقلبات وتحولات كبيرة، خاصة مع بداية القرن الـ21.  وأعاد النزاع حول جزر سينكاكو/دياويو في بحر شرق الصين الخلافات السياسية والدبلوماسية إلى الواجهة، في حين استمرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في النمو، مع توسع حجم التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات المتبادلة.

أما على المستوى العسكري، فالتوتر ظل حاضرا بسبب عدم الثقة المتبادلة، إذ تتابع اليابان تحديثات الجيش الصيني وارتفاع نفقاته الدفاعية، بينما تخشى الصين من إمكانية تخلي اليابان عن سياساتها السلمية بعد الحرب العالمية الثانية واستئناف تعزيز قدراتها العسكرية.

البدايات

مع توقيع معاهدة الصداقة والإصلاح عام 1871 بين أسرة تشينغ واليابان، اتجه البلدان نحو تأسيس علاقة دبلوماسية، لكن هذا المسار سرعان ما انقلب مع الغزو الياباني لتايوان عام 1874، ثم تصاعد التوتر مع احتدام التنافس على كوريا، وصولا إلى الحرب الصينية-اليابانية الأولى بين عامي 1894-1895.

انتهت الحرب بتوقيع معاهدة شيمونوزيكي، التي حصلت بموجبها اليابان على تايوان وشبه جزيرة لياوتونغ (التي أُعيدت للصين لاحقا لقاء مبالغ مالية كبيرة)، مما كرّس انتقال ميزان القوة لصالح طوكيو.

بعد الحرب العالمية الأولى، استغلت اليابان انشغال الصين بصراعاتها الداخلية بين الشيوعيين والكومينتانغ للتقدم عسكريا داخل الأراضي الصينية، وهو ما نتج عنه احتلال منشوريا عام 1931 وإقامة دولة "مانتشوكوو"، وهو ما شكّل تحولا جوهريا في المشهد الإقليمي وعمّق الهوة بين الجانبين.

دخلت العلاقات مرحلة المواجهة الكبرى مع اندلاع حرب الباسيفيك الثانية بين عامي 1937-1945، وتعرُّض الصين لغزو واسع النطاق. وانتهت المواجهة بخروج اليابان من الصين عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وانتهت بذلك 4 عقود من الوجود العسكري الياباني داخل الأراضي الصينية.

بعد الحرب العالمية الثانية

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت الصين انقساما سياسيا نتج عنه وجود حكومتين متنافستين هما حكومة تشيانغ كاي شيك، التي انسحبت إلى تايوان وأقامت سلطتها هناك، وحكومة ماو تسي تونغ التي أعلنت قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

في هذا السياق، اختارت اليابان في سنوات الحرب الباردة دعم حكومة تشيانغ كاي شيك في تايبيه، معتبرة إياها الممثل الشرعي للصين، في حين ظلت بكين خارج أي اتصال سياسي رسمي مع طوكيو رغم الروابط الاقتصادية المحدودة.

إعلان

ورغم القطيعة السياسية التامة بين اليابان وبكين، استمرت بعض الأنشطة التجارية المحدودة بينهما بدافع الضرورات الاقتصادية، غير أن هذا التبادل بقي محصورا داخل نطاق ضيق ولم يصل إلى مستوى العلاقات المؤسسية أو الرسمية.

تحول إستراتيجي وتطبيع العلاقات

ظلت العلاقة بين البلدين في حالة جمود حتى عام 1972 الذي شهد التحول الأكبر بتوقيع البيان المشترك الذي أنهى مرحلة القطيعة وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.

وفي الصين عُد هذا التحول بمثابة "تغيير للمسار التاريخي للعلاقات في غضون قرن كامل"، وفتح الباب أمام مرحلة مستقبلية قائمة على العلاقات الدبلوماسية الرسمية بدل المواجهة.

شهدت العلاقات الصينية-اليابانية بين عامي 1972 و1978 تحولا تاريخيا، بعد عقود من القطيعة والصراع. ففي 2 أكتوبر/تشرين الأول 1971، أعلنت الصين مبادئها الثلاثة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع اليابان، مؤكدة شرعية حكومة بكين، ووحدة أراضيها مع تايوان، وعدم قانونية معاهدة السلام بين اليابان وتايوان.

على هذا الأساس زار رئيس الوزراء الياباني كاكويي تاناكا بكين في 25 سبتمبر/أيلول 1972، وبعد أيام قليلة وتحديدا في 29 سبتمبر/أيلول أعلنت الصين واليابان بيانا مشتركا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية.

وأكد البيان تنازل الصين عن المطالبة بتعويضات الحرب، في حين أعلنت اليابان عن مراجعات بشأن ما حدث في الحرب، وأبدت احترامها لموقف الصين بشأن تايوان، معترفة بأن بكين هي الحكومة الشرعية الوحيدة للصين.

التقارب الاقتصادي والتوتر السياسي

شهدت العلاقات الصينية اليابانية بين أواخر السبعينيات وبداية التسعينيات مرحلة من التقارب الاقتصادي والدبلوماسي، خاصة بعد توقيع معاهدة السلام والصداقة في 12 أغسطس/آب 1978 وتطبيق الصين سياسة الإصلاح والانفتاح.

في تلك الفترة توسع التعاون في الاستثمارات والتبادل التجاري والثقافي، وأطلق ما يعرف بـ"العقد الذهبي" للعلاقات الثنائية.

أثارت أحداث الرابع من يونيو/حزيران 1989 في ساحة "تيان آن مين" ببكين إدانات دولية واسعة، وفرضت دول غربية عدة عقوبات على الصين، شملت تجميد المساعدات الاقتصادية ووقف بعض برامج التعاون. وانضمت اليابان في البداية إلى هذه العقوبات، لكنها أعادت لاحقا بناء العلاقات تدريجيا مع بكين.

وتوج التقارب بين البلدين في أبريل/نيسان 1992 بزيارة الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني جيانغ زيمين، ثم زيارة الإمبراطور أكيهيتو والإمبراطورة ميتشكو إلى الصين في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وكانت تلك أول زيارة لإمبراطور ياباني إلى الصين في التاريخ.

في مايو/أيار 1995 زار رئيس الوزراء الياباني توميتشي موراياما الصين، بما في ذلك جسر لوغو وقاعة النصب التذكاري للحرب ضد اليابان.

وتزامنت الزيارة مع الذكرى الخمسين لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، وأصدر موراياما بيانا أقرّ فيه "بالعدوان الياباني السابق" واعتذر عن الخسائر والمعاناة التي سبّبها لشعوب آسيا.

ورحبت بكين بالبيان، وأصبح معروفا لاحقا باسم "خطاب موراياما"، باعتباره علامة مهمة في جهود المصالحة بين الصين واليابان.

بعد عام 1995، عاد التحالف الياباني الأميركي وأصبح أكثر قوة، وتوسّع التعاون العسكري بينهما من التركيز على "الطوارئ داخل اليابان" إلى "الطوارئ في المناطق المحيطة بها". هذا التوسع منح الولايات المتحدة دورا أوسع في قضايا آسيا والمحيط الهادي، بما في ذلك الملفات المرتبطة بالصين.

إعلان

ومع ذلك التحول، ظهر بشكل أوضح التباين بين التحالف الأمني الأميركي الياباني وبين رغبة الصين واليابان في الحفاظ على علاقات ودية، وخاصة فيما يتعلق بقضية تايوان.

نزاع الجزر

في عام 1996، تصاعد الخلاف بين الصين واليابان حول السيادة على جزر دياويوان/سينكاكو، بعد أن سجلتها اليابان ضمن نطاق "المنطقة الاقتصادية الخالصة" التابعة لها، إضافة إلى بناء بعض الجماعات اليابانية منارة جديدة على إحداها.

هذا التطور أثار موجة احتجاجات واسعة، شملت مظاهرات شارك فيها آلاف المحتجين في هونغ كونغ، إضافة إلى تجمعات طلابية مناهضة لليابان في عدد من الجامعات الصينية.

وفي 22 سبتمبر/أيلول من العام ذاته، غادر نشطاء "التحالف العالمي لحماية دياويوان" هونغ كونغ على متن السفينة "حملة دياويوان"، في محاولة للوصول إلى الجزر وإزالة المنارة اليابانية.

تدهور العلاقات السياسية

أدت زيارات رئيس الوزراء الياباني سابقا ريوتارو هاشيموتو إلى ضريح ياسوكوني، إلى توتر العلاقات، إذ يخلّد الضريح قتلى الحرب اليابانيين، وبينهم مدانون بجرائم حرب من الدرجة الأولى.

وبعد تولّي جونيتشيرو كويزومي رئاسة الوزراء في اليابان عام 2001، بدأت العلاقات الصينية اليابانية تتدهور بشكل واضح بسبب زياراته المتكررة لضريح ياسوكوني، وهو ما أعاد الخلافات التاريخية إلى الواجهة، وأدى إلى جمود سياسي بين بكين وطوكيو.

وتصاعدت الخلافات البحرية، وبلغت ذروتها عام 2010 عندما احتجزت اليابان سفينة صيد صينية وقبطانها قرب جزر دياويو/سينكاكو، وهو ما أدى إلى تعليق بعض التعاون الأمني والدبلوماسي.

كما شهد عام 2005 موجة احتجاجات واسعة في مدن صينية عدة مثل بكين وشنغهاي وتشنغدو وتشونغتشينغ وقوانغتشو، بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها الموافقة في اليابان على كتب تاريخية تُتَّهم بتخفيف أو تبرئة جرائم الحرب، وتحركات اليابان للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وهو ما عارضته الصين بشدة.

تقارب نسبي

في عام 2006 تولّى شينزو آبي رئاسة الحزب الديمقراطي الليبرالي، وأصبح أصغر رئيس وزراء في اليابان بعد الحرب. وجعل من بكين أول محطة خارجية له، في خطوة هدفت إلى تهدئة التوتر الذي خلّفته سياسات سلفه جونيتشيرو كويزومي.

وفي 2008، وبعد الزلزال المدمّر في سيتشوان، طلبت الصين دعم المجتمع الدولي، فكانت اليابان من أوائل المستجيبين. ووصل فريق إنقاذ ياباني، وهو أول فريق أجنبي يعمل في موقع الكارثة بعد 3 أيام فقط من وقوعها، وهو ما اعتُبر مؤشرا على تحسّن نسبي في العلاقات الإنسانية بين البلدين.

اتساع الخلاف

منذ عام 2010 بدأت ملامح التنافس بين الصين واليابان تزداد وضوحا مع تغيّر ميزان القوى بينهما، فقد تقدّمت الصين اقتصاديا، بينما تراجعت مكانة اليابان نسبيا، بالتزامن مع عودة الولايات المتحدة لتركيز حضورها الإستراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ورغم استمرار التعاون الاقتصادي، واشتراك الطرفين في الدفع نحو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، فإن الخلافات السياسية والأمنية توسعت، ولم تعد مرتبطة بالعلاقات الثنائية فقط، بل أصبحت تمسّ قضايا كبرى مثل مستقبل النظام الدولي، وإصلاح مجلس الأمن، والقواعد التي تحكم النظام الإقليمي بعد الحرب العالمية الثانية.

عام 2012، دفع إعلان شينتارو إيشيهارا، محافظ طوكيو حينئذ، عن رغبته في شراء جزر دياويو/سينكاكو من مالكيها تمهيدا لتأميمها، بالعلاقات الصينية-اليابانية إلى مسار تصعيدي سريع. وأشعلت هذه التحركات موجة غضب واسعة في الصين، وخرجت حشود غفيرة في مدن عدة صنفت بأنها واحدة من أكبر الاحتجاجات المناهضة لليابان منذ سنوات.

في نهاية عام 2012 عاد شينزو آبي إلى رئاسة الوزراء في اليابان. وأثناء سنوات حكمه الثماني، اتخذت حكومته موقفا أكثر تشددا في قضايا الدفاع والعلاقات مع الصين، كما زار ضريح ياسوكوني، وسعى إلى تعزيز القدرات العسكرية اليابانية، والسماح بممارسة حقّ "الدفاع الجماعي"، فضلا عن تقوية التحالف الياباني-الأميركي.

بعد حقبة شينزو آبي تدهورت العلاقات بين الصين واليابان، بسبب انتقادات طوكيو لبكين بشأن قضايا حقوق الإنسان في هونغ كونغ وتشينغ يانغ.

عهد ساناي تاكايتشي

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 شهدت العلاقات بين الصين واليابان تصعيدا دبلوماسيا، إثر إعلان السفارة الصينية في طوكيو تحذيرا لمواطنيها بعدم السفر إلى اليابان، مستندة في ذلك إلى تصريحات صادرة عن طوكيو بشأن تايوان، اعتُبرت تهديدا محتملا لأمن وسلامة المواطنين الصينيين داخل اليابان.

إعلان

وجاء هذا التحذير بعد أقلّ من أسبوع على تصريحات لرئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي أمام البرلمان في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، بأن الهجمات المسلحة على تايوان قد تبرر لليابان إرسال قوات لدعم الجزيرة في إطار "الدفاع الجماعي عن النفس".

وتزامنت تلك الأحداث في وقت تعيش فيه المنطقة تغيُّرات سياسية واقتصادية على خلفية تنامي التأثير الصيني واضطراب الدور الأميركي بعد صعود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جديد.

مقالات مشابهة

  • “وثائق إبستين”.. رئيس وزراء إسرائيلي سابق ضمن مجموعة صور نشرها الديمقراطيون / صورة
  • وزيرا خارجية الإمارات والصين يؤكدان عمق الشراكة بين البلدين
  • لقاء عبدالله بن زايد ووزير خارجية الصين.. شراكة بين البلدين
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية الصين يؤكدان عمق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين
  • الصين تدعو لتعميق الشراكة مع الإمارات بالنفط والغاز
  • «تحالف الطاقة النظيفة» في «كهرباء دبي» يحفز مساهمة الشركات في دعم الاستدامة
  • تاريخ العلاقات الصينية اليابانية.. عقود من التوتر والتعاون
  • إطلاق مبادرة «سفراء تريندز العالميين»
  • جامعة أبوظبي تختتم «المؤتمر الدولي لمستقبل أكثر استدامة»
  • البيت الأبيض: ترامب قادر في الحفاظ على علاقات جيدة مع اليابان والصين