الجزيرة:
2024-05-23@20:04:22 GMT

اللاعبون الصغار.. حروب ما بعد الجيوش النظامية!

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

اللاعبون الصغار.. حروب ما بعد الجيوش النظامية!

لا أدري ـ حتى الآن ـ ما إذا كان العالم سينظر بعين الاعتبار لـ "اللاعبين الصغار"، ودورِهم في حسم ما لا يمكن حسمه من خلال القوى التقليدية الكبيرة، وذلك بعد أن تضع الحربُ على غزة أوزارَها. وبمعنى آخر: هل ستطوي غزة صفحة "وزارات الدفاع"، وتفتح أخرى لـ"حروب ما بعد الجيوش النظامية"؟!

ليس بوسع أحد التسليم بهذه الفرضية، خاصة في الدول "الهشة" التي تخشى وجود تنظيمات خارج السيطرة الرسمية، رغم أن تلك الهشاشة تفتح كلَّ مستغلق لتأسيس المليشيات الموازية للجيوش النظامية.

تدوير المليشيات

ولعل "كورين دوفكا"، خبيرة منطقة الساحل في منظمة "هيومن رايتس ووتش"  كانت محقةً، حين حذَّرت من أن هذه التنظيمات " قد تغلّبت على جيوش المناطق، وتغذت على الجغرافيا الصعبة، والحكم الضعيف والفاسد في كثير من الأحيان".

وأبرز هذه العناوين الكبيرة استيلاء "الدولة الإسلامية /داعش" في 2014 على مسافة سبعة آلاف وخَمسمئة ميل، ما يعادل 12 ألف كيلومتر من الأراضي العراقية، وانهيار الجيش العراقي المدجج بأحدث الأسلحة الأميركية.

ثم إعادة إنتاج تلك النسخة في "بورما" و"مالي" عام 2022، وأفريقيا الوسطى (2000 مرتزق من فاغنر)، وفي أفغانستان (أقلية الهزارة، مليشيات الفاطميين الأفغانية ـ المنتشرة أيضًا في دول هشة أخرى، مثل سوريا واليمن والسودان) وإثيوبيا (10 مليشيات محلية) والكونغو (مليشيات إم 23).

بيدَ أن الدول والقوى الإقليمية الكبرى، انتبهت إلى إمكانية إعادة "تدوير" الفكرة/ المليشيات، تتولى أجهزتها الأمنية تأسيسها وتسليحها، وإسناد المهام القتالية لها بالوكالة عن الدولة، في مناطق الصراعات التي تمتد إليها مظلة مصالحها الحيوية، متخففة بذلك من الأعباء الأخلاقية والقانونية المترتبة على ما تقوم به هذه المليشيات التي تخضع لإشرافها السري وغير المباشر.

تقول دراسة للمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات: المليشيات يمكن أن تكون واحدة من "الأذرع" التي تقاتل بالنيابة لصالح أطراف القوى الإقليمية أو الدولية في النزاعات والحروب، ويمكن أن تقاتل هذه المليشيات ضد بعضها بعضًا أو لفرض السيطرة على الدولة، وبالتالي تعزيز النفوذ الإقليمي من خلال نهج غير مباشر وأقل تكلفة".

لقد أسس البريطانيون مليشيا كينية محلية "الحرس الوطني الأفريقي" لقمع انتفاضة "الماو ماو" ما بين عامي  1952-1960.

الرجال الزرق

ورغم امتلاك الصين أسطولًا بحريًا أكبر حجمًا من نظيره الأميركي، تقول تقارير غربية؛ إن بكين تعتمد على مليشيات بحرية تسمى " الرجال الزرق الصغار – Little blue men".. تنتشر في بحر الصين الجنوبي لتنفيذ مهام محددة تفاديًا لمواجهة عسكرية مفتوحة مع واشنطن".

واستخدمت الصين تلك المليشيات البحرية في عملياتها التي أدَّت إلى السيطرة على منطقتَي شعاب "ميجي ريف"، و"سكاربورو شول" المتنازع عليهما أيضًا مع الفلبين، في عامي (1995 و2012) على التوالي.

وفي السياق، ذهبت الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا المنحى منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتواترت التقارير التي تؤكد أنها استثمرت نحو 300 مليار دولار في (12 مليشيا) خاصة في الفترة من عام 1994 إلى عام 2007، وهو استثمار ضخم للغاية، ولكنّه على رغم من ذلك يعدّ ـ في نظر أغلب البلدان ـ استثمارًا جيدًا، وذلك لأنّهم أي "المقاولين" مدربون جيدًا، ويحضرون معداتهم الخاصة.

وفي السياق، أُسستْ أولُ شركة مقاولات عسكرية خاصة "بلاك ووتر" في الثلث الأول من تسعينيات القرن الماضي "العشرين" على يد ضابط البحرية السابق "إريك برينس"، وحصلت على أول عقد رسمي لها من الحكومة الأميركية عام 2000 بعد تفجير المدمرة الأميركية "يو إس إس كول".

وهي الشركة التي ارتكبت مجازر مروعة في العراق (مجزرة ساحة النسور ببغداد عام 2007)، وتنامى حضور شركات المقاولات العسكرية الخاصة العاملة في العراق إلى أن بلغت نحو 181 شركة أمنية بإجمالي 160 ألف شخص في العراق عام 2007، وهو ما كان يعادل تقريبًا إجمالي القوات الأميركية في ذلك الوقت.

طموحات وإنجازات

وبحسب صحيفة "أتلانتيك"، فإن التعاقد مع المقاولين يعدّ عملًا تجاريًا كبيرًا، ففي السنة المالية 2014، بينما كانت حربا العراق وأفغانستان مستمرتَين، التزم "البنتاغون" بمبلغ 285 مليار دولار للعقود الفدرالية، وهو مبلغ أكبر مما تلقته جميع الوكالات الحكومية الأخرى مجتمعة، فقد كان يعادل 8% من الإنفاق الفدرالي، وثلاثة أضعاف ونصف ضعف ميزانية الدفاع البريطانية بأكملها، وكان حوالي 45%  من هذه العقود للخدمات، بمن في ذلك المقاولون العسكريون الخاصون.

من جهة أخرى، كانت مليشيات "بلاك ووتر" الأميركية، ملهمةً لصنّاع السياسات الأمنية الروسية، ومتأخرةً ما يقرب من 20 عامًا عن التجربة الأميركية في هذا الإطار.. حيث تأسستْ شركةُ "فاغنر" عام 2014 على يد رجل الأعمال الروسي "يفغيني بريغوجين" المعروف بـ"طباخ الرئيس" كشركة "غير شرعية"، ولكنها تحت الولاية الروسية الرسمية وتعمل بـ "الباطن" لصالحها.

وتمارس "فاغنر" عملها كوكيل لطموحات روسيا القارية من دون إشراك الحكومة الروسية رسميًا في معارك وحروب، وهو ما يعزز قيمة "فاغنر"، حيث تتيح لموسكو إنجاز أهدافها من دون تكلفة كبيرة في الوقت نفسه.

ولهذا قالت "كيمبرلي مارتين" الأستاذة في كلية "بارنارد"، في شهادتها أمام الكونغرس الأميركي عام 2020؛ إن إبقاء "فاغنر" غير شرعية وفي حال من الضبابية في روسيا، سمح للكرملين بأن ينأى بنفسه عن أي تصرفات بغيضة أو محفوفة بالأخطار تتخذها هذه المجموعة، وهو ما ظهر جليًا عندما قتل المئات من  مقاتلي "فاغنر" خلال معركة شرسة ضد القوات الأميركية في سوريا عام 2018 أسفرت عن مقتل نحو 300 من مرتزِقة "فاغنر".

علاقات غامضة

ولعله من الأهمية الإشارة إلى أن إسرائيل، تأسست على يد مليشيات/عصابات مسلحة (بار جيورا، الإرجون، شتيرن، اللواء اليهودي، والهاجاناه)، وهي العصابات التي شكلت الجيش الإسرائيلي لاحقًا عام 1948.

حاربت ـ آنذاك ـ إسرائيل المليشيات التي رفضت الانخراط في الجيش النظامي، وأجبرتها على أن تلتحق به مكرهة، ومع ذلك لم تختفِ ازدواجية "المليشيات / الدولة" داخل المجتمع الإسرائيلي، فمنذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي"العشرين" اتجهت تل أبيب إلى تأسيس مليشيات على علاقة "غامضة" بالجيش ـ مسؤول وغير مسؤول عنها في آن ـ مثل ما تسمى بوحدة "الدوفدوفان"، وهي خليط ضبابي وفضفاض من المتطوعين والجنود الاحترافيين والبدو في النقب عام 1986.

ومليشيات "الكتيبة الحريدية، عام 1999، والتي يتردد أنَّها تتبع "الوحدة 903" في الجيش الإسرائيلي، وهي محض تكهنات غير مؤكدة. ووحدة "الناحال"، والتي كانت موجودة قبل تأسيس الدولة، وكذلك مليشيات "كفير".

ويبدو بتواتر التقارير التي كتبت عنها أنها تخضع بشكل تحايلي للقرار الأمني والعسكري للجيش، وهو ما جعلها تصاب بما أصاب الجيشَ من "ورم " وترهل، كشفت عنه المقاومة في عملياتها الكبيرة يوم (7/10/2023) وما بعدها. ولعل ذلك ما حمل وزير الأمن القومي المتطرف "إيتمار بن غفير" على تشكيل مليشيات شعبية مستقلة في قرارها الأمني، أطلق عليها "فرق احتياطية" بلغت بحسب تعبيره 600 فرقة.

ليس بوسع أيِّ مراقب إلا أن يرى أن تجربة المقاومة الفلسطينية في حربها الأخيرة (7/10/2023)، وما بعده) أيًا ما كانت نتائجها، قد تكون ملهِمة لتأسيس مرحلة "حروب ما بعد الجيوش النظامية".. وما يجعلها فرضية محتملة، أنها الأقل تكلفة على المستويين: الحقوقي والأخلاقي بالنسبة للدول والقوى الإقليمية الكبرى.. فيما تعتبر أداة في يد الشعوب المستضعفة التي تتطابق قضيتها ـ من حيث المشروعية والعدالة ـ مع القضية الفلسطينية بكل تفاصيلِها حاليًا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات ما بعد وهو ما

إقرأ أيضاً:

صحفي يمني محذرًا من مراكز الحوثي الصيفية: " تفسد عقول الأطفال بالأفكار الطائفية المتطرفة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تمارس جماعة الحوثي القتل والتعذيب حتى أصبحت اليمن من أكثر دول العالم انتهاكًا لحقوق الطفل، هؤلاء الأطفال أصبح الزج بهم في المراكز الصيفية الحوثية أمر لا نقاش وجدال فيه، فجماعة الحوثي تستخدم الأطفال كدروع بشرية في المعارك التي يخوضها خشية على جنودهم، فضلًا عن غسيل العقول الذي يتعرضون له في تلك المراكز.

ومعظم من يتخرجوا من المراكز الصيفية الحوثية يقتلون ويكون مصيرهم الموت، الأمر الذي تعتبره الجماعة دفاع عن حقوق الوطن بحسب زعمهم، مثلما أكد قيادي لدى مليشيا الحوثي، قاسم آل حمران، رئيس ما يُسمى ببرنامج الصمود الوطني.

وتقود جماعة الحوثي حاليًا حملات إقناع مكثفة لأولياء الأمور، لتطوع أبنائهم في المراكز الصيفية، وأجرت المليشيات الحوثية حاليًا، تدريبات عسكرية نظرية في عدد من المركز الصيفية في محافظة صنعاء.

شملت  التدريبات العسكرية الحوثية، التدريب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، كما شملت المسدسات والآلي الكلاشنكوف والقناصة والأسلحة الرشاشة المتوسطة.

كما شملت التدريبات كذلك تعليم الطلاب استراتيجيات التمويه من الطيران وتنفيذ العمليات الإرهابية  والانتحارية على المواقع العسكرية.

وتستهدف المركز الصيفية المستهدفة الفئات العمرية من 14 - 26 سنة،  وتسمى المراكز الصيفية لأنها تعمل على إقناع الأطفال  بعقيدة القتال تحت أسم " الجهاد"، ويسعى الحوثي هذا العام، استقطاب 3500 طفل من جميع مديريات محافظة صنعاء.

وفي  تقرير سابق نشرته وكالة "سبأ"، التابعة للحوثيين أنه في العام الماضي، وصل عدد الأطفال في المراكز الصيفية الحوثية إلى مليون و500 ألف طالب، وتستوعبهم  تسعة آلاف و100 مدرسة، يعمل فيها 20 ألف عامل ومدير ومدرس.

ويقول محمد ناجي سالم، الصحفي اليمني لـ" البوابة نيوز"، من هنا نحذر مرارًا وتكرارا من خطورة المعسكرات الصيفية التي أعلنت مليشيات الحوثي عن تدشينها هذا العام، ووصفتها بالقنابل الموقوتة، حيث أوكلت المليشيات الحوثية لقيادات ومشرفين أمنيين وعسكريين تابعين للجماعة مهمة الإشراف على تلك المراكز الصيفية التي تشبه الدورات الثقافية والتدريبية التي يقيمونها للمجندين الجدد، ولكن ببرامج وقت أقل إلا أنه يتم في هذه المراكز تكثيف النشاط الفكري التعبوي للأفكار الحوثية المذهبية والدينية المتطرفة، خاصة كتيبات وملازم مؤسسة المليشيات الحوثية حسين الحوثي.

الحوثي يقوم بتفخيخ العقول بأفكار طائفية متطرفة

ويقول سالم، أن المليشيات في تلك المراكز تمارس سياسة تفخيخ عقول الأطفال والأجيال القادمة بأفكار طائفية متطرفة، على طريقه تصدير الثورة الخمينية الى مختلف دول المنطقة كما يتعرض الاطفال في هذه المراكز للعنف الجسدي والتحرش الجنسي.

وأكد الصحفي اليمني، أن الحوثي  في تلك المراكز ينفذون معارك افتراضيه للأطفال وتدريبات على حمل واستخدام السلاح واعدادهم كمرحله أولى استعدادًا لنقلهم لجبهات القتال.

 وتابع:" إن مليشيات الحوثي تستهدف ما يزيد على مليون طفل ونصف من طلاب المدارس في المعسكرات الصيفية الحوثية والتي تمثل وباء فكريًا، وتلوثًا عقليًا، على النشء، من خلال فكر طائفي، دخيل على اليمن، وثقافة خمينية مستوردة، لا علاقة لها بهوية المجتمع اليمني".

وأضاف: " أن أغلب المراكز الصيفية التي تم فتحها من قبل مليشيات الحوثي معسكرات إرهابية مغلقة يشرف عليها ويشارك في إدارتها خبراء إيرانيون لتدريب الأطفال على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والدفع بهم في جبهات القتال ونشر الأفكار المتطرفة الدخيلة على اليمن".

وأوضح، أن ظاهرة تجنيد الأطفال تتفاقم عاماَ بعد آخر في ظل استمرار جماعة الحوثي لاستغلال الأطفال، والضغط على عائلتهم لإرسالهم للمراكز الصيفية.

مقالات مشابهة

  • ريال مدريد.. اللاعبون يحاولون إقناع كروس بالعدول عن قراره
  • طارق صالح يتعهد بفتح كل الطرقات المغلقة من قبل المليشيات «وصولاً الى صنعاء»
  • حروب آبي أحمد.. رئيس الوزراء الإثيوبي يخطط لشن حملة جديدة ضد تيجراي
  • «الدعم السريع» يتهم الجيش بقصف مصفاة للبترول شمال الخرطوم
  • انتشال جثامين 3 أطفال غرقوا فى نهر النيل بمركز فوه بكفر الشيخ
  • تردد قناة براعم للأطفال الصغار على النايل سات وعرب سات 2024
  • مشّاط المليشيات ينتصر لتجار المبيدات المسرطنة
  • شهداء غزة من الأطفال يفوقون نظراءهم الذين قضوا في حروب العالم خلال 4 سنوات
  • إصابة إمرأة وطفلين بانفجار لغم زرعته مليشيات الحوثي بالكدحة غربي تعز
  • صحفي يمني محذرًا من مراكز الحوثي الصيفية: " تفسد عقول الأطفال بالأفكار الطائفية المتطرفة"