لم نكن نُرتب لتلك الجلسة ولا ذلك النقاش، لكن الأقدار رتبت لنا جمعنا بعد طول غيابٍ، أخذنا الحديث إلى كل شيء، اكتشفت أن البعض منا ما زال يقف عند تلك النٌقطة التي تركته عليها منذ سنوات، وتساءلت خفيةً: "كيف يظل التفكير ثابتًا في عالم مٌتغير!.. إذا لم يكتسب العقل معلومة أو صحح خطأَ أو اكتسب معرفة في يومه فما جدواه؟
 مر أمام عيني في تلك اللحظة الأديب يوسف السباعي، لمحته يبتسم وفي صحبته "أبو جهل"، ويقول لي: هذا جهل بسيط أم مُركب؟ فضحكت وقلت له: "منتهى الجهل"، فغضب صديقي، فأقسمت له أنني لا أقصده، ولكني كنت أرد على سؤال الأستاذ يوسف، فقال لي في دهشة: يوسف مين؟ قلت له الأستاذ يوسف السباعي، فضحك وقال لي: "رجعت لك التهيؤات"!
كنا نتناقش في البرامج الرمضانية التي سأتعرض إليها باستفاضة فيما بعد، لكن كان سبب تلك المناقشة اختلاف وجهة نظرنا حول برنامج "كلم ربنا" الذي يقدمه الزميل الكاتب الصحفي أحمد الخطيب على راديو "9090"، فزميلي قال لي أظن أن الأمر بات مُكررًا مع تكرار المواسم، وكان على زميلنا الصحفي أن يأت بضيوف من العوام، ثم ما الجدوى أن آتي بضيف ويحكي عن حديثه مع الله؟
تبسمت لصديقي وقلت له: ما زلت تقرأ بعينك، تقرأ الكلمات، إذا جربت أن تقرأ بقلبك وعقلك وتقرأ الأفكار ستشعر بالمُتعة، سترى ما لا يراه غيرك، ثم قلت له: أتعرف أني أرى الخطيب في هذا البرنامج "خطيب على منبر في زمن الذكاء الاصطناعي"، خطيب يحاكي الزمن الذي نعيش فيه!
شعرت أنني بدأت أفقد اهتمام صديقي، فقلت له: ما رأيك في اسم البرنامج؟ قال لي: "اسم عادي"، قلت له: "بل عبقري"، فبدأ يعود إنصاته ومن يجلس معنا إليَّ، فقلت لهم "كلم ربنا" ليس فعل ماض يعود على المُتكلم "ضيف الحلقة" فقط، ولكن ذلك العنوان يحمل المعنيين، أي أنا هذا الضيف "كلم ربنا" في ضائقة مر بها، وعليك أنت أيها المشاهد أو المستمع أو القارئ الاقتداء بفعل الماضي هذا له وفعل الرجاء الذي جاء في صيغة نُصح لك أن "تُكلم الله"، فضيفنا هذا كلم الله وسمعه واستجاب له، فما لك لا تقوم بتجربة أنت الآخر وتُكلم الله الآن.


لمحت في عيون الزملاء شغف طلب الاستزادة، فصمت كالبائع الذي أدرك أن "بضاعته مطلوبة" فلم يناد عليها، من يريدها سيأتيها، وبعدما أتوا بقلوبهم وعقولهم قلت لهم: "فكرة البرنامج التي أراها أنا وفق عقلي، أنه تجربة محاكاة كالتي أجراه "الحسن والحسين" ليعلمان الرجل الكبير الوضوء دون إحراج، أو واقعة "لحم الجزور" أو هذا اللجوء العظيم الذي لجأته عائشة إلى الله ف حادث "الإفك" وهي كانت من وزوجة من! أو هؤلاء الذين خٌلفوا، الخطباء والأمة يحكون لك عن هؤلاء وأنت تقول: "من أنا حتى أُكلم الله كهؤلاء"، لا عليك من هذا كله، ها نحن جئنا إليك بتجارب من عصرك، من زمنك.. هؤلاء جربوا.. فعلوا.. كلموا الله فسمعهم واستجاب، كلموه على ضعفهم وخطأهم وسمعهم واستجاب.. تلك يا أصدقاء تجربة جديدة لتقديم النصح والإرشاد وأحكام الدين بعيدًا عن "قوالب الأوامر" وتعليمات الأئمة وسطور كُتب التراث، طريق آخر وأقصر إلى الله "أن تٌكلمه".
 قاطعني صديقي: "وقال لي: “أوشكت أن أفهم وجهة نظرك لكن خف الفلسلفة شوية”، تبسمت وقلت له: "ليست فلسفة"، لكن ألست معي أن نشأة الشخص تؤثر في تفكيره وإدراكه، كنت منذ بضعة أسابيع قرأت لـ"الخطيب" منشورًا يتحدث فيه عن والده وعن نشأته ثم في إحدى التجارب الصحفية عايشته، لذا بات من الجائز أن أتوقع ما يصبو إليه من طرحه وفكرته وإن لم يقولها صراحةً.
"الخطيب" دخل من باب آخر إلى التجديد هو وغيره من الكُتاب بعيدًا عن مناظرة حفظة التُراث ووكلاء الله على الأرض، فقط "كلم ربنا".. مهما كان معتقدك أو ديانتك أو لونك.."كلم ربنا".
هؤلاء نجوم المجتمع الذين تنبهر بهم وتراهم خلف الشاشات فتتمنى أن تكون مثلهم.. يبكوا ويتألموا ويمروا بلحظات ضعف وحزن.. ولا نجاة لهم بأموالهم ولا بسلطانهم ولكن كل واحد فيهم اعترف بضعفه و"كلم ربنا".. لا تسأل عن أداء فروض ولا عن مناسك ولا عن أحكام ولا تدخل في نقاش حول المذاهب ولا تشغل بالك بجنة أو نار أو رزق أو تربية أبناء أو نجاح أو عمل أو بيت، فقط.. "كلم ربنا".
قبل كل شيء.. في كل وقت "كلم ربنا" تعود على أن تٌكلم الله سيصير "الله" أبيك وأخيك وصديقك.. سيصير أهلك.. سيٌنصت لك ثم سيتبادل معك الحديث.. سيدبر لك أمرك وسيدير لك أعمالك ويحفظ لك أحبابك.. ستتخفف من كل همومك وستُدرك أن الحياة أبسط من كل التعقيدات في ذهنك، وأنه ابتلاك لتُكلمه.. ابتلاك ليُرغمك على الحديث معه بعدما دعاك وتجاهلت.. لذا عليك ألا تقطع الحديث معه في الفرج قبل الضيق.. أشكره على ما أنت فيه من هيئة.. على ما أنت فيه من خير.. مع دوام "الكلام مع الله" ستصير عبدًا ربانيًا لا تتتمنى شئ غير دوام الكلام والوصال مع الله.. ولا تخف من شيء غير انقطاعه.
 كان أصدقائي قد أنصتوا حتى ظننت أنهم رحلوا وتركوني فقلت لهم: يكفي هذا اليوم لكن يا أصدقائي الأعزاء أودت أن أخبركم أمرين، أولهما أن لا تقرأوا العناوين ولكن اقرأوا الأفكار، وثانيهما: ليس هناك في الحياة نعمة ولا متعة تُضاهي الكلام مع الله فاحرصوا عليه وعلموه للصغار.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: كلم ربنا تجديد الخطا برامج راديو ٩٠٩٠ کلم الله کلم ربنا مع الله قلت له

إقرأ أيضاً:

محمد هنيدي يوجّه رسالة قوية ومؤثرة بعد زلزال البحر المتوسط

علّق الفنان محمد هنيدي على حدوث زلزال سجلته محطات الشبكة القومية التابعة للمعهد القومي للبحوث الفلكية، اليوم الأربعاء، الموافق 14 مايو 2025.

وكتب هنيدي عبر حسابه على "فيسبوك": “في أوقات زي دي، ولما تشوف كل حاجة بتتهز حواليك، وتيجي كمية أفكار مرعبة في دماغك، وتعدي العشرين ثانية كأنها قرن بالنسبالك”.

وتابع: "ربنا يسترها ويحفظك ويحفظ أهلك وأحبابك بعدها... هتعرف نعمة ربنا عليك وعلينا إنه أنجدنا من كوارث ممكن تساوي الأرض باللي فيها.
متعدش تهزر وتسخر من آيات ربنا، واحمد ربنا على اللي انت فيه."

وأضاف: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك.
اللهم ادفع عنا البلاء والبراكين والزلازل والمحن، وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن."

وأعلن المعهد القومي للبحوث الفلكية عن تسجيل محطات الشبكة القومية لرصد الزلازل التابعة له، اليوم الأربعاء، الموافق 14 مايو 2025، زلزالًا بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر، ومركزه في البحر الأبيض المتوسط - جنوب جزيرة كريت.

وأوضح الدكتور طه رابح، رئيس المعهد، أن المعهد قام بإصدار بيان رسمي عن تفاصيل الهزة الأرضية .

وكان قد شعر عدد من المواطنين في القاهرة وعدد من المحافظات، صباح اليوم، بهزة أرضية مفاجئة أثارت حالة من القلق بين السكان، خاصة في المناطق المرتفعة.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تشير إلى شعورهم بـ زلزال واهتزازات خفيفة إلى متوسطة، دون وقوع أضرار مبدئية.

طباعة شارك محمد هنيدي زلزال الشبكة القومية التابعة لمعهد للبحوث الفلكية هنيدي

مقالات مشابهة

  • محمد هنيدي يوجّه رسالة قوية ومؤثرة بعد زلزال البحر المتوسط
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أنت من زمن المنطق والحجة؟؟)
  • حكم الحج عن المريض الذي لا يثبت على وسائل الانتقال.. الإفتاء تجيب
  • وفاة الفنان المصري شريف ليلة بعد أشهر من مشاركته في عمر أفندي
  • إحتفل به الأصدقاء في الثامن من مايو الجاري ..عن الفنان السوداني الشامل السيّد عبد الله صوصل نحكي
  • الشتيوي: واهم من يعتقد أن الأهلي طرابلس سيسقط
  • كيف يترقب أهالي غزة التحركات الأخيرة حول مفاوضات وقف إطلاق النار؟
  • ما هو يوم الحج الذي أوجب الله عليه الناس؟ تعرف عليه
  • سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الزمان الأخرس يخطب)