عندما يكتب صاحب الإسلوب الرفيع / حسن فضل المولى عن :
شيخ الزين ..
إسمٌ أنيس ..
فما أن يلامس سمعك ،
حتى ترتسم صورته أمامك وهو
قائم ( بالقرآن ) ،
فتغشاك راحة منه ،
و تغمرك محبة له ..
و هذا ما يسبغه عليك ( القرآن ) ،
فبقدر اقترابك منه ،
يكون صلاح حالك ،
و سكينة نفسك ،
و النور الذي يسعى بين يديك ،
و إقبال الناس عليك .

.
و الذي يحمل قدراً من ( القرآن )
بحق و قوة ، و صدق ،
يأتيك من تلقائه ما يريحك ،
فما بالك بمن يحمل كل ( القرآن ) ..
ليس بالأمر السهل أن تحفظ
عن ظهر قلب ( القرآن ) ..
و من الصعوبة بمكان أن تُبقي
على حفظك ( للقرآن ) ..
و الأصعب أن تتخلق ( بالقرآن ) ..
و بكل تأكيد ..
هنالك من يُيَّسِر الله لهم ذلك
و يوفقهم إليه ،
و هم درجات ،
بعضهم فوق بعض ،
يسعى نورهم بينهم ،
و يستضيىء به من هم دونهم ..
في كل ( رمضان ) ،
أقطع أن كثيرين كان يسعدهم ،
غاية السعادة ،
ذلك الاصطفاف الخاشع ،
خلف شيخ ( الزين ) بمسجد
( سيدة سنهوري ) ،
و هو يتلو ( القرآن ) بصوت ندي
و مليحٍ و منغم ..
و كل أولئك الذين كانوا يتقاطرون
من كل ناحية ،
و الذين يتابعون من على البعد ، يفتقدون في هذا الشهر ،
تلاوة ( شيخ الزين ) ،
في صلاة ( العشاء ) ، و ( التراويح ) ،
و ( التهجد ) ،
بفعل أشرار أشقياء ،
أخرجوا الناس من بيوتهم ،
و منعوا مساجد الله أن يُذكر
فيها اسمه ،
و سعوا في خرابها ..
و الناس إذ يُعَظِّمون ( القرآن )
بتجويد تلاوته ، فإنهم يُقبلون
بوَجدٍ و شغف على من يُرَتل
( القرآن ) ترتيلا ..
قال تعالى :
( وَ رَتِّلِ القُرآنَ تَرْتِيلا ) ..
يعني ..
و بيِّن القرآن إذا قرأته تَبْيينا ،،
و ترسَّل فيه تَرَسُلاً ،،
و اجعل بعضه على أثر بعض ،
على تُؤَدة ..
و الترتيل في اصطلاح علماء
( التجويد ) معناه ..
أن يلفِظ الحروف كما ينبغي
من غير إسراع ،
فكلما أنهى حرفاً جاء بالذي
بعده مع الإتيان بالحرف كما
ينبغي الاتيان بحقه ..
و حملة ( القرآن ) ..
ما أكرمهم إلا كريم ،
و ما احتقرهم إلا حقير ..
فمن أغناه الله منهم و أغدق
عليه ، فذلك بفضل ( القرآن ) ،
و من عاش منهم فقيراً أو مسكيناً ،
فبذلك قضى ( الرحمن ) ..
و في كلٍ خير ..
لذا فإن حق حملة القرآن علينا ،
أن نغبطهم ،
و نُقَدِّمهم ،
و نجلهم ،
و نُحسن بهم الظن ،
إذا ما اتقوا الله فيما حفظوا ،
و ابتغوا به إليه الوسيلة ..
و شيخ ( الزين ) ، يعتقل عقلك
و فؤادك و هو يتلو القرآن ،
و يحمل إلى وجدانك صدى
( أصوات ) ، عَمَرت حياتَك ،
و أضاءت نواحيك ..
أصوات تتعاقب عليك كل
أيام عمرك ..
و ترافقك منذ الصغر إلى
يومك هذا ..
فلكل منا حيث نشأ ، ( قارئ )
و أكثر ،
تظل ( تلاوتهم ) تلازمه
طوال سني عمره ..
و لكل منا قرَّاء يَجِد في الاستماع
إليهم راحة عظيمة ،
و يهاجر إليهم ..
و هم عشرات ،
و مئات ،
و ألوف من الحفظة و القراء ،
الذين أضاؤوا بين ( السموات )
و أرض ( السودان ) بنور ( القرآن ) ..
فمن منا لم يمتلىء بصوت
الشيخ ( عوض عمر الإمام ) ..
و من منا لم لم يسكن لصوت
الشيخ ( صديق أحمد حمدون ) ..
و لكلٍ طريقته و حلاوته ..
الشيخ ( عوض عمر الإمام ) ،
في تلاوته قوة ، تحسهُ وهو
ممسك بك ،
يسرع ثم يبطئ ،
و يعلو و يهبط ،
و يقبض و يبسط ،
و أنت في نشوة و استغراق
وخشوع ..
و الشيخ ( صديق أحمد حمدون ) ،
يأتيك صوته في منتهى العذوبة
و السلاسة و الرقة ، فيحملك إلى الملكوت الأعلى قريراً هانئاً..
و أذكر هنا شيخنا ،
( الخليفة أحمد مجذوب الكتيابي ) ،
رحمه الله ، و الذي تعلقت كأشد
ما يكون التعلق بنداوة صوته
و طراوته و عذوبته ..
و كل من يقرأ كلامي هذا ،
سيذكر عدداً غير قليل من
( القرَّاء ) الذين يأنس إليهم
و يرتاح ..
و نحن السودانيين ، آذاننا
و أفئدتنا ، كلِفة و مفطورة على
حب المُرَتلين ( القرآن ) ترتيلا ..
نتابعهم في الجهات الأربع ،
نتابعهم من خلال ( المذياع ) ،
و ( أشرطة الكاسيت ) ،
قبل أن تعم ( الشاشات ) ،
و يشتعل الكون ( إنترنتاً ) ..
و الأقرب إلى وجداننا ( مصر ) ..
فتجد من يستمع إلى الشيخ ( الحصري ) ،
وتجد آخرين الشيخ ( المنشاوي ) ،
و كثيرين الشيخ ( عبدالباسط عبدالصمد ) ..
و هم كُثُر ..
و اليوم ..
تشتد المتابعة لأئمة الحرمين
الشريفين ..
الشيخ ( عبدالرحمن السديس ) ،
و الشيخ ( سعود الشريم ) ،
و الشيخ ( سعد الغامدي ) ..
و هم كُثُر ..
و أنا ، أكرمني الله بالصلاة بمسجد
الرسول ﷺبالمدينة المنورة ،
لما يقارب الأربعة أعوام ،
خلف شيخ القراء
( علي عبدالرحمن الحذيفي ) ،
و رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً ،
فلا أزال أجد صدى تلاوته ،
يملأ عليَّ الآفاق ..
آفاق نفسي ،
و الآفاق من حولي ..
و إني لأسمعه و أحسه و أراه ..
( شيخ الزين ) إنسان بسيط ،
ودود ،
هين ..
تدعوه فيستجيب بسماحة ،
و تستقرئه تبركا و تذكيرا ،
فيتلو عليك ما تيسر ..
و إذا لقيته فإنه يُقبل عليك
بحرارة و مودة ..
مرة ترافقنا إلى دعوة أحد
الأصدقاء ،
كنت سعيداً بصحبته ..
و قبل أن ينفض السامر استجاب
لرجاء صديقنا صاحب الدار ،
بأن يتلو علينا ( سورة يوسف ) ..
و كحال كل من يقرأ هذه
السورة ، لم يتوقف إلا عند
خاتمتها ..
( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا
يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ..
نعم ..
فيها عبرة لأولي الألباب ..
إذ أنها السورة التي بدأت بالرؤيا ،
و انتهت بتحقيقها ،
و كأن الله يخبرنا أن الأحلام في متناولنا ،
و أن ننتظر اليسر بعد العسر ،
و العودة بعد الغياب ،
و الفرح بعد الحزن ،
و الفرج بعد اشتداد الكرب ،
و العلو والرفعة بعد الضعف ،
و أن لا نيأس و إن طال العهد
و انقطع ،
( اذهبوا فتحسسوا من
يوسف ) ..
و كيف أن الصراع بين الخير
و الشر محسوم في النهاية ..
محسومٌ لمعاني الخير ،
و محسومٌ لمقاصد الخير ،
و محسومٌ لصُنَّاع الخير ..
لا تطغيك اللحظة ،
و لا تُهِينك اللحظة ..
أنت في قمة ضعفك قد يُحْدِث
الله أمراً فتقوى و تشمخ ،
و أنت في أوج قوتك قد يُحْدِث
الله أمراً فتضعف و تتلاشى ..
سيدنا ( يوسف ) ، عليه السلام ..
و هو صغير ،
يرى في المنام أحد عشر كوكباً
و الشمس و القمر له ساجدين ،
و يقص رؤياه على أبيه فيأمره ،
( لا تقصص رؤياك على إخوتك )
ذلك أن الكيد قد يأتيك من أقرب
الناس إليك ..
في وقتها يبدو الأمر و كأنه ضرب
من الخيال الشاطح ..
و بعدها ..
الإخوان يغيظهم حب أبيهم
له من دونهم ،
و يتآمرون عليه ..
( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً
يَخْلُ لكم وجه أبيكم ) ،
إنها الأنانية في أبشع تجلياتها ،
و إنه الإجرام في أقبح صوره ،
و أقبح الإجرام الذي يرتكبه في
حقك شقيق أو صديق أو
رفيق طريق ..
و هو سلوك مركوز في البشر
منذ ابني آدم ..
( و طوَّعت له نفسُهُ قتل أخيه
فقتله فأصبح من الخاسرين ) ..
و ينَفِّذون جريمتهم النكراء بأن
جعلوه في غيابة الجب ،
و هو وضع يتلازم فيه الضعف
مع ظلمة القاع ، فيتضاءل أي
أمل في السلامة و النجاة ..
و يقدِّر الله أن يلتقطه عابرون
للطريق ،
ويبيعونه بثمن بخس ، دراهم
معدوادات ، مع زهد فيه ،
و عدم حرص عليه ..
و ياترى ..
كيف لو علم يومها هؤلاء
الزاهدون فيه ما سيصير إليه ،
من رفعةٍ و علو شأن !!
و لولا ما يحجبه الله عنا ، لتغيرت
نظرتنا إلى كثيرين ، باعتبار
ما سيصيرون إليه ،
رفعةً ،
أو انحطاطاً ..
فلو كشف الله لنا المآلات ،
لرأينا أيَّ عُلُو ينتظر هذا الضئيل
الصغير ،
و أي هاوية سحيقه تنتظر
هذا المتغطرس الشرير ..
و ( عزيز مصر ) الذي اشتراه ،
يوصي امرأته بأن تكرمه و تحسن
معاملته ، لعله ينفعهم أو يتخذونه
ولدا ..
و تراوده التي هو في بيتها ،
بكل نزق ، و تهور ، و شبق ،
و اشتهاء ..
و هي من هيَّ ،
جمالاً و مكانة ..
و هو من هوَ ،
شباباً و وسامةً ..
و هذا نوع من الابتلاءات التي
التي يصفق لها (إبليس) و يرقص ،
فلا يصمد أمامها خلق كثير ..
و لكن ، هذا سيدنا ( يوسف ) ،
عليه السلام ..
( قال رب السجنُ أحبُّ إليَّ مما
يدعونني إليه ) ..
و مكث حبيساً في ( السجن ) سنينا ..
و من ( السجن ) ،
و بعد أن حصحص الحق ،
و تجلى ما آثره الله به من فضل ،
و علَّمَه من تأويل الأحاديث ،
ها هو يقوم على خزائن الأرض ،
( مكينٌ أمين ) ،
و ( حفيظٌ عليم ) ،
و يتبوأ من الأرض حيث يشاء ،
و أحد عشر كوكباً و الشمس
و القمر له ساجدين ..
لقد حاز كل أطراف التمكين ،
و التمَلُّك ، و الإجماع ، و السطوع
و السلطان المطلق ،
و هو في هذه العلياء ، لم يسعى
للثأر لنفسه ، و ترَفَعَ عن كل
مالحق به من ضرٍ و أذى و كيد ..
( قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ
اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ..
و في سورة ( يوسف ) من الدروس
و العبر و العظات ، ما علِمنا منها
و ما لم نعلم ..
و هو شأن كل سورة ، و كل آية
و كل حرف ، من كلام الله عز
وجل ..
و القرآن يعطيك و يفتح عليك ،
من كنوزه و أسراره و فيوضاته ،
بقدر احساسك به ، و أنت تقرأه
و تستمع إليه ..
احساسك ،
أنه كلام الله إليك أنت ،
و أنت المخاطب به ..
يأمرك أنت ،
و ينهاك أنت ،
و يعلِّمُك أنت ،
و يقصص عليك القصص أنت ،
فإذا قرأت ( القرآن ) بهذا الاحساس
و اليقين ، نلت حظاً عظيماً ببلوغ
درجة ( الاحسان ) ..
قالوا ..
( إذا أردت أن يكلمك الله فعليك
بقراءة القرآن ،
و إذا أردت أن تكلم الله فعليك
بالدعاء ،
و إذا أردت أن تكلم الله و يكلمك
فعليك بالصلاة ) ..
و عندما فرغ شيخ ( الزين ) ،
من تلاوة سورة ( يوسف ) ،
و عاد إلينا ،
و عُدنا إلى بعضنا ،
بدا و كأنه قد أفرغ قلوبنا من
كل ضيق و كدر ،
و غسل نفوسنا من كل هم
و حزن ..
و صِرنا ،
و مِلء ُجوانحنا ..
( و لا تيأسوا من رَّوْحِ الله إنه لا
ييأس من رّوْحِ الله إلا القومُ
الكافرون ) ..
و الحمدلله ..
حسن فضل المولى ..
٢٤ مارس ٢٠٢٤ ..

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

د. عادل القليعي يكتب: ولكم فى التفكر حياة يا أولي الألباب

عنوان قد يثير جدلا كثيرا، فما الذي يقصده الكاتب بهذا العنوان، ولماذا وصف التفكر بالحياة، وهل نحن بحاجة إلى التفكير ولماذا؟!، وما علاقة التفكر بالتأمل؟!.
لكن قبل الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة ينبغي علينا أن نقدم تعريفا لغويا وإصطلاحيا لكلمة الفكر.
الفكر لغة : جاءت مادة فكر فى لسان العرب لابن منظور، بمعنى إعمال الخاطر فى الشيئ ، وفى المعجم الوسيط ،الفكر مقلوب عن الفرك ، لكن يستعمل الفكر فى الأمور المعنوية ، وهو فرك الأمور و بحثها للوصول إلى حقيقتها ويقال تفكر إذا ردد قلبه معتبرا ، ورجل فكير، أى كثير الفكر.
وردت مادة فكر فى القرآن الكريم فى نحو عشرين موضعا ولكنها بصيغة الفعل ولم ترد بصيغه الإسم أو المصدر ، (إنه فكر وقدر )، 
أما من الناحية الإصطلاحية فيقول الراغب الأصفهاني، الفكر قوة مطردة للعلم إلى المعلوم ، وجوالان تلك القوة بحسب نظر العقل ، وذلك للإنسان دون الحيوان.
أما فى المعجم الوسيط، فالفكر هو إعمال العقل فى المعلوم للوصول للمجهول.
فمنذ أن خلق الله الإنسان وأوجده على ظهر الأرض لم يتركه هملا يتيه فيها، ولم يتركه تتقاذفه الأهواء والميول والشهوات، ولكن منحه نعمة أنعم بها عليه دون سائر مخلوقاته، هذه النعمة هي نعمة العقل الذى يضبط وينظم حياة الإنسان عن طريق تفكير موضوعي سليم يضع معه الأمور في نصابها الصحيح فلا يحيد ولا يميد عن الجادة والصواب، فتنتظم حياته المادية والبيولوجية والفسيولوجية.
وهنا يتجلى دور العقل في أروع صوره، بمعنى أننا نحب أن نأكل وأن نشرب لتستقيم حياتنا، لكن دونما إفراط أو تفريط وهنا يأتي دور التفكير فإذا ما انقاد الإنسان وراء شهواته المادية تحول من صفة الإنسية إلى البهائمية. وهنا يقول له العقل تفكر في ما أنت مقدم عليه، فإذا ما أفرطت يقول لك، وماذا بعد الإفراط ستصاب بالأمراض من جراء إسرافك قي مأكلك ومشربك، ولكن كن معتدلا تستقم كل أمورك.
وكذلك الأمر بالنسبة للذي يوظف جل حياته توظيفا كاملا في إشباع الناحية الروحية فيقوده ذلك إلى الزهد والتقشف فى كل متع ونعم الحياة، فيقف أمامه العقل مهذبا هذه النفوس ورغباتها الجامحة، فيقول لها قفي عند منتهاك وانتهجي منهجا وسطيا دونما إسراف أو تفريط فكوني في المنتصف فلا زهد مطلق، ولا شهوات مطلقة.
وهذه صورة من صور التفكير، وثم صور أخرى للتفكير، فهناك من يوظف فكره وقد يكون على قدر رهيب من الذكاء ونظرا لظروف مصادفة ألمت به كأن يصاب بضائقة مالية أو للأسف أي أزمة من الأزمات التى لا تخلو منها حياتنا، فإما أن يقوده تفكيره إلى الإنحراف ويتجه إلى طرق غير مشروعة لكسب المال، أو فى لحظات ضعفه قد يقوده هذا التفكير إلى التخلص من حياته وهو بذلك يكون قد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
وهناك نوع ثالث من التفكير، فقد يقدم الإنسان على عمل ما سواء في الكتابة أو أي مشروع من المشروعات وقد يظن أنه أخفق فيه لتأخر ردود الأفعال، فيقوده تفكيره إلى الإنطواء والانزواء واعتزال الناس، فلا يكتب ولا ينتج وقد يصاب بالمرض النفسي.
هذه صورة أخرى من صور التفكير السلبي، والذي كثيرا ما نلاحظه عند كثير من الشباب، كأن يقول بعضهم لماذا نتعلم، ما فائدة الشهادة التي سنحصل عليها، سنعلقها على الحائط، ما قيمة شهادة الماجستير والدكتوراة التي حصلنا عليها ولا نعمل بها.
أقول لكم نعم وعندكم حق في مطالبكم المشروعة، لكن أسألكم سؤالا، هل أنتم أقدمتم على التعليم للحصول على هذه الشهادات حبا في العلم أم جواز مرور لتحصلوا من خلاله على فرص عمل، أنا لا أخالفكم ولا أختلف معكم ، لست بأفضل منكم حصلنا على الشهادات وكافحنا وعملنا في العمل الحرفي الشاق وجعلنا الله أمامنا إلى أن رزقنا الله تعالى من فضله، فلا تسول لكم أنفسكم أن تياسوا من حياتكم،  بل استمروا في كفاحكم وحقكم ستحصلون عليه عاجلا أم آجلا ولعل في ذلك حكمة لا نعلمها نحن، وإنما يعلمها العليم الخبير.
وثم نوع آخر من التفكير السلبي،  كمن ينظر في حياته المعيشة وواقعه الذي يحياه من ضيق في الأرزاق، وارتفاع فى الأسعار وضغط في المصاريف، فيصب وابلا من اللعنات على حياته وعلى مجتمعه وعلى دولته، وحتى على أسرته، وقد لا يكتفي بذلك بل قد يشكو الله تعالى ولله المثل الأعلى، كأن يقول يا رب نصلي ونكثر الدعاء ونقوم الليل، فلماذا لا تستجيب ولماذا تؤخر عنا الإستجابة ولماذا هذا الضيق في الأرزاق، أقول لك بكثير من التأمل والتفكير أليس ذلك ابتلاءات منه تعالى ليميز الخبيث من الطيب، ليعلم من سيصبر أم سيجزع، هل ابتلاءكم أشد أم ابتلاء الأنبياء، بقليل من التفكير هل الذي يخلق ينسى، هل الذي يرزق النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء هل سينساك، وإنما هى رحمات من الله تعالى، إنا كل شيئ خلقناه بقدر، فهل سنصبر فنؤجر أم نتجزع فنؤثم.
وأعلموا بقليل من التأمل أنه لا يقع في ملك الله إلا ما كتبه الله وقدره.
ففوضوا أموركم إلى الله تعالى ولكم في سيدنا يوسف وإخوته وأبيهم العظات والعبر، ولكم في ستنا البتول مريم عليها السلام العبر، ولكم في سيدنا زكريا، وإبراهيم وأيوب العظات الجسام، ولنا في سيد الكونين وآل بيته المواعظ الجمة والعبرة، ولنا في الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفي استشهادهما العبرالعبر.
ولنا في موسي العبر قال له قومه، إنا لمدركون، انظروا واعتبروا وتأملوا رده، قال كلا إن معى ربي سيهدين، تفكروا في هذا اليقين وحسن الظن بالله تعالى.
السيدات والسادة، أنا لا أقول مواعظ وحكم وأعطيكم مسكنات لأسكن بها آلامكم، فآلامكم هي آلامي، كلنا هذا الرجل، وطموحاتكم هي طموحاتي وطموح أولادي، لكن نحاول قدر استطاعتنا أن نبقى متماسكين واقفين على أقدامنا مستمسكين بالأمل فى الله تعالى، مستمسكين بحبال اليقين متفكرين متدبرين متأملين.
ومن صور التفكير السلبي، من ينقاد بفكره خلف تيارات بعينها نتيجة قراءته لبعض الكتيبات المشبوة المجهولة المصدر، أو حتى معلومة المصدر، لكنها تدعوا إلى الفرقة وإلي الطائفية والعنصرية، فيشطح بفكره ويشذ عن الصواب ويتطرف ويسير خلف جماعات تكفيرية تدعوا إلى تكفير القوم، وتدعوا إلى حمل السلاح بحجة أن المجتمع كافر، وتلك مصيبة وطآمة كبرى.
أو كالذي يقوده تفكيره إلى اعتناق أفكار غريبة كأفكار الوجودية الملحدة مثلا، أو كأفكار الماركسية، وحديثهم عن المادية التاريخية أو المادية الجدلية، ونعوقهم بما لا يعلمون قائلين بتاريخانية القرآن الكريم وأنه ظاهرة بشرية، وأن الإسلام وكل الديانات جاءت فى مجملها وتفصيلها حركات ثورية تاريخية، إن هذا لشيئ عجاب، إن هذا إلا اجتراء وافتراء على الأديان، متشدقين بعبارات رنانة مدعين أن هذه مشاريع حضارية، أقول لو كان ذلك كذلك وبقليل من التفكير لماذا لم تنجح هذه المشاريع وباءت جميعها بالفشل.
تلك هي بعض صور التفكير السلبي.
أما صور التفكير الإيجابي التأملي الذي يقود صاحبه إلى الحق وإلى اليقين المعرفي الذي هو طريق مستقيم، ذلك التفكير المبني على أسس منضبطة وركائز ثابتة، ذلك التفكير الذي دعا إليه الله تعالى إعمالا للعقل، الذي يقوم على الإعتبار، فاعتبروا يا أولي الألباب، التفكر في ملك وملكوت الله تعالى، (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).
التفكير المنطقي السليم الذي يصل من خلاله المرء إلى حقيقة المطلق الله تعالى، وأنه تعالى جد ربنا، وأنه الخالق الباري المصور، وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنه جماع كل المتناقضات فهو أول وهو آخر، وهو ظاهر وهو باطن ليس العيون تراه، تفكير ميتافيزيقي تشعر خلاله أنك وظفت عالم الملك والملكوت ووصلت من خلاله صعودا إلى رب الملكوت.
ثم يعود بك التفكير، إلى تفكير فيزيقي، في العالم الطبيعي والعلوم الطبيعية والإنسانية فتدرس التاريخ والجغرافيا، والفلسفة، وعلم النفس ، والفلك، والطب، والهندسة ، والقانون والزخرفة ، والموسيقى.
لماذا كل هذا، نعم لأنها مقومات حياة وما الذي يبنيها فكرنا وعقولنا.
فهل تركنا التفكير السلبى وراء ظهورنا واتجهنا بكليتنا قلبا وقالبا إلى التفكير البناء، التفكير الإيجابي الذي نبني من خلاله ذواتنا المفكرة وهويتنا الفكرية ومكونات ثقافتنا.
والذي من خلاله نبني أوطاننا الداخلية، ذواتنا المفكرة، لأنها إذا بنينت جيدا فإن ذلك البناء سينعكس على حياتنا التي سنرقى من خلالها.
نعم يا سادة
فالتفكير حياة.
التفكير=الحياة.

طباعة شارك التفكير التأمل التفكر

مقالات مشابهة

  • د. عادل القليعي يكتب: ولكم فى التفكر حياة يا أولي الألباب
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: وجدان العطاء
  • بحضور الشيخ الطاروطي.. اختبار 87 متسابقًا في فرع الصوت الحسن بمسابقة بورسعيد الدولية
  • دولة التلاوة و“صاحب الحنجرة الذهبية”.. الشيخ طه الفشني بين التلاوة والإنشاد
  • فعل في الأجواء الباردة.. يفتح الله عليك به الأبواب من حيث لا تدري
  • مش هقدر أقول حاجة ولكن.. الشيخ حسن عبد النبي لم يرصد أخطاء لهذا المتسابق | فيديو
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس…)
  • رمز نصر أكتوبر .. دولة التلاوة يكرم الشيخ محمد أحمد شبيب سفير العالم الإسلامي
  • برنامج «دولة التلاوة» يكرم الشيخ محمد أحمد شبيب سفير التلاوة
  • دولة التلاوة يكرم الشيخ محمد أحمد شبيب سفير التلاوة بالعالم الإسلامي